أحمد عمرصفحات سورية

حرب المراسيم والرموز/ أحمد عمر

 

 

السلطان “مجروح”..ولهذا حجّ إلى موسكو؟

كل كهنة فضائيات المقاومة، والصحافة الليبرالية الحداثية، والفارسية، وهي أشتات متضاربة، جمعتهم أغنية السلطان، فغنوا له أغنية “مجاريح”، بمن فيهم الصحافي النحرير الذي يعمل في تلك الصحيفة التي ترفع شعار” إنّ الحياة مقاومة وممانعة”، أو لعلي نسيت الشعار الحقيقي للجريدة بسبب نشوة  فشل الانقلاب! لم نكن نعلم أن موسكو مختصة في فنِّ الاستشفاء الطبي، وأنّ بوتين مختص في معالجة الاكتئاب، وتفتيت الحصاة في العقل.

انتشرت صورة  للرئيس التركي أدروغان على صفحات المقاومين والممانعين من “أصحاب الشمال”، ومن بينهم، اليسار العالمي والعربي.. وهم طوائف تمتد من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي،  كانت الصورة المزوّرة هو يطأطئ للقيصر الروسي!. وتناقلت وسائل التواصل والإعلام صورة صحيحة لأردوغان في البيت الأبيض مع غرابها الأعصم الذي قال إنّ شعره ابيضَّ من الحزن على الشعب السوري! صورة أوباما وهو يسدد رفسة لأردوغان  ويضع قدما على قدم، فيسارع الرئيس التركي إلى مواجهته برفسة في البطن، والحرب سجال. إنها حرب الصور والمراسيم والإيماءات والرموز..

انتظر الناس في الشرق والغرب اللقاء الكبير بين “القيصر والسلطان”. وصفته صحافية  باللقاء بين “الديك” و”الطاووس”، هكذا شاءت الصحافية الدجاجة وصفهما، وارتاح كثيرون من حرب عالمية كانت تعمل لها أمريكا رغبة في “الشو” وأشياء أخرى. رأينا القيصر الذي يمشي على ثلاثة أطراف، فهو يمشي بقدمين ويد واحدة، الطرف الثالث ثابت تقريبا. قال أولو العلم والمختصون بعلوم الهيئة ولغة الجسد، إنّ الرجل أفرط في التدريب الجسماني، حتى ضمرت حركة يده اليسرى. في اللقاء بينه وبين السلطان، رأيناه، ينتظر السلطان، خوفا من أن يفوته القطار، ثم رأيناه يجلس فاشخا بين فخذيه، الرجل كبير البيض، له خصيتان نوويتان!

الفرعون المصري الأخير،  طحيمر السيسي، لم يبخل أبدا على نفسه بالمراسيم، بل إنه ذهب بها بعيدا، ومصر حالها معروف على لسانه: “ما فيش” و”معنديش”، وأنت غنية يا ليلى ونحن دراويش. أنفق الجذاب من جيب الغلابة والحرافيش، على الفناكيش و هيبة الرئاسة، الكثير، فمدّ  الرجل الفلنتاين السجادة الحمراء إلى أماكن جديدة، حتى سيارته مشت عليها. الطغاة يحبون اللون الأحمر، والثيران أيضا تحبه. الرجل يخشى من الكسر والرطوبة ، سريع العطب آبدووو.

المراسيم في فرنسا وبريطانيا معقدة، فحرس الشرف يؤدون رقصات عسكرية معقدة متداخلة يشرف عليها مهندسون. رقصاتهم ومارشاتهم أكثر فنا من رقصات الأفلام الهندية، لخلب أعين الناس. على الحدود الهندية والباكستاينه، في يوم معروف، يجتمع الناس ليروا سيركا لحرس الحدود، ويبلغ بهم جنون الاستعراض العسكري أن يرفع واحدهم قدمه فوق رأسه للنكاية بالخصم! إنها حرب الريش.

الهيبة جزء من آلات السلطان، لكن أول آلات الملك هي العدل، وهو مفقود مثل حبيبة قلب نزار قباني وهي في قصر مرصود، محروس بكلاب وجنود. من الغريب أنّ الدولة الوطنية الحديثة، دولة الكلاب والجنود، في سوريا ومصر تستعير في أفلامها الدرامية و التلفزيونية هيئة استعمارية للقاضي، هو زي القاضي البريطاني! كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، وهي هيئة قضائية برمت بها بريطانيا نفسها، فباروكة القاضي ثمينة وثقيلة تعيق القاضي عن إقامة العدل في الأرض. وقرأت أن الحكومة البريطانية تدرس تبسيط هيئة القاضي. القضاء معقد في كل أوربا، بالإجراءات والطقوس، لكن العدل مفقود في بلادنا بإجراءات ومن غير إجراءات. في مصر  إجراءات التقاضي طويلة وشاقة، لكن القضاء شامخ جدا حتى بات لا يرى بالعين المجردة. العملية الجراحية ناجحة، لكن المولود ميت، ثم ما تلبث الأم الحامل أن تلحق بالمولود بقوة الإجراءات المتبعة.

أردوغان نفسه عمد في السنة الأخيرة إلى مراسيم سلطانية جديدة، فصفَّ حوله هيئات فرسان الدول التركية في مراحلها، فسخر كثيرون منه، مثلهم مثل الثعلب الذي لم يطل العنب فقال: حصرم.

المراسيم تعوّض عن الشرعية المفقودة أحيانا. انتبه حفيد دولة “آلموت”  الكلوري، إلى هذا الأمر بعد انكماش سوريا من شدة الريجيم القاسي الذي  خضعت له الدولة، فنفذ له مخرج الفانتازيا التاريخية بمناسبة تولي العرش للمرة الثالثة، جادة سلطانية قارونية.  فمشى على سجادة “حمراء طويلة”، أسوة بالقيصر الروسي، الذي رأيناه من قبل في قصور القياصرة الروس يعبر أبوابا عالية الاسكفات، كأنها أبواب عمرت لعمالقة مثل عوج بن عنق وكينغ كونغ. وكان حفيد آلموت قد تحدث في بدايات الثورة السورية موصيا وزراءه وموظفيه بضرورة التواضع للمواطنين، إنها عظة: الشيطان يعظ! لم يتحدث الرئيس الكاردينال عن الدستور الذي أكله حمار ضيعة تشرين، ولا عن الحقوق والواجبات والتغيير وفروع الأمن، إنما عن التواضع! ثم رأينا التواضع بشحمه ولحمه على السجادة الحمراء، رأيناه على النطع. الرئيس السوداني يحب العصا، السادات كان يدخن الغليون، الدخان هو نفثة التنين، وعلامة من علامات الذكورة، صدام كان يحب المراسيم ويضيف إليها رموز الفتوة، مثل الحصان والسيكار الكوبي. السيكار رمز فحولي أيضا.

الأمريكيون يمنحون أهل قتيل الوطن، علم أمريكا، يحشونه مثل ورق “اليبرق” بكفتة قبعة القتيل و يبنون منه عدة طبقات، ويطلقون للقتيل  صليات رصاص.  ثمت فرق بين  الشهداء الجند والشهداء الضباط، الضباط يطلقون لهم 17 صلية، والجندي 15 صلية، فترتاح عظامهم في قبورهم، وتسيل الدموع على خدود الأقارب، المراسيم تلك هي التعويضات الشرفية. حفيد آلموت وضع لشهداء بحثه عن طريق القدس، حبيبة قلبك يا ولدي، صورا على حيطان البلد، التي كانت مخصصة له فقط، ثم أعطى أهل الضحية عنزة مكشوفة الأست، ثم صارت علبة متة، وهي الآن ساعة حائط. العنزة  أظهر الكائنات عورة، والساعة رمز من أحسن الرموز وأوفقها، بالروح بالدم نفديك يا عنزة.

كنت أظن أن الماتريكس الكلوري الذي حكم سوريا بالجزمة والنبوت، أفقه من كل أنظمة العالم، الطغيانية الانقلابية والديمقراطية الشرعية، في أهمية آداب الملوك. وأراقب صورته الرسمية في المراسيم، وكيف تحول لقب الرئيس من الرفيق، إلى السيد الرئيس، واحتجاب الرئيس وراء طبقة سميكة صلدة من الحجب، حتى صار في عالم الغيب.

تروي كتب التاريخ، إنه لما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام، تلقاه معاوية في موكب عظيم وهيئة؛ فلما دنا منه قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم. قال: هذا حالك مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: نعم. قال: ولمَ تفعل ذلك؟ قال: نحن بأرضٍ جواسيسُ العدوِّ بها كثير، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يرهبهم، فإن نهيتني انتهيت. قال: يا معاوية، ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس( في أمر يصعب على الخروج منه) لئن كان ما قلتَ حقًا، إنه لرأي أريب، وإن كان باطلاً، فإنه لخدعة أديب.. قال: فمُرْني. قال: لا آمرك ولا أنهاك. فقيل: يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر عما أوردته..

ومن هذا وذاك أن فرنسا طلبت من مصر في 1981 استضافة مومياء الفرعون لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية عليه وترميمه، فُنقلت مومياء الفرعون…. أستقبلت فرنسا الاستعمارية  الفرعون استقبال الرؤساء الأحياء. اصطف الرئيس الفرنسي منحنياً هو ووزراؤه وكبار المسؤولين الفرنسيين ليستقبلوا الفرعون، وعندما انتهت مراسم الاستقبال الملكية للفرعون المومياء.. حُملت بموكب فاخر، ونقلت إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي. ومن ذلك: أن أثنى هولاند رئيس “عاصمة النور” التي احتلت وقتلت مليوني جزائري حرقا واغتصابا، على الرئيس الجزائري المومياء، وأبدى له دعمه بعد فوزه في انتخابات خالتي “نزيهة”:  رؤساء عواصم النور الخالدة يحبون المومياءات، الأحياء منهم والأموات، يا مجيب الدعوات.

لقد رمم الغرب كل المومياءات الحاكمة الحية، بما فيها مومياء تونس .

معظم دولنا ينطبق على فتواتها المثل: “الكلب يمشي في ظل العربة”، فيظنَّ أن ظل العربة ظله. العربة بدأت تتقوض وذهبت الدولة، ولم يبق منها سوى المراسيم والسجون، وتباع بالمفرق. ” دي أشباه دولة” كما قال  المومياء الماشي في ظل العربة على سجادة حمراء.

لا نعرف سبب خلط الضرس بين التأنيث والتذكير في جملة قيلت باللهجة المصرية، أو بين المفرد الجمع، فلعله استخدم حقه الدستوري.

تركنا العبيط في مثل رواجب الضرس.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى