صفحات العالم

حماه خط مفصلي في زيارة السفيرين


روزانا بومنصف

توفر خطوة توجه السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد الى حماه ليكون على بينة مما يجري هناك على خط النظام ومعارضيه فرصة كي يستنتج منتقدو الرئيس الاميركي باراك اوباما استمراره على موقفه من النظام السوري وعدم سحبه سفيره في دمشق اهمية التمسك بالوجود الديبلوماسي الاميركي على مستوى عال في العاصمة السورية. ذلك ان الانتقادات تتواصل على اكثر من مستوى سياسي واعلامي للادارة في العاصمة الاميركية بسبب عدم تصعيد موقفها من النظام السوري والمراوحة التي تبديها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على هذا الصعيد على عكس ما فعلت الديبلوماسية الاميركية بالنسبة الى نظام زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، في الوقت الذي يرى اصحاب هذه الانتقادات تماثلا كبيرا بين ما يجري في ليبيا وما يجري في سوريا مع اختلاف الموقف الاميركي من نظامي البلدين. وتاليا فان خطوة فورد تعطي معنى جديدا اضافيا لبقائه في دمشق والذي بررته الديبلوماسية الاميركية مرارا في الاسابيع الاخيرة بانه يتصل ببقائه على صلة مع الاحداث الجارية في سوريا ولقائه المعارضين اضافة الى اهل النظام. الا ان نتيجة هذا التحرك بالنسبة الى الرئيس اوباما في ذروة حملته من اجل اعادة ترشيحه للرئاسة على اهميتها لا تبدو في اولوية ما قام به فورد الذي تندرج خطوته في اطار ذي حدين وفق مصادر متابعة: احدهما منع حصول ما يخشاه الجميع من تكرار لمأساة حماه مجددا في ضوء الحشد الامني على مداخل المدينة عشية يوم جمعة اخر، وفي ظل توقعات ان يكون حاشدا على غرار ما شهدته المدينة في يوم “جمعة ارحل”.  والاخر وهو المقلب الثاني من هذا الامر وهو ضمان الا تضطر الولايات المتحدة الى التقدم نحو اعتماد خطوات اضافية في الموقف من النظام السوري اي اعلان فقدانه الشرعية وضرورة تنحي الرئيس بشار الاسد. ففي هذه الخطوة وفق المصادر المتابعة حماية لموقف اميركي حاذر حتى الان الذهاب الى حيث ذهب الفرنسيون والبريطانيون وذلك من خلال اعطاء النظام فرصة لاجراء ما يجب من اصلاحات وقيادة مرحلة انتقالية  اذ ان الولايات المتحدة لم تتوافر لديها البدائل بعد للذهاب الى هذا الحد، ولا تزال تراهن على ان يخطو النظام خطوات جريئة نحو الاصلاح على رغم ادراكها صعوبة ذلك. كما  ان في هذه الخطوة حماية للنظام نفسه من انزلاق الى نقطة اللاعودة ايضا في المواجهة بينه وبين معارضيه باعتبار ان وقوع ضحايا بنسبة عالية سيجعل من الصعب جدا الا يخطو الاميركيون في اتجاه التخلي قسرا عن ورقة مطالبة النظام باجراء اصلاحات ووقف العنف تمهيدا للحوار والانتقال فورا الى المطالبة برحيله. وتاليا فان هذا التحرك الديبلوماسي لا يزال يترك هامشا للنظام يحميه من الانزلاق الى حيث لا يمكن العودة بالنسبة اليه وامكان افتقاده لاي غطاء خارجي. وهو امر يسري على الغرب وحتى على بعض الدول الاقليمية كتركيا مثلا التي كرر مسؤولوها انهم لن يسمحوا ان تتكرر مأساة حماه تحديدا ملوحين بان هذا الاحتمال سيؤدي الى تغيير الموقف التركي من النظام السوري قد يصل الى حد دعم  قرار في مجلس الامن يدين النظام. وهو امر يراه المراقبون اشبه بمواجهة موقف مماثل للموقف الليبي حين هدد العقيد معمر القذافي بدخول بنغازي مما ادى الى قرار دولي لمنعه من ذلك علما ان الجميع يدرك ان ما يحصل مربك للنظام السوري من حيث تركه الامور من دون مواجهة وتحول التظاهرات الى كرة ثلج تتعاظم كما حصل في “جمعة ارحل” او مواجهته لهذه التظاهرات. وتاليا فان وجود السفير الاميركي في حماه التي لاقاه فيها ايضا السفير الفرنسي ليس مسألة حماية ساعات او ايام يمكن ان يوفرها وجود السفراء في المدينة بحيث يمكن ان تعمد القوى الامنية الى دخول المدينة بعد مغادرة الديبلوماسيين، بل هي الخط الاحمر المفصلي الذي يمكن ان يفصل بين مرحلة معروفة المعالم حتى الان واخرى جديدة لن تكون واضحة من الان وان كانت محددة ومعروفة  في عناوينها الكبيرة قياسا على ما شهدته التجارب الدولية  مع دول عربية اخرى في الاشهر القليلة الماضية.

ويعتبر كثر ان انتقال السفراء الغربيين الى حماه يعد تطورا مهما من حيث رفع سقف الضغوط وخطوة متقدمة محرجة للسلطات السورية التي احتجت على هذا الانتقال علما ان اي اجراء يمكن ان تتخذه في هذا الاطار يؤدي على الاقل الى المعاملة بالمثل من حيث التضييق على حركة السفراء المعتمدين في العواصم الغربية، في حين ان لا شيء يمنع في اتفاقات فيينا تنقل السفراء في العواصم التي يعتمدون فيها ما لم يكن ينطوي تحركهم  على تدخل في الشؤون الداخلية. وثمة هامش متاح يمكن ان يستفيد منه السفراء الغربيون في دمشق يتصل بالسعي الى استطلاع الوضع تحضيرا لقرار في مجلس الامن في الوقت الذي تعتبر السلطات تحركهم تدخلا في الشأن الداخلي. وهو كذلك في طبيعة التحرك الذي قام به السفيران لكن في هامش لا يبدو متاحا للسلطات التحرك فيه بسهولة على غرار المرحلة السابقة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى