صفحات سوريةهوشنك أوسي

حقول غاز في شرق المتوسّط أم برميل بارود؟


هوشنك أوسي()

العلاقات التركيّة _ اليهوديّة، عريقة وقديمة، تمتدّ لحقبة طرد اليهود من اسبانيا، واستقبال السلطنة العثمانيّة لهم، ما مهّد لتغلغل اليهود في الجسم الاقتصادي والاداري للسلطنة، وصولاً لحقبة عزل السلطان العثماني عبدالحميد (1842 1918) عبر جمعيّة الاتحاد والترقّي القوميّة التركيّة، وما قيل عن تأثير اليهود فيها، ومروراً بمؤسس الجمهوريّة التركيّة مصطفى كمال اتاتورك (1881 1938) ، واعتراف تركيا، كأوّل دولة مسلمة، باسرائيل سنة 1949، وصولاً لعقد سلسلة من الاتفاقات الاقتصاديّة السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة سنة 1996، في اطار التحالف الاستراتيجي بين البلدين. هذا التحالف، حظي باهتمام وتغطية مباشرة من الولايات المتحدة الأميركيّة، واستفادت منه تركيا كثيراً، عسكريّاً وسياسيّاً ولوجستيّاً، في حربها على حزب العمال الكردستاني، من جهة، ومناهضة اللوبي الارمني واليوناني في الغرب، من جهة ثانية.

بمجيء حزب العدالة والتنمية الاسلامي للحكم في تركيا سنة 2002، لم يطرأ أي شيء يعكّر صفو العلاقة المتينة بين البلدين. ذلك ان الحزب، يحظى بدعم وتغطية من رجل الدين الاسلامي، فتح الله غولان، المقيم في أميركا، والذي تربطه علاقات جيّدة مع مراكز صنع القرار الاميركي. ومع تحسّن العلاقة بين أنقرة ودمشق، بعد التوقيع على اتفاقيّة أضنة الأمنيّة، وتعزز هذه العلاقات بعد استلام حزب العدالة والتنمية للسلطة، دخلت أنقرة على خطّ الوساطة بين دمشق وتل ابيب، ووصلت هذه المفاوضات لمرحلة متقدّمة، وكادت تدخل مرحلة التفاوض المباشر بين الطرفين، لولا حرب اسرائيل على قطاع غزّة، في عهد حكومة إيهود أولمرت سنة 2008. وقتها، أحسّت أنقرة، ان حليفتها تل أبيب، قد خذلتها، وادخلتها في وضع جد حرج. ذلك ان تركيا كانت تعوّل كثيراً على نجاح الوساطة بين سورية واسرائيل، وتكلل هذه المساعي بالتوقيع على اتفاق سلام بين البلدين العدوّين، من شأنه تعزيز مكانة تركيا، شرق أوسطيّاً ودوليّاً، كـ»قوة سلام»، أو «دبلوماسيّة سلام»، باعتبارها نجحت فيما فشل العالم كله في تحقيقه. لذا، يرجع الكثير من المراقبين «غضب تركيا» على اسرائيل، الى انه لم يكن ناجماً عن الحرب على غزّة، بقدر ما كان ناجماً عن خيبة أملها وحجم مرارتها من تحطّم حلمها أن تكون «دينمو« السلام بين سورية واسرائيل، وحصد ثمار أو عوائد ذلك إقليميّاً ودوليّاً. بخاصّة، ان تلك المفاوضات، كانت تجري، في وقت كان رئيس الدبلوماسيّة التركيّة أحمد داوود أوغلو، قد طرح نظريّته «صفر في المشاكل» مع الجيران، وخطت عدّة خطوات في اتجاه تطوير العلاقات بين تركيا وسورية والعراق وايران من جهة، وبينها وارمينيا وبلغاريا واليونان وقبرص من جهة أخرى. زد على ذلك صعود نجم تركيا عربيّاً وإسلاميّاً، خلال فترة وجيزة، وباتت تتطلع لأن تصبح قوّة دوليّة لتحقيق السلام وفضّ النزاعات الدوليّة المزمنة.

ورويداً، بدأ الشرخ، يتوسّع بين تركيا واسرائيل، بخاصة بعد ارسال الحكومة التركيّة، بشكل غير مباشر، وعبر جمعيّات خيريّة مدنيّة تابعة لفتح الله غولان، اسطول من الزوارق التي تحمل المساعدات الانسانيّة الى قطاع عزّة المحاصر في أيّار 2010، والهجوم الاسرائيلي على الاسطول، ومقتل 9 مواطنين اتراك، وعدم اعتذار اسرائيل عن ذلك. وصولاً لاهانة السفير التركي في تل ابيب. ورغم توجيه انقرة الاتهامات لاسرائيل بدعم حزب العمال الكردستاني، إلاّ ان علاقاتها الدبلوماسيّة مع الدولة العبريّة، لم تصل لدرجة القطيعة. في حين لم تؤثّر الازمة على التبادل التجاري بين البلدين، بشكل كبير، والذي يزيد عن 4 مليار دولار سنويّاً. وفي السياق نفسه، لم تتأثّر العلاقات العسكريّة والاتفاقات المبرمة بين الطرفين، بهذا الخصوص. وكانت صحيفة «حريت» التركيّة قد نقلت عن مصادر إعلامية عبريّة قولها إن وزارة الدفاع الإسرائيليّة أبرمت صفقة يتم بمقتضاها شراء 20 طائرة حربية من طراز إف ـ 35 تشارك تركيا فى صنعها مع ثمانى دول أخرى وباستثمارات تزيد على 5 مليارات دولار على يتم تسليمها عام 2017. في حين ان صفقة طائرات «هيرون» الاسرائيليّة مع تركيا، لا زالت قائمة.

عوامل جديدة على خطّ الأزمة

ليس بعيداً من مكان الأحداث في العالم العربي، حيث تنشغل أنقرة بها، وفي منطقة تماس اخرى، بين «الحليفين اللدودين» تركيا واسرائيل، دخل التنقيب عن الغاز في حقل ليبيتان الذي اكتشف سنة 2009، ويمتد من ساحل إسرائيل إلى قبرص مروراً بمناطق في المياه الإقليميّة المصريّة واللبنانيّة، ويعتبر أكبر مخزون للغاز الطبيعي جرى اكتشافه تحت البحر منذ عشرة أعوام، دخلت هذه المشكلة كعامل جديد، واستراتيجي، وبل مصيري، في تسخين الأزمة بين تركيا واسرائيل. لذا، يلعب الغاز القبرصي، دور «برميل البارود»، وبل «القنبلة النوويّة» المتنازع عليها بين البلدين في مياه البحر المتوسط. ولكل طرف اسبابه الوجيهة التي تدفعه لدخول حلبة الصراع «تحت البحر وفوقه» على استثمار ذلك الغاز. ودخلت اسرائيل مرحلة تنفيذ مخططاتها ومشاريعها، بينما لا زالت تركيا في مرحلة التهديد والوعيد. ويرى مراقبون ان أهمّ فائدة جنتها اسرائيل من الثورة السوريّة، هو انشغال تركيا بها، بينما تركّز اسرائيل كل جهودها في اطار الانقضاض على الغاز القبرصي. ذلك ان استثمار هذه الحقول، بالنسبة لاسرائيل، هي بمثابة «أكون او لا اكون». بخاصة بعد سقوط نظام حسني مبارك، وتزايد احتمالات توقّف تصدير الغاز المصري لاسرائيل، وبل احتمال نسف اتفاق «كامب ديفيد»، من الاساس، حين يستتب الحكم للإسلاميين في مصر، بشكل كامل ومطلق!. لذا، تجد اسرائيل، ان الصراع على الغاز القبرصي، هو صراع وجود، بكل المقاييس الاستراتيجيّة السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة. فاسرائيل من دون البحث عن موارد طاقة بديلة عن الغاز المصري، كأنّها تدخل نفسها في غرفة العناية الفائقة. لذا، سارعت تل ابيب الى ابرام اتفاق عسكري مع نيقوسيا، وقّعه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس القبرصي ديميتريس كريستوفياس، لحماية المصادر الحيويّة للطاقة في شرق البحر المتوسط، وسط تصاعد النزاع على الحدود البحريّة المشتركة، بين تركيا ولبنان وسوريا وإسرائيل وقبرص. وكان البلدان قد وقّعا في ديسمبر 2012 اتفاقاً يقضي بترسيم الحدود البحريّة، للمضي في عمليات التنقيب في المياه البحر بينهما. ولم تكترث نيقوسيا وتل أبيب بتحذيرات انقرة وتهديداتها، التي استبقت زيارة نتنياهو لقبرص، وما تلى ذلك من تصعيد الاتراك لهجتهم التهديديّة تجاه اسرائيل وقبرص. ومن المستبعد ان تتطوّر الأزمة بين تركيا واسرائيل لتصل الى الصدام العسكري، لأسباب عديدة، منها:

1 ـ خبرت اسرائيل، تهديدات تركيا، على انها لن تخرج من اطار الاقوال الى الافعال، نتيجة التبعات الخطرة التي يمكن ان تنجم عن ذلك.

2 ـ دخول تركيا في صراع عسكري ضدّ اسرائيل، زد على انه غير متكافئ لصالح اسرائيل، هذا يعني ان تركيا تعلن الحرب على جزيرة قبرص، العضو في الاتحاد الاوروبي، من جهة، وعلى اليونان من جهة ثانيّة. يعني حرب أقليميّة، تركيا ليست مستعدّة لها، وغير قادرة على خوضها، نتيجة مشاكلها الداخليّة، أو وسط استمرار حزب العمال الكردستاني في حمل السلاح ضدّ تركيا.

3 ـ الولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي، سيكونان الى جانب اليونان وقبرص واسرائيل، ضدّ تركيا في أي نزاع مسلّح. ذلك ان حقول الغاز، وتصديرها لأوروبا، سيكون له مردوده الجدّ ايجابي في التخفيف من أزمة اليونان، على وجه الخصوص، وأزمة منطقة اليورو، بشكل عام. في حين ان الغرب يعي حجم التعنّت الذي ابدته وتبديه تركيا بخصوص عدم حلحلة وطي الملفّ القبرصي منذ تاريخ الغزو العسكري التركي لشمال الجزيرة، ولغاية اللحظة. زد على ذلك، ان ايّ تصعيد عسكري تركي جديد ضدّ اليونان وقبرص، هذا يعني ان تركيا، اطلقت رصاصة الرحمة على حلم انضمامها للاتحاد الاوروبي.

4 ـ من المستبعد جدّاً أن تعيد تركيا تموضعها، والدخول في تحالف مع روسيا والصين وايران، ضدّ أميركا والناتو، اذا أرادت اعلان الحرب على اسرائيل واليونان وقبرص. وتكون تركيا بذلك، اعادت تحالفها مع النظام السوري ايضاً، في حال بقي النظام السوري مستمرّاً لذلك الحين. لذا، تحاول تركيا، وبشكل مستميت، الإستحواذ على سورية مابعد الأسد، في مقابل استحواذ اسرائيل على قبرص واليونان. ليكون ذلك ورقة ضغط على اسرائيل، الى جانب احتمال تحريك ورقة حماس والفصائل الفلسطينيّة.

5 ـ في حال هددت تركيا اسرائيل وقبرص بشنّ حرب، ولم تفعل ذلك، فإنها ستفقد مصداقيتها امام شعبها والشعوب العربيّة والاسلاميّة، كونها تكتفي بشنّ الحروب الكلاميّة، وغير قادرة على تحويل أقوالها _ تهديداتها، الى افعال!. وينطبق عليها حكاية «الراعي والذئب». وتجب الاشارة هنا الى ان الموقف القبرصي من القضيّة الفلسطينيّة تاريخياً، كان متقدّماً جدّاً على الموقف التركي.

تحالفات ونكايات

رويداً، تتمتّن العلاقات الاقتصاديّة بين قبرص واسرائيل. وكل بلد، يسعى لتعزيز هذه العلاقات، «نكاية» في تركيا، ودرءاً بنفسيهما من المخاطر والتهديدات التركيّة. وفي هذا الاطار ايضاً، وقّعت قبرص واسرائيل اتفاقيّة إقامة كابل كهربائي، عالي الجهد، يربط بينهما، تنفيذاً للمرحلة الأولى من مشروع لنقل الطاقة بين تل أبيب وأوروبا. ويتيح المشروع، المسمى الربط الأوروبي – الآسيوي لكل من إسرائيل وقبرص تبادل الطاقة الكهربائيّة في حالة الطوارئ، مع احتمال تصديرهما للطاقة المنتجة من الغاز الطبيعي نحو اليونان والاتحاد الاوروبي.

بهذا الصدد، كان وزير الطاقة والماء الإسرائيلي عوزي لانداو، قد اوضح أن بلاده ستتلقى الكهرباء من قبرص وأوروبا في حالات الطوارئ، وسيكون بمقدورها أن تصدر للجانبين إمدادات من الكهرباء. في حين قال مدير الشركة اليونانيّة القبرصيّة أثاناسيوس كتوريديس: «إن المشروع سيكون مفيداً لليونان وقبرص وإسرائيل، حيث ستقوم أثينا بدور محوري لقطاع الطاقة الأوروبي، وأن قبرص ستتحول من مجرد جزيرة، إلى أرضيّة للطاقة، وستصبح إسرائيل مزودا رئيسا لأوروبا«.

غالب الظنّ ان تركيا، ستسعى للبحث عن مخرج «مشرّف» من هذه الأزمة التي أوقعت نفسها فيها. ذلك ان الوصول الى ابرام تفاهم مع اسرائيل وقبرص، وهذا ما سيحدث بتقديرنا، سيدخل تركيا في وضع حرج مع «جمهوريّة قبرص الشماليّة» التي تعترف تركيا بها!. وعليه، يمكن القول: ان التهديدات التركيّة، لا يمكن قراءاتها، إلاّ ان الهدف منها، هو الحصول على ولو جزء من هذه الكعكة الاقتصاديّة الاستراتيجيّة، المتمثّلة بالغاز المكتشف في شرق المتوسط.

ماذا عن اسرائيل؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو لم تكترث تركيا بكل ما قيل آنفاً، وسعت الى رفع مستوى الازمة مع اسرائيل الى درجة الحرب واستخدام السلاح، فهل اسرائيل مستعدّة لخوض هكذا حرب؟. ستسعى اسرائيل، وبكل الوسائل، لعدم قطع «شعرة معاوية» مع تركيا، ذلك انها البلد الاسلامي والشرق اوسطي الوحيد، الذي تربطه علاقات استراتيجيّة مع اسرائيل. في حين ان اتفاقيّات السلام التي وقّعتها تل ابيب مع مصر والفلسطينيين والاردن، مهددة، بتأثير الأوضاع والمتغيّرات الاخيرة في المنطقة. زد على ذلك، ان تغيّر النظام في سورية، ووصول الاسلاميين للحكم، قد يهدد جبهة الجولان الخامدة منذ عقود. وعليه، اذا وصل أصدقاء اردوغان لحكم سورية، هذا يعني ان تركيا صارت على الحدود الاسرائيليّة. وبالتالي، فقدان اسرائيل لتركيا، نهائيّاً، يعني ان تل ابيب، ربما تشعلها حرباً نوويّة، للحفاظ على وجودها، في حال تعرّضها لخطر جدّي وحقيقي ووجودي.

سبب آخر، يضاف الى عدم نيّة اسرائيل تصعيد الموقف مع تركيا للحدود القصوى، هو الملف النووي الايراني، والخشية من ولادة إيران نوويّة، بإمكانها وضع الدولة العبريّة في حالة من الرعب والقلق المستديم على مصيرها. وخسارة الحليف التركي، يعزز مكانة ايران في المنطقة. لذا، اذا كان الاسلاميون الحاكمون في تركيا، مصممون على «تكنيس» اصدقاء اسرائيل من المؤسسة العسكريّة والأمنيّة والإعلاميّة والإقتصاديّة التركيّة، وإخراجهم من الباب، ستبقى اسرائيل تحاول العودة الى تركيا من الشبّاك، وبالطريقة الناعمة أيّاها، التي تسرّب فيها الاسلاميون الى جسد الدولة العلمانيّة _ العسكريّة الاتاتوركيّة. ولكن، إذا ذهبت محاولات التهدئة الاسرائيليّة ادراج التعنّت التركي، والاصرار على الحسم العسكري، لن تجد اسرائيل، سبيلاً آخر من خوض المعركة. ومنذ الآن، هي تحضّر لهكذا احتمال، عبر زيادة العلاقات العسكريّة مع قبرص واليونان، والتوقيع على اتفاقيّات تسمح للطيران الاسرائيلي الاستفادة من المجال الجوي القبرصي واليوناني في بحر ايجة. من دون ان ننسى ان وضع اليونان الاقتصادي السياسي، يشبه الغريق الباحث عن طوق النجاة. وستحاول اسرائيل أن تلعب هذا الدور، وتكون طوق نجاة اقتصادي لليونان وقبرص، واستثمار الازمة الاقتصاديّة اليونانيّة لأبعد الحدود. وبالتالي، ستحاول اسرائيل محاصرة تركيا، عبر قبرص واليونان، وربما، لاحقاً عبر أرمينيا. وقد تلجأ لتحريك ملفّ الاقليّات القوميّة والدينيّة في تركيا، وبخاصّة دعم الملفّ الارمني والكردي. كل ذلك، لتحييد تركيا، وتقليص حجم تهديداتها، بخصوص المساعي الاسرائيليّة لاستثمار حقول النفط والغاز في المياه الاقليميّة بين قبرص واسرائيل. وحتّى يمكن للأخيرة، ان تستخدم القوّة، للحفاظ على خيارها القبرصي، الاستراتيجي، المستجدّ، في حال مضت تركيا في فضّ تحالفها مع اسرائيل، وأدخلتها خانة العدو. وهذا ما ألمح اليه السفير الاسرائيلي السابق في تركيا، واستاذ العلاقات الدوليّة في الجامعة العبريّة؛ ألون ليئيل، بقوله: «قبرص بحد ذاتها ليست بديلاً عن تركيا. ولكن إسرائيل، وبسبب عزلتها في الشرق الاوسط نتيجة صراعها مع تركيا، على مدى ثلاثة أعوام الماضية، حاولت أن تجعل من أوروبا الشرقّية؛ رومانيا وبلغاريا واليونان وبولندا بالإضافة إلى قبرص، حلفاء لها في المنطقة. ويمكن أن تقيم تحالفات عسكريّة معهم»، مؤكّداً على انه «إذا كان هناك من يفكر في تركيا بأن إسرائيل ستتخلى عن مشروعها مع قبرص لاستثمار حقول الغاز، عليهم ان ينسوا ذلك؟ لأن إسرائيل ستقوم بذلك حتى لو أدى هذا الى نشوب صراع بين السفن الإسرائيليّة والطائرات ونظيراتها التركيّة».

قبرص أيضاً وأيضاً

أطلق رئيس الوزراء التركي من نيويورك، تهديدات لقبرص اليونانيّة واسرائيل، وصف تنقيبهما عن النفط والغاز بـ»الجنون». ونقلت عنه وكالة الاناضول التركيّة قوله: «زوارقنا وفرقاطاتنا جاهزة في المنطقة» في تهديد واضح أن تركيا ستسعى، هي ايضاً، وبالشراكة مع قبرص الشماليّة، إلى التنقيب عن النفط والغاز، في تلك المياه، تحت حماية القوّة العسكريّة التركيّة. وفي السياق ذاته، وقعّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ورئيس القبارصة الاتراك درويش أرأوغلو على اتفاق يقضي بالتنقيب المشترك عن حقول النفط والغاز في المنطقة نفسها. في حين، اعتبر الرئيس القبرصي ديميتريس كريستوفياس، في خطاب له امام الجمعيّة العامة للامم المتحدة، أن «المناورات البحريّة التركيّة في النطاق الاقتصادي الحصري لقبرص، حيث عمليّات استكشاف الغاز، تعد استفزازاً وخطراً حقيقيّاً يحمل المزيد من التداعيات للمنطقة»، رافضاً التهدادات التركيّة.

وتبدو الحجج التركيّة،غير مقنعة، وترتكز على نقطتين:

1 ـ أيّة ثروة مكتشفة في قبرص، تخصّ الشطرين، التركي واليوناني. في حين ان الحقول المكتشفة، تقع جنوب شرق الجزيرة، وليس في شمالها. وهو الشطر التركي الذي يوجد فيه نحو 30 الف جندي تركي، بعد ان ان قامت تركيا بغزو شمال الجزيرة سنة 1974.

2 ـ لا ينبغي استثمار حقول الغاز هذه، قبل ترسيم حدود المياه الاقليميّة بين قبرص وسورية ولبنان ومصر واسرائيل. ومعلوم انه لا يمكن ترسيم الحدود، قبل ان يطوى الملف القبرصي نهائيّاً!. ولا توجد ايّة علاقة تركيّة مباشرة، بمسألة ترسيم الحدود من عدمها، لكونها ليست طرفاً فيه. زد على ذلك ان اسرائيل، لن تنتظر حتّى تنفضّ هذه الخلافات، بخاصّة، حسم الملف القبرصي الذي تعرقله تركيا، بشكل او بآخر. وعليه، لو كانت تركيا قد ساهمت في ادماج شطري الجزيرة، والانسحاب من قبرص الشماليّة، وحضّ القبارصة الاتراك على الإنضمام إلى اتحاد فيدرالي مع القبارصة اليونانيين، كان بإمكان تركيا التدخّل والتأثير في مسألة استثمار هذه الحقول، وبل قطف ثمار عديدة أخرى. وبالتالي، تعنّت تركيا في عدم ايجاد حلّ لمشكلة قبرص، لم يقف حائلاً امام انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي وحسب، وبل سيقف حائلاً امام استفادة تركيا من «الكنز» الذي تمّ العثور عليه تحت مياه شرق المتوسّط، وتركت الطريق سالكاً لاسرائيل.

حاصل القول: تراجع حجم التجاذب السياسي والاعلامي بين تركيا واسرائيل حيال أزمة النفط والغاز القبرصي، لا يعني البتّة ان الأزمة قد تمّت تسويتها بين الاطراف المتنازعة. ذلك ان الأزمة القبرصيّة _ التركيّة المزمنة، تداخلت مع الأزمة التركيّة الاسرائيليّة المستجدّة. ومع تواجد العامل الاقتصاديّ المشترك (النفط والغاز)، إمّا سيكون هذا العامل، برميل باردود، يجعل من شرق المتوسّط رقعة متّسعة من الحرائق الاقليميّة والدوليّة، ولو بعد حين، وإمّا سيكون مدخلاً لطيّ الملف القبرصي نهائيّاً، وايجاد منفرج للمسألة القبرصيّة، وتقبض تركيا رجب طيّب اردوغان، الاثمان، من حقل الغاز والنفط، بالشراكة القديمة _ الجديدة مع اسرائيل.

() كاتب وصحافي كردي سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى