صفحات العالم

حرب “حزب الله”

على الشعب السوري أيضاً

خير الله خير الله

ما الذي تغيّر بين حرب صيف العام 2006 التي افتعلها “حزب الله” وتسبب فيها بالحاق أكبر كمية من الضرر بلبنان من جهة وحرب صيف 2013 من جهة أخرى؟

كان الهدف من حرب صيف 2006 جرّ اسرائيل الى ممارسة ارهاب الدولة في لبنان. وهذا ما حصل بالفعل. انتقمت اسرائيل من لبنان واللبنانيين واعادت الوطن الصغير سنوات الى خلف نتيجة خطف “حزب الله” جنديين اسرائيليين في مثل هذه الايام من تلك السنة. لم يعد ينفع بعد ذلك كلّ الكلام عن العجز عن تقدير النتائج التي ستترتب على خطف الجنديين الاسرائيليين من نوع الكلام الذي صدر عن الامين العام للحزب.

انتهت الحرب في شهر آب- اغسطس 2006 بصدور القرار الرقم 1701 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة. أوقف القرار “الاعمال العدائية”. كانت في وسط المشهد جثة اسمها لبنان. وقف قادة “حزب الله” على الجثة واعلنوا أنهم حققوا انتصارا عظيما على العدو الاسرائيلي. كان ذلك انتصارا على لبنان وليس على اسرائيل…

أما الرئيس السوري بشّار الاسد، فقد القى خطبة عصماء وصف فيها بعض كبار الزعماء ورجالات الدولة العرب بأنهم “أنصاف رجال”. فعل ذلك لأنه يجهل أنّ العرب الصادقين يمتلكون ما يكفي من الخبرة بما يحول دون أن تنطلي عليهم ألاعيب “حزب الله”.

هؤلاء العرب الصادقون والشرفاء حقّا يعرفون جيدا أن الحزب ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الايراني ولا علاقة له من قريب أو بعيد بمصلحة لبنان أو بالمصالح العليا للعرب، هذا اذا كان هناك من يبحث عن حماية المصالح العربية العليا. فهمّ الحزب محصور في تكريس لبنان “ساحة” للمحور الايراني- السوري تُستخدم في ابتزاز اللبنانيين والعرب وكلّ من تقع اليد عليه.

كانت نتيجة حرب صيف العام 2006 التي استمرّت شهرا والتي خدعت عربا كثيرين امتلكوا فائضا من حسن النية، اغلاق جبهة جنوب لبنان نهائيا بعدما ظلّت مفتوحة منذ العام 1969 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم (بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية) الذي جلب الويلات على لبنان.

ابدت اسرائيل ارتياحها لصدور القرار 1701 الذي اعاد الجيش اللبناني الى جنوب لبنان بعد غياب طويل عنه وعزز القوة الدولية التي ينتشر افرادها في تلك المنطقة اللبنانية منذ العام 1978. هذا الغياب فرضه الفلسطينيون في البداية ثم النظام السوري بالتفاهم مع ايران بعد العام 1982 تاريخ انسحاب المسلحين الفلسطينيين من المنطقة نتيجة الاجتياح الاسرائيلي للاراضي اللبنانية. وكان مثيرا للانتباه الحرص السوري والايراني على أن اتفاق القاهرة ما زال حيا يرزق وذلك على الرغم من أن مجلس النواب اللبناني ألغاه في عهد الرئيس أمين الجميّل في العام 1987.

بين اعلان “حزب الله” تحقيق انتصار كبير على اسرائيل…والارتياح الاسرائيلي لهذا الانتصار الذي يخدم مصالحها، تعرّض لبنان لهزيمة ساحقة ماحقة. تأكّد ذلك بعدما تبيّن أن الانتصار الحقيقي كان انتصارا لـ”حزب الله” على لبنان واللبنانيين. ادار الحزب سلاحه نهائيا في اتجاه الداخل نظرا الى أنه بات مطلوبا اخضاع اللبنانيين وتكريس لبنان مستعمرة ايرانية لا أكثر.

منذ حرب صيف العام 2006، لم يتغيّر شيء. هناك هجمة على لبنان يشنّها “حزب الله” ويستخدم فيها كل الادوات المتاحة، على رأسها النائب المسيحي ميشال عون الذي ولد من أجل لعب دور الأداة لدى الادوات. انّه الدور الذي لا يتقن غيره، بل يمكن القول أنه ولد أصلا من أجل تأديته.

تحولت حرب صيف العام 2006 الى حرب على لبنان. الحرب مستمرّة. لم تتوقف لحظة. مرّت هذه الحرب بمراحل عدة من بينها الاعتصام وسط بيروت من اجل استكمال الحرب الاسرائيلية على لبنان. جاء بعد ذلك احتلال العاصمة اللبنانية في أيّار- مايو من العام 2008 وتهديد الدروز في جبل لبنان والانقلاب على اتفاق الدوحة الذي توّج باسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والاتيان بنجيب ميقاتي رئيسًا لحكومة شكّلها له الحزب الايراني.

بعد سبع سنوات على حرب 2006، لم يعد مطلوبا فقط الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على اسرائيل وتغطية لما سُمح لها بارتكابه. صار مطلوبا الآن الانتصار على سوريا وشعبها أيضا. ولذلك، نقل “حزب الله” قسما من سلاحه ومسلّحيه الى البلد الجار كي يشارك في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه من منطلق مذهبي أوّلا وأخيرا. فما بات واضحا أن لـ”حزب الله” مهمة معيّنة لم تتغيّر طبيعتها يوما. هذه المهمة تحدّد في ايران وليس في أي مكان آخر.

لم تكن يوما من مهمة للحزب سوى خدمة المشروع الايراني في المنطقة. هذا المشروع يصبّ في تفتيت المنطقة ويقوم اساسا على اثارة الغرائز المذهبية وتوظيفها لتحقيق اهداف سياسية لا أكثر ولا أقلّ. واذا كان من جديد في السنة 2013، فانّ هذا الجديد يتمثّل في أن الحرب التي يتعرّض لها لبنان امتدت الى سوريا. واسرائيل التي اراحتها نتاج حرب صيف 2006، لا يمكن إلا أن تزداد راحة في ضوء النتائج المنتظرة لحرب صيف 2013.

في النهاية، لا شيء يحصل بالصدفة. هناك مشروع ايراني واضح يمتد من طهران الى مارون الراس في اقصى الجنوب اللبناني. في المقابل، هناك غياب عربي على كلّ صعيد. هناك حتى عجز عن استيعاب خطورة النتائج التي يمكن أن تترتب على توسيع الجبهة التي فتحها “حزب الله” لتشمل الشعب السوري ايضا.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى