صفحات العالم

حرب باردة جديدة ؟!


    محمد إبرهيم

سلوك روسيا والصين في الازمة السورية ذكّر كثيرين بأجواء الحرب الباردة السابقة، ودفع كثيرين الى القول بأننا بتنا في صميم “باردة” جديدة، رغم انه ليس من معطيات كافية تبرر ذلك. فاستعمال مجلس الأمن لتعطيل سياسات دولية لأحد الأعضاء الدائمين في المجلس، وخصوصا الولايات المتحدة وروسيا، هو احد اوجه الحرب الباردة السابقة، لكن دون ان يكون اهمها.

وأحد الاثباتات على ذلك ان روسيا، التي تعطل امكان اتخاذ مجلس الأمن قرارا ضد النظام في سوريا، تعتبره مدخلا للتدخل العسكري، تحذر من مغبة تدخل لايحظى بتغطية دولية، لكن تحذيرها لايتضمن اي اشارة توحي بأن التصعيد العسكري سيقابله تصعيد عسكري، على ما كان سائدا في الحرب الباردة. وما يحجز بين الغرب والخيار العسكري في سوريا اعتبارات خاصة بالغرب نفسه، اساسها داخلي، وتتناول ما يعتبره تدخلا عسكريا ناجحا، وليس العقبة العسكرية التي تشكلها روسيا او الصين.

عنصر آخر يدفع الى عدم تضخيم معنى المواجهة الروسية-الأميركية، هو حجم المصالح المتضاربة في الشرق الأوسط، والتي تبدو محدودة متى وضعت في سياق العلاقات الثنائية الاجمالية، وهذا يشمل الصين ايضا. وهناك فرق كبير بين القرار بخوض مساومات، ولو لاهوادة فيها، والقرار بخوض مواجهة في نقطة جغرافية محددة على اساس تناقض شامل في المصالح، وفي الايديولوجيا، كما ينبغي الاّ ننسى، على غرار ما كان موجودا في الحرب الباردة.

روسيا بوتين، والصين الشيوعية-الرأسمالية، تستعملان الموقع الموروث، ليس لإحياء الحرب الباردة وانما لاحتلال موقع متقدم في العلاقات الدولية التي اكتسحتها الولايات المتحدة بعد الانهيار السوفياتي. وللموقف الروسي-الصيني المتحفظ اسباب شرق اوسطية، بالتأكيد، لكن له ايضا اعتبارات داخلية. فالغزل الاميركي-الاسلامي، لا يروق لروسيا ولا للصين، لمشكلاتهما الداخلية مع الاسلاميين، علما بأن الهدف الاميركي من “الغزل” ليس موجها ضدهما كما كان الامر في ثمانينات القرن الماضي. وشعار نشر الديموقراطية في العالم العربي لايحظى بترحيب روسي-صيني، فهو شعار قادر على تجاوز كل الحدود، روسية كانت ام صينية.

موسكو وبيجينغ تمزجان التصلب بالمرونة، ولا تعتبران ان مصير نظام بعينه يمكن ان يشكل خللا في التوازنات الدولية. والمشاركة في رعاية الانتقال السلمي من نظام الى نظام هدف حقيقي روسي-صيني لا يشبه رغبة النظام في سوريا بابقاء القديم على قدمه، بأثواب دستورية جديدة. وعندما تطمئن روسيا الى انها اثبتت عقم استبعادها، ستصبح اكثر قبولا لادارة مشتركة لمستقبل سوريا، طالما ان العودة الى الماضي ليست على اي جدول اعمال… دولي.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى