صفحات العالم

حرب أهلية في سورية? (نكره ذلك ولكننا نراه)!


د. نهلة الشهال

تلك جملة من بين سواها تخص سورية, صرحت بها هيلاري كلينتون لوكالات انباء عالمية, بينما هي في أندونيسيا تتابع مع الرئيس الامريكي الرحلة الآسيوية بالغة الاهمية من الناحية الاستراتيجية, التي بادرت إليها واشنطن دون أن تخفي أهدافها, حصاراً للصين وضغطاً عليها , بواسطة التقدم في تموضع القوى (بما فيها العسكرية), وتعزيز التحالفات في تلك البقعة من العالم. وقالت أيضاً وزيرة الخارجية الامريكية ان “”أيام الأسد معدودة”. وبخصوص كيف يكون ذلك, والمقارنات مع ما حدث في ليبيا, قالت وأنه “لا شهية لهذا النوع من العمل تجاه سورية”, منهية بأن “ضغوط الجامعة العربية هي الافضل”.

وخلال الأيام الماضية صارت مقولة “الحرب الاهلية” في سورية على كل الألسن: كلينتون تتوقعها وتعتقد أنها ممكنة بحكم “تصميم المعارضة الكبير, وتسليحها الجيد, والتمويل المهم الذي تحظى به”, مبرزة أهمية المنشقين على الجيش النظامي. وتثير هذه التصريحات حيرة القارئ في تأويلها, إذ تبدو الوزيرة مؤيدة لهذا الخيار, ولكنها سرعان ما تستدرك. إلا أن ذلك يبدو كنوع من الحذر الدبلوماسي. ومن اللافت أن السيدة كلينتون تضع خطر الحرب الاهلية بعد انقضاء أيام الاسد “المعدودة”. وإذا عنى ذلك شيئاً فهو يشير الى مبلغ الخوف الغربي مما يتسارع, والشعور بالعجز عن ضبط الحركة المنطلقة. وقد شرح الفيلسوف الفرنسي الكبير إدغار موران قانوناً تاريخياً متكرراً, يصح على الافكار والاعمال, بما فيها تلك السياسية (خصوصاً?) قائلا أن “إيكولوجيا الفعل”, كما يسميها, تثبت أن عملاً ما يكف عن الخضوع لنوايا مطلقيه بُعيد تلك اللحظة, وعند وصوله الى الوسط الذي يعمل فيه, إذ يصبح تطوره اللاحق خاضعا لتفاعلات وردود أفعال ذلك الوسط. وأنه قد ينتج نقيض مقاصد أصحابه الاوائل!

وأما وزير الخارجية الفرنسي, المثقف والخبير, فحذرٌ من الانزلاق الى استنساخ السيناريو الليبي الذي ذاق منه (هو شخصياً) الامرين, حيث راحت تخرج اليوم الى العلن وقائع الفضيحة التي مثلّها دور مدَّعي الفلسفة, الفرنسي/الاسرائيلي برنار هنري ليفي. وهذا أصدر مؤخراً كتاباً متباهياً بتجربته الليبية, يهاجم فيه الميل الى انتظار “التفويض” للقيام بعمل ما على المسرح الدولي. والرجل سعى الى دفع صديقه الحميم, نيقولا سركوزي, الذي يحب النجومية فوق حبه لأي شيء آخر, الى المبادرة في ليبيا “ولو منفرداً”! وقد عطل جوبيه جنوح ليفي في آخر لحظة, بينما كان الاخير يريد استبعاده والالتفاف عليه.

وهكذا, يبني جوبيه “التفويض” بخصوص سورية. وقد أصابت باريس حمى قيادة العمل الدولي ضد النظام السوري, فتراها ترعى اجتماعات المعارضة بعدما طَعَّمت “المجلس الوطني السوري” بعناصر تعمل في أجهزتها, ولقي ذلك قبولاً عاماً لأنه نوع من الساتر ضد بروز فاقع للاخوان المسلمين الذين ترعاهم جهات متعددة على رأسها أنقرة, ولأن المجلس مكان مناسب لانعقاد تنسيق وتوافق بين الأطراف الاقليمية ¯ بما فيها العربية ¯ والعالمية الضالعة بالوضع في سورية.

ومنذ يومين عقد في العاصمة الفرنسية اجتماعان, واحد للمعارضة غير المنضوية في “المجلس”, دعت إليه السفيرة البريطانية السابقة في لبنان, والمكلفة مؤخراً رسمياً بالاتصال بالمعارضة السورية. وهو يهدف الى توسيع دائرة تلك المعارضة المعترف بها دولياً, بعدما فشلت محاولات اسباغ صفة “الممثل الشرعي والوحيد” على “المجلس الوطني” وتحريكه وفق الشهوات. وهذا سياق ستعمل الحنكة البريطانية الشهيرة على انضاجه واحتوائه. ولنتذكر هنا أن علم الانتروبولوجيا بريطاني بامتياز, وأن نشوءه لصيق الارتباط بحاجات تلك الامبرطورية التي لم تكن الشمس تغيب عنها, دون أن يعني ذلك أن الاستعمار انشأه!

وأما الاجتماع الثاني فجمع مسؤولين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا, ومعهم تركيا وبعض العرب, وقد قيل انهم سعوديون وقطريون واردنيون ومغاربة, وحضره كذلك ممثل عن الادارة الامريكية. والاجتماع أنضج مشروع القرار الذي سيرسل الى نيويورك غداً, ليُقر في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة, ثم تُدعى الجمعية العامة للتصويت عليه (بعد غد?!). وهذه وسيلة للالتفاف على الفيتو الصيني والروسي في مجلس الامن. ويأمل الدبلوماسيون الغربيون أن تنضم الجامعة الى باريس وبرلين ولندن في التقدم بالمشروع. صحيح أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة, ولكنها تؤسس لشرعية ادانة النظام السوري دولياً. ويستحضر التأني نظرية كيسنجر عن “الخطوة خطوة”. وهو مؤشر آخر على نية الابتعاد عن المثال الليبي الذي يحيط باستحالة تكراره إجماع. كما هو مؤشر على ذلك التوجس المشترك من تداعيات تفلت عن السيطرة في بلد كسورية يمثل عقدة استراتيجية بالغة الاهمية.

يبدو أن “الصراع على سورية” (رحم الله ستيفان لونغريغ صاحب الكتاب المرجع الذي يحمل العنوان نفسه, ولكنه يتكلم عن بدايات القرن الماضي) سيستمر في الاحتدام وفي اتخاذ منحى عالمي. فبعدما زار بطريرك موسكو دمشق والتقى الاسد, تولت هآرتس نشر أخبار تقول ان قطعاً من البحرية الروسية في طريقها الى ميناء طرطوس…وهو خاضع لاتفاق عسكري روسي ¯ سوري منذ سنوات.

العرب اليوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ان منطقة الشرق الاوسط تشهد اعادة تقسيم وتوزيع ادوار ويتم رسم الخريطة من جديد وفقا للمصالح الدولية المتعارضة وسوريا تعتبر احد بؤر احتدام الصراعات فهي تشهد حرب شرسة بين مصالح يمثلها الاسد ونظامه المتهالك بعد ان تخلي عنه انصار الامس ومصالح اخري تؤيد المعارضة وتتزايد انصارها ان الغد يحمل الكثير من التغيير وان السياسات المرسومة كسيناريو للشرق الاوسط سوف تخضع بالفعل للمتغيرات الحادثة وسوف تتفاعل معها بعيدا عن التخطيط المعد سلفا واري ان شرق اوسط جديد سوف يتشكل وسوف يكون واعدا واذا كانت الازمة الاقتصادية العالمية لها النصيب الاكبر في طريقة وضع خريطة جديدة للشرق الاوسط الا ان الشعوب العربية قد ذاقت المرار طوال عقود ماضية وسوف يكون للشعوب العامل الاكبر في اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط

اترك رداً على مجدي عبد الحي شعبان - محامي ومستشار قانوني نقابة الائمة والدعاة المستقلة إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى