صفحات مميزة

“حلب تحترق” –مجوعة مقالات وتحليلات

 

حلب و”نظام الصمت الأمريكي”/ إياد الجعفري

لماذا استثنيت حلب من الهدنة المؤقتة المُتفق عليها يوم الجمعة؟

سؤال يشهد الكثير من الأجوبة والنظريات. أحدها قد يكون مُرجحاً، مفاده، أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم “السوط الروسي” للضغط على المعارضة، للعودة إلى طاولة مفاوضات جنيف.

هذه هي المرة الثانية خلال أشهر، التي نشهد فيها هذا المسلسل..

المعارضة تنسحب من المفاوضات نظراً لعدم الجدية في تنفيذ البنود الإنسانية من القرار الدولي 2254، من قبيل إيصال المساعدات للمناطق المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى، ووقف القصف على المدنيين.

ومن ثم، تشن قوات النظام بدعم جويّ روسي مكثّف، وبتنسيق شبه علني مع وحدات الشعب الكردية، وآخر مُريب مع تنظيم الدولة الإسلامية، هجمات شرسة على معاقل المعارضة في مدينة حلب وريفها الشمالي والجنوبي.

ينتج عن ذلك، تهجير عشرات الآلاف من السكان من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتسبب بأزمة لاجئين على الحدود التركية (لم نصل إلى هذه النقطة اليوم، لكن ذلك حدث في شباط الماضي، ومن المُرتقب أن يتكرر قريباً).

يتبع ذلك، ضغوط دولية على الهيئة العليا للتفاوض للعودة إلى طاولة التفاوض مقابل التهدئة في حلب، ومن ثم، هدنة هناك، وعودة إلى طاولة جنيف.

مخرج المسلسل، أمريكي بامتياز. لذا يبدو أن من المفارقات الهزلية في هذا المسلسل، أن تتم تسمية الهدنة المؤقتة جداً، التي اتُفق عليها أمريكياً وروسياً، في جنيف، يوم الجمعة، بـ “نظام الصمت”. قد تكون مفارقة هزلية، لكنها صارخة في موضوعيتها، فهي تعبير عن “الصمت الأمريكي”، حيال الهجمة الشرسة للنظام، بدعم روسي، على حلب.

هدنة لا تتجاوز يوماً في دمشق وريفها، ولا تتجاوز 3 أيام في ريف اللاذقية الشمالي، هي حصيلة مفاوضات بعيدة عن الإعلام، بين مندوبي روسيا وأمريكا، وعدد من الدول المؤثرة بالمشهد السوري. هنا تكمن الهزلية أيضاً في محدودية مدة الهدنة!

في أحد مشاهد هذا المسلسل، تبدو الهزلية أيضاً، حينما تُشير تسريبات إعلامية إلى أن الأمريكيين فشلوا في شمل حلب بالهدنة، بسبب رفض الروس، الذين قالوا بأن النظام يتعرض لـ “تهديد إرهابي” في حلب.

بطبيعة الحال، وبعيداً عن الهزلية، ومسرحيات السياسة والدبلوماسية، هناك جوانب موضوعية في المشهد الجاري حالياً في حلب.

الجانب الأول منها، يؤكد إشكالية موقف “جبهة النُصرة”، التي تشكّل واحداً من أبرز الذرائع لاستهداف مجمل المعارضة في الشمال السوري. ورغم ذلك، يئس المتعاملون مع “النُصرة” من إطلاق دعوات لها بفك الارتباط عن “القاعدة”، لإزالة الذريعة المتوفرة في قبضة روسيا، والولايات المتحدة أيضاً.

في عالم السياسة، للذرائع دورها، وعلى طاولات التفاوض، فوجود فصيل مُدرج على قوائم الإرهاب لدى كل دول العالم، تتعامل معه فصائل معارضة، له أثره السلبي على ممثلي المعارضة في التفاوض.

كما أن فك الارتباط مع “النُصرة”، له أثره السلبي ميدانياً. لذا يبدو أن الحل الأمثل، تقديم عرض إعلاني، يتمثل بفك الارتباط عن “القاعدة”، من جانب “النُصرة”، لتصبح فصيلاً ككل الفصائل الإسلامية “المعتدلة”، المُقاتلة على التراب السوري. ويمكن حينها أن يُحتسب ذلك لصالح المعارضة في علاقتها مع “أصدقائها” في الغرب، إذ يمكن القول لهؤلاء “الأصدقاء”، لقد تمكنت المعارضة من استيعاب متشددين إسلاميين، وجذبهم باتجاه “الاعتدال”.

في السياق، يبدو أن من الجوانب الموضوعية أيضاً في المشهد الجاري حالياً في حلب، هو أن حلفاء المعارضة الإقليميين، وتحديداً، تركيا والسعودية وقطر، حريصون على عدم مخالفة الحليف الدولي الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة تُعيق تحقيق أي إنجاز ميداني نوعي لصالح المعارضة، يسمح باستثماره تفاوضياً.

وعلى خلاف ذلك، يبدو أن نظام الأسد قادر على توريط الروس بقصف مستشفى في حلب يحظى بعلاقة مع منظمات إغاثية دولية، على مرأى من العالم أجمع، ليتابع النظام لعبة حافة الهاوية حتى مع حلفائه المُقربين، بصورة تسمح له بتحقيق إنجازات ميدانية يمكن استثمارها تفاوضياً.

الفرق بين معسكر داعمي المعارضة، وبين معسكر النظام وداعمييه، أن أطراف المعسكر الأخير يُجيدون استخدام استراتيجيات حافة الهاوية، حتى مع بعضهم. بخلاف أطراف معسكر داعمي المعارضة، خاصة الإقليميين، الذين لا يتبعون سياسة حافة الهاوية مع الأمريكيين، رغم قدرتهم على ذلك. فالأمريكيون اليوم قرب أدنى مستوياتهم قدرةً على التدخل في المنطقة، لذا ينبغي استغلال ذلك، واللعب معهم على حافة الهاوية، حتى على مستوى الحلفاء.

بكلمة أخرى أكثر مباشرة، لا بد من تجاهل الفيتو الأمريكي على تسليم صواريخ مضادة للطائرات، للمعارضة. أو على الأقل، تسليم بعضها، لوضع حد للتمدد الميداني لمعسكر النظام وحلفائه، خاصة في الشمال السوري.

وفي الجدل، على طاولات الدبلوماسية، بين الحلفاء، يمكن القول للأمريكيين، أنتم من أوصلتمونا إلى هنا، حينما أتحتم الهامش للروس، كي يحققوا إنجازات ميدانية على الأرض. والأمريكيون بدورهم لن يذهبوا بعيداً في الافتراق عن الحلفاء، ورفع مظلة الحماية عنهم أمام الروس، في موسم انتخابي أمريكي، تُضره أية هزات استراتيجية كبرى. لذا، فتمرير بعض الصواريخ المضادة للطائرات، إلى المعارضة، قد يمرّ بأمان، ويضع حدّاً لشراسة الطيران الروسي في الأجواء السورية.

في الختام، قد تنجح المساعي لشمل حلب بالهدنة قريباً، لكن البعدين الموضوعيين اللذين يُعقدان المشهد السوري برمته، (ارتباط “النُصرة” بـ “القاعدة”، والتزام حلفاء المعارضة الإقليميين بخطوط أمريكا الحمراء في دعم المعارضة)، سيبقيان سبباً في ضعف معسكر المعارضة وداعمييها الإقليميين، وعجزهم عن تحقيق إنجازات ميدانية مُثمرة تفاوضياً. إلى أمدّ، حسب ما يبدو.

المدن

 

 

“حلبٌ قصدنا”/ سوسن جميل حسن

حلب الضاربة في التاريخ، منتهى طريق الحرير وعاصمة سورية الاقتصادية، تُنتهك وتسفح دماء أبنائها، وتقطع شرايين نسغها، وتدمّر أركان بنيانها الممتد بين الماضي والمستقبل. حلب التي نهضت من كبواتها، ومما حيك لها عبر التاريخ، أكثره الحديث، مرات عديدة، بأي وجهٍ ستلاقي العيد الذي تستحقه بجدارة، عيد العمال؟ هل بسؤال مضمر معجون بالحسرة والأسى: عيد بأية حال عدت يا عيد؟ أم ستستعيد صرخة المتنبي: كُلَّما رَحَّبَت بِنا الرَوضُ قُلنا/ حَلَبٌ قَصدُنا وَأَنت السَبيلُ؟

تحولت تجارتها إلى البحر، عندما تم افتتاح قناة السويس عام 1869، وبدأت حلب بالتراجع بشكل بطيء، لكنها نهضت، لتعيد ترميم نفسها، وتفتح لها أبواباً أخرى على المستقبل. وعندما سلخت عن حلب أجزاؤها الشمالية، وضُمت إلى تركيا عام 1920، بالاتفاق بين أتاتورك وسلطات الانتداب الفرنسي، خسرت حلب التجارة مع مدن هذه الأقاليم، خصوصاً المدن التي كانت تابعة لولاية حلب تاريخياً، كعنتاب ومرعش وأضنة ومرسين، فنهضت مرة أخرى. ومثلما أدت اتفاقية سايكس بيكو، وفصل العراق عن سورية، إلى كساد وتدهور كبير في اقتصادها، وكذا خسرانها السكك الحديدية المهمة التي كانت تصلها بالموصل. لكن حلب تنهض، لأنها لا تعيش إلاّ بنشاطها وشموخها. وجاء سلخ لواء اسكندرون عن جسد سورية، لتفقد معه حلب إمكانية وصولها إلى البحر، عن طريق منفذها الرئيسي على البحر المتوسط، ونهضت حلب، لأنها قلب نابض بالحياة. وعلى الرغم من كل هذه الضربات الموجعة، لم تعطب روح حلب، وبقيت العاصمة الاقتصادية لسورية، إلى أن وصلت، في السنوات الأخيرة، إلى وضعها الراهن، خلال ما كان يرنو إلى أن يكون ثورةً بكل ما تحمل الكلمة من معنى في سورية، ثورة واعدة بربيعٍ، تحولت إلى شتاء قاصف وزلزال يصدّع أرض سورية. تضرّرت حلب بشكل كبير إنسانياً واقتصادياً وعمرانياً وتراثياً بفعل القتال والقصف ونقل المعامل إلى تركيا، وتوقفت عجلة الاقتصاد في المدينة، وتعرّض كثير من معالمها الأثرية للدمار، مثل قلعة حلب وسوق المدينة وغيرها. واستبدل طريق يدل على سوريالية الواقع، بعد انقسامها إلى حلب، غربية وشرقية، اسمه طريق حلب/ حلب، استبدل بطريق الحرير.

لا يمكن أن تكون مدينةٌ بهذا النشاط الصناعي والتجاري العريق، من دون أن تضم العدد الأكبر من العمال والصنايعية والحرفيين والمنتجين. ومع هذا، كانت تعرف كيف توائم بين شرايينها ونبضها وبين وصاية قوانين وأنظمةٍ تعيق الازدهار والتطور، في ظل حكم شمولي قمعي، يعتبر الفساد من أهم أركانه. نظام يتبوّأ السلطة فيه حزب قائد للدولة والمجتمع، طرح شعاراً خلاباً: اليد المنتجة هي العليا في دولة البعث. ما أستطيع توثيقه بأمانةٍ وجسارةٍ هو أن الشعار رفع قبل الحركة التصحيحية المجيدة التي منّ بها الله على الشعب السوري عام 1970، وهرع رأسماليو سورية بمباركة من معظم رجال دينها إلى التهليل لها، فقد كانت في بيتنا في العام 1968، منفضة سجائر تخلبني بلونها البنفسجي اللامع، وأنا الطفلة التي لم تكن تجرؤ على السؤال، لتفهم ما معنى هذه العبارة المكتوبة بخط ذهبي زخرفي: اليد المنتجة هي العليا

“من حق حلب الجريحة اليوم على السوريين أن يكونوا أكثر رحمة بوطنهم” في دولة البعث، ومقابلها عبارة: دهانات أمية. منفضة كانت إحدى أدوات الدعاية والتسويق حينها. هذه اليد المنتجة تتعرّض اليوم إلى التفتيت، تحت قبضة أيادٍ عليا، تلعب فيما بينها لعبة كسر العظم، كل يد تعمل لصالح قوة أكبر، فالأرض مقسومة ومشرومة، والسماء محتلة من طائراتٍ مقاتلة، وأهل حلب يفرّون من موت إلى موت. باكراً في عمر الحراك السوري فرّ سكان حلب من الموت، إلى تركيا، ومنها من قارعوا الموت تهريباً في البحار، خلف حلم الوصول إلى أوروبا الوادعة. دمرت البنى التحتية في حلب، دمرت صناعتها، على الرغم من أنها كانت تعاند نتائج المعاهدة الحرة في التجارة التي أبرمها النظام مع تركيا، قبل الحراك بعدة سنوات، والتي لم تكن نتائجها صحية على مستثمري حلب وصناعها، فقد أغرقت الأسواق السورية بالبضائع التركية التي كان لدينا ما ينتج منها محلياً بجودةٍ أفضل، فحلب وحدها هي مركز التصنيع الأساسي في سورية، باحتوائها على أكثر من 50% من العمالة الصناعية، وأكثر من نصف حصة التصدير السوري.

يطلّ عيد العمال على سورية، اليوم، بعد أكثر من خمس سنوات على الحرب الطاحنة، والعمالة في سورية في أتعس أوضاعها، مثلما هي الحالة الاقتصادية، فسورية اليوم مقسّمة ومنتهكة، تسيطر عليها قوات تتداخل ويخترق بعضها بعضاً في أحيان كثيرة، ومعروف أن المواسم الاقتصادية الرئيسة في سورية من قمح وقطن ونفط هي تحت سيطرة تنظيم داعش من جهة، وتحت سيطرة القوات الكردية ذات الإدارة الذاتية الحالية من جهة أخرى. ومع ذلك، سوف تقوم الاحتفالات العامة، في هذه المناسبة الوطنية، وسوف يقول الخطباء فيها إننا نتطلع إلى تحقيق مزيد من التطور والتقدم، وصولاً إلى الحاضر والمستقبل الأفضل لعمالنا وجماهير شعبنا، وسيقولون أيضاً: “الاحتفال بهذا العيد يتزامن مع ظروف بالغة الدقة، يعيشها بلدنا تستهدف النيل من وحدته الوطنية، ونهجه الوطني والقومي، عبر مؤامرة دنيئة إجرامية، تقودها الدوائر الأميركية والصهيونية والغربية، بالتعاون مع أطراف وقوى إقليمية عربية، مدعمة بقنوات إعلامية”.

لكن، حتى لو أن الشعب سئم وكفر بالشعارات على مدى العقود الماضية، فإن الواقع الراهن يدلّ على ما هو أكبر من مؤامرةٍ واحدة. يظهر الواقع أن العالم مجتمعاً يساهم في مأساة شعبنا، وحلب اليوم بؤرة الصراع، على أرضها تدور المعارك الشرسة لتوزيع الحصص، كل طرفٍ يريد ضمان مصالحه، ولا أحد يهتم بما يجري، وما هي الجرائم التي ترتكب. حلب خزّان الإبداع والصناعات القديمة والحديثة، تتعرّض لجرائم تاريخية غير مسبوقة، تتعرّض لطمس هويتها، تتعرّض إلى القضاء على حرفها ومصانعها ومعاملها، تتعرّض لسرقة دورها الريادي، تتعرّض إلى إرغامها على قبول اقتصاد الحرب، وتحكم أمرائه بها، أولئك الذين يجمعون الثروات بفحش يفوق التصور.

لكن، لحلب مع هذا سرّها الحي، لغزها وشيفرة ديمومتها، تودعه في ضمير أبنائها الموزعين في بقاع الدنيا، أينما ذهب الحلبي يحمل معه نهج الحياة الحلبية، روح المواطن الحلبي الذي لا يعرف لليأس مكاناً، الحلبي يؤمن بوطنه، ويعرف أن استمرارية الحياة يضمنه الإيمان بالعمل والوطن والحياة، وإيمانه أيضاً بالهوية الحضارية المتشكلة خلال الزمن. ها هي أجواء باريس تعطي، مثالاً، على ذلك، تعطرها رائحة صابون الغار الحلبي، بعد أن نقل الحلبيون معهم سرّ صناعتهم وسحرها، على أمل الرجوع يوماً إلى المصابن التي يتعتق فيها عطر الصابون المصنوع من الغار وزيت الزيتون الحلبي وعرق بشري نبيل.

من حق حلب الجريحة اليوم على السوريين أن يكونوا أكثر رحمة وحباً بوطنهم، من حقها على السوريين أن يتبعوا بوصلة سوريتهم، ويقابلوا بعضهم متحرّرين من أي تبعية وولاء، ليجلسوا ويتحاوروا فيما بينهم على تضميد جروح سورية، لا أن يكونوا مرتهنين لقوى إقليمية، تدفع بهم إلى أن يتفاوضوا على مستقبل بلدهم، كما يحلو لها ضماناً لمصالحها. لو يعرف كل سوري أن: “حلب قصدنا وهي السبيل. وهي رئة سورية الأساسية”.

العربي الجديد

 

 

 

 

عن سريبرينيتشا السورية ومحاكمة الأسد!/ سوسن أبوظهر

الدم والموت ولا شيء سواهما. أطفال وأشلاء. صور لقسوتها يصعب تصديقها، يقف المرء أمامها مدهوشاً ذاهلاً واجماً، ثم يدرك أنه شاهد مثلها قبلاً، صورة أخرى لطفلة قُطع رأسها قبلاً وتناثر لحماً وعظماً أمام جثتها، في مدينة سورية أخرى تعجز الذاكرة عن استعادة اسمها. فكل المدن السورية مسارح لمجازر، بالكيميائي، بالبرامل، بالصواريخ، بالتجويع. كل المدن السورية على طريق الإبادة.

هل أعرب بان كي-مون عن قلقه أم بعد؟ هل تحركت الإدارة الأميركية لتُبدي انزعاجاً شكلياً أم أن الإرهاب في نظرها يقتصر على ولد فلسطيني يحمل سكيناً وفتاة في الثانية عشرة تُسجن في اسرائيل لأشهر؟ هل أدركت أوروبا ما الذي يدفع الآلاف إلى ركوب المجهول بحثاً عن بارقة أمل لم تعد متاحة على أبوابها حيث الأقفاص والأسوار؟

الأحمر في كل مكان، أحمر الدم في #حلب، وأحمر التعاطف الذي يُغرق مواقع التواصل الاجتماعي ويكاد يطوف من شاشات الحواسيب والهواتف. وصمتٌ أسود ثقيل أقسى من الأحمر، صمت كأنه يقول “دعوه يقتل بعد حتى تنضج التسوية”.

تلك هي الحقيقة المرة، ومعركة عض الأصابع المُرعبة تخاض بالأشلاء وأمام الناجين الذين ينشدون الموت للخلاص من جحيم أرضي كذلك الطفل الذي خاطب جثة شقيقه متمنياً أن يكون مكانه، وتلك المرأة التي لفها الذهول وغبار الحطام من حيث خرجت وتحجرت نظرتها أمام هول ما عاشت.

يتحدثون عن الهدنة ويتمسكون بها ويساومون لإحراز الأهداف، وكل ما يُقال منفصل عن الأرض المحروقة. وليست المعارضة، أو المعارَضات، أفضل حالاً بعدما أفقدها التدخل الجوي الروسي قبل أشهر بعض أهم معاقلها في الشمال السوري. لكن حلب مستثناة من الهدنة، الصفقات تُرسم والسكان متروكون للموت تحت ناظري عالم مشغول بترتيبات أخرى.

في مقابلة نُشرت اليوم مع أحمد كمال، المستشار الإعلامي لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، في صحيفة “الشرق” القطرية، وَرَدَت حلب عرضاً، وكأنها لزوم ما لا يلزم في إطار انتقاد أداء المبعوث ستافان دي مستورا. كأنها تفصيل، ربما كما كانت مضايا ومخيم اليرموك في لعبة شطرنج الدم الدولية هذه.

عُنوِن عن “معلومات مؤكدة عن قبول روسيا برحيل الأسد”. فقد قال كمال :”وصلتني معلومات مؤكدة بأن هناك صفقة روسية أميركية تقضي برفع يد الغرب عن أوكرانيا في مقابل الانسحاب الروسي الكامل من سوريا ورفع الغطاء عن الأسد ومن ثم القبول برحيله بعدما صار عبئاً على حلفائه. وهذه معلومات جديدة جداً وليست تحليلات، وقد أُبلغت بها الأسبوع الماضي من مصادر موثوقة داخل الأمم المتحدة”.

وأضاف أن أميركا “تريد أن تجعل القضية السورية مُلحقة بسيطة من الموضوع الأهم بالنسبة إليها، وهو محاربة (تنظيم “الدولة الإسلامية”) “داعش”. وهذا خطأ فظيع، فنحن في “الجيش الحر” الممثل للشعب السوري، حاربنا “داعش” من اليوم الأول. لكن، يا للأسف، اكتشفنا أن هذا الأمر فخٌ نُصب لنا كي نحارب الفرع، “داعش”، ونترك الأصل، وهو النظام، وأن نحارب النتائج لا الأصل… ونحن على يقين تماماً أننا إذا قضينا على “داعش” كلية فلن تُحل القضية السورية. النظام قادرٌ على أن يخلق “داعش” ثانية بمسمى آخر. ففي يداية الثورة عام 2012، لم تكن “داعش” موجودة ولم تُحل القضية”.

يرحل الأسد قريباً إذاً إلى ملاذ آمن، حراً طليقاً معززاً مكرماً من دون محاكمة، فيسعد الجميع. وتبقى الأنقاض، أنقاض البشر والبلاد. والأطفال في حلب بلا أطباء بعد مقتل محمد وسيم معاذ، طبيبهم الأخير في الأحياء الشرقية للمدينة، في قصف مستشفى القدس في حي السكري الأربعاء الذي تلاه استهداف مستوصف حي المرجة أمس ومركز بستان القصر الطبي اليوم.

ووفق بعثة منظمة “أطباء بلا حدود” في سوريا، لم يبق سوى 70 طبيباً للاهتمام بنصف مليون شخص. أي معجزات يستطيع هؤلاء اجتراعها؟

بلا عناية طبية، ولا كهرباء، والآن بلا مياه في حلب القديمة وبعض الأحياء الشرقية بعد قصف محطة مياه باب النيرب مرتين أمس، الأولى لتعطيلها والثانية لوقف أعمال الإصلاح. حياةٌ بلا حياة في حلب.

هي سراييفو الجديدة، سريبرينتشا الجديدة، وفق “الواشنطن بوست”، و”مصيرها بالنسبة إلى النزاع السوري يجب أن يكون كما كان مصير سراييفو وسريبرينيتشا بالنسبة إلى الصراع في البوسنة، فرصة للولايات المتحدة لتستعيد زمام المبادرة وللغرب ليصرخ بصوت واحد، كفى”.

ومعلوم أنه بعد مجزرة سريبرينيتشا نضجت التسوية السياسية التي أدت إلى اتفاقات دايتون التي طبختها الإدارة الأميركية لإنهاء الحرب في البوسنة. لكن جرائم الحرب هناك لم تمر مرور الكرام، والمحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة خير دليل وآخر أحكامها إدانة الزعيم السابق لصرب البوسنة بالسجن 40 سنة لدوره في قتل الرجال والأطفال المسلمين في سريبرينتشا.

حلب هي سريبرينيتشا، سوريا كلها سريبرينتيشا…

سيرحل الأسد قريباً؟ حسناً، هنيئاً له، ولحُماتِه وخصومه، وهم لا يفعلون غير تكرار التصريح الباهت السخيف بأن لا مكان له في سوريا. ليرحل، لكن إلى قفص في محكمة خاصة تُنشأ للنظر في جرائم الحرب والإبادة في سوريا أو محكمة الجنايات الدولية. ولا ننسى أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان سترغب هي أيضاً في مقاضاته. حينها فقط، حين يرحل، لكن إلى حيث يجب أن يرحل، قد تجد أرواح الضحايا ومن بقوا مُحطمين في وطن محروق، القليل القليل القليل من العزاء.

النهار

 

 

 

 

كلّ أطفال حلب تيتّموا/ لبنى سالم

بالرغم من تحليق الطائرات الحربية في السماء، يقف مواطن سوري خمسيني على أنقاض منزله. يبعد الحجارة بيديه قطعة قطعة، وهو يبحث عن أطفاله تحت الأنقاض. لا يعينه جسده على المتابعة. ينهار باكياً فوق الركام. هذا واحد فقط من مشاهد الرعب التي حملتها الطائرات الحربية السورية والروسية إلى أحياء السكري وبستان القصر والكلاسة، في مدينة حلب الشمالية. هناك ارتكبت الطائرات مجازر مروعة، أمس الخميس وأمس الأول الأربعاء، بحق الأهالي، حتى باتت مناطقهم منكوبة بين ليلة وضحاها.

عدا عن قتل العشرات، حرمت الطائرات الحربية أطفال حلب ممّن يداويهم ويسكّن آلامهم. يتّمت كلّ أطفال المدينة، فقد قتلت طبيبهم محمد وسيم معاذ، الذي كان آخر طبيب أطفال فيها. قصفت الطائرات، مساء الأربعاء، مبنى مستشفى القدس في حي السكري، وكان فيه أطباء وممرضون ومرضى، وصل عددهم حتى مساء أمس، إلى 30 شخصاً قتيلاً، من بينهم ثلاثة أطباء. وعادت لتقصف مناطق سكنية مجاورة، صباح أمس، في كلّ من الكلاسة وبستان القصر.

يقول حيان، الذي يعيش في حي السكري: “حين سمعت أصوات الطائرات، هرعت لأخبئ أطفالي في الغرفة الداخلية. سقط الصاروخ واهتز البناء بأكمله. عرفت حينها أنّ أطفالاً آخرين قتلوا في تلك اللحظة. توقعت أن يكون مستشفى القدس، فهي ليست المرة الأولى التي يقصفون فيها المكان. حاولوا سابقاً قصف مبناها عدة مرات، لكن غالباً ما كانوا يصيبون الأبنية المحيطة. هو المستشفى الوحيد الذي فيه طبيب أطفال في حلب. وهو ما يبرر وجود الكثير من الأطفال هناك”.

يتابع: “بعد إدخال أطفالي إلى الغرفة، خرجت من المنزل من أجل المساعدة في الإنقاذ. كنا تحت وطأة الصدمة، وتساءلنا طوال دقائق، إن كان القصف على المستشفى بالذات فأين ننقل المرضى والجرحى؟ فتح بعض الممرضين والكوادر الطبية بيوتهم لاستقبال الجرحى، فيما نقلت الحالات الخطرة إلى نقطة طبية مستحدثة”.

من جهته، يقول أبو عبد الرحمن، وهو أحد متطوعي الدفاع المدني في حلب، وقد ساهم في انتشال الضحايا من تحت أنقاض مستشفى القدس، إنّ “عملية الانتشال استمرت طوال الليل تحت جنح الظلام، حتى ظهر أمس الخميس. لم نعرف بدقة عدد من كانوا في المستشفى، لكنّ مئات الناس تجمعوا ليلاً أمامه، ينتظرون معرفة مصير مرضاهم الذين كانوا هناك. للأسف معظم من كانوا في الداخل استشهدوا، انتشلت بيديّ جثث ثلاثة أطفال”.

بدوره، يوضح عبدو ريحاوي، وهو ممرض من مدينة حلب: “المستشفى كان يضم نحو 30 سريراً. وهو مخصص لإسعاف وعلاج المدنيين في غرفة الطوارئ. فيه عيادات خارجية وقسم للتوليد، وللعناية المركزة. وكان يعمل فيه 8 أطباء و28 ممرضة”. يضيف: “ثلاثة من مؤسسي المستشفى استشهدوا فيه قبل سنتين. واليوم يرحل ثلاثة آخرون. من بقي من كوادره يودع زملاءه ويشهد على هذا العالم الذي ما زال يسمح بقتل الأطباء”.

بدورها، دانت منظمة “أطباء بلا حدود” التي تدعم المستشفى منذ عام 2012 قصفه وتفجيره. وأكدت أنّ القصف سيحرم الكثيرين من الرعاية الطبية الأساسية، داعية إلى حماية المستشفيات، ومؤكدة على أنّه لا يجب أن يكون هدفاً للاعتداء. وقالت رئيسة بعثة “أطباء بلا حدود” في سورية، موسكيلدا زانكادا، إنّ “المستشفى كان المركز الرئيسي لرعاية الأطفال المرضى في المنطقة”. وتساءلت: “أين غضب من يملكون القدرة على وقف هذه المذابح؟”.

بدورها، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ حلب باتت على شفا كارثة إنسانية. واعتبرت أنّ قصف المستشفى يحرم الكثيرين من الرعاية الطبية المنقذة للأرواح، ويدفع ملايين السكان نحو مخاطر كبيرة. وحذرت اللجنة من أنّ تصاعد العنف قد يوقف دعم مراكز إيواء النازحين بالطعام والمياه.

لن نترك هذه الأرض

يتناقل سوريون تسجيلاً مصوراً لطفل لم يتجاوز 12 عاماً، يقف إلى جانب جثة أخيه الأصغر المضرجة بالدماء. يرثوه متمنياً أن يكون مكانه. كما يتناقلون تسجيلاً لرجل ستيني يتحدث باكياً أمام المستشفى، فيقول: “إنّهم يستهدفون المستشفيات. يقتلون النساء الحوامل، والأطفال في الحاضنات. ماذا فعلوا لهم!؟ نحن صامدون، لن نترك هذه الأرض ولن تستبدلونا”.

العربي الجديد

 

 

 

 

سليماني يعرض ترحيل عائلة الأسد/ احمد عياش

طبيب الاطفال وسيم معاذ (36 عاما) هو بين ضحايا غارات جوية نفذتها قوات بشار الاسد على أهداف في حلب ومن بينها مستشفى القدس الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود ليل الأربعاء الماضي. وقالت المجموعة التي تعرف باسم “أصحاب الخوذ البيضاء” إن المجموعة لا تزال تنقب بين الأنقاض بحثا عن ناجين.وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن المدينة على شفا كارثة إنسانية.

لا يبدو أن الفارق كبير بين صور أنقاض مستشفى القدس وبين ما شاهدناه هذا الاسبوع في فيلم “إبن شاوول” للمخرج المجري لازلو نمش الذي نال العام الماضي “الجائزة الكبرى” في مهرجان كان ثم جائزتيّ “غولدن كلوب” و”أوسكار”. في هذا الفيلم حاول ممثله الرئيسي غيزا روريغ (49 عاما)، أي شاوول، أن يدفن طفلا ظلّ على قيد الحياة بعد جرعة الغاز ليكتم الطبيب أنفاسه لاحقا بدلا من أن يحرق في فرن أوشفيتز(المحرقة اليهودية الشهيرة). وفي حوار أجراه هوفيك حبشيان ونشرته “النهار” في 21 الجاري يقول روريغ حول إنصهاره في الشخصية حتى بعد إنتهاء عمله في الفيلم: “كنت أشعر مرارا وأنا جالس في البيت، بإصبع تلمسني، إما تكون إصبع زوجتي وإما إصبع أحد أولادي… ليقولوا لي عد إلينا”.

لو بقي الطبيب معاذ حيا لكانت لديه الكثير من الاخبار حول الاطفال السوريين الذين فارقوا الحياة في محرقة سوريا الكبرى.لكن يكفي قراءة عنوان التقرير “سوريا: خمس سنوات في خضم الحرب” وخلاصته التي وزعتها بالامس الاسكوا في بيروت لكي ندرك هول هذه المحرقة: “… إن السنوات الخمس للنزاع في سوريا قد أدّت إلى سقوط نحو2,3 مليون ضحية بين قتيل وجريح، وإلى نزوح أكثر من 12 مليون شخص…”.

في عز هذه الحرب أطل علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الايراني ليؤكد أن بقاء الاسد في منصبه خط أحمر بالنسبة لإيران”.وفي الوقت نفسه، كشف وزير الامن الايراني محمود علوي، حسبما أوردت وكالة “تسنيم”، أن قائد “فيلق القدس” في قوات الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، عرض على الاسد “نقل عائلته الى إيران ليتمكن من قيادة المعركة لكنه رفض قائلا لسليماني إن عائلته كبقية العائلات السورية وستبقى في دمشق”.

من دون الخوض في موقف الاسد من عرض سليماني هناك علامات إستفهام حول عرض الجنرال الايراني الذي يوحي ان الحياة لم تعد ملائمة لبقاء عائلة رئيس النظام السوري الى جانبه.وهذا ما يعيد الى الاذهان ما قالته اوساط مواكبة للاتصالات في موسكو “أن الاسد لن يخرج من سوريا إلا ميتاً”. ووسط الجحيم السوري هناك من يدير مواقيت من يحترق ومن يتأخر إحتراقه ومن بين أعضاء هذه الادارة ولي الفقيه الايراني الذي ربما يريد أن يسهّل المهمة بإبعاد الاسد عن عائلته. فهل هناك تحضير لسيناريو مشابه لما حصل مع اللواء آصف شوكت الذي صفّاه النظام؟

النهار

 

 

 

حرب روسية على المدنيين وعلى الحل السياسي/ محمود الريماوي

على مدى الأيام القليلة الماضية، نشطت المقاتلات الروسية في قصف أهدافٍ مدنيةٍ وعسكرية في حلب وريفها. لا تعبأ روسيا، شأنها شأن النظام في دمشق، بالهدنة، على الرغم من أن موسكو راعية للهدنة مثل واشنطن. لكن السياسة هي أن تقول عكس ما تفعل، وتفعل عكس ما تقول.

منذ بداية التدخل الروسي العسكري في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، والوضع في سورية يتفاقم. موجات اللجوء تضاعفت، والمدنيون تكرّسوا أهدافاً سهلة ومتاحة ومفضلة للطيران الروسي، كما طيران النظام .. روسي المنشأ.

ومع اشتداد الخوض في دماء المدنيين السوريين، تزداد شهية المسؤولين الروس، وخصوصاً السيد، سيرجي لافروف، للحديث عن الإرهاب. يصعب العثور على عبارة واحدة في حديثه تخلو من كلمة إرهاب (على شاكلة المسؤولين الإيرانيين ومسؤولي النظام الحاكم في دمشق). وبينما أدى الانهيار الفعلي للهدنة إلى انهيار للمفاوضات في جنيف، لم يجد الروس ما يقولونه سوى شن الحملات على فريق المعارضة المفاوض، والقول إن استنكاف المعارضة عن التفاوض “أمر صحي”.. إذ من الأفضل، حسب المسؤولين الروس، أن يفاوض النظام نفسه، أو أشباهه وأقرانه، فذلك يحقق لهم، للروس، نتائج أفضل. لكن الأمر الذي لفت الانتباه انزلاق مسؤولين روس إلى بروباغندا دعائية من قبيل ترويج الوزير لافروف شائعاتٍ عن انشقاقٍ مزعوم في وفد المعارضة المفاوض، وهي شائعاتٌ من شدة تهافتها لم تعمّر سوى بضع ساعات، غير أن إطلاقها من وزير خارجية دولة كبرى يدلل على مستوى “الجدية والنزاهة” في التعامل مع الملف السوري.

من اللافت أن دي ميستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، يدعو موسكو، إلى جانب واشنطن، لإنعاش الهدنة، كما فعل في تقريره الأربعاء إلى مجلس الأمن، علماً بأن موسكو هي من تقوّض الهدنة، وقد فعلت ذلك قبل جولة التفاوض الأخيرة في جنيف، وخلال أيام التفاوض وبعدها. أثبتت روسيا، على مدى الشهور السبعة الماضية، أنها جزء أساسي من المشكلة المستعصية، ومن مسببات الكارثة. ومن أبرز الناشطين في استهداف المدنيين والمرافق المدنية، يوم الأربعاء الماضي 27 أبريل كان مشفى القدس في حلب يتعرّض لغارات عنيفة من مقاتلات جوية روسية. استهداف المشافي المدنية جزء من العقيدة العسكرية للنظام، وقد جاءت روسيا لتصادق على هذه العقيدة وتكرّسها، وتشارك في تطبيقها. تطمح موسكو في دمار شامل يحيق بحلب الشهباء الحاضرة التاريخية، دمار المدينة سيثبت نجاح مبادرة موسكو وطهران

“الدور الروسي يفاقم من محنة السوريين ويجهز على فرص الحل السياسي” وحزب الله في استعادة المدينة وإخضاعها للنظام، وبما يُسهل التفاوض (استسلام المعارضة) وطيّ صفحة الانتفاضة الشعبية السورية. وبينما يتصاعد هذا النشاط الإرهابي المنظم ضد المدنيين على يد دولة كبرى، فإن هذه الدولة نفسها تمنح نفسها حق تصنيف من هم الإرهابيون في سورية، وتلح على إضافة تنظيمين من تنظيمات المعارضة إلى لائحة المنظمات الإرهابية التي تضم حصراً داعش وجبهة النصرة. ولا تجد الدولة الكبرى تناقضاً بين الفتك المنهجي والدائم بالمدنيين السوريين والحديث، كل ساعة وفي كل مكان، عن الإرهاب، وذلك وفقا لمقولة: إفعل كل ما يفيدك بغير قيد أو شرط، حتى لو كان ما تقوم به إرهاباً خالصاً، وقُم، في الوقت نفسه، بحملة سياسية وإعلامية مكثفة ضد الإرهاب، فالناس تنشغل بالأقوال والتصريحات أكثر من الوقائع والممارسات، وهذه هي كل حال الإضافات الروسية لمعالجة الملف السوري. فروسيا موعودة من النظام بكل ما تريد من نفوذ عسكري واستراتيجي، ومن امتيازات وأفضليات اقتصادية. ولذلك، ترفع موسكو راية النظام في دمشق، وتعيد ترديد كل ما يقوله إعلام النظام بعد ترجمته إلى اللغة الروسية. ولا ترى روسيا في سورية شعباً يستحق الحياة، أو أن ينعم بحق تقرير المصير، فروسيا ترى في سورية شخصاً واحداً هو الحاكم الحالي الذي يتيح لها تحقيق كل ما تطمح إليه، لقاء أن تخوض روسيا حرب النظام على الشعب السوري. وهو ما تفعله، منذ بدء تدخلها المباشر، أما قبل ذلك، فقد أطلقت روسيا يد النظام في استخدام الأسلحة الروسية الثقيلة من صواريخ وقاذفات ضد المدنيين والأحياء السكنية، وهو ما حوّل مدناً كحمص وحماة وحلب ودرعا وإدلب، إضافة إلى ريف دمشق، أنقاضاً وأطلالاً. ومع ذلك، ما زالت الشهية الروسية مفتوحة لتهديم ما لم يتهدم بعد من العمران السوري، حتى لو أدى ذلك إلى تهجير ملايين جدد من النازحين، فالشعب ليس له وزن أو اعتبار في العقيدة الروسية، ومن الأفضل التخلص من كل ما يعيق التقدم الروسي أو الإيراني. وكل المعيقات من معارضة معتدلة، ومن مدنيين وسواها حالات إرهابية في عُرف موسكو. وفي تلك الأثناء، لا يتلعثم المسؤولون الروس، وهم يشنون حملة كل ساعة على الارهاب، تواكبها حملاتٌ عسكريةٌ على كل مظاهر الحياة في حلب وريفها، بما في ذلك المشافي، كمشفى القدس الذي كان يعاني من اكتظاظ ومن نقص التجهيزات الطبية، فرأى الأصدقاء الروس أن أفضل علاج لوضع المشفى قصفه وتقويضه على من فيه من مرضى وجرحى وأطباء وممرضين، لكي يدرك المدنيون السوريون كم تكلفهم معارضتهم النظام من أثمان وتبعات.

إن أية إحصائية لعدد الضحايا من المدنيين السوريين، في الأشهر السبعة الأخيرة، ستثبت أن عدد من سقطوا على يد النظام والمقاتلات الروسية هو أضعاف العدد الذي سقط على يد تنظيم داعش الإرهابي. أمام ذلك، يسجل للمعارضة الوطنية أداؤها الجيد في رفض اعتبار المسائل الإنسانية مجالاً للتفاوض، وفي رفضها استمرار التفاوض مع مواصلة خرق الهدنة من النظام ومن موسكو ومن حزب الله. ولهذا، ثارت حفيظة موسكو على الموقف المتماسك الذي أحسن صياغته والتعبير عنه بكفاءةٍ عاليةٍ رئيس الهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب، والذي يسمي الأشياء بأسمائها، بما في ذلك الدور العدائي الروسي الذي يخرق الهدنة بكل صلافة، ويزعم، في الوقت نفسه، حرصه على نجاح مسيرة جنيف التفاوضية.

في بداية التدخل الروسي، أبدت أطراف عربية صديقة للشعب السوري تحفظها الشديد على هذا التدخل، وحذرت من نتائجه. وأثبتت التطورات اللاحقة صحة هذا الموقف. هناك الآن، حاجة لتجديد الاعتراض على الدور الروسي المفرط في السلبية، الذي يفاقم من محنة السوريين، ويجهز على فرص الحل السياسي، ويشجع النظام على مواصلة حرب الإبادة والاستئصال ضد شعبه.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

لعنة التاريخ في حلب/ ساطع نور الدين

عبر التاريخ، لم تكن حلب مدينة هامشية، كانت على الدوام مكاناً رمزياً، موقعاً إستراتيجياً بكل ما للكلمة من معنى، يعتمد، في الجغرافيا السياسية والاقتصادية لقياس قوة الامبراطوريات والممالك والجمهوريات التي ضمت المدينة او إنضمت إليها، وإتخذتها في معظم الإحيان عاصمة ثانية.. وهي الصفة الأبرز لتلك الحاضرة التاريخية.

كانت حلب ولا تزال معياراً مؤثراً لتوسع أي إمبراطورية، ولترسخ أي مملكة، ولوحدة أي جمهورية، بقدر ما كانت مؤشراً مهماً على قدرة الامبراطور او الخليفة او الملك او الامير او الرئيس على إرساء نظام حكم لامركزي (فيدرالي ) ناجح، مزدهر. هكذا كان الحال من أيام اليونان، والرومان، والاسلام، وصولا الى العثمانيين، الى الفرنسيين، وانتهاء بالاسديين.

ومن مميزات المدينة وعناصر تكوينها التاريخي التي ساهمت أيضا في تعزيز مكانتها المشرقية على مر العصور أنها كانت موقعاً جاذباً لمختلف أنواع الهجرات البشرية التي شهدها العالم القديم. ولعل أهم ما سيكتبه التاريخ غداً هي أنها تشهد اليوم، في مطلع القرن الحادي والعشرين، ربما أول هجرة عكسية، تدفع بسكانها الذين استوطنوها منذ مئات السنين الى الشتات القريب والبعيد.

مع هذه المفارقة المذهلة، يحضر مرة أخرى مؤشر حلب الاستراتيجي، او بورصتها الخاصة، التي تختصر اليوم، وبلا أي مبالغة، مكونات النظام العالمي الراهن ومؤشراته، ومواقف قواه الكبرى، وتوجهات(او تخبطات) قواه الصغرى، التي تتعامل كلها مع حريق المدينة  ومذبحتها المروعة، بوصفها مختبراً، او دليلاً على التآمر او التواطوء او العجز او الاخفاق.

لم تعد المدينة مهمة بذاتها، بل بما هي وسيلة لفضح الاخر وكشف وحشيته وتعرية خطابه. ويستوي في ذلك الاميركيون مع الروس مع العرب والاتراك والايرانيين وسواهم ممن هم شركاء في المحرقة السورية التي تقف اليوم عند منعطف سياسي وتاريخي بالغ الاهمية والخطورة.

حلب تحترق فعلاً وشعبها يباد حقاً. لكن العالم يتعامل ببرودة متناهية مع الحدث الاستثنائي، الذي لا يمكن ان يحدد فقط بالمعايير الانسانية وحدها، وهي في الاصل مرعبة، بل بالتحولات الاستراتيجية التي سيفرزها هذا الحدث بلا أدنى شك. ولعل السبب الاول لهذه اللامبالاة الدولية، بل المؤشر الاهم ، هو عدم وجود قادة         عظماء وزعماء تاريخيين يدركون معاني معركة حلب وتداعياتها البعيدة المدى. في واشنطن رئيس أحمق، وفي موسكو رئيس أخرق، وفي بقية العواصم المعنية، مسؤولون جهلة او أميون، يعتقدون ان حريق حلب عابر في تاريخ سوريا، لن يكون له أثر شديد على مصير الحكم في دمشق وعلى مستقبل الثورة السورية، ولن يكون لها أي صدى في لبنان وتركيا والعراق والاردن وإيران…

التواطوء الاميركي الروسي على المدينة هو بحد ذاته صفحة بالغة مهمة من التاريخ الدولي المعاصر، وعنصر بالغ الأثر في تشكيل الملامح المقبلة للنظام العالمي، الذي يسير وفقه الاوروبيون والاتراك والعرب والايرانيون، من دون أدنى إستعداد للتحدي او التمرد او العصيان، كما كان يحصل في حقبات سابقة.. مع ان التواطوء الراهن  ليس بين اقوياء ولا بين افكار واستراتيجيات بعيدة المدى، بل بين  سلطات تحكم بالحد الادنى من التفكير وبالمدى الاقصر من التخطيط، المبني على تحويل مليشيات بربرية مثل داعش والنصرة الى قوى أسطورية تهز العالم من أقصاه الى أقصاه وتهدد أمنه وأستقراره وتشكل خطراً على دورته الاقتصادية وخطوط تجارته الدولية.

ما زالت حلب مهمة بحد ذاتها، وما زالت تشكل حافزاً قوياً للعرب وللاتراك وللسوريين طبعا، ولغيرهم كثيرين، لكي يبذلوا جهداً بسيطاً، متاحاً، من أجل اطفاء ذلك الحريق الهائل المستعر في المدينة التاريخية التي يبدو انها تقع ضحية التاريخ الذي ساهمت أكثر من أي مدينة مشرقية عربية في كتابة أهم صفحاته.

المدن

 

 

 

استبدلوا الأحمر بالصور الحية.. حلب تُباد/ نذير رضا

المطالبة بحجب صور حلب المؤلمة عن الشاشة، مطلب كوزموبوليتي، لا أكثر. في لحظة مشابهة، يصبح حجبها تآمراً على المقتول، وعلى الذاكرة. فليرَ العالم آلامنا. فليسمع العالم صرخات أطفالنا. حلب تُباد، من كل الأطراف. وحجب صور ضحاياها وموجوعيها، يرضي المترفين فقط.

العالم أشاح بنظره عن الموت، فسكت، وذيّل تضامنه ببيان اعتراض لا يحجب البراميل والصواريخ الفراغية وقذائف الهاون وقذائف مدفع جهنم عن الاطفال. هذا العالم المفجوع على مشاعره، إذا مسّها دم يسيل من جبين أم، والمقشعر من غبار لون وجه ناجٍ من القصف، عليه أن يعي أن الألم متواصل. ولم يقدم أي مبادرة غير التعبير عن القلق. هذا العالم الذي يدعي السياسة، اثبت أنه لا يمارسها، إذا قارب القتل طفل، بل ينخرط في عمليات سياسية، متى وجد فرصة لاظهار توقه لاعلان النجاحات. ألم حلب اليوم، يا أيها العالم، يشبه كل آلامنا، في أسابيعها الممتدة من التاريخ، الى جميع آحاد القيامة.

حجب الصور، لا يمثل إلا فرصة لهذا العالم للتبرؤ من مسؤوليته. سيكون قادراً على القول إنه لم يرَ، ولم يسمع. حجبها، ليس إلا تآمراً مع القاتل، أياً يكن، لأنه سيطمر الألم، ويفتح مجالاً للتسويات، وسيوفر فرصة لكل المتآمرين بأن يناموا ملء جفونهم. فالذاكرة لا تغفو على صورة طفل يبكي، وأب يلطم راسه: “ما النا غيرك يا الله”.

يمثل اللون الاحمر في صورة التعريف عن الناشطين في فايسبوك، إعلاناً صارخاً بأن حلب تُباد، وتدمر، وتخطى القتل فيها كل الألوان، وطاف الدم من الشاشات إلى المحافل الدولية. لكن هذا الأحمر، الثائر، المتمرد، المقتول، لا يكفي لاستنهاض العالم. لن يوقف امداد النفط عن الطائرات، ولا امداد البارود عن مدافع جهنم. هو يشبه تضامننا، كما كل العالم، مع مقتول يمعن بالقتل، متى لم يجد من يردعه. متى يصبح طلب إيقافه ملحاً؟ ألا يكفي الإعلان أن حلب غير مشمولة بالهدنة الجديدة، سبباً كافياً لايقاف القتل فيها؟ ماذا يريد العالم من استمرار القتل، والقصف المتبادل؟

بوسع الناشطين فعل الكثير. لقد فعلوا في وقت سابق، حين رُمي أطفال الغوطة بالكيماوي. لكن التضامن مع أطفال الغوطة، لم يمهّد لقرار أممي أدى إلى إخراج الكيماوي من التداول. صور الاطفال وحدها، دفعت مجلس الامن الدولي إلى الاجتماع واتخاذ القرار. واليوم، التضامن مع حلب وحده، عبر لعن العالم، وانتقاده، لن يكون كافياً لايقاف حمام الدم. حلب، كما سواها من المناطق السورية، تحتاج إلى صدمة تحرك العالم، إلى صورة حية، وصوت عالٍ.

استبدلوا الاحمر، والصور التعبيرية، بصورة حية. الشهداء الاحياء ضمير العالم المهتزّ. كذلك النساء الناجيات والشيوخ المتألمون. آن لحلب أن تُنقذ، بتحريك ضمائر المجتمع الدولي.

 

 

 

أصمتوا كي لا أقتلكم!/ الياس حرفوش

كم هو معبّر ذلك الشعار الذي اتفق النظام السوري وحلفاؤه الروس على إطلاقه على الهدنة التي أعلنوها في اللاذقية وغوطة دمشق. إنه «نظام الصمت». في ذهن دمشق وموسكو وطهران ليس المقصود فقط صمت المدافع الموجّهة ضد النظام. صمت السوريين هو المطلوب والمقصود، والرسالة المراد إيصالها من وراء «نظام الصمت» هذا، أنه لو بقي السوريون على صمتهم، كما كانوا خلال معظم السنوات الأربعين التي حكمهم فيها آل الأسد، لما حلّ بهم، بعائلاتهم وأرزاقهم وببلدهم، ما يواجهونه اليوم.

حلب لم تصمت. لهذا تتعرض أحياؤها الشرقية الخارجة عن سيطرة النظام لهجوم مدمّر لم يسلم منه بشر ولا حجر، أو مدارس ومستشفيات. الأطباء الباقون هناك، مثل طبيب الأطفال الدكتور محمد وسيم معاذ، يعاقَبون بالقتل لأنهم لم يصمتوا ولم يغادروا. بل بقوا في مدينتهم يعالجون جرحاها ويبكون قتلاها.

لا جديد في المجازر التي تشهدها حلب، ولا في أعداد القتلى، التي قدّرها «الخبير الإحصائي» ستيفان دي ميستورا، بضحية كل 25 دقيقة. النظام السوري أثبت براعته في ارتكاب المجازر كما عوّدنا في المدن السورية الأخرى، مثل حمص وحماة وإدلب ودوما وسواها… ولائحة الأسماء تطول وصارت تشمل كل المناطق السورية. غير أن هذه المجازر على بشاعتها وعلى رغم مئات آلاف القتلى الذين سقطوا، لم تحمِ النظام السوري ولم توفر له ضمانات البقاء التي كان يريدها. ولم تعد هذه الضمانات متوافرة له بين السوريين، فراح يبحث للحصول عليها من مواقع الدعم الأخرى، خصوصاً في موسكو وطهران، إضافة طبعاً الى الدعم الآتي للنظام السوري من الصمت الأميركي المدوي، وهذا صمت له قصة أخرى… لنتخيل ماذا سيحل بنظام الأسد لو رُفع عنه الغطاء الروسي والإيراني ليوم واحد.

لهذا، يخطئ نظام الأسد إذا كان يعتقد أن إسكات الأصوات المعارضة في المدينة السورية الثانية والعاصمة الاقتصادية التي دخلت متأخرة الى المشاركة في الثورة السورية، سيعني أنه كسب الحرب. هو يظن أن سيطرته على المدن السنّية الرئيسية، إضافة الى إسكات الأصوات المعارضة في اللاذقية نفسها وفي المناطق ذات الأكثرية العلوية المحيطة بها، وحالة التهدئة القائمة مع الأكراد في الشمال، تفرغ مطالب المعارضة من أي معنى، لأن حدود «سورية المفيدة» في هذه الحالة تكون قد اتسعت لتشمل أكثر الأراضي السورية، وهو ما أشارت إليه صحيفة «الوطن» السورية أمس، في تعليقها على الجرائم التي يرتكبها النظام في حلب بالقول: المعركة ستؤكد أن حلب هي قلب وعاصمة «سورية المفيدة». وحال سورية والمنطقة قبل معركة حلب لن تكون كما هي بعد المعركة.

لتبرير جرائمه في حلب، يدافع نظام الأسد عن نفسه بالقول أنه يحارب «إرهابيين» في هذه المدينة، بذريعة أن «داعش» و «جبهة النصرة» غير مشمولين بالهدنة التي تم الاتفاق عليها قبل جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف. غير أن هوية الضحايا الذين تجاوز عددهم 250 خلال بضعة أيام، تؤكد كذب ادعاءات النظام وكذب حلفائه الروس الذين قالوا أنه يرفضون الضغط عليه لإيقاف معركة حلب بحجة أنها «معركة ضد الارهاب»، ليتبين أن هذا «الإرهاب» مقيم في المدارس والمستشفيات وفي الأحياء السكنية! فحقيقة الأسباب وراء معركة حلب أنها انتقام من خروج هيئة المفاوضات من جنيف وإصرارها على مطلبها الأساسي بإزاحة بشار الأسد من الحكم كشرط لحل الأزمة السورية.

أما الحجة الأخرى التي يسوّقها النظام لتغطية جرائمه في حلب، فهي أنه سيخوض معركة هزيمة «داعش» في الرقة ودير الزور بعد إنجاز هذه المهمة في حلب. ويساعد الروس في تسويق هذه الحجة من خلال حديثهم عن تنسيق مع الأميركيين في هذه المعركة الفاصلة مع التنظيم الإرهابي لاقتلاعه من «عاصمته» في الشمال السوري.

عندها، وفقاً لحسابات النظام السوري وحلفائه، تكون 3 انتصارات متزامنة قد تحققت: بشار الأسد ببقاء نظامه، وفلاديمير بوتين بحفاظه على موقع متقدّم لروسيا على شاطئ المتوسط، وباراك أوباما بإعلانه هزيمة «داعش» قبل نهاية ولايته… غير مأسوف عليها.

الحياة

 

 

 

حلب تحترق… والضمير يحترق!/ علي القاسمي

لن يمر على العالم أبشع من المجرم بشار الأسد، في جزئية الفعل والبشاعة وانتقاء حمامات الدم، ولن تكون ثمة لحظة مباركة ومفرحة حد البكاء سوى ذهابه، فما يفعله بشعبه شيء فظيع ومروع.

التاريخ الذي ستحفظه سورية عن بشار، ويحفظه كذلك المحبون لسورية، هو تاريخ من العار والسواد، لن يمحى على المطلق، ولن تخف آثاره وتداعياته إلا متى ما شوهد العار والسواد في شخص الطاغية. مذبحة حلب ليست طارئة في الفعل والتوجه والخروج عن كل القيم الإنسانية، فطاغية دمشق يضرب بكل شيء عرض الحائط، لأنه لم يواجه حتى اللحظة مساعي صارمة ومباشرة وسريعة، لصناعة حل سياسي لهذه الأزمة الأكبر عالمياً في العقد الأخير، هو يمارس بثقة تامة اعتداءاته وجرائمه ومخالفة كل القوانين الدولية ومبادئ الأخلاق، التي لم ولن يعرفها بشار وزمرته المتعددون والمتلونون.

تعيش سورية الجريحــة يوماً تلو يوم ضحية للدعم الروسي والسكوت الأميركي والترويج الإيراني لرموزه في عملية التوســـع. الداعم الأكـــبر للمجرم يلعب بحجر النوايا في كل حضور له، ويبدي استعداده للمضي في أجندة الحلول، لكنه يجمع كل هذه الحلول في نفق ضيّق، ويبدأ المراوغة والالتفاف، لإقناع المتفائلين بالحلول بأن توسيع النفق ســـيعطي الحلول ضوءاً أخضر ويمنح القضية السورية أكثر من قارب نجــاة، وهي – مع بالغ الوجع – محاولات لإضاعة الوقت ومنح المجرم الأكبر فرصة للعبث بمحتويات بلده، ومن ثم ترك الخونة في سعة من الأمر ليفعلوا ما يريدون، ويمارسوا دورهم في نشر الكراهية والتطرف والإرهاب والإجرام، وزرع الطائفية في أكثر من خريطة عربية، لتعيش كل خريطة في صنوف من المآسي والموت البطيء.

قام الحلفاء الظاهرون والمتسترون لنظام الإرهاب بما يفسر بالعقاب العاجل للمعارضة السورية، نظير انسحابها من مفاوضات «جنيف3»، هذه المفاوضات التي تتحدث عن كل شيء وتعد بكل شيء، لكنها لا تريد بتعبيرات صريحة وضمنية أن يكون مصير بشار موجوداً على طاولة التفاوض، وهي بذلك كمن يريد إطفاء الحرائق المشتعلة بلا توقف، من دون أن تأخذ على يد الفاعل وتحاسبه وتمنع عنه الثقاب والبنزين.

مفاوضات جنيف مفاوضات عرجاء ومائلة، ولا ترسم مطلقاً إلا حلولاً مائعة غير مشروطة، وأي حلول ليست مشروطة بمستقبل سوري من دون رائحة الأسد، فضلاً على وجوده، ليست إلا تخديرية ومضحكة مبكية في آن واحد.

انسحاب المعارضة جعل مركز ثقلها «حلب» مكاناً مناسباً لمذبحة بشرية تضاف لسجل المذابح المروع، الذي يقف على تنفيذه الإرهابي الأول بشار الأسد، لأن النظام الإرهابي المعهود يفتش عن أي مبرر للجريمة. هذه المذبحة تؤكد أن الرعاية الدولية لوقف الأعمال العدائية ليست إلا رعاية عمياء ومجرد غطاء وهمي لسلوكيات إجرامية، المفاوضات لن تكون منهية للحرب السورية ما ظلت موسكو داعمة للنظام السوري، وواشنطن تحضر في المشهد بالتباس كامل ومستفز ومترنح.

الدور العربي الآن دور مفصلي، ولو لوضع النقاط الشجاعة على الحروف الخائفة، لا بد من أن يأخذ الغضب مما يجري صورة مغايرة وأكثر قوة ومباشرة، فالصمت حيال هذه المجازر والاكتفاء بالمحاولات الخجولة والبعيدة عن المرمى، وترقّب ما تسفر عنه الأيام، لن يؤتي سوى مضاعفة مخططات الإرهاب وزيادة الصراعات والشرور. القضية السورية تتجه – ويا للخيبة – إلى التعقيد، في ظل تلذذ العرّابَين في موضوع التسوية أن يمارسا مهماتهما من نافذتي الدعم والصمت.

الحياة

 

 

 

استهداف الأسد لـ”حلب” يستنزفها اقتصادياً وبشرياً

إسطنبول – عدنان عبد الرزاق

رأى المحلل السوري عمر كوش أن استثناء مدينة حلب من اتفاق وقف النار المؤقت، الذي توصلت إليه واشنطن وموسكو أول من أمس الجمعة، يؤكد استهداف حلب ليتم الاجهاز على ما تبقى فيها من منشآت وبنى تحتية وبشر.

وأشار المحلل الحلبي إلى أن المدينة تتعرض للاستهداف، اقتصادياً وديموغرافيا، منذ عام 2012 للحد الذي حول اقتصادها إلى “حربي يعتمد على التهريب وبعض الورشات الصغيرة التي نجت من القصف والطيران”، محذراً خلال تصريحه لـ”العربي الجديد” من أن الأخطر فيما تعانيه حلب من استهداف الآن، إنما يأتي من استهدافها ديموغرافيا بعد تهجير معظم سكانها، لمشاريع تصب في مصالح الإيرانيين ومخططات الأسد، فضلاً عن فصلها عن تركيا التي تعتمد عليها، حتى بمعظم غذاء من تبقى فيها.

وتتعرض بعض أحياء حلب، ثاني أكبر مدينة، وعاصمة سورية الاقتصادية، إلى قصف من الطائرات الروسية والسورية، منذ عشرة أيام، أدت لمقتل 250 مدنياً بينهم 20 طفلاً، إضافة إلى تهديم المنازل ومشفى ومراكز طبية، وأتت بحسب مصادر معارضة، على الورش الصناعية والأسواق والمساكن، في أحياء السكري والمشهد والكلاسة والمغاير والقاطرجي والفردوس، بالقسم الشرقي من المدينة.

وقدر الصناعي محمد الدباغ الخسائر الاقتصادية التي لحقت بحلب، بأكثر من 55 مليار دولار، موزعة على سرقة وتدمير منشآت مدينة الشيخ نجار الصناعية بأكثر من 25 ملياراً، والباقي على البنى والمنشآت الأخرى الموزعة على أطراف المدينة والمقدرة قبل الاستهداف والثورة بنحو 40 ألف منشأة في حلب.

وفي حين لم ينكر الصناعي السوري أن بعض المنشآت الصناعية “خطوط إنتاج” تم نقلها إلى تركيا، خوفاً من استهدافها من قصف الأسد وسرقة بعض المخربين، أشار خلال حديثه لـ”العربي الجديد” إلى ما وصفه بالسرقة المنظمة التي جرت عبر نقل أهم منشآت الغزل والنسيج والغذائيات والصناعات الطبية، إلى مدينتي طرطوس واللاذقية التي يسيطر عليها نظام الأسد، مؤكدا أن “هذا أخطر من القصف الذي تتعرض له المدينة اليوم، فقد تم بمساعدة ما يسمى رئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي الموالي للأسد، من نقل المنشآت والرساميل إلى مدن الساحل السوري تحضيراً للدويلة، أو ما يسمى سورية المفيدة”.

ولفت المتخصص بالصناعات النسيجية، الدباغ، أن بعض صناعيي حلب آثروا البقاء رغم محاولات نظام الأسد، تخسيرهم وتفليسهم إن لم ينقلوا منشآتهم لمناطق ومدن سيطرته، فقد رفع النظام أسعار الكهرباء والفيول والمازوت مرات عدة خلال الثورة، كما يمنع تجار حلب، إلا قلة تؤيده، من استيراد المواد الأولية من الخارج “وقد فلت قطعان جيشه والمليشيات على المنشآت الصناعية الذين يفرضون إتاوات على أصحابها تحت ذريعة حمايتهم”.

مشيراً إلى أن 70% من منشآت حلب البالغة أكثر من 40 ألف منشأة قبل الثورة، تهدمت أو سرقت أو تم نقلها لمناطق سيطرة الأسد أو إلى خارج القطر، ولم يبق على قيد الإنتاج الجزئي اليوم، سوى 1065 منشأة، منها 170 في مدينة الشيخ نجار، من أصل 3392 منشأة بالمدينة الصناعية مطلع عام 2011 ونحو 360 منشأة بمنطقة الراموسة الصناعية من أصل 1370 وبعض المعامل والمنشآت الصغيرة في تجمع جبرين الصناعي.

ومن ريف حلب أفادنا الباحث تركي مصطفى أن الحملة الجوية التي تشنها طائرات نظام الأسد على حلب قبل أسبوع مضى، استهدفت منشآت خدمية عامة كمشفى شوقي خلال ومشفى القدس في حي السكري ومركز للرعاية الطبية في حي المرجة، كما طاول القصف سوق الهال في حي الحلوانية وهو مركز لبيع الخضار.

وأضاف مصطفى لـ”العربي الجديد” أن القصف الجوي السوري الروسي ركز على منشآت اقتصادية خاصة في حي الجلوم ( سوق بيع الألبسة ) وتصنيعها، وكان الطيران الروسي دمر ثلاثة معامل للأدوية، وكذلك شهد السوق الرئيسي في حي بستان القصر.

ويرى خبراء سوريون أن أخطر ما تتعرض له حلب، الواقعة شمالي غرب سورية وتشترك بحدود برية مع تركيا، هو التهجير السكاني والعبث ببنيتها الديموغرافية.

ويقول الاقتصادي السوري صلاح يوسف إن الظروف الإنسانية والمعيشية الصعبة التي يتعرض لها سكان حلب، دفعتهم للهجرة “وتحولت معظم أحياء حلب لمناطق أشباح بعد أن كان سكان المحافظة ثلث عدد سكان سورية”.

وألمح يوسف المقيم باسطنبول، إلى أن عدد سكان الأحياء المحررة  الـ65 اليوم لا يزيد عن 130 ألف نسمة، يعتمد جلهم على المساعدات والسلال الغذائية، بعد تهديم المنشآت والمنازل وتلاشي أي فرص للعمل، في حين يسكن الأحياء الـ15 التي يسيطر عليها النظام نحو مليوني سوري، بعضهم من محافظة إدلب.

وحذر يوسف خلال حديثه لـ”العربي الجديد” من استمرار تهديم أسواق ومعالم حلب، وسرقة ما تبقى من منشآتها الاقتصادية، معتبراً أن من أكبر الخسائر، هو الإنسان الحلبي الرائد صناعياً وتجارياً على مستوى سورية.

وتشتهر مدينة حلب التي تضم ثاني أقدم غرفة تجارة بالعالم تأسست عام 1885 للميلاد، بمصانع نسيجية وغذائية وصناعات تحويلية، وتشتهر فيها مدينة الشيخ نجار الصناعية والتي تعد من أكبر المدن الصناعية في الشرق الأوسط.

وكانت منظمات غير حكومية في واشنطن، قد حذرت من آثار حصار جيش الأسد على حلب، على غرار مدينة سريبرينتسا البوسنية في 1995.

وقال زاهر سهلول، المسؤول في الجمعية الطبية السورية الأميركية “إن حلب ستكون سريبرينتسا القادمة”، في إشارة الى مجزرة راح ضحيتها أكثر من 8000 مسلم على الأقل في البوسنة في يوليو/تموز 1995 على أيدي مليشيات صرب البوسنة.

وأضاف أن الطريق الوحيد الذي يربط تركيا بحلب التي كانت تلقّب قبل الثورة بعاصمة سورية الاقتصادية، تم قطعه بالكامل من قبل مجموعة كردية سورية حليفة لحكومة الأسد، ما يخشى على 300 ألف شخص في حلب.

وتعد حلب إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، ومنذ ما لا يقل عن أربعة آلاف عام، وقت كانت عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية، وتعاقبت عليها بعد ذلك حضارات عدة مثل الحيثية والآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والإسلامية. وفي العصر العباسي برزت حلب كعاصمة للدولة الحمدانية.

وتشتهر حلب بمبانيها التاريخية الكثيرة مثل قلعتها الشهيرة، كما أن أبوابها وأسواقها من أعرق أسواق الشرق، وكنائسها ومساجدها ومدارس العلم فيها، حيث اعتبرتها منظمة “اليونسكو” مدينة تاريخية هامة، نظرا لتنوع وغنى التراث الإنساني الذي تشمله، خاصة وأن فيها أكثر من 150 معلما أثريا هاما تمثل مختلف الحضارات الإنسانية والعصور.

العربي الجديد

 

 

نظام الصمت- نظام المجزرة

“نظام الصمت” هو ضمان للتهدئة في دمشق وريف اللاذقية، خلال المجزرة المفتوحة في حلب. خدعة روسية جديدة لاخضاع السوريين وتركهم يشاهدون استباحة حلب على يد المليشيات الايرانية ومنعهم من رد الفعل الوحيد الذي يمكن أن يزعج النظام في معاقله في اللاذقية ودمشق. فـ72 ساعة هي زمن كافٍ لاستكمال الصدمة في حلب، ومنع الرد في اللاذقية. فنظام الصمت-المجزرة، يعتمد على المخدر الذي تحقنه اليد الأميركية في جسد المعارضة السورية المسلحة. حقنة تتسبب بشلّ المعارضة في المواقع التي يمكن أن تزعج النظام، مقابل اطلاق عملية اخضاع مرعبة للقسم المحرر من حلب.

التصعيد البربري في القصف الروسي-النظامي لمدينة حلب وأريافها، وريف حمص الشمالي، يأتي ظاهرياً كرد على انسحاب وفد “الهيئة العليا” المعارضة من جولة مفاوضات جنيف الاخيرة، ولكنه فعلياً، يأتي استكمالاً لمخطط اجبار حلب على الرضوخ. فالتحضيرات العسكرية السابقة لقوات النظام، كانت على قدم وساق طيلة شهور سبقت، ورافقها تدخل قوات من الجيش الايراني النظامي، وسط أنباء عن وصول ست مقاتلات Su-24 ايرانية إلى مطار الشعيرات في ريف حمص، ونقل منظومات المدفعية الثقيلة الروسية إلى ريف حلب. التضليل الروسي وسياسة قلب الحقائق والكذب المتواصل، منذ بدء التدخل العسكري الروسي نهاية أيلول/سبتمبر 2015، باتت مكشوفة وعلنية، ولم تعد تنطلي إلا على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

لماذا ستستمر الهدنة في ريف اللاذقية 72 ساعة، و48 ساعة في الغوطة الشرقية؟ 72 ساعة كافية لاستكمال القصف الوحشي للبنى التحتية في حلب، والتسبب في موجة نزوح هائلة من المدينة، حتى تبدأ بعدها عملية إيرانية برية واسعة. التضليل الروسي استهدف اضافة ريف دمشق إلى نظام الصمت، وهو الذي يعيش وقائع اقتتال داخلي، وصارت معالجته أسهل من ذي قبل. المشكلة في الغوطة بدأت مع وصول وفد روسي قبل 4 اشهر تفاوض مع “جيش الاسلام”، فاستغلت “جبهة النصرة” الأمر وبدأت عملية تحريض واسعة ضد “جيش الإسلام”، وبدأت تجد صداها بعد تحالف “النصرة” ومن خلفها “جيش الفسطاط” مع “فيلق الرحمن”. اليد الروسية المسمومة سبق ودخلت الغوطة، وزرعت التفرقة بين الفصائل. “النصرة” الخارجة عن كل اجماع وطني، وجدت ضالتها، في التهويل ضد “جيش الإسلام”، المشهور بأخطائه. المقايضة بين ريف اللاذقية والغوطة الشرقية، هو أشبه برمي عظمة للمعارضة، في منطقة بات من السهل كسرها.

المهم بالنسبة إلى روسيا، الآن، هو اخضاع حلب، كدرس للمعارضة كي تتوقف عن الامتناع عن تجرع كأس السم في جنيف. ذريعة وغاية، تطلق بها روسيا يد إيران في حلب، ويد النظام في جنيف. اتفاق مسموم ترعاه أميركا المذعنة للشروط الروسية، كي تنجز عملية سياسية مشوهة تبقي النظام ورأسه. وفي الوقت ذاته، تضيف روسيا جرعة مخدر إلى المجتمع الدولي، عبر التضليل، والحفاظ بالاعتداء على “وقف الأعمال العدائية”.

 

 

 

كلهم دواعش.. وكلنا حلب/ وائل قنديل

يزوّدون شاحنة الاستبداد بالوقود في القاهرة، فتنطلق مثيلتها بالسرعة الإجرامية القصوى في دمشق.

كل دعم يحصل عليه نظام عبد الفتاح السيسي في مصر ينعش نظام بشار الأسد في سورية.. تلك هي المعادلة التي أثبتت صحتها وقائع الأيام.

لم يرد بشار أن يفوِّت فرصة ازدحام مطار القاهرة بطائرات داعمي الانقلابات، فالتقط الرسالة سريعاً، وقرر ذبح حلب مرة أخرى، وإقامة حفل شواء، “باربيكيو”، للحوم الأطفال والعجائز في المستشفيات وفي المدارس والملاجئ، تزامناً مع حفل الطرب الملكي في قصر عابدين في القاهرة.

يعلم بشار أن الرعاة يعلمون، في قرارة أنفسهم، أنه والسيسي في سلة واحدة، وما يُلقى للثاني من مساعدات يفيد منها جزار الشام، وكما انتفخت أوداج السيسي بعد الزيارات السخية، فأطلق العنان لفرق الاستبداد والوحشية، فقد انتعش بشار وانتشى، بالقدر نفسه، وقرّر أن يمارس عمليات الإبادة ضد الشعب الثائر، بالطاقة القصوى، فافترس حلب، ثم استدار إلى الرقة مدعوماً بغطاء جوي من الطيران الروسي، وعملية إعادة انتشار برية لمقاتلي داعش الذين رصدتهم العدسات يتنقلون، منسحبين، من مناطقهم على الرحب والسعة، بينما يواصل طيران النظام غاراته المجنونة على المدنيين وقوات المعارضة الثورية.

وكما رصد متابعون سوريون من الميدان، فقد خرجت قوافل قوات داعش من ضواحي دمشق، ومن الضمير، بحماية برية من قوات النظام، فيما كانت تسير أمام قوافلهم سيارات ترفع علم الأمم المتحدة، وقطعت الطريق من دمشق إلى الرقة في 8 ساعات مكشوفة في صحراء منبسطة تحت أنظار الطائرات الأميركية والروسية وطائرات النظام، ثم يستخفون بعقولنا ويدّعون أنهم يحاربون داعش.

ينسف هذا المشهد كل الأكاذيب، ويسقط كل الادعاءات والأساطير التي يسوقونها لتبرير عربدتهم في الأراضي السورية بالحرب على “داعش”، ويؤكد أنهم جميعاً كاذبون في قولهم إنهم مع الشعب السوري ضد بشار الأسد وداعش، فالصحيح أنهم، مع داعش وبشار، ضد الثورة السورية، وربيعنا العربي.

غضب مني بعض الأشقاء العرب، حين قلت يوماً إن قليلين جداً من اللاعبين في المأساة السورية يحبون الربيع العربي، فيما جلّهم كاره له، وإن استخدمه ورقةً في اللعبة الإقليمية أحياناً.. وهكذا، تتحول الثورات إلى مجرد ورقة في لعبة البوكر السياسي في المنطقة، بعناصرها الطائفية، والمذهبية، لتتحقق بوضوح نظرية الأواني المستطرقة. خذ في الشام، واترك في اليمن، والعكس أيضاً صحيح، فيما ينشط اللاعبون في تقديم كمياتٍ إضافيةٍ من مظاهر التعاطف مع الضحايا، مساحات لجوء، وحسابات تبرع، ليهنأ السفاحون بالاستمرار.

وها هي الأيام تنطق بأنهم “أكلة لحوم الثورات العربية”، كما وصفتهم سابقا، فكل صيحات الحرب، العربية والغربية، ضد بشار، انتهت إلى تثبيت أركان حكمه، ومنحته مساحاتٍ وقدراتٍ للحركة فوق جثة الثورة السورية، منذ أعلن باراك أوباما، عقب مجزرة الكيماوي في الغوطتين 2013، أن الضربة الأميركية خلال ساعات، وحتى الحديث عن قواتٍ عربية، بقيادةٍ سعودية، تستعد لدخول سورية، للحرب ضد تنظيم الدولة.

وأكرّر أن الثورة السورية تدفع من لحمها الحي ثمن ما يجري في اليمن، وفي مصر، وفي ليبيا. يسقط الحوثي وصالح، ليعيش بشار والسيسي، ينخفض سعر برميل النفط، لترتفع فرص بشار الأسد في البقاء. يعصرون عنب اليمن، كي يثمر بلح الشام، ويتساقط رطباً جنياً في حجر بوتين، ليتغذّى بشار، ويسمن إجرامه.

كلهم يتناوبون افتراس الثورة السورية، في فراشٍ داعشي وثير، ليصبح جل أصدقاء سورية أصدقاء روسيا البوتينية، في اللحظة نفسها، والوضع نفسه، ولا يبقى سوى أن تتحوّل المأساة السورية إلى صندوق تبرعات أمام مساجد، تدعو منابرها على بشار، وبوتين، وفي الوقت نفسه، تدعو بطول البقاء لأصدقاء الدب الروسي الألداء.

كلهم دواعش، وكلهم بوتين، وكلنا حلب وسيناء، يقطعون من لحمنا الحي، ويصنعون أطباقهم المفضّلة في مطابخ الحرب على الإرهاب.

العربي الجديد

 

 

 

محرقة حلب ورهانات النظام السوري وحلفائه/ د. خطار أبودياب

معركة حلب تحتوي على أبعاد كثيرة في التوازنات الإقليمية والعالمية، أرادها النظام محرقة لدفن حلم الشعب السوري وحراكه الثوري، وأرادتها أطراف أخرى ساحة لصراع الإرادات وقياس النفوذ.

 

الأربعاء 26 أبريل 2016 في يوم اختتام الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف 3، وبعد شهرين على “الهدنة” المفترضة، أتت غربان الموت وقصفت مستشفى القدس في شمال مدينة حلب، المدعوم من منظمة أطباء بلا حدود الدولية مما أدّى إلى مقتل 30 شخصا بينهم ثلاثة أطباء وتدمير المستشفى بشكل كامل.

في هذا السياق، اتهمت منظمة أطباء بلا حدود قوات التحالف الذي تقوده الحكومة السورية بتنفيذ هذا العمل المتعمد، أما رئيسة بعثتها في سوريا، موسكيلدا زانداكا، فوجّهت صرخة إلى أصحاب القرار قائلة “أين هو غضبكم مما يجري؟ أنتم من يتوجب عليهم إيقاف هذه المجزرة”.

لكن هذه الصرخات تشبه أصوات الصارخين وسط برية هذا العالم في القرن الحادي والعشرين، وأصحاب القرار فيه كأنهم لا يعلمون أن الوضع في مدينة حلب، كان حرجا جدا حتى قبل هذا الهجوم. فقد بقي ما يقدّر بـ250.000 شخص في أجزاء المدينة التي تسيطر عليها الجماعات المناهضة للنظام (كان عدد السكان مليونا و300 ألف شخص في 2014) وشهدوا ارتفاعا هائلا في مستويات القصف والقتال والموت خلال الأسابيع الأخيرة. ولم تبق سوى طريق واحدة مفتوحة للدخول والخروج من هذه المناطق، وفي حال تم قطعها ستصبح المدينة محاصرة بالكامل.

أشار بيان منظمة أطباء بلا حدود إلى أنه خلال الأسبوع الأخير تعرّضت عدة مرافق طبية للهجوم والتدمير في مدينة حلب وقتل خمسة من متطوعي الإنقاذ في الدفاع المدني السوري (القبعات البيضاء)، ويجدر التذكير أن عدة مستشفيات تعرضت للقصف في شمال سوريا وجنوبها منذ بداية العام 2016 ومن بينها 7 مرافق طبية مدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود، قُتل خلالها ما لا يقلّ عن 42 شخصا من بينهم 16 موظفا طبيا على الأقل.

إن إلقاء الضوء على هذا الجانب المحدود جدا من الكارثة الإنسانية في سوريا، يفضح استنكاف ما يسمى المجتمع الدولي عن تحمل المسؤوليات البديهية في احترام أدنى الحقوق الإنسانية وفي مواكبة مسار سياسي مترنح، يعود ذلك بالطبع إلى إصرار النظام في دمشق على مقولة الحسم العسكري التي لم تفارقه يوما، وإلى شراكة إيران ومحورها لهذا الخيار بالتلازم مع التدخل الروسي وتداعياته. ولم يحصل كل هذا من دون الالتباس الأميركي في الشأن السوري والفشل السياسي والأخلاقي لواشنطن التي لا تتردد في ممارسة الضغوط على شركاء دوليين وإقليميين من أجل ضبط الوضع تحت سقف مصالحها وسقف ما تسميه أولوية الحرب ضد الإرهاب، وليس من أجل إنتاج حل واقعي للمعضلة السورية.

في مقالة سابقة عن “جون كيري ومعركة حلب: ميونيخ أو ساراييفو؟” (13 فبراير الماضي)، قارنت بين سابقة اتفاق ميونيخ الذي كان عارا لبعض الأوروبيين ولم يمنع الحرب مع هتلر، وبين ترتيبات لافروف – كيري التي لا تنتج إلا حربا. وتساءلت ما إذا كان مصير حلب سيشبه ما جرى في دمشق عام 1920 ونهاية ما سمي الثورة العربية الكبرى، أو إذا كان الوضع شبيها بساراييفو 1914 عشية الحرب العالمية الأولى.

اليوم مع مجزرة مستشفى القدس واستمرار مسلسل قتل الإنسانية فوق الركام السوري (بشار الأسد متعهد تدمير سوريا أعلن منذ فترة عن حجز إعادة الإعمار لكل من إيران وروسيا والصين. ووائل الحلبي رئيس وزرائه أعلن توقيع عقود مع الحكومة الروسية لإعادة إعمار سوريا بمقدار مليار دولار في لحظة إعلان البنك الدولي عن قرب نفاد احتياطي دمشق من العملات الصعبة)، نتذكر أحداثا أخرى في العالم أدّت لهز الضمير الإنساني أو تغيير مجرى المصالح والأحداث. ففي الثامن والعشرين من أغسطس 1995 قام الصرب بقصف سوق شعبي في مدينة ساراييفو (37 قتيلا و90 جريحا) وحصل ذلك بعد ثلاثة أعوام على بدء حرب البوسنة وحروب البلقان، وأسفر عن بدء تدخل حلف شمال الأطلسي ضد بلغراد والصرب بعد تردد واستنكاف، ويومها تحمل بيل كلينتون الأميركي وجاك شيراك الفرنسي وهلموت كول الألماني وجون ميجور الإنكليزي مسؤولياتهم، ووضعوا حدا للحرب عبر اتفاقيات دايتون.

بالطبع يدور التاريخ دورته ونحن لسنا أمام عالم الأحادية الأميركية كما كان في 1995، ولكننا في عالم الاضطراب الاستراتيجي وليس في عالم الأحادية الروسية.

في النزاع السوري المتضمن عدة حروب في حرب، هناك تقاسم للمسؤوليات عن الكارثة بين العديد من العوامل الداخلية والخارجية، ووجود الكثير من اللاعبين غير العقلانيين. في موازاة مسار جنيف 3 يبدو واضحا أن التأقلم الأميركي مع دور موسكو في سوريا لم يسفر عن تحكم روسيا بالملف السوري تماما، نظرا لرفض إيران وسعيها إلى إعادة تأهيل النظام السوري. وهذا ما يفسر إرسال قوات اللواء 65 من الجيش الإيراني واتخاذ قرار تصعيد معركة حلب.

عبر معركة حلب كانت الرسالة الأسدية الإيرانية لا لبس فيها وخلاصتها منع طرح مصير الأسد على طاولة المفاوضات

يجري كل ذلك وسط إقرار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “أن التعاون مع واشنطن ساعد على تحقيق تقدم في سوريا”. لكن هذا التعاون لم يكن فعالا في تهدئة الأمور ولجم النظام وشريكه الإيراني، اللذين استفادا من وقف الأعمال العدائية لكي يفرضا الأمر الواقع في ميادين القتال من ضواحي حلب إلى الشيخ مسكين في الجنوب.

بيد أن كل هذا الزخم في هجوم النظام ومحوره منذ أكتوبر 2015، لم يحقق الغاية المرجوة في تدمير المعارضة وإلزامها التوقيع على صك استسلام الشعب السوري أمام النظام. ومما لا شك فيه أن واشنطن التي تعتبر أن إسقاط النظام في دمشق حاليا غير وارد أو هو خط أحمر كما بالنسبة لموسكو (إذا صدقنا ما باح به لافروف أمام دبلوماسيين عرب) أسهمت على طريقتها في المعركة الروسية عبر قطع الإمداد عن المعارضة منذ أوائل 2016 ومنع مدها بأي سلاح نوعي.

ترافقت معركة حلب مع انعقاد مفاوضات جنيف 3، وعبر معركة حلب كانت الرسالة الأسدية الإيرانية لا لبس فيها وخلاصتها منع طرح مصير الأسد على طاولة المفاوضات وفرض حل متناسب مع المصالح الإيرانية والروسية. عبر تحريك قطع المدفعية نحو حلب شارك القيصر الجديد في المعركة تحت ذريعة تداخل مواقع جبهة النصرة والمعارضة. لكن وزير دفاعه، سيرجي شويغو، نطق بالكلام الصريح إذ قال إنه لا يثق بأن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد سيسمح بالحل في سوريا. والأدهى أن فلاديمير بوتين نفسه قال أمام وفد من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية زاره أخيرا أنه “يجب إعادة القسطنطينية إلى المسيحيين كما أراد القيصر نيقولا الثاني”.

هناك إذن ما هو أبعد من سوريا والسيطرة عليها، أو من الانتقام الروسي من تركيـا أو من تصفيات حسـابات مذهبية داخل الإسلام أو من حق تقرير المصير للأكراد، إذ تحتوي معركة حلب على أبعاد كثيرة في التوازنات الإقليمية والعالمية. أرادها النظام محرقة لدفن حلم الشعب السوري وحراكه الثوري، وأرادتها أطراف أخرى ساحة لصراع الإرادات وقياس النفوذ. ماتت هناك الإنسانية، لكن حلب وكل سوريا تعاني فعليا من “شام فوبيا” عالمية. إنه الرهاب والخوف من الشام الحرة والمشرق المتحول. لكن الطفل أحمد الرحب الذي خرج حيا بعد يوم كامل من تحت أنقاض مستشفى القدس يقول عكس ذلك، ويقول إن الصراع المفتوح ينتهي بهزيمة الفاشية من كل أنواعها وبقاء سوريا.

أستاذ العلوم السياسية المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

حلب… بين إرهاب الأسد وصلف موسكو/ سلام السعدي

التغطية الروسية على مجازر الأسد تريد تثبيت صورة تقول بانتصار ‘الخيار الروسي’ في سوريا، بما هو صلف وعناد في دعم نظام الأسد حتى وهو يبيد المدنيين من خلال قصف المشافي والمخابز والأسواق في مناطق المعارضة.

رغم استمرار سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية برعاية دولية، تجرأ النظام السوري، على مدار الأسبوع الماضي، على شن سلسلة من الغارات الجوية المرعبة على مدينة حلب، استهدفت بصورة خاصة المدنيين والمشافي الطبية؛ لا يدع هذا السلوك الإجرامي أي مجال للشك في أن نظام بشار الأسد قد أصبح، منذ زمن بعيد، محكوما بالحرب وكأنه آلة قتل عمياء، لا يمكن إيقافها بقرار عقلاني، وإنما فقط بتحطيمها.

استدعت تلك الحقيقة أن تطلب الولايات المتحدة من روسيا، الحليف الأقوى لنظام الأسد، “لجم” آلة القتل تلك واحتواء إرهابها الموجه ضد المدنيين والمنظمات الطبية. ذلك أن خيار تحطيم النظام وتخليص المدنيين من شروره غير مطروح ضمن الأجندة الحالية لواشنطن. الحقيقة أنه لم يكن خيارا مطروحا منذ بدء الثورة في العام 2011 حتى يطرح اليوم مع تنامي قوة روسيا وتحوّلها إلى لاعب رئيسي على المستوى الدولي.

ففضلا عن “طبيعة” النظام السوري الرافضة للتسوية والمندفعة للإبادة، كانت “روسيا الجديدة” أحد أهم أسباب استمرار النظام السوري كآلة قتل عمياء بلغت طاقتها المثلى. أبانت موسكو عن وجه جديد على الصعيد العالمي بعد سقوط نظام معمر القذافي، إذ تخلت عن سياسة النأي بالنفس من خلال الامتناع عن التصويت في جميع القضايا الدولية الخلافية، وراحت تستسهل استخدام حق النقض الفيتو في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وقد توجت هذا التحول اليوم بأن أصبحت عرّابة التسوية المأمولة للحرب السورية، وذلك بعد أن فرضت شروطها جزئيا على مؤتمر جنيف، وكأنها بدأت تجني ثمار عنادها وصلفها اللذين تواصلا خلال السنوات الماضية.

وطالما تبدّى ذلك الصلف الإمبريالي الروسي في سوريا بوقوف موسكو كعقبة كأداء وقاتلة أمام طموحات التغيير الديمقراطي لدى السوريين. ويتبدّى اليوم بصورة فجّة مع تغطيتها لجرائم النظام السوري ضد المدنيين، حتى في ظل إعلان التزامها بالتسوية السياسية وباتفاق وقف الأعمال العدائية.

وكأن التغطية الروسية على مجازر الأسد تريد تثبيت صورة تقول بانتصار “الخيار الروسي” في سوريا، بما هو صلف وعناد في دعم نظام الأسد حتى وهو يبيد المدنيين من خلال قصف المشافي والمخابز والأسواق في مناطق المعارضة.

إصرار روسيا على دعم النظام السوري، يفصح عن أن الظرف لم ينضج بعد سوى للمفاوضات وليس لتطبيق التسوية السياسية التي صيغت في القرار الأممي 2254

لقد كانت روسيا خلال الأسابيع الماضية التي شهدت انعقاد جولات التفاوض في مدينة جنيف تميل نحو إبداء نوع من التوازن. فامتنعت عن إطلاق تصريحات مباشرة داعمة للنظام السوري كان لها أن تزيد من تصلبه. وهو ما فُهم، حينها، على أنه دعم للحل السياسي المأمول، والذي بات ناجزا ببنوده وتفاصيله المعقدة بالتوافق مع الجانب الأميركي.

لكن صبر موسكو يبدو أنه يتجه نحو النفاذ بسرعة، إذ لم تعد تقوى على احتمال قناع التوازن والحياد الذي ارتدته بحذر خلال جولات مفاوضات جنيف، وما لبثت أن أزاحته في أعقاب انسحاب الهيئة العليا للمفاوضات، لتعود في خطابها الدبلوماسي إلى اعتبار المعارضة كلها متشددة، وطلب إدراج كل من جيش الإسلام وحركة أحرار الشام على لائحة الإرهاب. كما يبدو أنها عادت بسلوكها أيضا إلى المربع الأول، حيث من المرجح أن يكون تصعيد نظام الأسد للقصف الجوي على مدينة حلب قد تمّ بالاتفاق معها، إن لم يكن برغبتها.

روسيا شاركت بجدية كبيرة في التحضير لمفاوضات جنيف، لكنها كانت تراقب عن كثب التطورات العسكرية على الأرض، وقد كانت خلال الأشهر الماضية تصب في صالح حليفها، بل وساعدت على وصوله إلى الوضعية الحالية المتماسكة. وما من شك، في أن قوة النظام وحلفائه الطائفيين، قد جعلت موسكو غير متعجلة في الضغط عليه للقبول بالحل السياسي، إذ لا يمكن أن تتعامل مع حليفها اليوم، كما لو أنه يعيش مرحلة انهيار كتلك التي عصفت به قبل تدخلها نهاية العام الماضي.

في حال لم تكن هنالك توافقات روسية – أميركية سرية بشأن الحل في سوريا، فمن المرجح أن يفتح الباب مجددا لنقاش الاستراتيجيات الأميركية البديلة للدفع نحو الحل السياسي في سوريا، ومنها خيارات عسكرية محدودة، لا تهدف إلى تحطيم آلة القتل، أي النظام السوري، بقدر ما تهدف إلى إجبار روسيا على لجمها وإعادتها إلى المفاوضات بصورة أكثر جدية. وقد يكون إرسال الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرا لـ250 عسكريا أميركيا إلى سوريا، فضلا عن إرسال بطاريات صواريخ إلى تركيا، قد أتى في هذا السياق.

بات من المؤكد أن نهاية الحرب السورية، وفقا لموازين القوى القائمة، سوف تكون عبر الحل السياسي في مفاوضات جنيف، كما يبدو أن الظرف الدولي قد نضج بصورة كافية للدفع بهذا الاتجاه، ولكن إصرار روسيا على دعم مواقف النظام العدمية وممارساته الدموية، ربما يفصح عن أن الظرف لم ينضج بعد سوى للمفاوضات، وليس لتطبيق بنود التسوية السياسية التي صيغت في قرار مجلس الأمن 2254.

كاتب فلسطيني سوري

العرب

 

 

 

تدمير حلب.. إلى متى؟/ عبد الرحمن الراشد 

اختارت طائرات النظام السوري أهدافها عمدًا، المستشفيات والأحياء المدنية المجاورة لها، تقصفها بعنف ومن دون مقاومة حيث لا توجد عند الأهالي دفاعات أرضية بسبب الحظر الدولي. وكرر النظام قصفها خلال الأيام الماضية، وقد أرهق عمال الإنقاذ من رفع الأنقاض بحثًا عن أحياء تحت المباني التي قصفت. الضحايا هم أطباء، وممرضون، وعمال إغاثة، ومن أهالي الأحياء، ومعظمهم من نساء وأطفال لم يتمكنوا من النزوح إلى الحدود التركية القريبة. على مدى أيام يستمر القصف، ومئات المدنيين يموتون في المدينة، التي تركت تحت رحمة نظام الأسد وميليشياته والقوات الروسية، في وقت لا أحد في المجتمع الدولي يفعل شيئا، رغم أن سوريا، ومدينة حلب تحديدًا، يفترض أن تكون مشمولة باتفاق الهدنة المشروط للتفاوض الذي تعهدت الأمم المتحدة برعايته!

هل يعقل أن ترتكب كل هذه المجازر، ويتكرر حدوثها كل يوم، دون أن تتحرك الأطراف الراعية لمفاوضات جنيف إلا من بيانات تدعو للتهدئة لا قيمة لها؟

ما يحدث لحلب مرعب، يفترض أن يدفع المعارضة لرفض الهدنة الكاذبة، ومسرحية المفاوضات، كما يفترض أن يحرك الدمار الهائل الدول التي وقفت سنوات الحرب الظالمة في وجه تصفية الشعب السوري، وضد عملية التطهير المذهبي. ولا يعقل من دول الخليج، هي الأخرى، أن تسكت وتهادن على ما نراه من تصعيد خطير لا مثيل له من قبل! لم يبقَ للشعب السوري أحد بعد أن تخلى عنهم الأتراك، واختصر الغرب محنة أربعة وعشرين مليون سوري في تنظيم داعش فقط.

مدينة حلب تحديدًا، ومنذ دخول الروس في الحرب، وهي تستهدف بالتدمير في مشروع لإخلائها من غالبية سكانها، التي تعتبر أكبر المدن السورية، وأكثرها استهدافًا من قبل طائرات النظام، ومن قبل الروس. هناك عمليات قصف للمدن الأخرى مستمرة بلا تحدٍ، في غوطة دمشق وريف اللاذقية وغيرها، وكل ما يتم من نشاط دولي هو إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية للمناطق التي يوجد فيها تنظيم داعش. الولايات المتحدة أرسلت مائة وخمسين عسكريًا إلى الحسكة، والأتراك يهددون بدخول الحدود لملاحقة المتمردين الأكراد، أما الشعب السوري فقد ترك لقوات نظام الأسد يقوم بعمليات قصف هدفها تدمير ما تبقى من أحياء المدن الرئيسية، حيث أصبحت حلب خرابًا، قطعت عنها الإمدادات الإغاثية، وسدت الطرق في وجه أهلها الذين يحاولون الفرار شمالاً، حيث الحدود التركية.

لم تحترم الأمم المتحدة تعهدها بأن تتم المفاوضات بالتوازي مع الهدنة، والسماح لعمال الإغاثة بإيصال المساعدات، بل إن ارتكاب المجازر في أيام الهدنة فاق أيام الحرب نفسها، مما يؤكد أن المفاوضات ليست إلا محاولة لدعم النظام السوري، الذي يعيش عملية إنعاش واسعة من قبل حليفيه الإيراني والروسي على أمل أن يحقق على الأرض خلال فترة وقف إطلاق النار المرافق للمفاوضات ما عجز عن الحصول عليه من أيام المواجهات المسلحة السابقة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى