صفحات العالم

حزب البعث الغائب الأكبر في الأزمة السورية

 

الجيش صادر دوره والانتفاضة سلبت قاعدته

    امين قمورية

منذ قرابة سنتين هي عمر الانتفاضة في سوريا، توارت كلمة البعث عن الساحة الإعلامية الساخنة، وغاب تماما أي ذكر لانعقاد مؤتمر أو ندوة أو لقاء للحزب الذي كرّس لعهود متتالية “قائدا للمجتمع والدولة”. وخلت شاشات الفضائيات المؤيدة للانتفاضة والمعارضة لها والحيادية (اذا وجدت) من أي وجوه بعثية للدفاع عن النظام، بينما ازدحمت بتخمة من الذين يطلق عليهم لقب محللين سياسيين، سوريين كانوا ام لبنانيين، لملء فراغ غياب الكادر الحزبي المنوطة به مسؤولية “الدفاع عن الحزب والوطن والنظام “.

اين هو حزب البعث اليوم ؟ وما هو مصيره ؟ هل هو الذي يقود المعركة ام ان المعركة عرّته من اوراق التوت؟

لم يكن خافياً على احد من السوريين في السابق، ان الحزب ليس سوى مجرد عنوان عريض تدار من تحته ألاعيب السياسة والمناورات، وباسمه كانت تقترف الانتهاكات، ليحول النخبة الحاكمة مصبغة لغسل آثام المستفيدين والانتهازيين واقترافاتهم، لان التأثير لم يكن للقادة الحزبيين اطلاقا، ذلك ان اي ضابط في جهاز الأمن كان من حيث التأثير أهم من كل قادة الحزب على كل المستويات، فهو الآمر والناهي بينما الكادر الحزبي هو المنفذ اذا كان ملائما للتنفيذ.

جاءت الانتفاضة لتكون الضربة القاضية للحزب الذي منحه التعديل الدستوري عام 1973 وضعاً استثنائياً بصفته “قائد الدولة والمجتمع” في سوريا، إلى أن ازيلت هذه الصفة في الدستور السوري الجديد الذي طرح في شباط 2012. هذا  الحزب، الذي يُعد الدعامة الأساسية للنظام، والذي بلغ العدد الرسمي لأعضائه 2٫5 مليوني عضو في كانون الثاني2011، يعيش اليوم مرحلة من التفكّك البطيء. فالعزلة التدريجية لكوادر الحزب وأعضائه في ظل تصاعد أعمال العنف، فضلاً عن ازدياد تدخّل الأجهزة الأمنية للدولة في توجيهه، أفشلا محاولاته قيادةَ هجوم سياسي مضاد واستعادة الدعم الشعبي للنظام في الانتخابات العامة التي أُجريَت في أيار 2012، والتي أعقبها انشقاق الكثير من المسؤولين الكبار في الحزب، الأمر الذي ساهم في انهيار مفاصل رئيسية في الإدارة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحزب البعث.

 كان ينبغي من حيث المبدأ أن تكون القيادة القطرية، كونها الجهاز الأعلى في الحزب، هي المسؤولة عن وضع السياسات العامة للتعامل مع الانتفاضة. لكنها بدلاً من ذلك وجدت نفسها مبعدة الى ادوار ثانوية لمصلحة أجهزة المخابرات وضباط الجيش، الذين فرضوا على البلاد، جنباً إلى جنب مع اللجنة المركزية واللجنة العسكرية للحزب، استراتيجيتهم العنيفة المناهضة للاحتجاجات. وتاليا، فقدت القيادة القطرية سلطتها على الجهاز المدني لحزب البعث، جزئياً، لمصلحة أجهزة المخابرات والجيش. وقد بدا هذا واضحاً، على سبيل المثال، في الانتخابات الداخلية للحزب التي أُجريَت عام 2011 وأوائل 2012. فقد اختار رؤساء أجهزة المخابرات المندوبين الذين يمثّلون المحافظات، بما في ذلك دمشق والسويداء والحسكة وحلب وحماه إلى المؤتمر القطري الحادي عشر للحزب (الذي جرى تأجيله إلى أَجَل غير مسمّى منذ شباط 2012).

ومع إخفاق الجناح المدني في حزب البعث، في القيام بالمهمة الاساسية المنوطة به والمتمثّلة في تعبئة اعضاء الحزب وتأمين الدعم الشعبي المحلي له، تصدت أجهزة الأمن والجيش لهذه المهمة ولا سيّما في المحافظات التي شهدت صراعات مفتوحة مثل حماه وحمص وريف دمشق ودير الزور وحلب. وهكذا صارت كل فروع حزب البعث معطّلة ما عدا فرع الحزب في قوى الأمن، سواء على مستوى المحافظة أو المنطقة. وقد شهد قادة القيادة القطرية ابتعاد، لا بل انشقاق أمناء الفروع الذين يُعَدّون أكبر ممثّلي حزب البعث في المحافظات.

 كانت ظاهرة الانشقاق الحزبي ملحوظة ولا سيما في المناطق التي حصل فيها قمع شرس للتظاهرات، مثل درعا واللاذقية وحماه وحمص. وشيئاً فشيئاً، نأى أعضاء فروع عدة بأنفسهم عن العمليات التي تقوم بها قوات الأمن في مناطق مختلفة في المحافظات الأربع عشرة. وفي حين أحجم الكثيرون عن الانشقاق رسمياً، أوقفوا أي تعامل مع حزبهم.

 اما في “الوحدات الريفية” التي كانت ابرز مداميك الحزب، ولا سيما في حوران وحماه وإدلب وحمص ودير الزور، فكانت وتيرة الانشقاقات اكبر سواء بالالتحاق بالانتفاضة، أو خوفاً من الانتقام، أو لأنهم يعارضون سياسات النظام. ونتيجة ذلك، جرى إفراغ الحزب تماماً تقريباً من العضوية العاملة في المناطق الريفية، التي شكّلت قاعدته الاجتماعية مدى السنوات الأربعين الماضية.

 وفي أواخر كانون الثاني 2011، ادعى الحزب رسمياً أن لديه 2,5 مليوني عضو، بيد أن مسؤولين سابقين في حزب البعث قدّروا أن أكثر من نصف هذا العدد ترك الحزب منذ ذلك الحين.

ونظراً إلى التفكّك وضعف المعنويات، لم تَعُد لدى حزب البعث السوري القدرة على ضمان السير العادي للدولة لا راهناً ولا مستقبلا. ولا يبدو ان ثمة امكاناً لتغيير هذا المسار في سوريا. وهكذا، اذا ما جرى التوصل الى تسوية سياسية للازمة بين النظام والمعارضة فان حزب البعث وان ضمن مكانا له في هذه التسوية، سيكون اشبه بهيكل فارغ من دون أي تأثير بعدما فَقَدَ دعم قاعدته وهياكل السلطة التي بناها في العقود الماضية، وحل ضباط الجيش وأجهزة المخابرات مكان قادته الحزبيين. اما اذا حسمت المعركة لمصلحة المعارضة عسكريا وسياسيا، فالارجح ان مثال حزب البعث العراقي في مرحلة ما بعد صدام سيكون مطبقا على البعث السوري في مرحلة ما بعد الاسد.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى