صفحات الناس

حرب الغوطة الصامتة

رند صباغ

 ما زال القصف مستمراً على الغوطة الشرقية حتى اللحظة، ربما  يبدو الخبر اعتيادياً. لا شيء استثنائي ليجذب الصحافة، لكن ما يحصل في العمق، يحمل درجةً كبيرةً من الخطورة، وقد يكون كفيلاً بقلب موازين القوى بشكلٍ كامل، فيما تركز كافة وسائل الإعلام والسياسيين على ما يحصل في القصير غاضين الطرف عن مأساةٍ أخرى تحصل بالتزامن، حيث يتركز القصف اليوم على بساتين بلدة المليحة ووادي بردى، فيما استهدفت راجمات الصواريخ منطقة البردونة والعمادية، موديةً بحياة الكثيرين، ليدعم النظام نفسه بآلياتٍ جديدة وقواتٍ صديقة.

 تشتد المعركة على جبهات عديدة، الأولى هي جبهة “تاميكو” نسبةً لمعمل الأدوية جانب المليحة، والتي رفضت المعارضة المسلحة دخوله لوجود تجهيزاتٍ تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات، رغم اتهام النظام باتخاذه مركزاً لقواته، وقصف المليحة من داخله.

الجبهة الثانية تتركز عند المتحلق الجنوبي من جهة زملكا وجوبر، بالإضافة إلى جبهة منطقة المرج، وهي الأهم في حال سيطر عليها النظام، لما سيؤدي إلى قطع آخر خطوط الإمداد عن الغوطة بشكلٍ كامل بعد قطع طريق العتيبة في محاولةٍ للوصول إلى مرج السلطان.

 بدأ توغل قوات النظام مع حلفائه في الغوطة الشرقية منذ  أيام، لتؤدي سيطرته على طريق العتيبة إلى فتح بوابةٍ للتوسع، وبذلك استطاع الوصول إلى بلدات البحارية والعبادة وحران العواميد والأحمدية والقيسا والقاسمية وجربا، كما استطاع السيطرة على المطاحن في بلدة حتيتة التركمان، وهي النقطة الرئيسية لتخزين الطحين في المنطقة.

 يقول أبو آدم وهو إعلامي في أواخر العشرينات من سكان الغوطة: “بسيطرة النظام على المطاحن صرنا من دون خبز، إنه اليوم السادس لنا، لا بل من دون سكر أو أرز أو خضار أو أية مواد استهلاكية، كل ما تبقى في المحال التجارية آخذ بالنفاذ، والجيش وصل هنا إلى الجبهة، لم يتقدم تماماً إلى كل المناطق إلا أنه يقصف بعنفٍ شديد دون توقف”.

وفيما تشير الأنباء إلى وجود أسلحةٍ محرمة دولياً، يتحدث أبو آدم: “لقد قاموا بضرب غازاتٍ سامة أكثر من مرة، وبالتحديد على البحارية والأحمدية وجربا”، مشيراً إلى وجود عناصر أجنبية وعربية في القتال إلى جانب النظام “هناك عناصر من حزب الله، وإيرانيون وعراقيون وبحرينيون”، مشيراً إلى وجود بعض الباكستانيين في نقاطٍ للمعارضة المسلحة.

 لا تقتصر الأمور على القصف، بل هو حصار كامل، حيث تمنع الحواجز العسكرية تمرير أي كميةٍ من الغذاء وإن كانت بسيطةً جداً، ليصل سعر كيلو السكر إلى 150 ليرة (أي ما يعادل دولاراً أميركياً واحداً بحسب ما يتم بيعه في هذه المناطق)، أما الأرز بـ 300 ليرة، أي ما يزيد عن عشرة أضعاف السعر الذي كان يباع به من قبل، في الوقت الذي يتم فيه ضرب معمل الخميرة في شبعا، والمسؤول عن إطعام عددٍ هائلٍ من السوريين في كل من درعا والسويداء ودمشق وحمص، بغض النظر عن صعوبة وصول المواد الأولية إليه، وانقطاع التيار الكهربائي باستمرار والشح في الوقود واليد العاملة.

 “النازحون الجدد تحت خط الفقر، فحياتهم كانت تعتمد على بساتينهم التي تئن اليوم تحت القصف، أما اليوم فهم لا يملكون أي شيء، لا نقود معهم ولا أمتعة، لا شيء على الإطلاق، وقد تضاعفت أعدادهم بشكلٍ مخيف، لتصل إلى قرابة المليون ونصف المليون لضيق المساحة الآمنة يوماً بعد يوم” يقول أبو آدم.

  ويضيف:”الأهالي الآن يخشون من عدم قدرة الكتائب المقاتلة في الجبهة على ردعهم، لذا قرر كثر النزوح، ومن استطاع دخول دمشق فهو سيلتجئ إليها غالباً، رغم أن الطريق شبه مغلق”، يضيف أبو آدم الذي يفكر بالنزوح مع أسرته رغم إصابته البالغة بإحدى القذائف: “بالنسبة إلى أسرتي الموضوع مختلف، فأنا مصاب ومطلوب، وكذلك الأمر بالنسبة لوالدي، لذلك سنتوجه إلى أعمق ما نستطيع في الغوطة، القصف سيكون أسهل من الوقوع في أيدي النظام الذي لن يرحمنا”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى