صفحات الناسوليد بركسية

حظر البرقع”: حملة أوروبية جديدة ضد “المدّ الإسلامي/ وليد بركسية

 

 

“إمنعوا البرقع.. لا مكان له في المجتمعات الغربية”. هو الشعار الرئيس والهدف الأول لحملة “Ban the Burqa” المنتشرة هذه الأيام في “فايسبوك”. هي حملة غربية – غربية، من مصدر غربي إلى جمهور غربي بالدرجة الأولى “للحفاظ على خصوصية المجتمعات الغربية” من “المدّ الإسلامي”.

أطلق الحملة أساساً حزب Britain First (بريطانيا أولاً)، أحد أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً في المملكة المتحدة، ويبني سياسته العامة على حماية خصوصية المجتمع البريطاني كمجتمع غربي مسيحي من خطر المهاجرين الجدد، وبالتحديد المهاجرين الإسلاميين من دول الشرق الأوسط. كما تتبع له “لجان حماية أهلية” تحت اسم “قوات الدفاع البريطانية الأولى” التي تنظم احتجاجات أمام دور المسلمين في بريطانيا إضافة إلى تنشيط دوريات مراقبة “مسيحية” في البلاد.

لا تخلو الحملة من عنصرية جاءت كنتيجة متفاقمة للإسلاموفوبيا . فهي لا تنطلق من مبدأ إنساني متضامن مع المنقبات مثلاً كالدفاع عن حقوق النساء المسلمات في اختيار طريق آخر غير النقاب (إن أردن ذلك)، ولا حتى من منطلق المساواة مع الرجال أو المساواة مع النساء الأخريات، أو حتى حماية الأطفال في الأماكن العامة من نوبات الذعر من “المنظر الأسود الغريب غير المألوف”.. بل تنطلق من إطار ضيق يحقر إرادة قد تكون حرة نحو خطاب إقصائي بشكل افتراضي هذه المرة.

في الجانب الآخر، لا يمكن لوم هكذا نوع من الحملات على نوعية خطابها. فهي رد فعل واقعي قاسٍ على مظاهر يقوم بها المسلمون في أوروبا عن قصد. ونتحدث هنا عن تصرفات مستفزة، مثل دوريات الشريعة في لندن وبرلين ومدن أوروبية أخرى، والتي يفسرها القائمون على حملة “حظر النقاب” بأنها تمهيد للاستيلاء على الحضارة الغربية من قبل المهاجرين. وعليه، تصبح أي تصرفات إسلامية أخرى، ولو كانت في إطار الحرية الفردية، عملاً مستفزاً للمجتمع الغربي نفسه.

تحذر الحملة من “فتوحات إسلامية” جديدة تستهدف المجتمعات الغربية، علماً أنها تتأرجح بين الواقع والخيال في ظل إنشاء “داعش” خلافتها المستحدثة في سوريا والعراق. صفة لم تكن لتوجد في خطابات الحملة وغيرها من الحملات المشابهة لولا الصعود الدراماتيكي لـ “داعش” على الصعيد العالمي والشرق أوسطي، مثلما يلاحظ في منشورات “حظر النقاب” حول “داعش” نفسها. وتستدل الحملة على بداية “الفتح الإسلامي الجديد” بأعداد المهاجرين المسلمين الذين وفدوا إلى بريطانيا وبقية الدول الغربية بعد أحداث الربيع العربي، في ظل الأوضاع غير المستقرة التي تعصف بالمنطقة ككل.

تستعين الحملة في منشوراتها بمقاطع من القرآن والأحاديث النبوية التي يراها المنظمون إقصائية، لتحقيق مزيد من التأثير، وهو أسلوب ترهيبي في إطار الإسلاموفوبيا. وتُربط تلك المقاطع بصور الإرهاب الإسلامي في الشرق الأوسط، أو أحداث 11 أيلول، أو صور النقاب والبرقع، وصولاً إلى الصور الساخرة في إطار العلاقات السابقة نفسها.

تمددت الحملة لاحقاً من بريطانيا نحو مجتمعات غربية أخرى، مخاطبةً مواطني الولايات المتحدة، ألمانيا، نيوزيلندا وأستراليا، وتأسست في تلك الدول صفحات مساندة للحملة البريطانية الأم (America First، Free Australia، ..)، فيما يبقى النموذج الفرنسي الذي منع النقاب في الأماكن العامة قبل سنوات، حلماً يراود القائمين على تلك الحملات. كما أحيت الحملة نشاط صفحات قديمة مثل صفحة Ban the Burka (أحظُروا البرقع) التي شهدت فترة جمود طويلة خلال السنتين الأخيرتين، رغم إنشائها العام 2008.

وحديث الحملة والحزب عموماً، عن مجتمع غربي مسيحي، يماثل حديث “داعش” عن دولة خلافة إسلامية. الفكران يتشابهان في الإقصائية ذاتها التي لا تنتمي إليها المجتمعات الديموقراطية في القرن الحادي والعشرين. فالتمييز بين مواطني الدول القومية على صعيد الدين، نقطة سوداء في خطاب منظمي الحملة الذين يدعون إلى “طرد المسلمين من الغرب” ومنع استقبال المزيد منهم.

وتتعدد ردود الأفعال على الحملة، من مستخدمي “فايسبوك”، بين مؤيد ومعارض.المؤيدون هم الغالبية باعتبارهم من ناشطي الأحزاب السياسية المنظمة للحملة أو من المؤيدين لسياستها في أقل تقدير. هناك بعض المؤيدين المهذبين الذين يناقشون الموضوع من ناحية حرية التعبير، طارحين أسئلة مستهجنة حول الأسباب التي تجعل النساء المسلمات يرتدين النقاب أو الحجاب.. بينما يتحدث المعارضون عن الحرية الشخصية في مجتمع تعددي ديموقراطي. ويشارك مؤيديو الحملة قصصهم مع المحجبات والمنقبات، ولا تتعدى تلك التجارب غالباً القصص الشخصية كتوصيف للمفاجأة والدهشة من رؤية منقبة في الطريق أو خوف الأطفال من منقبة في شارع هنا أو هناك.

وإن كانت الحملة سيئة بكل المعايير، وبعد التأكد من قول ذلك، قد يصحّ التساؤل عن جزء من المسؤولية عن بروز مثل هذه الحملات المتعصبة، يتحمله العرب والمسلمون أنفسهم، لا سيما أولئك الذين يعيشون في مجتمعات غربية، ولم يتمكنوا من الاندماج فيها كمنظومة اجتماعية وحقوقية/قانونية (ولا أحد ينكر الخصوصية الثقافية هنا)، بل وكثير منهم لم يقدم نموذجاً/حطاباً/سلوكاً مشرقاً عن الإسلام المتسامح أو العادل أو القابل للانسجام مع الحداثة وحقوق الإنسان.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى