سمير العيطةصفحات سورية

حلّ يبتعد وانتهاكات تتعاظم/ سمير العيطة

 

 

الحلّ السياسيّ في سوريا يتعثّر. ووتيرة الحرب والانتهاكات المشينة من قبل جميع الأطراف، سوريّة وغير سوريّة، تتعاظم.

لم تعُد السلطة في سوريا تكرّر سوى العودة في ظلّ هيمنتها إلى شرعيّة الدولة القائمة. بالمقابل، عرضت الهيئة العليا للمفاوضات أخيراً على فصائلها السياسيّة والمقاتلة للنقاش مسودة تصوّر خبرائها القانونيين عن المرحلة الانتقاليّة. أقلّ ما يمكن قوله للوهلة الأولى أنّها كانت تحتاج إلى الكثير من التدقيق قبل طرحها الواسع.

تعتمد هذه الورقة أسس الوثائق الدوليّة لكنّها لا تخلو من الغرابة في نظرتها المؤسساتية. ويُفترض وفقها أن تمارس هيئة الحكم الانتقالي سلطات رئيس الجمهوريّة والحكومة معاً، ولكنّها ليست الحكومة بالوقت ذاته. بل ستشكّل حكومة تصريف أعمال، ومن ثمّ حكومة فعليّة في زمنٍ لا يتمّ تحديده. لكنّ دور هذه الحكومة التنفيذيّ غير واضحٍ سوى عبر استمراريّة تقديم الخدمات، مع احتفاظ هيئة الحكم بجميع الصلاحيّات التنفيذيّة، بما في ذلك «تمثيل الدولة السوريّة في جميع المحافل والمنظّمات الدوليّة والإقليميّة» و «تصريف الموازنة… وضمان عمل الوزارات والمؤسسات» و «التحّكم بالمؤسسات المالية بما فيها البنك المركزيّ». هذا كلّه إلى حين تطوير خبرة أكبر «للسلطات الحديثة التشكيل»!

السلطة الوحيدة المنظورة لرئيس الوزراء هي ترؤس المجلس الأعلى للإدارة المحليّة. رئيسٌ من دون صلاحيّات لمجالس من المفترض أن تتولّى مهامّ واسعة، من التنمية والتخطيط حتّى التعليم والخدمات والبيئة، إضافةً إلى متابعة تنفيذ القرارات الدوليّة في ما يتعلّق بإعادة النازحين واللاجئين مع هيئة الحكم الانتقالي مباشرة.

ويُفترض أن تحتكر هذه الهيئة السلطة التشريعيّة، التي لا تمثّل أيضاً بمهمّتها الموصوفة برلماناً. ذلك أنّها ستؤسّس سريعاً لمؤتمرٍ وطنيّ، بعد حلّ البرلمان الحاليّ وتجميد العمل بقانون الأحزاب إلى حين إصدار قانون جديد. دور هذا المؤتمر الوطني هو استشاريّ فقط، ومن دون أن يضطلع بوظائف تشريعيّة بحجّة الحفاظ على مؤسسات الدولة والحيلولة دون تعديل القوانين من قبل هيئة غير منتخبة!

ولا يُذكر صراحة أنّ سلطة هيئة الحكم الانتقالي تطال القضاء أيضاً. فهي التي تعيد تشكيل المحكمة الدستوريّة العليا ومجلس القضاء الأعلى، وتعيّن لجنة للعدالة الانتقالية منوطاً بها تحقيق الإصلاح المؤسساتي!

تمّ ابتكار مفهوم «هيئة الحكم الانتقالي» في وثيقة «جنيف 1». وتمّ تثبيته في المادة 16 من قرار مجلس الأمن 2118/2013، لكنّه لم ينصّ سوى على سلطات تنفيذيّة. وكرّس ذلك قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة 262/67 لعام 2013. بل إنّ قرار مجلس الأمن 2254/2015 حدّد هذه الصلاحيّات التنفيذيّة بضرورة «تأمين استمراريّة المؤسسات الحكوميّة»، كما جاء في المادة 2 من بيان فيينّا في 30 تشرين الأوّل 2015، وجُدّد في 14 تشرين الثاني التالي.

كما أنّ الهيئة وطريقة تسميتها تثيران الارتباك. فالهيئة يتمّ اختيارها بنظامٍ مختلط من قبل مكوّنات مجتمعيّة عدة وإنشاء مؤتمر وطني سوريّ! كما أنّ قراراتها هي بالأغلبيّة الخاصّة، من دون توضيح معنى ذلك بدقّة. بل يُنظر إلى أنّ لهيئة الحكم رئاسة تتضمّن 5 إلى 10 أعضاء، هي التي تشرف على جميع المؤسسات الانتقاليّة. ما يعني أنّ الهيئة تضمّ عدداً أكبر بكثير من الأعضاء، بنسبة 40 في المئة من الهيئة العليا للتفاوض و40 في المئة «للنظام» و20 في المئة للمستقلين!

يبدو أنّ واضعي نصّ بيان جنيف وقعوا وأوقعوا الجميع في فخٍّ عقيم عبر مفهوم «هيئة الحكم الانتقالي». لماذا كلّ هذا التعقيد المؤسساتي إذا كان شرط «المعارضة» لإقامة هذه الهيئة هو رحيل رأس السلطة وجميع من تلطّخت أيديهم بدماء السوريين؟ يكفي أن يتمّ التوافق على أشخاصٍ وصلاحيّاتهم ضمن مؤسسات الدولة القائمة، وكذلك على المبادئ الأساسيّة للمستقبل.

ثمّ أليس بالأحرى أن تكون المعارضة هي الحريصة على فصل السلطات وعلى دولة القانون.. قبل السلطة؟

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى