صفحات الثقافة

حفلات إعدام


احمد بزون

لم يُثْبِت أحد أن الفنان السوري محمد رافع كان يحمل سلاحاً، وإن صرّحت الجماعة التي قتلته بدم بارد بأنها وجدت معه سلاحاً وورقة كتب عليها تقرير كان يريد أن يقدمه إلى الأجهزة الأمنية السورية… هذا هو الهراء نفسه والأسلوب السخيف نفسه الذي تستعمله السلطات السورية، عندما تغتال أحد الأشخاص أو تنفذ مجزرة. فأي عاقل يعرف أنه لو كان يحمل سلاحاً لاشتبك مع المسلحين الذين اعتقلوه في منزله. ولنفترض أنه كان يحمل مسدساً للدفاع عن نفسه، في بلد تكثر فيه حواجز القتل وفوضى السلاح والاغتيال لأتفه الأسباب، هل هذا يوجب قتله بعد اعتقاله؟

كل التبريرات التي يطلقها القتلة لا تبرر قتل شاب اختار منذ البداية أن يكون بعيداً عن آلة القتل. ثم إننا لم نعد نستغرب أن يُقتل مثقف أو فنان بهذه السهولة، وأن يرفق الإعلان عن مقتله بمثل هذا التبرير، ما دامت الأساليب باتت معروفة، وبعض مجموعات المعارضة تنسخ موهبة السلطة في التعذيب والقتل. والأنكى أن التبرير ملحق بالمفاخرة بقتل «شبيح».

لهذا.. لا يمكن أن يمر مقتل رافع كأنه رقم في عداد الأرقام اليومية، إذ إن فعل القتل مبرر في أرض المعركة، لكننا مع ذلك لا يمكن أن نبرر المجازر الفظيعة التي يقوم بها الطرفان، قتل جنود مستسلمين أو معتقلين، أو التشنيع بجثث معارضين، فاقت المشاهد، التي تردنا من سوريا عبر الشاشات ووسائل الاتصالات المختلفة، اللوحات التاريخية التي «خلدت» المجازر و«حفلات» الإعدام، والتي لا تزال علامات عار رسخها فنانون كبار في العالم. فعندما تصلنا المشاهد من سوريا، لا بد من أن نتذكر الفظائع التي صورها فرانسيسكو غويا في لوحة إعدام جنود لمجموعة من الريفيين الأسبان، كذلك لوحة إعدام ماكسيميليان لادوار مانيه، وإعدام السيدة جين غراي لبول دولاروش.

لعل الانقسام الحاد بين جمهور الأسد وجمهور المعارضة، ليس في سوريا وحدها وإنما في دول عربية مختلفة، يجعل القتل والتفظيع والتجزير عملاً روتينياً لا بد منه كي يرتدع الطرف الآخر… وقد قلت الأصوات الصافية التي تستنكر ما يجري على هذه الجبهة وعلى تلك، من دون مواربة. فالمشكلة لا تنحصر بالمجرمين الذي يلهون بجرائمهم على أرض سوريا، إنما بالجمهور الذي يطلق آراء أكثر قسوة وحدّة وقتلاً من فعل القتل نفسه.

كتبت من أسابيع عن مقتل الكاتب السوري محمد نمر مدني، صاحب المئة مؤلَّف، تحت تعذيب مجرمي السلطة، لأنه كان يكتب مواقف ضد جور السلطة، واليوم عن فنان عمره ثلاثون سنة، قضى كل شبابه في خدمة الفن ممثلاً مبدعاً وجميلاً، فقضى مجرمون من الطرف الآخر عليه، لأنه أيضاً أعلن موقفاً ضد الجماعات التي قتلته.

يفيض القتل في سوريا على الحاجة إليه، وتتحول الجريمة إلى لعبة يتلذذ بها من باعوا سوريا للشيطان… فكم لوحة «إعدام»، أشد من فظائع التاريخ، سوف تخلد اللعنة على القتلة!

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى