صفحات سوريةميشيل كيلو

حكاية فيزا إلى بريطانيا!


ميشيل كيلو

هذه قصة تختلط فيها غرائب السياسة بعجائب الإدارة. لولا ذلك، لما كانت تستحق أن تروى.

قبل سفري يوم 5/10/2011 من دمشق إلى ستوكهولم، للمشاركة في ندوة عن سوريا، هاتفتني سيدة من السفارة البريطانية في دمشق تسألني إن كنت أنوي زيارة لندن. كان أحد الأصدقاء قد أخبرني انه سيزورها وسألني إن كنت أريد أن ألقاه هناك، فأخبرته أنني لن أذهب إلى بريطانيا. يبدو أن الصديق أخبر موظفا ما في السفارة بسفري إلى أوروبا، فخابرتني السيدة عارضة علي فيزا مفتوحة إلى بلادها في أي وقت أشاء، حسب قولها. شكرتها وكررت تأكيدي أنني لن أزور لندن. عندئذ قالت: إن حدث وفكرت بزيارة بريطانيا، فستجد العون من سفارتنا في باريس.

اضطرتني ظروف لا علاقة لها إطلاقا بالسياسة إلى طلب فيزا لزيارة بريطانيا. حدث هذا لأن نظام العقوبات الدولية المفروضة على سورية يمنع تحويل أي مبلغ مالي إلى أي سوري، وبما أن سوريين كثيرين يكتبون في صحف العالم، فإنهم يجدون صعوبة في الحصول على مستحقاتهم المالية بسبب هذا المنع. هكذا، قررت السفر إلى بريطانيا لقبض مستحقات مالية، وخابرت صديقا هناك طالبا عونه، لأنني اعرف أن طلب الفيزا من غير البلد الأصلي يكون صعبا جدا في العادة.

ذهبت إلى مكتب خاص يقع خارج باريس، كلفته سفارة بريطانيا بإنجاز معاملات الفيزا. بعد أن أعلمتني سيدة من المكتب أن طلب الفيزا يجب أن يتم عن طريق البريد الإلكتروني، عدت أدراجي إلى بيت صديق أسكن عنده، حيث فتحنا معا الإنترنت وملأنا الاستمارة الإلكترونية المرسلة إلينا وحولنا مائة دولار ودولارا وثمانية أربعين بنسا أميركيا عن طريق البطاقة المصرفية إلى رقم حساب خاص أوردته الاستمارة، وأرسلت هذا كله إلى المكتب. في اليوم التالي تلقيت رسالة تؤكد استلام المبلغ والمعاملة الإلكترونية، فضلا عن مكالمة هاتفية من السيدة فرانسيس جاي، مسؤولة ملف الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية، تخبرني أنها حدثت السفارة بشأن الفيزا، وتبدي رغبتها في لقائي إن كان وقتي في لندن يسمح بذلك. في اليوم التالي، حدثني شخص من السفارة مؤكدا اهتمامه بأمر الفيزا وطالبا العودة إلى مكتب المعاملات، لتعبئة استمارتي. عندما أخبرته أنني ملأت الاستمارة المطلوبة وأرسلتها، قال إن علي ملء استمارة جديدة. في المكتب، استقبلني موظف كان بانتظاري، أعلم المراجعين الذين تحلقوا حوله طالبين مساعدته أنه نزل من الطابق العلوي خصيصا كي يساعدني على إنجاز معاملتي، بطلب من السفارة. عندما أخبرته أنني ملأت الاستمارة الإلكترونية التي أرسلها المكتب إلي، نفى علمه بالأمر وقال إن في الموضوع خطأ ما. أطلعته على الرسالة التي تؤكد وصول المبلغ والاستمارة، فقال إنها من جهة لا تتبع المكتب، ثم لم يبد أي اهتمام عندما لفت نظره إلى وجود قضية تستحق أن يحقق فيها، ما دام هناك طرف يستولي باسم المكتب على أموال طالبي الفيزا، دون أن يقدم أية خدمة لهم.

خلال اليومين التاليين، تواصل معي عدد من الأصدقاء العرب والسوريين الذين يعيشون ويعملون في لندن عارضين خدماتهم، وعقد لقاء عام مع المهتمين من العرب هناك بالأوضاع السورية الراهنة، فوافقت. كان لدى الجميع يقين بان الحصول على الفيزا ليس مشكلة، وأن من غير المعقول أن ترفض فيزا مثقف يهتم بالشأن العام، وكان له دور ما في تاريخ سوريا الأخير، يطلب تأشيرة دخول إلى بريطانيا لفترة قصيرة لا تتعدى الأسبوع الواحد. أما أنا، فقد لعب الفأر بعبي بعد مرور بعض الوقت، خاصة عندما أعطوا صديقا لي هاتف سيدة قيل إنها مرجعية التأشيرات، لكن هاتفها لم يرد ولو مرة واحدة علي أو على من جاءني برقمها، كما لم يجب على الرسائل القصيرة التي أرسلت إليه. أخيرا، يبدو أن الشك راود أصدقائي، الذين يعرفون علاقة بعض معارضي باريس ببعض الساسة الإنجليز، الذين غابوا في هذه الأثناء عن الصورة، بمن فيهم السيدة جاي، وإن كان صديق من لندن بعث لي رسالة قصيرة يقول لي فيها: ستتصل السفارة بك يوم الاثنين القادم لإعطائك الفيزا.

أخيرا، وصلتني رسالة إلكترونية تدعوني للحضور إلى المكتب لأخذ جواز سفري، الذي بقي هناك طيلة خمسة أيام كاملة. صبيحة يوم الاثنين الماضي (5/12/2011) توجهت إلى المكتب، فأعطتني سيدة مغلفا كبيرا يضم استمارتي، فتحته فقرأت إشعارا برفض طلبي،لأن وضعي في سوريا غير واضح، وكذلك في فرنسا، ولأن بريطانيا العظمى تخشى أن يكون هدفي من الزيارة هو الهجرة إليها.

في الطريق إلى المكتب، سألني صديق عن رد فعلي في حال تحقق توقعي ورفضت القنصلية البريطانية في باريس منحي تأشيرة دخول. قلت: لن يكون هناك رد فعل، لأن من حقهم تقرير من يدخل إلى بلادهم ومن لا يدخل. بعد تلقي الرفض، شعرت بأن مسوغات رفض طلبي مهينة، أولا لأنني في فرنسا ولو كنت طالب هجرة لحاولت ذلك هنا، خاصة وأن لدي تأشِيرة دخول لأربعة أعوام كاملة، وثانيا لأنني لست محتالا أو كذابا، ولو كنت أريد الهجرة إلى بريطانيا لما ترددت في طلب ذلك بصراحة ووضوح، وثالثا لأن سوريا أجمل بلد في الدنيا وأحلى مليون مرة من بريطانيا وأقرب مليار مرة إلى قلبي ونفسي من جميع بلدان العالم مجتمعة، ورابعا، لأن وضعي في سوريا ليس غامضا بل هو شديد الوضوح ومعروف للقاصي والداني، ولأن من الوقاحة أن يقرر وضعي في بلادي موظف ربما كان لا يعرف أين تقع على خارطة هذا العالم، وخامسا، لأن السيد إياه لا يعرف شيئا عني، ولو كان يعرف، لعلم أنني قلت عشرات المرات أنني عائد إلى وطني بمجرد أن ينتهي علاج ابني في باريس.

سألني صديق مستنكرا، إن كنت أريد أن يتصل بالسيدة فرانسيس جاي، فقلت: لا، لا أريد، ولن أزور بريطانيا بعد الآن حتى لو أتوني بالفيزا إلى حيث اسكن وباسوا يدي وفرشوا لي درب لندن بالزهور. كل ما أريده هو استرداد مائة دولار ودولار وثمانية وأربعين سنتا أميركيا سرقوها مني.

نسيت الموضوع، الذي بقي غير مفهوم بالنسبة إلي. ثم، خلال لقاء جمعنا بعد يومين، أطلعني الصديق على رسالة هاتفية تبادلها مع السيدة جاي تخبره فيها أن أوراقي لم تكن كاملة، وأن تكرار الطلب قد يفضي إلى منحي الفيزا. أجابها الصديق: هذا لن يحدث، ثم لفت نظرها إلى أنها ردت على رسالته في أقل من خمس دقائق. أخبرني بذلك فقلت: لا يحتاج الأمر إلى ذكاء خاص: إن إجابتها المباشرة تعني أنها كانت تعرف مسبقا بالرفض، ومن يدري، فربما كانت هي الموظف الذي قرره.

لماذا حجبت بريطانيا تأشيرة الدخول عني، بعد أن كانت ترجوني طلبها وقبولها؟. علم ذلك عند ربي وعند بعض أوساط المعارضة السورية، التي لن أقول الآن شيئا عنها، لكن وقتا قد لا يكون بعيدا بالمرة سيأتي، سيكون لي معها الوقفة التي تستحقها!.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى