صفحات المستقبلياسين السويحة

حسين غرير يكفي لئلا تسقط السماء

 

ياسين سويحة

تعود آخر تغريدة في حساب حسين غرير على “تويتر” إلى السادس عشر من شباط عام 2012، وفيها علّق على شعارٍ مؤيد للنظام السوري رآه عند محطة الحجاز في دمشق: “إذا بشار بخير، الدنيا كلها بخير”. في ذلك اليوم الذي كانت فيه “الدنيا كلّها بخير”، اعتُقل حسين، هو و12 زميلاً، خلال مداهمة مقر “المركز السوري للإعلام وحرّية التعبير”.

لم يكن هذا اعتقاله الأول، فقد سبقه اعتقالٌ أقصر، في خريف عام 2011، خرج منه ممتناً لحملة التضامن التي نظمها أصدقاؤه وزملاؤه المدوّنون ومتابعو مدونته، بل وعاتباً بعض الشيء على اﻻهتمام الأكبر من المعتاد الذي نالته قضيّة اعتقاله مقارنةً بقضايا أخرى أهم برأيه، أو على الأقل مماثلة في الأهمّية وتستحق الاهتمام نفسه. حوارٌ طويل دار بينه وبين بعض أصدقائه، من الذين أتشرّف أن أكون منهم، وقُطع استمراره منتصف شباط من العام الماضي، وإلى اليوم…

 حسين شخص مبدئي إلى حدّ اﻻستفزاز، وهذه ميّزة سرعان ما تتوضح لمن يتابع مسيرة مدونته، إحدى أكثر المدونات السورية انتشاراً. لم يغب حسين غرير عن أيّ نقاشٍ تدويني، كما أن دوره في كلّ النشاطات والتظاهرات التدوينية السوريّة كان محورياً دائماً.

 هكذا، حضرت تدويناته في حملات التضامن مع معتقلي الرأي، وفي “أسبوع الجولان”، وفي الحركة التدوينية التي نشطت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وفي الحملات المناهضة جرائم الشرف والمطالبة بتشديد مواد قانون العقوبات ضد مرتكبيها، وأيضاً في الحملة من أجل حقّ المرأة السوريّة بمنح جنسيتها لأبنائها.

 مبدئيّة حسين غرير الجذريّة تُترجم، دائماً، إلى مواقف من القضايا التي تخص عموم السوريين، وبوجه مكشوف وكلمة صاخبة وواثقة: لنا جميعاً حقٌ في حياةٍ أفضل في كلّ مجالات المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة، وعلينا البحث عن سبل ووسائل إحقاق هذا الحق. إنها القاعدة الذهبية للانخراط  في الشأن العام في كلّ العالم. لكنها، في سوريا التي يكون فيها بشار بخير،  مفتاح عبور بوّابات المعتقلات والمقابر باتجاهٍ واحد.

 أٌطلق سراح بعض معتقلي “المركز السوري للإعلام وحرّية التعبير” بعد فترات اعتقال متفاوتة. لكنّ اعتقال حسين غرير وبقيّة زملائه، ومن ضمنهم مازن درويش، مدير المركز، استمرّ وبظروفٍ قاسية، فقد مُنع عنهم الدعم الحقوقي، وكذلك الزيارات، إذ لم تتمكن عائلاتهم من التواصل معهم حتى نهاية العام 2012. حينها، علم حسين باستشهاد مصطفى قرمان، زوج شقيقته مها وأحد أبرز ناشطي الحراك المدني والسلمي في حلب. كتب حسين رسالة مؤثرة لمها شاركتنا إياها على الشبكات الاجتماعيّة، يخاطبها بالقول: “مها… عهداً عليّ أن أتابع ما بدأناه معاً، وأن أسير على الطريق الذي أضاءه بدمه، وأن أتفيأ بروحه ما حييت، وأن أجعل منها شجرة يأكل منها كل ابن آدم، لتغسل قلبه فيولد من جديد”.

 لا نعلم، بعد، إن كان حسين ومن بقي معتقلاً معه، قد علموا باستشهاد أيهم غزول، الطبيب ابن الـ26 عاماً، زميلهم في المركز، ورفيقهم في المعتقل الذي أُطلق سراحه ثم أعيد اعتقاله ليستشهد تحت التعذيب. جثة أيهم ما زالت “معتقلة” عند “الجهات المختصّة”… هكذا هي سوريا التي يكون فيها بشار بخير.

 حسين غرير حر قد ﻻ يعني أن تكون الدنيا بخير، لكنه يعني أنّ هناك من لن يوفّر جهداً وﻻ طاقة في سبيل أن تكون سوريا مكاناً أكثر عدلاً وحرّية. إنه، ورفاقه في الهمّ والهمّة، مثالٌ على ما يتحدّث به فرج بيرقدار، الشاعر السوري الذي خبِر سجون الأسد الأب، حين يقول إن طائراً واحداً يكفي لكي ﻻ تسقط السماء…

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى