صفحات الناس

حروب المخابرات في مخيم الزعتري

ألكس رويل

في أكبر مخيّم للاجئين السوريين في الأردن، يصفّي عملاء الأسد حساباتهم مع أخصامهم من الجيش السوري الحر

مخيم الزعتري

* هذه المقالة واحدة من بين ثلاث سننشرها تباعاً، وجاءت استناداً إلى زيارة موقع NOW مخيّم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن يوم الأحد في الخامس من أيار 2013.

مخيّم الزعتري، الأردن — عندما تسلّق اللاجئون مقدّمة كابينة مكتب جمعية العون الصحي الأردنية النقّال وبدأوا بدوسها بأقدامهم، ومع اهتزاز جدرانها المتخلخلة مع كل ضربة قويّة، اكتفى عاملو الإغاثة المحشورون في داخلها بالتكشير بارتباك. “كل شيء على ما يرام” قال أحدهم لموقع NOW بثقة واضحة. “الأمر دائماً على هذا النحو”.

أما في الخارج، فقد كان اللاجئون أنفسهم ومن دون أدنى شك أقل هدوءاً، حيث بدأوا يتصبّبون عرقاً تحت أشعة الشمس الحارقة، ويصرخون بأصوات متنافرة عند نافذة المكتب المجاور لنا، وهو مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان. هل أنت صحافي؟ التقط الصور! صرخ أحدهم مخاطباً فريق NOW. وبعد لحظات، رأى أحد الرجال المتعلّقين بقضبان النافذة المعدنية فريق NOW وصاح “لا صور، لا صور!” ومن ثم سحبت الأيدي فريق NOW  إلى الخلف نحو أطراف الحشد الذي يزيد على المئة، والذي تابع تسلّقه الكابينة واحتشاده حولها لأكثر من ساعتين.

هذا الشغب ما هو سوى صنيعة العدد المتزايد من الوافدين إلى مخيّم اللاجئين السوريين أسبوعياً، ويؤجّجه النقص المزمن في التمويل وتزايد عدد السكّان فيه بوتيرة سريعة جداً (فقد شُيّد لـ 60000 شخص، والزعتري الآن يؤوي أكثر من 160000 لاجئ، مع مئات الوافدين الجدد إليه في كل ليلة). وفي حين أنّ تظاهرة الأحد كانت سلميّة من حيث المبدأ، فقد تحوّلت بعض التظاهرات إلى عنيفة في الماضي — في 19 نيسان الماضي، قيل إنّ عشرة رجال شرطة أردنيين جُرحوا أثناء اشتباكات مع 100 لاجئ، وقد اعتُقل ثمانية منهم واتُهموا “بالتجمّع غير القانوني”. ويبدو أن أحد الفيديوات التي سُرّبت يُظهر قوات الأمن الأردنية تهاجم منازل اللاجئين بالقذائف والهراوات.

تختلف ذرائع القيام بمثل هذه التظاهرات يوماً بعد يوم، فمن التذمّر من أداء منظمات المساعدة، إلى مجرّد شائعة يتم تناقلها ويُبنى عليها – كما حدث مثلاً في شباط الماضي، حيث أشعلت فتيل التظاهرة شائعات عن قيام الشرطة الأردنية بالتحرّش جنسياً باللاجئات.

“يمكن أن تجري لأي سبب كان”، قال أحد عاملي الإغاثة الذي طلب عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية الموضوع. “يمكن أن أشير إلى أي شخص كان في الشارع وأصرخ “شبيح” [أي عميل للنظام السوري]! ويمكن أن يتسبّب ذلك بشغب”. بالنسبة للبعض، يبدو أن التظاهرات ليست سوى أمر مثير ومسلٍّ لقضاء أيّامهم الصعبة.

غير أنّ اللاجئين أخبروا NOW عن مصدر آخر للشغب – هو تسلّل مخابرات النظام السوري، الذين يُرسَلون إلى المخيّم من أجل التجسّس على أخصامهم من الجيش السوري الحر، والتشويش على جهود الأردنيين للحفاظ على الأمن، وإثارة الفوضى بشكل عام.

“لدى المخابرات قواعد هنا في المخيّم” قال أحمد، وهو لاجئ من درعا في منتصف العشرينات من عمره. “هم في الغالب يكتفون بجمع المعلومات، ولكنّهم أحياناً يعتدون على الناس. فقد قاموا مثلاً باغتيال جنرال في الجيش السوري الحر كان يعيش هنا في المخيم”. ويُعتقد أنّهم يقفون وراء بعض حرائق الخيم، وإن ليس كلّها، التي أودت بحياة بعض الأرواح.

ولا تنتهي مصيبة اللاجئين عند هذا الحد. “في الواقع لدينا ثلاثة أنواع من المخابرات هنا” قال أحمد. “مخابرات النظام، الذين ندعوهم بـ “الشبيحة”، والمخابرات الأردنية، والآن بات لدينا أيضاً مخابرات تابعة للجيش السوري الحر. لسنا بالطبع بحاجة إلى ذلك”، يضحك قائلاً بمرارة.

من الواضح للعيان أنّ سكان المخيم جميعاً معادون للنظام – فعلم “سوريا الحرة” يرفرف في كل شارع، ويغطّي جدران المتاجر ويُرسم على الأسطح الفارغة. غير أن احمد قال لـ NOW إنّ سلوك بعض عناصر “مخابرات الجيش السوري الحر” ولّد الكراهية لهم.

“نحن جميعاً مع الثورة. غير أنّ بعض [عناصر الجيش السوري الحر] يسرقون بقية اللاجئين، ويشيعون الفساد، كما لو أنّهم نسوا أمر الثورة ولا يهمّهم سوى أنفسهم. باتوا مثلهم مثل النظام”، قال لـ NOW.

ما يسهّل هذه الممارسات هو النظام الذي ارتجلته الحكومة من دون أي تنظيم داخل المخيّم حيث يتولّى السيطرة على كل شارع زعيم غير رسمي. ووفقاً لعامل الإغاثة الذي نقلنا ما قاله لنا في وقتٍ سابق، هؤلاء الزعماء معروفون بفسادهم— فهم يفرضون على ساكني شارعهم الذين يجدون عملاً دفع عمولة لهم، ويشترون النفوذ من خلال استيلائهم على قسائم المساعدات. فربّما إذاً ما لا يمكن تجنّبه هو وجود اختلاط وتداخل بين مظاهر هؤلاء الزعماء ومظاهر عناصر المخابرات المشابهة.

بدورهم عناصر الدرك الأردني ليسوا أكثر شعبية، بما أنّ قصص حكمهم الظالم تتكاثر. “ذلك اليوم، اتهموا فتى بسرقة عربة مسكن، وأوسعوه ضرباً” قال أحمد. “تخيّل- صبي واحد يسرق عربة كاملة أين له أن يخبّئها؟ هل سيضعها في جيبه؟”

في مخفر الشرطة قرب مدخل المخيّم الرئيسي، تتسكّع قوّة من الدرك في ناقلتي جند مدرعتين، حاملين هراوات طويلة. وعلى الرغم من أنّهم كانوا ودودين مع معظم اللاجئين الذين مرّوا بهم، شاهد NOW معاملة أحد المارة بقسوة لإدخاله إلى المكتب، حيث قام الدركي بشتمه، وقال له أن “يخرس” عندما تكلّم. وعلم موقع NOW أنّه كان متهمّاً بالاعتداء على مواطن أردني.

على الرغم من هذه الاحتكاكات، قال أحمد إن هناك درجة من التعاون بين الدرك والجيش السوري الحر. على سبيل المثال، عندما اغتيل الجنرال في الجيش السوري الحر على يد مخابرات النظام، يقول إنّ الأردنيين أمسكوا بمرتكبي الجريمة وسلموهم إلى الجيش السوري الحر. سأل NOW، وماذا فعل بهم الجيش السوري الحر؟

“قتلوهم”

تمّ تغيير أسماء من حاورناهم نزولاً عند رغبتهم، وللحفاظ على أمنهم.

هذا المقال هو ترجمة للنص الانكليزي الاصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى