جهاد صالحصفحات سورية

حمص …حلبجة سوريا

جهاد صالح – واشنطن
باتت مدينة حمص تكسر جليد خريطة العالم وصمتها ، دولا وحكومات وشعوبا. حمص التي تعيش الحصار منذ شهور ، حصار عسكري ، واقتصادي ، وخدمي ، حتى باتت الحياة فيها شبه معدومة ، وبضع كسرات من الخبز اليابس وحليب الأطفال حلم في ظلام مخيف.
كل دقيقة قذيفتان يطلقها جيش النظام الوحشي دون رحمة، تنهال على البيوت ليحترق كل شيء ، وتبقى أجساد الضحايا تحت الأنقاض لأيام ، فيما الناس تحاكي الموت والشهادة كسبيل للحرية بكبرياء وشجاعة مثاليان.
حمص كانت السكين التي مزقت شرايين الأستبداد، وأخرجت الجلاد عن أقنعته الكثيرة، وأعادت لأذهاننا صمود لينغراد، وشجاعة حلبجة الكردية التي ما كان من الديكتاتور صدام ألا أن يمطرها بقنابل النابالم والغازات الكيماوية أمام بسالة المدينة ومقاومة سكانها. كذلك كانت ومازالت حمص تحمل ألينا أخبارها المؤلمة ونزداد دهشة ووجعا كلما صمدت تحت نار الإستبداد ووحشية نظام الأسد وقواته. ظلت لغة الحمصيين هي الحرية والمقاومة حتى الموت ، فكانت لغة الجلادين الرصاص والدبابات والنار، فيما المدن السورية الأخرى انتفضت تصرخ نصرة للمدينة المنكوبة والثائرة ليلا ونهارا. ظلت شعوب العالم تتفرج عبر شاشات التلفزة بدهشة وحزن،وحكومات المجتمع الدولي لم تنتهي من حساباتها الرقمية والسياسية في سلة السياسة وكرنفالات المصالح القومية.
تصرخ هيلاري كلينتون غاضبة أنه على الأسد أما صنع السلام والتحول للديمقراطية ،أو الرحيل ؟! لقد فعلها أسد الغابة ووحشها حين دكّ بالمدن السورية من درعا وحماه وبانياس ودير الزور ودمشق ،واليوم يستكمل ديمقراطيته المجنونة على جسد حمص وشعبها في عدالة توزيع قسائم الظلم في حق الثورة السورية.
من وراء الحدود الملاصقة نسمع أردوجان وهو يرمي لنا بوعود من ورق، وأن تركيا تفكر في جميع السيناريوهات والخيارات ! عام يكاد يمضي من عمر الثورة وتركيا الكمالية ما زالت تأكل خبزها السياسي والدبلوماسي أمام مشهد الدم السوري . إلى متى يراهن السوريون على الطربوش العثماني ونفاق زعماء استنبول ؟
نتسائل هل يمكن لمجموعة أصدقاء سوريا أن يكونوا منقذين للشعب السوري من الحرب بشقيها، حرب النظام ومعركته بحق المدنيين وطالبي الحرية والديمقراطية ، والحرب الأهلية التي هي تعيش لحظات اشتعالها يوما بعد يوم، وستدخل البلاد في دوامة طويلة ومستقبل مخيف ومجهول الملامح!
هل يمكن أن نشهد العرب وهم يتراكضون لأنقاذ ما تبقى من العروبة وكبريائهم المدنس من آل الأسد وتجار الشعارات والمقاومة والممانعة السخيفة .. ليتهم يرسلون قواتهم المسلحة لحماية المدن والمتظاهرين السلميين ، ويبتعدوا عن الدبلوماسية ومنح المزيد من الفرص للنظام الساقط والمتمسك بالعنف والنار في لحظاته الأخيرة.
أمام ما يجري من مجازر في سوريا وما يرتكبه نظام الأسد في حمص من جرائم بحق الانسانية ،بات من القناعة والوضوح أن يتم محاكمة الديكتاتور الأسد وحاشيته أمام المحكمة الجنائية الدولية ، وهو بالطبع لن يمتثل لها ولقراراتها ، وهنا على دول العالم غربا وعربا أن يقوموا بتشكيل قوات مشتركة لمساعدة الشعب السوري للخلاص من الديكتاتورية وحفظ السلم الأهلي ، وغير كلام في الملف السوري سيكون سببا في اشعال الحرب الأهلية وشرعنة لكل مجازر نظام الأسد وهذا يتنافى مع مبادئ الأمم المتحدة في حماية حق الشعوب في تقرير مصيرها وحفظ السلام وحياة المدنيين ، ولو بقي المجتمع الدولي على سياسة العصا والجزرة فأن سوريا ستدخل في أزمة أكثر تعقيدا ومأساوية في ظل وحشية لغة الجنون من قبل النظام ، وتهرب الدول والحكومات من معالجة الأزمة بسرعة ، وبقاء قوى المعارضة في تشتت وصراع سياسي وفئوي وافتقارها لبرنامج وطني وسياسي يقود الثورة ويحمي البلاد من الفوضى في مرحلة ما بعد الأسد، واصطدام عربة الجميع بالفيتو الروسي والصيني .
رغم كل هذا التماطل الدولي وهروب الدول الكبرى والعرب من الحل العسكري الذي يتمثل في اقامة منطقة عازلة وغطاء جوي لحماية المدنيين واللاجئين ، وكذلك توفير السلام والأمن للمدن والمظاهرات والإغاثة بكل أنواعها وأشكالها، يأتي تنحي الأسد أول خطوة في حلّ الملف السوري، ومن ثم محاكمة القتلة جميعا، وبعدها يمكن للمجتمع الدولي أن يدخل في مرحلة الحلول الوطنية والتشارك في رسم معالم الوطن السوري وحكومته ودستوره لحين عملية الانتخابات وتقرير الشعب السوري لمصيره ونظام الحكم السياسي والبدء في تأسيس الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية التعددية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى