صفحات سورية

حسم الصراع السوري محلياً وتأجيجه عالمياً ؟/ عادل يازجي

 

 

خطوط التماس الإقليمية في المشهد السوري ساخنة ومتوترة سياسياً وعسكرياً، وهي تحتمل أكثر من قراءة، كما توحي باحتمالات عدة في أيّ لحظة. الخطوط الباردة بين تحالفات آنية متأهبة لتسخن فجأة، والخطوط الساخنة بين الوكلاء قد تبرد آنياً، لكن الأخطر هو سخونة خطوط التماس المحيطة من تل أبيب إلى طهران وواشنطن وموسكو، فإسرائيل صرّحت بانتهاء مشكلتها مع الوكيل في سورية وتهدد بمواجهة الأصيل في إيران، وقد تكتفي بمواجهة أكثر سخونة في سورية إذا اقتصرت الحشود العسكرية الأميركية في البحر المتوسط على السياحة وتحولت فيالقها إلى سفائن حب. وحتى الحشود الروسية (المسالمة) لن تبقى في حيّز التفهُّم والتوجيه للضربات الإسرائيلية، وللضربات الأميركية الفرنسية البريطانية، إذا أخطأت أهدافها؟ أو تعمّدت الخطأ ولم تردفه باعتذار؟ فالحشود وتصاعد لغات التوتر، توحي بتغيُّرٍ في خرائط الصدام العسكري والسياسي، تتجاوز الحدود الحالية لمسرح الاشتباكات، لكن قراءة ما بين السطور الإقليمية ترشّح الحلبة السورية لاستمرار المبارزات فيها، ولا تعير اهتماماً لاتفاقات خفض التصعيد.

في هذه الأجواء القاتمة يقترب النظام السوري من حسم الصراع ميدانياً، لا تعرقله الاعتداءات الإسرائيلية أو الأميركية الأوروبية بنتائجها الميدانية، ولن تعيقه في استعادة توازنه جزئياً أمام اختلال التوازن الدولي، واختلال توازن المعارضة الخارجية الذي انتقل معها من غرفة إنعاش المجتمع الدولي إلى غرفة الإنعاش التركية، وما لم تتعافَ فلن تتقبّلها موسكو وطهران طرفاً مفاوضاً إذا وُضِع مؤتمر جنيف قيد التداول، وتفعيل اللجنة الدستورية التي حظيت مجدداً باهتمام الرئيسين بوتين والأسد مؤشّر باتجاه جنيف.

خفض التصعيد يتجدّد ويمتد شمالاً وجنوباً لا يعكّر صفوه إلاّ حشود جبهة النصرة واتباعها في (إمارة) إدلب، لكن حكمة الحلف الثلاثي في آستانة9 قضمت ثلث الإمارة لمصلحة النظام تحت أنظار أبراج المراقبة التركية. وخفض التصعيد لم يتعكر صفوه بهذا القضم العَرَضي، بل بدعوة ترامب إلى تشكيل حلف دولي ضد إيران، حتماً قُرئت مخاطره و/ محاسنه في اجتماع بوتين والأسد.

التوازن بين طرفي التفاوض كان ولا يزال مختلاً، من حيث الثقل التمثيلي على الأرض وفي الفضاء السياسي الدولي. النظام مستمر في الضغط الميداني لإعادة المناطق (المستقلّة عنه) إلى بيت الطاعة، والمعارضة المطروحة للتفاوض كانت تحلّق في الفضاء الدولي، ويبدو أنها بدأت تقرأ أبعاد التغيُّر على الأرض ومدى ارتباطه بما يحدث أمام عينيها وحولها من تبدّل وتغيّر في المحيط الداعم لها، وتُدخل في حساباتها غضّ الطرف عن نجاح موسكو وطهران وأنقرة ودمشق ميدانياً، وربما استثماره تفاوضياً تحت سقف 2254 شكلياً لذرِّ الرماد في العيون إذا أُحيلت نتائج آستانة جميعها، مع لجنة سوتشي الدستورية، على مؤتمر جنيف المتواري عن الأنظار، ويبحثُ عنه دون كلل أو ملل ستيفان دي ميستورا.

طبيعي في مرحلة المصادرات السياسية والاقتصادية الحالية أن ترتفع وتائر التوتر الميداني الدولي فوق الأرض السورية وعبر أجوائها. يكفي أن ترامب متأهب للانقضاض في أي اتجاه إذا دُفع له الثمن.

ولا يُستبعد أيُّ احتمالٍ لتأكيد صدقيته في مواجهة التمدد الإيراني الذي لا يقيم وزناً لضغوط المجتمع الدولي، وقد تسفر السخونة الدولية عن مفاجأة أميركية من العيار الثقيل، لاستعادة الثقة بتأثير القوة حتى بغياب التلويح بها.

في قراءة المشهد السوري بتشابكاته الخارجية، والتناقضات داخل الحلف الثلاثي، يستفيد النظام من ارتدادات المحيط المناوئ له الذي ناصبه العداء سياسياً وميدانياً، وفجأة قلّص ثم حجب عداءه، بسبب اختلال موازين الربح والخسارة في بيدر المصادرات، وأغلب الظن أن حلف (موسكو- طهران- أنقرة) سيواجه امتحاناً عسيراً بدعوة بوتين لانسحاب القوات الأجنبية من سورية، فالدعوة واضحة الأبعاد تجاه طهران و «حزب الله» وأنقرة، لاسيما أن واشنطن بدأت بانسحاب أو إعادة انتشار من الشمال والشمال الغربي السوري إلى الجنوب والشرق.

آستانة9 عالج الشمال والجنوب السوريين بتعقيداتهما العسكرية والسياسية، ولم يرشح عن هذه الجولة إلا تمديد اتفاقات خفض التصعيد وشمولها بعض أراضي إدلب لمصلحة النظام بامتعاضٍ تركي، وإشارات خجولة إلى الحل السياسي ومؤتمر جنيف، دعّمها الرئيسان بوتين والأسد بالتركيز على السلة الدستورية التي يتأبطها بكامل ثقلها المبعوث الدولي دي ميستورا. قد تظهر فجأة التفاتة من الحلف الثلاثي الضامن إلى مؤتمر جنيف، لأن شرعية اللجنة الدستورية دولياً تقتضي ذلك، ما لم يحدث ما ليس بالحسبان في سعْيِ واشنطن إلى تشكيل تحالف دولي يحجّم إيران داخل حدودها الجغرافية والسياسية، بعد فشل واشنطن في جرِّ أوروبا إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.

زيارة الأسد المفاجئة لبوتين ليست على مزاج طهران وأنقرة، لأنها تتفهّم التوجُّه الأميركي ضدّهما داخل سورية وخارجها بأسلوب سد الذرائع وليس بالمواجهة أو المقاومة، وذريعة مؤتمر جنيف لا وزن لها بين الذرائع الكبرى، ولا تحد من وتائر التصعيد الأميركي، الذي يتبنّاه تكتيكياً واستراتيجياً مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتن.

قبول النظام وموسكو باستيراد ديموقراطيةٍ ما إلى سورية يشكل ترضية للمجتمع الدولي بتحريك المسار السياسي، وفي الداخل ترحيبٌ بها سواء جاءت من جنيف أو من موسكو، لكن فلسفتها يصعب هضمها عند كلٍّ من النظام والمعارضة، إذ لا وجود لها في تاريخنا العربي السياسي والمذهبي، ولم نتحمّل وجودها في البلد الشقيق لبنان، فكيف بها في عقر دارنا؟ قطعاً ستكون عُرضة لكل أمراض السياسة السورية، أو أداة لخلق سيطرة بديلة تهدد بفوضى جديدة توقظ الدواعش النائمة، أو تعيد إنتاجها من جديد!

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى