صفحات سوريةمازن كم الماز

حرية السوريين ليست مسألة فقهية


مازن كم الماز

ليست حرية السوريين مسألة فقهية , العلاقة بين السوريين و ديكتاتورهم ليست عقد بيع أو شراء أو نكاح , و لا يمين غير شرعية أو شرعية , إنها مسألة نظام يقهر و ينهب , و أخيرا يقتل , شعبا بأكمله … لذلك بالذات فإن فتاوى الشيخ البوطي عن دماء الشهداء هي أقرب للسفسطة الكلامية فقط , صحيح أن البوطي و غيره كأوصياء على الجنة و ناطقين باسم سيد تلك الجنة يستطيعون أن يدخلوا و يخرجوا من يشاؤون من جنتهم هذه , صحيح أن البوطي يستطيع أن يعد بها مثلا باسل الأسد شقيق جزار درعا و حماة و حي الرمل , و هو حر بالتأكيد في أن يجعل شرط دخولها على الفقراء و السوريين العاديين بمن فيهم من يقتلهم سيده هو الخضوع للديكتاتورية , لكن حرية الشعب السوري نفسها ليست مسألة فقهية , إنها اليوم التحديد مسألة إرادة السوريين العاديين و تصميمهم على انتزاع حريتهم رغم كل جسامة التضحيات أمام آلة القتل الهمجية التابعة للديكتاتور , صحيح أن الحصن الحقيقي لديكتاتورية بشار الأسد هي آلة القتل و التعذيب هذه , لكن الديكتاتور الذي فعل كل ما بوسعه ليقسم السوريين لكي يبقى على ظهورهم و ليخوف بعضهم من بعض , و يخوفهم من حريتهم , هذا الديكتاتور يحتاج إلى فتاوى البوطي على الرغم من ذلك ليحارب تلك الإرادة الصلبة للجماهير و ليهزمها , يحتاج الديكتاتور إلى البوطي ليحاول أن يجعل الجحيم الذي يعيش فيه السوريون مقبولا بل شيئا ضروريا للوصول إلى جنة البوطي ما دام من الوقاحة و التفاهة و المستحيل في نفس الوقت وصف هذا الجحيم بالجنة , يريد الديكتاتور أن يجعل من حرية السوريين مسألة فقهية تخص رجال الدين السنة و العلويين و المسيحيين ( طبعا إلى جانب كبار شبيحته و مرتزقته و قتلته المجرمين ) و ليست مسألة تخص السنة و العلويين و المسيحيين العاديين أنفسهم , لكن حرية السوريين على الرغم من ذلك ليست مسألة فقهية .. إن رفض الظلم و القهر و الاستغلال أنبل شعور و دافع إنساني ممكن , و لا يحتاج إلى تبرير أو شرح أو تفصيل , إنه بديهي , فطري , طبيعي , لدرجة تعني اليوم خاصة وسط دماء و عذابات السوريين العاديين الحالمين بالحرية , أن الكفر يعني اليوم الكفر بحرية هؤلاء السوريين فقط و أن الهرطقة هي الوقوف إلى جانب قاتلهم , هذه الحرية التي يكفر بها البوطي بكل وقاحة , إلى جانب فقهاء يساريين و قوميين آخرين , صحيح أيضا أنه من الممكن أكثر من ذلك , إذا أصر السوريون العاديون على ممارسة حريتهم إلى أقصاها دون أن ينحنوا لا أمام الديكتاتور أو أمام أي قوة طامعة بتحويلهم إلى عبيد مرة أخرى , صحيح أن هذا سيعني أن حريتهم لن تعود أبدا مسألة فقهية أو إيديولوجية تخص أية أقلية أيا تكن , ستصبح قضية حريتهم تخصهم هم فقط , و سيصبحون سادة حياتهم هم فقط , يستطيع السوريون العاديون خاصة بعد كل هذه التضحيات الهائلة في وجه الديكتاتورية أن يجعلوا قضية حريتهم ممارسة يومية , حقيقة واقعة لا تنتظر موافقة أو تبرير أية أقلية لا دينية و لا علمانية , لهذا لا علاقة للبوطي بجنة السوريين الحالمين بالحرية , سوريا و شرق و عالم حر , حيث لا سادة و لا عبيد , إنه باختصار فقيه جحيم الديكتاتورية , مع فقهاء اليسار و القومية المتخصصيين في تزيين الحياة في جهنم الديكتاتورية و الاستغلال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى