زين الشاميصفحات سورية

حماة… مدينة تربك النظام السوري دائماً


زين الشامي

كنا نتوقع مسبقاً أن النظام السوري سينتقم من محافظة حماة على تظاهرتها نصف المليونية التي كانت تبدأ وتنتهي بسلام كامل في كل أسبوع، وهي التظاهرات التي شاركت فيها كل الطوائف، «سُنَّة وعلوية وإسماعيلية ومسيحية»، وبقية مكونات وشرائح المجتمع الحموي، حيث عكسوا وحدة وطنية لم تكن يوماً غريبة عنهم… لقد شكلت التظاهرات النظيفة في تلك المدينة برهاناً على سلمية الشعب السوري في ثورته من اجل الحرية والعدالة والديموقراطية، وشكلت أيضاً فضيحة قاتلة لتكتيكات النظام الذي يسعى ومازال إلى إشعال التظاهرات طائفياً، وجعل بقية مكونات المجتمع يتقاتلون في ما بينهم حتى يبرر تدخله العسكري والأمني، ويبرر قتل المئات من السوريين خلال الأشهر المنصرمة بحجة سعيه لفرض النظام.

لقد شاهد العالم مئات الآلاف في حماة يتظاهرون بشكل راق وسلمي، في ظل غياب كامل للأجهزة والقوات الأمنية، وقد كان ذلك مطلب محافظ حماة الذي وعد المتظاهرين ووجهاء المدينة بعدم إرسال قوات الجيش أو الشبيحة والقناصة إلى المدينة مقابل ألا يرفع المتظاهرون شعار اسقاط النظام، لكنه وحين لم يستطع منع الشبان من إطلاق هذا الشعار خلال التظاهرات، قرر النظام السوري إقالة هذا المحافظ، ثم ليرسل لاحقاً الدبابات والقوات الأمنية والقناصة إلى المدينة، فكان أن لقي الكثير من المدنيين حتفهم بنيران تلك القوات، وكان بين القتلى صبي في الثالثة عشرة وامرأة اغتيلت ورميت جثتها في نهر العاص، بعد ذلك قام مئات الشبان بسد الطرق أمام آليات الجيش بوسائل عدة، معلنين أن الأهالي متحدون للدفاع عن مدينتهم حتى الموت.

هذه التطورات التي أتت مترافقة مع صدور تقرير منظمة العفو الدولية، تحدث عن فظاعات في الاعتقالات وتعذيب الموقوفين في مناطق عديدة، من بينها غرس السجائر المحترقة في ظهر كل معتقل وقلع الأظافر، وغيرها من الأساليب الوحشية التي تفضح كل ادعاءات النظام وماكينته الدعائية عن وجود «عصابات مسلحة» في المدن السورية.

لا نريد أن ندخل في العوامل التي أدت إلى الحالة المحرجة للنظام في حماة بعد خروج مئات الآلاف في مظاهرات سلمية حضارية ليس لها مثيل، لم يحدث فيها أي تخريب للمنشآت أو اعتداء على الأشخاص، حتى رموز النظام مثل مقر فرع «حزب البعث» أو الشخصيات الممثلة للنظام، وفي غياب القوى الأمنية، لم تتعرض للاعتداء وهذه ظاهرة فريدة في الاحتجاجات السياسية الشعبية، ولكن النظام الأمني لم يعد يطيق هذه الحالة، وبدأ يخلق فبركات لتبرير عمليته الأمنية الهمجية.

إن الحالة الشعبية العارمة في حماة المتطلعة للحرية تحمل رمزية تاريخية وآنية تشكل رافعة حقيقة لكل انتفاضة الحرية للشعب السوري، وفي هذه المرحلة من الانتفاضة وضمن خصوصية الحالة الحموية فإنه من المطلوب فعل كل شيء من أجل الدفاع عن حماة وإرسال رسالة واضحة فحواها أن ثمن الدماء والاعتقالات وانتهاك كرامات الناس سيكون باهظاً، لأن الجميع يعرف أن هذه المدينة دمرت وقتل نحو 30 ألفا من أهلها قبل ثلاثين عاماً على أيدي النظام ذاته حين كان حافظ الأسد رئيساً لسورية، وحين كان أخوه رفعت الأسد قائداً لما يسمى بوحدات سرايا الدفاع، التي تشبه اليوم بتركبيتها وأهميتها الفرقة الرابعة التي يشرف عليها ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد. لذلك سيكون من العار على كل الشرفاء في العالم الانتظار حتى نسمع أخبار المجازر أو غيرها من انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية ليبدأوا بعد ذلك بالتحرك.

لقد شكلت تظاهرات حماة التي شارك فيها مئات الآلاف على مدار أسابيع عدة فضيحة كبرى ومدوّية للنظام الذي لم تجرؤ أجهزته على مواجهة المتظاهرين، كما لم يسقط أي قتيل برصاص العصابات التي يدعيها النظام. ان السبب الذي يقف وراء قرار الرئيس بشار الأسد بإقالة محافظ حماة وإرسال الجيش والقوات الأمنية هو أن جميع الرؤساء العرب، ليس الأسد وحده، يعرفون حق المعرفة أنه إذا ما خرجت الشعوب إلى الشوارع فيستحيل إعادتها وسيقاوم الناس أكثر وأكثر، وحتى لو قتلوا المئات والآلاف فإن النظام لابد راحل. إن الحرية بذرة نمت في تراب سورية، سقاها الشهداء بدمائهم، حتى تنمو وتظلل أرضنا، والمشكلة أن الأنظمة الاستبدادية لا تدرك ذلك، ولا تريد أن تسمع ولا أن ترى أو تعترف. انها شجرة ليست لأحد بعينه بل هي شجرة كل السوريين، شجرة ستمنح كل السوريين ظلها وسيأكل كل السوريين من ثمارها.

نقلا عن (الرأي العام) االكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى