صفحات سوريةعلي العبدالله

حرب باردة مصرية سعودية/ علي العبدالله

 

 

جاء تصويت النظام المصري لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن تأكيدا لتمايزه عن النظام السعودي على خلفية تنافس مضمر بين النظامين على قيادة العالمين العربي والاسلامي. فالنظام السعودي، الذي دعم الانقلاب العسكري ضد حكم الاخوان المسلمين في مصر، تقول تقارير كثيرة انه حرّض عليه وموّله، من منطلق رفضه لقيام نظام، أي نظام اخواني أو غير اخواني، يتبنى رؤية اسلامية يزاحمه على التحدث باسم الاسلام ويوفر فرصة للمقارنة والممايزة بين المواقف والسياسات مايثير أسئلة حول طبيعة نظامه السياسي ومدى انسجامه مع المنطلقات الاسلامية، اعتبر، النظام السعودي، حاجة النظام المصري الماسة لدعمه المالي فرصة لأخذ اعتراف منه بزعامته للعالم العربي بحيث يكتمل بذلك تزعمه للعالمين العربي والاسلامي.

شكل التطابق في الموقف من حكم الاخوان المسلمين في مصر فرصة لتعاون سياسي عبّر عن نفسه في اصطفاف مصري سعودي اماراتي اردني ضد الاخوان المسلمين وحلفائهم القطريين والاتراك، وخاصة ضد تركيا التي ادانت الانقلاب في مصر واحتضنت قادة الاخوان الذين فروا من مصر وتحركت اقليميا ودوليا لمحاصرته وتجريمه قانونيا وحقوقيا، اصطفاف تعمّد بدعم مالي ونفطي سعودي واماراتي مقابل وضع ثقل مصر العربي والاقليمي خلف هذين النظامين.

لكن التعاون والدعم لم يغيرا في رؤى ومواقف اطراف الاصطفاف وتصور كل طرف فيه لدوره ومكانته، فالنظام المصري الذي يتحرك، في كل عهوده، في الفضاء العربي من منطلق كونه الاخ الاكبر لم يستطع تقبّل احتلال النظام السعودي موقع موجه لسياسات النظام الاقليمي العربي واستتباعه، من جهة، ولم ينجح في الخروج من أزمته المالية الخانقة، فيتحرر من ضغط الحاجة للدعم السعودي، من جهة ثانية، وهذا وضعه على مفترق طرق حاد في ضوء تمسكه بموقع الاخ الاكبر وحاجته لاستمرار الدعم السعودي المالي والنفطي ما دفعه الى طرح تصورات للعمل العربي المشترك ولآليات مواجهة التحديات السياسية والامنية، مثل تشكيل القوة العربية المشتركة، تخدم هدفيه السابقين، بحيث تكون القوة العسكرية المصرية عمادها، وبالتالي قيادتها، لكن الفكرة لم تلق، بسبب التنافس المضمر على الزعامة بالتحديد، استحسانا سعوديا ما اعاق تنفيذها، وقد رد النظام المصري على ذلك بتعاطيه الفاتر مع دعوته للمشاركة بفعالية في التحالف العربي الذي شكله النظام السعودي لمواجهة سيطرة الحوثيين وانصار الرئيس المخلوع على اليمن بدعم ايراني، وبتحفظه على تشكيل القوة الاسلامية التي طرحها النظام السعودي لاحقا، والتي تحتوي التفوق المصري وتلغي مفاعيله، وبدأ في البحث عن مخارج تسمح له بالتفلت من المحاولة السعودية ليس لاخذ موقعه فقط بل واستتباعه.

مع تطورات المواجهة في اليمن وسوريا وجد النظام السعودي نفسه مضطرا الى تعديل موقفه من الاخوان المسلمين من أجل التقارب مع المحور التركي القطري الذي يدعم الجماعة في عدد من الدول العربية(مصر، سوريا ، العراق، ليبيا، اليمن) فخفف موقفه من الأخيرة واستقبل وفدا من التجمع اليمني للاصلاح الاخواني، وهذا شكل نقطة افتراق حادة بين النظامين المصري والسعودي، حيث مازال النظام المصري يعتبر الاخوان المسلمين تحديا وجوديا له ويعمل على تشكيل تحالف لمواجهة الجماعة في العالم العربي باعتبارها اولوية قصوى.

منحت نقطة الافتراق النظام المصري فرصة استثمار التباين السعودي الاماراتي في هذا الملف، حيث يتشدد النظام الاماراتي في موقفه من الاخوان المسلمين وعامة حركات الاسلام السياسي، والتنسيق مع الأخير في أكثر من ساحة(ليبيا، سوريا، العراق)، والعمل معه لجذب الاردن الى صفهما(أثنى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، على التصويت المصري،  معتبرا إيّاه “الصوت العربي”  في مجلس الأمن).

دفع الافتراق النظام المصري الى الكشف عن اولوياته والتعبير عن مواقفه في الملفات العربية والاسلامية في تحد سافر للنظام السعودي حيث اعلن وزير خارجيته سامح شكري عن تباين بين النظامين في الملف السوري وتبني النظام المصري حلا في سوريا، يتذرع بالحفاظ على المؤسسات وحماية وحدة الاراضي السورية، يُبقي على رأس النظام في السلطة(اعترف وزير الخارجية في مقابلة له مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأسبوع الماضي بأن بلاده تختلف مع السعودية بشأن “ضرورة تغيير نظام الحكم والقيادة السورية”)، وتأييده التدخل العسكري الروسي في سوريا وقصفه لفصائل المعارضة، من منطلق اعتبارها اذرعا تركية، والمقاربة الروسية للحل السياسي هناك.

لم يكتف النظام المصري بالاعلان عن تباينه السياسي مع النظام السعودي بل ذهب الى حد نزع الرداء الاسلامي عنه عبر مشاركة وفد ديني مصري رفيع المستوى مكون من أهم المرجعيات الإسلامية المصرية: شيخ الأزهر، مفتي مصر، مستشار الرئيس للشؤون الإسلامية، ومفتي مصر السابق، في مؤتمر غروزني، عاصمة الشيشان، الذي عقد تحت عنوان: “من هم أهل السنة والجماعة”، وخرج بنتيجة وضعت الوهابية، المذهب الرسمي السعودي، خارج التوجهات المشمولة بهذا الوصف.

جاء الرد السعودي على الاعلانات المصرية عن التباين السياسي والديني بوقف توريد المشتقات النفطية الى مصر، حيث ابلغت شركة “ارامكو” السعودية الحكومة المصرية بذلك منذ بداية الشهر الجاري(كانت السعودية قد وافقت بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين شركة “أرامكو” والهيئة المصرية العامة للبترول في وقت سابق من العام الجاري على امداد مصر بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريا لمدة 5 سنوات) ما أثار مشكلة للاخيرة في ضوء حاجتها الماسة لهذه المشتقات لتشغيل المولدات الكهربائية وتغذية المنازل والمعامل باحتياجاتها منها.

تستدعى مواجهة التحديات الكبيرة التي ترزح الدول والشعوب العربية تحت وطأتها تغيير نمط التعاطي السياسي والذهاب الى حوار جاد بين الدول العربية للاتفاق على مخرج وصيغ تشاركية بعيدا عن محاولات الهيمنة والاستتباع ولي الاذرع لان عدم الخروج من المستنقع الراهن سيقود الى تقويض الدول والمجتمعات ويدخلها في حالات فوضى واضطراب مديدة لن يكون الخروج منها سهلا.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى