مراجعات كتب

حمص تحت الحصار…تاريخ يكتبه أهلها/ أسامة الرشيدي

 

 

يوثق هذا الكتاب تجربة الحصار، الذي تعرضت له مدينة حمص السورية على مدار عامين كاملين “أكل فيه المحاصرون أوراق الشجر حتى ما عادوا يجدونه، وذبحوا القطط والسلاحف والضفادع”، بالإضافة إلى قصف يومي من أنواع الأسلحة المختلفة، وفقا لما كتبه المؤلف، وليد الفارس، الذي عايش الحصار يوما بيوم.

بدأ الحصار في يونيو/ حزيران 2012، مع حصار أحياء حمص القديمة وأحياء (الخالدية والبياضة وجب الجندلي والقصور والقرابيص) بالحواجز العسكرية والجدر العازلة ومنع الطعام. وشمل الحصار أيضا قطع خدمات الكهرباء ومياه الشرب وخدمات الهاتف الأرضي وأعمال التنظيف والصيانة، مما دفع الناشطين والسكان إلى البدء في حملات تنظيف وتشغيل مولدات كهربائية ضخمة، وتركيب أجهزة اتصالات فضائية واستخدام مياه الآبار للشرب.

استهلك الأهالي معظم المؤن في أول ستة أشهر من الحصار، عاشوا خلالها مع قصف يومي شديد وصل إلى معدل ألف قذيفة في اليوم الواحد. ومع صعوبة تأمين المحروقات ومقتل عدد كبير من الثوار والأهالي، لجأ البعض إلى حرق الأخشاب للتدفئة. ومع خسارة حي الخالدية، الذي أدى إلى انعدام توافر القمح، بدأ الأهالي في الاعتماد على ما تنبته الأرض من حشائش وأوراق الشجر وبقايا الطعام، وكذلك الاعتماد على المؤن الجافة، حتى أن أكثر من 30 شخصا قتلوا بعد قنصهم في أثناء محاولتهم دخول مناطق خطرة بحثا عن الطعام، وسجلت العديد من حالات نقص التغذية والوفاة، ومات عدد من الجرحى بسبب عدم وجود غرفة عمليات جراحية مجهزة، وحدثت حالات تسمم لآخرين بسبب قِدم آبار مياه الشرب وعدم قابليتها للاستخدام دون تنقية وتنظيف.

واجه الثوار مشاكل كبيرة في توفير الدعم المالي واللوجستي، وزاد من عمق الأزمة قلة حضور العسكريين المتخصصين بالتخطيط. وكان السلاح المستخدم في معظمه خفيفا بالإضافة إلى شح كبير في الذخيرة، إلى درجة أن المؤلف شاهد بعينيه المقاتلين وهم يرشقون قوات النظام بالحجارة في إحدى المعارك، ليوهموه بأنها قنابل لم تنفجر، فإذا اقترب الجنود أكثر ألقوا عليهم القنبلة الوحيدة التي في حوزتهم.

على مدار فترة الحصار، كانت هناك محاولات عديدة لإمداد المنطقة المحاصرة بالمؤن عبر الأنفاق، لكن كان سهلا على النظام اكتشافها لأنها تمر بمناطق سيطرته، فضلا عن الاستهتار الأمني في شأن الاتصالات. فقد تربت أجيال من السوريين على فكرة أن “الاستخبارات تعرف كل شيء” وبالتالي لم يكن هناك حرص على السرية في أثناء الترتيب لتلك المحاولات، وهو ما أدى إلى إحباطها عبر تفجير الأنفاق أو نصب كمائن لكتائب الإمداد. لكن رغم ذلك، نجح الثوار ست مرات في فتح ممرات للإمداد أغلبها عن طريق المجاري والأنفاق، ورغم أنها كانت محدودة إلا أنها ساهمت في بقاء المنطقة والمحاصرين على قيد الحياة.

ورغم الحصار والحياة في مكان شديد الخطورة، إلا أن الأهالي حاولوا التعايش مع الأزمة، ونشأت عدة مؤسسات محلية لإدارة الحياة وتقديم الخدمات للأهالي، مثل إنشاء ديوان للقضاء والمحاكم والأحوال المدنية، وتم تسجيل 150 حالة زواج و250 حالة ولادة. وحاول الأهالي إقامة حلقات تعليمية للأطفال بعد تدمير المدارس، إلا أن المشروع فشل بعد موت عدد من الأطفال في أثناء ذهابهم إلى تلك الحلقات نتيجة القصف أو القنص.

وقد نشأت روابط قوية بين الأسر والعائلات الذين تبادلوا الزيارات في أثناء فترات الهدوء، فقد كان المقاتلون والثوار ينتقلون عبر فتحات صنعت في جدران المنازل تسمى “خراقات”، تجنبا للخروج إلى الشوارع الرئيسية، حتى لا يتعرضوا إلى قصف النظام، وهو ما أدى إلى أن تصبح البيوت مفتوحة في أوقات كثيرة على بعضها البعض، واعتنت بعض الأسر بتربية أطفال أسر أخرى بعد موت أحد الوالدين أو كليهما. وأقام البعض سهرات إنشاد وإحياء للتراث الحمصي، وأقيمت بطولات رياضية ودورات علمية وشرعية وثقافية، وأنتج بعض الشباب مسلسلات كوميدية تسخر من النظام والمجتمع الدولي وتنتقد أخطاء الثوار والمعارضة.

بعد مرور 500 يوم على الحصار، بدأت مفاوضات مع النظام لإجلاء المدنيين وإدخال مواد غذائية وطبية والتفاوض حول الأسرى، إلا أن تعنت النظام، ومن ورائه إيران، أفشل جميع المفاوضات، فقرر المقاتلون في المنطقة المحاصرة الخروج، بعد خيبات الأمل المتكررة وتناقص أعداد المقاتلين وصمت المجتمع الدولي تجاه قضيتهم ومحاربة وصول السلاح إليهم.

وفي 9 مايو/أيار غادرت الدفعة الأخيرة من المقاتلين منطقة حمص المحاصرة بأسلحتهم الفردية وذخائرهم، تنفيذا لاتفاق جنيف 2، ضمن مبادرة لتأهيل المدينة وإعادة الحياة الطبيعية وعودة المدنيين إليها، لينتهي الحصار بعد أكثر من 700 يوم من بدايته، ومعه ينتهي فصل من فصول الثورة السورية.

(كاتب مصري)

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى