صفحات سورية

حرب التسريبات بين تركيا و”العمال الكردستاني”/ عبد القادر عبد اللي

 

 

في 2 حزيران/يونيو سرّب الكاتب في جريدة “يني شفق” التركية المقربة من الحكومة، عاكف أَمْرَه، أن لقاءً سرياً تم بين ممثلين عن الحكومة التركية ونظام الأسد في الجزائر في نيسان/أبريل 2016. وعزا الكاتب اللقاء إلى اشتداد المخاطر على تركيا في الشمال السوري، وإمكانية إيجاد نقاط مشتركة بين الطرفين حول المخاطر المستجدة الناجمة عن تنامي قوة حزب “العمال الكردستاني” في المنطقة.

لم ينكر الطرفان التركي والسوري هذا اللقاء، وهذا يُرجح حدوثه، ولكن على الرغم من الغزل بين حزب “العمال الكردستاني” والنظام السوري، وادعاء القيادي السابق في “الكردستاني” نظام الدين طاش، أن خرق الحزب للهدنة جاء دعماً للنظام السوري، فما مدى تأثير النظام السوري على حزب “العمال الكردستاني”؟ وما الذي يستطيع هذا النظام أن يقدمه للأتراك على هذا الصعيد؟ لا شيء تقريباً!

وإذا كان هناك غزل سري بين الطرفين، أليس من المفروض أن تُخفف حدّة الخطاب. ففي خطابه الأخير لم يأتِ الأسد على ذكر قطر والسعودية، وأعلن بأنه سيدفن الأحلام الأردوغانية في حلب.

بعد 12 يوماً من هذا التسريب، جاء تسريب مضاد. المُسرّبُ هذه المرة هو الطرف الكردي، ونشره موقع “باسنيوز” نقلاً عن “مصدر مطلع في قوات سوريا الديموقراطية”، بأنه قبل ثلاثة أسابيع تم الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية على انسحاب مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” من جنوب شرق تركيا مقابل صمت تركيا عن سيطرة القوات الكردية على منطقة غربي الفرات، وتحسين ظروف سجن عبد الله أوجلان، تمهيداً لإطلاق سراحه. وكان قد سبق ذلك غزل للناطق باسم “سوريا الديموقراطية” طلال سلو، بالنظام السوري.

على الرغم من أن السياسة لا يمكن أن تفاجئك، ويمكن للأطراف أن تدور مئة وثمانين درجة، ولكن الدوران بهذه الطريقة يحتاج إلى مؤشرات معينة.

المشكلة أن التحليل اعتماداً على معطيات الطرفين الكردي والتركي، هو أمرٌ يشبه قراءة الطالع والأبراج. لأن المواقع الكردية تتحدث عن انتصارات ساحقة على الجيش التركي، وآلاف القتلى، والطرف التركي أيضاً يتحدث عن أكثر من سبعة آلاف عنصر لحزب “العمال الكردستاني” سقطوا خلال سنة ونيف، بعد خرق وقف إطلاق النار، وانهيار ما سمي “مرحلة الحل” والتي تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي للقضية الكردية في تركيا.

ولكن الواقع أن القوات الأمنية التركية لا تستطيع أن تخفي عدد ضحاياها، فهي تجري لهم تشييعاً رسمياً يحضره المسؤولون، ولهم استحقاقات مالية وقانونية، وهناك معارضة في كل بلدة وقرية يمكن أن تفضح وصول أية ضحية بالسر، وحتى إن هذه المعارضة تشارك بتشييع جنازات عناصر الجيش والأمن. في الوقت ذاته لا يمكن التأكد من الأرقام التي تعطيها القوات المسلحة التركية عن ضحايا حزب “العمال الكردستاني” الذين يسقطون خارج الحدود، ولكن الذين يسقطون في تركيا يمكن معرفة غالبيتهم بسهولة، لأن إجراءاتٍ قانونية لابد من أن تُجرى مثل المعاينة الطبية، وتحديد الهوية، وغيرها.

صحيح أن ضحايا حزب “العمال الكردستاني” أكبر بكثير مما خسرته القوات الأمنية التركية، وخسر الحزب كثيراً من قياداته الميدانية، ولكن التكتيك الجديد الذي اعتمده الحزب في العمليات الانتحارية أسهل، وأقل كلفة، ولا يحتاج إلى كوادر مدربة عسكرياً، ويوقع في الطرف التركي أضراراً كبيرة على الصعيدين البشري والاقتصادي. بمعنى آخر، إذا كانت تركيا قد تفوقت في المواجهات العسكرية، فإنها لا تستطيع التفوق تماماً في مواجهة العمليات الانتحارية.

بالتزامن مع هذه التسريبات أُعلنت كثير من المناطق الكردية في تركيا خالية من حزب “العمال الكردستاني”، وانتقل رئيس الجمهورية التركية وقائد الأركان العامة للقوات المسلحة التركية، وقادة الجيش لتناول إفطار جماعي في أحد المقرات العسكرية في مدينة ماردين، وصدرت رسائل حادة، ومؤشرات تصعيد عسكري، ويتوافد المسؤولون الأتراك إلى المنطقة بزيارات استعراضية من أجل إعطاء صورة بأنهم انتصروا.

ولكن ما سرّبه موقع “باسنيوز” أشبه باتفاق إذعان، وليس اتفاقية بين طرفين. فالجناح السياسي لحزب “العمال الكردستاني” المتمثل بحزب “الشعوب الديموقراطي” ينادي ويطالب بالعودة إلى مرحلة الهدنة، ولكن الرافض هو الطرف التركي. وكل الضغوط التي تواجهها تركيا من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية هي من اجل قبولها العودة إلى “مرحلة الحل”. وفي مرحلة الحل ليس هناك التزام بإطلاق سراح عبد الله أوجلان، بل بنقله إلى سجن عادي، وليس هناك قبول بتشكل كيان كردي في الشمال السوري يغطي الحدود كلها جنوبي تركيا.

تفتح هذه التسريبات الأبواب على الأسئلة: لماذا يلتقي ممثلون للحكومة التركية مع ممثلين للنظام السوري في الجزائر في موضوع حزب “العمال الكردستاني”؟ أليس من الأفضل أن يلتقوا بمسؤولين إيرانيين حول هذا الموضوع، فلديهم مفاتيح أكبر، وهم يسربون يومياً أنهم ممولون للحزب، خاصة وأن هناك علاقات قوية بين تركيا وإيران؟ وفي الحقيقة أن الأتراك يبحثون هذا الأمر مع الإيرانيين، والإيرانيون يقدمون للأتراك وعوداً من دون أن تُطبق.

من جهة أخرى، ما الذي ستكسبه تركيا إذا قبلت بخروج مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” إلى سوريا، وتثبيت سلطتهم هناك تحت مظلة أميركية أوروبية؟ ألن يكون خطرُ هؤلاء المقاتلين على تركيا أكبر من خطرهم داخلها؟

التسريب التركي يقول للأكراد بأنهم مستعدون حتى للذهاب إلى بشار الأسد أو إيران لسحب البساط من تحتهم، وبالمقابل يأتي التسريب الكردي ليقدم رسالة مضادة مفادها: “هُزمت تركيا بمعية الولايات المتحدة”.

يمكن أن تهزم تركيا، فهي ليست دولة جبارة عصية على الهزيمة، وخاصة في مواجهة الولايات المتحدة، ولكن عندما تُهزم تركيا سيكون دوي هزيمتها في المنطقة كبيراً، وارتداداته واسعة جداً، ولن تقتصر على دفن الأحلام الأردوغانية فقط، بل يمكن أن تصل إلى دفن الدولة التركية المعروفة نفسها.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى