صفحات الناسلقمان ديركي

حق السفر/ لقمان ديركي

 

 

لا شيء أسوأ من عودة مسافر مشتاق إلى الوطن

كان السوري سابقاً يتباهى بالفيز المطجوجة على جواز سفره أمام أقرانه. وكان الأكثر علماً هو الأكثر سفراً. فكانت نهاية نقاش مع شخص فهمان هي سؤاله: أنت أكيد زاير بلدان كتير؟! ففي الحقيقة كنا شعباً محتجَزاً. ربما لم تضطر حكومتنا إلى منعنا مئة في المئة. لكن الدول الأخرى تكفلت بذلك.

فالفيزا على السوري ممنوعة. ولا يمكنه الحصول على فيزا إلا بطلوع الروح. وغالباً ما كانت الروح تزهَق تحت سقف الوطن ولا يتحقق السفر. ليس هناك شاب سوري لم تراوده فكرة السفر. للدراسة أو العمل. للعيش خارج كابوس اسمه المخابرات. خارج حلم ثقيل اسمه حزب البعث العربي الإشتراكي. خارج تمثيلية سمجة اسمها المقاومة والممانعة. خارج معتقَل كبير من الكذب والرياء والنفاق اسمه الوطن. وإن حدث وسافرتَ خارج هذا الوطن فإن حلم العودة في زيارة معتادة سيتعكر على الحدود البرية والجوية والبحرية.

لا شيء أسوأ من عودة مسافر مشتاق إلى الوطن. سيسألونك عمَّ كنت تفعل هناك. سيسألونك لماذا عدت. سيسألونك هل شاهدت مشبوهين من أمة معادية. سيسألونك ويسألونك ويسألونك إلى أن ينتهوا بسؤال: ماذا جلبت لنا معك؟! من أين أتيت؟! من سويسرا؟! معك شوكولا؟! ما معك؟! طيب شو جبتلنا معك؟!

جبتلكن؟!!!!تسأل في نفسك مندهشاً. ثم تجيبهم بصوت خارجي: الحقيقة أني ما كنت ما بعرف أنو لازم اجيبلكن شي معي. بس مرة تانية خلص لعيونكن وأحلى شوكولا.

مرة تانية؟! وين بتنصرف هي مرة تانية يا حبيب؟! هات ناولنا كاش إكرامية بدل الهدية. وتخرج من جيبك بقايا العملة الأجنبية التي جاءت معك لتتعرف على أهلك وتتباهى أمامهم بفرقها الشاسع عن عملة وطنك. وتنفحهم ذلك المبلغ وأنت تضحك في سرك. نعم تدفع وتضحك. تريد بأي شكل من الأشكال أن تتخلص من هذه القذارة البشرية المبتزة لأعصابك ومالك وحياتك وماضيك ومستقبلك. ثم يبتسم لك ويصافحك. وهو يضع مالك في جيبه. أو بالأحرى مخصصات شقيقك الصغير. ما قررت أن تعطيه إياه كي يستمتع بفارق العملة لعدة أيام.

لكن هيهات. فرجال الوطن، حماة الديارِ، العيون الساهرة، لن يسمحوا بدخول هذه البدع إلى الوطن. سيخزنونها في جيوبهم كحجز احترازي ريثما يتم صرفها على أشياء تفيد زوجة الحامي أو ابنه الغبي الذي تحتل علاماته الدرجة الأولى في المدرسة والجامعة أو أي مكان آخر يمضي إليه.

فابن الحامي هو ابن الوطن. أما أنت فابن المحمي. يعني الجماعة مفضلين على أهلك وقاعدين يحموا فيهن ليل نهار على مدى نصف قرن. وكله عم يقول معليش خليهن عم يحمونا. معليش عم يقاوموا. معليش عم يمانعوا. بينما الشباب كله كان عم يفكر بشي منفذ. منفذ نجاة اسمه السفر.

لكن هيهات. فالسوري ممنوع من السفر. وكنت لما تسأل واحد ابن بطوطة على كم بلد مسافر حضرتك، بيجاوبك بفخر واعتزاز أنو خمسة، بما فيهن الأردن ولبنان. هلأ إذا بتسأل أصغر نفر نفس السؤال بيجاوبك عشرة.. وما بيحسبلك من بيناتهن تركيا واليونان ومقدونيا وصربيا والمجر. النفر حصل بيده على حق السفر.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى