صفحات العالم

حرب «النصرة» على «داعش» رافعة لمؤتمر جنيف-3 ؟/ د. عصام نعمان

 

 

■ ما سرّ هذه الحرب الدائرة في جنوب سوريا بين «النصرة» و»داعش»؟

لم يتبرع أحد، بعد، من «أخوة الجهاد» بجواب شافٍ عن السؤال.

ثمة اتهامات بين الطرفين في الإعلام ترافقها انشقاقات ومصادمات على الأرض، ثم لا تلبث تحالفات جديدة أن تقوم وتعقبها مصادمات، وبالتالي اتهامات متجددة… وهكذا دواليك.هل للحرب بين «الجهاديين» وجهة وغاية؟ الإجابة تبدأ بلمحةٍ عن المشهد السوري الراهن.

ثمة نظام سياسي واحد ومعارضة متعددة. للنظام، سياسياً وادارياً، اليد العليا في كل المحافظات باستثناء محافظتي الرقة وإدلب. عسكرياً، هو متمكّن في منطقة دمشق ومعظم جنوب سوريا، باستثناء شريط من الارض متاخم لخطوط الفصل بين القوات السورية والإسرائيلية في الجولان (محافظة القنيطرة) ومحافظة درعا.

في غرب سوريا، السيطرة للنظام في محافظتيّ اللاذقية وطرطوس. وهو متمكّن ايضاً في وسط سوريا (محافظتيّ حمص وحماه) وفي شمالها (محافظة حلب) باستثناء شطرها الشمالي المتاخم لتركيا، وله اليد العليا في محافظتيّ الحسكة ودير الزور في الشرق المتاخمتين للعراق.

المعارضة متعددة ومنقسمة، بصورة عامة، إلى شطرين غير متكافئين: سياسي وعسكري. المعارضة السياسية فئتان: الاولى «هيئة التنسيق» بأطرافها المتعددة، تحاور النظام. الثانية «الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، تعادي النظام وترفض مفاوضته إلاّ بشروط. المعارضة المسلحة متعددة التنظيمات والتحالفات، لعل أبرزها «الدولة الإسلامية– داعش» «وجيش الفتح» بقيادة «جبهة النصرة» و»الجيش الحر». «داعش» منفصل عن التنظيم الأم: «القاعدة» بينما «النصرة» يبايعها. «الجيش الحر» مرتبط سياسياً بـِ»الإئتلاف» وميدانياً بـِ»النصرة»، لكنه محدود الفعالية لاقتصار انتشاره على مناطق محدودة في شمال سوريا وجنوبها.

المعارضة السياسية المعادية للنظام كانت تلتقي مع كل التنظيمات المسلحة التي تقاتل النظام إلى أن سيطر «داعش» على مدينة الموصل وتمدد في سائر محافظات العراق الغربية، ما أدى الى قيام «التحالف الدولي ضد الإرهاب»، فاضطر «الإئتلاف» الى وقف تعاطفه السياسي مع «داعش». أما مع «النصرة» فبقي التعاون قائماً، لماذا؟

لأن «الجيش الحر» انقسم على نفسه وأصابه وهن شديد ما اضطر «الإئتلاف» إلى اتخاذ «جبهة النصرة» بديلاً منه، رغم وجودها على القائمة الامريكية للتنظيمات الإرهابية. حتى الولايات المتحدة اضطرت الى وقف تشهيرها بـ»النصرة» بسبب حاجتها الى توليف مجموعات عسكرية مقاتلة للحؤول دون عودة النظام للسيطرة بجيشه على الارض.

التقارب الميداني بين «النصرة» وأطراف المعارضة السورية المتحالفة مع الولايات المتحدة اثار حفيظة «داعش»، وتسبّب في صدامات متعددة ومتصاعدة بين التنظيمين السلفيين البارزين. وقد حاولت واشنطن وحلفاؤها الإقليميون اقناع قيادة «جبهة النصرة» بالتخلي عن بيعتها لـِ»القاعدة» لإكسابها مشروعية سياسية في صفوف الجمهور السوري غير السلفي، وبالتالي تسهيل اعتمادها ذراعاً عسكرية للمعارضة السياسية، غير ان قيادة «النصرة» رفضت العرض الامريكي مخافةَ ان يصبّ التخلي عن «القاعدة» في مصلحة «داعش»، فيصبح التنظيم العسكري الاقوى والاكثر قبولاً لدى الجمهور السلفي.

لمواجهة التعاون بين «النصرة» والتنظيمات الموالية لسياسة «التحالف الدولي ضد الإرهاب» ضاعف النظام، بدعم من ايران، قدرات الجيش السوري ما مكّنه من السيطرة على معظم مدينة «حلب» ومحيطها، وردّ هجمة «داعش» على دير الزور وحقل «الشاعر» النفطي في شمال شرق حمص، وإبعاد التنظيمات المعادية عن محيط دمشق وحشرها في رقعة جبلية على الحدود مع لبنان، ومن ثم توسيع دائرة انتشاره في المنطقة المواجهة للجولان المحتل.

هذه التطورات الميدانية ترافقت مع تطورات سياسية لاحقة. فقد تمكنت مجموعة دول 5+1 من التوصل الى «تفاهم تاريخي» مع إيران بشأن برنامجها النووي، على أن يقترن باتفاق نهائي قبل آخر يونيو المقبل. هذا التفاهم البالغ الأهمية الإستراتيجية قوبل بتخوفٍ وتحفظٍ ملحوظين من طرف السعودية وتركيا و»إسرائيل». وإذ ترافق هذا التطور مع صعود جماعة الحوثيين في اليمن وسيطرتها على صنعاء، فقد قدّرت السعودية أن الحدثين يؤديان إلى توسيع نفوذ ايران في المنطقة وتكريسها الدولة المركزية الاقليمية الاقوى، الأمر الذي يتطلب، في تقديرها، تحركاً سريعاً لتطويق آثار التحدي البازغ. في هذا السياق، تمّ إطلاق «عاصفة الحزم» ضد مَن تعتبرهم الرياض وكلاء طهران في اليمن.

غير ان للتحرك السعودي بُعدين آخرين : تركي وامريكي. فقد لاحظت انقرة ان حاجة إيران الى إقرار الاتفاق النووي النهائي قبل آخر يونيو المقبل، يعطيها فرصة نادرة لاستغلال الساحتين العراقية والسورية، من أجل تأمين مصالحها في بلاد الرافدين وبلاد الشام. في العراق، تريد ثمناً لضرب «داعش» ليس أقله «استعادة» مدينة الموصل للسيادة التركية، في سياق التسوية المرتقبة بين الاطراف المتصارعة. في سوريا، تريد إضعاف النظام واسقاط رئيسه لتكون لها اليد العليا في شمال البلاد بغية الحؤول دون قيام حكم ذاتي للأكراد يشكّل اغراءً لإقامة حكمٍ ذاتي مماثل للأكراد في منطقة ديار بكر التركية. أما «اسرائيل» فيهمها توسيع الجيب الحدودي الذي تسيطر عليه جبهة «النصرة» وحلفاؤها في جنوب البلاد لتضمن لنفسها دوراً ونصيباً في التسوية القادمة.

تعي واشنطن بطبيعة الحال هذه التطورات، والفرص التي تتيحها، فتراها تسارع الى استغلالها بدعوة رئيس «الإئتلاف» السوري خالد خوجة لمقابلة وزير الخارجية جون كيري ليسمع منه، كما اعضاء مجلس الأمن، دعوة إلى مباشرة «عملية انتقالية تنقل سوريا من نظام الاسد الى حكومة تمثل الشعب السوري بكامله (…) وترفع التأثير السلبي الضخم عن الدول المجاورة وتحديداً لبنان وتركيا والاردن».

إذ تبدو هذه التطورات، ومن ضمنها حرب «النصرة» ضد «داعش»، رافعةً لمفاوضات يشارك فيها «الإئتلاف» في جنيف- 3، تَصدرُ عن ايران، خلال زيارة وزير الدفاع الســـــوري العــــماد فهد جاسم الفريج، مواقف صارمة بلسان رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ورئيس المجلس الاعلى للأمن القومي علي شمخاني، تحذّر من استفراد سوريا، وتؤكد على «تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين في مختلف المجالات والعمل المشترك للوقوف في وجه التحديات التي تهدد المنطقة».

شخصية قريبة من قيادة المقاومة في لبنان فسرت مواقف القادة الإيرانيين بأنها تعبير عن اقتناع راسخ بأن السيطرة على الارض هي، في التحليل الاخير، العامل المقرر في السياسة والمفاوضات، وان اتفاقاً تمّ بين العماد الفريج والقيادة الإيرانية على استمرار المواجهة و»عدم التردد في إدخال واستعمال سلاح وعتاد ملائمين يتناسبان والتهديدات الجديدة».

 

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى