صفحات سوريةمنذر خدام

حوارات المعارضة السورية: بحث عن الموقع


منذر خدام

في هذه المقالة سوف أحاور ما كتبه الصديق علي العبد الله  في جريدة “النهار” بتاريخ 2011/11/15 تحت عنوان: “خلافات المعارضة السورية بين رواية هيئة التنسيق ورواية المجلس الوطني”.

تذكرني حوارات المعارضة السورية سواء في القاهرة أو في غير مكان بحوار جرى بين جارين يتظاهران بالطرش سأل أحدهما الآخر وقد رآه متجهزا بعدة صيد كاملة: شو ياجار شايفك رايح عالصيد؟ أجابه الآخر: لا والله رايح عالصيد؟ من جديد سأل الأول: عم اسألك شو رايح عالصيد؟ ومن جديد أجاب الأخر: لا والله بس رايح عالصيد…

وبالفعل هذه هي حال المعارضة السورية عموما وخصوصا تكتليها الرئيسين: المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية، فهي جميعها متفقة على الهدف وهو “إسقاط النظام بكل أركانه ومرتكزاته” (هذا ما ورد في نص البيان الصادر عن اجتماع المجلس المركزي لهيئة التنسيق)، لكنها للأسف تختلف على الموقع الذي ينبغي أن تحتله في عملية إسقاط النظام وليس على الدور، إذ أن الأخير يقوم به المنتفضون والثائرون في الشوارع ولا يستطيع أي منهما إدعاء القيام به.

بداية وللتذكير فقط – وهذا يعلمه الصديق علي – لكن قد يجهله كثيرون، فهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي هي أول تشكيل تحالفي للمعارضة السورية انبثق تحت ضغط انتفاضة السوريين ضد نظامهم، وقد شاركت جميع قوى المعارضة السورية في الداخل (إعلان دمشق والقوى والتنظيمات الكردية والتيار الإسلامي الديموقراطي وغيرها من الشخصيات الوطنية المعارضة المستقلة)، في الحوارات الممهدة لقيامها، لتتوالى بعدها محاولات كثيرة قام بها السوريون المعارضون في الخارج وبمشاركة نشطة من جماعة الإخوان المسلمين لتكوين مجالس وطنية أو غيرها في الخارج. بطبيعة الحال هذا لا يعطي هيئة التنسيق أية أفضلية سياسية. مع ذلك لا يجوز تجاهلها كما فعل المتحاورون في اسطنبول الذين شكلوا في ما بعد المجلس الوطني السوري في نسخته الجديدة.

نقرأ في نص الدعوة التي وجهت إلى هيئة التنسيق من قبل “الهيئة الإدارية المؤقتة للمجلس الوطني السوري”(هكذا ورد في نهاية الدعوة وكان  من الصحيح القول بالإنابة عن الأطراف المتحاورة) لتشكيل المجلس الوطني الجديد:” في هذه اللحظة التاريخية من حياة سوريا، وبناء على المشاورات المكثفة التي جرت بين ممثلين من المجلس الوطني السوري مع إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، وجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، والدكتور برهان غليون….”(انتبه – لا يرد اسم هيئة التنسيق)، لذلك كان رأي الهيئة ببساطة أنها مدعوة للانضمام وليس للمشاركة في تشكيل المجلس الوطني السوري وهذا ما حصل بالفعل.

لقد اتفق المتحاورون على الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها المجلس الوطني وكذلك على بنائه الهيكلي وحصص كل طرف فيه وترك لهيئة التنسيق حصة مساوية للحصة الرسمية لإعلان دمشق ولبقية القوى الأخرى، ودعيت لاحقاً لأخذ حصتها، وهذا ما يردده دوما قادة المجلس الوطني اليوم: تعالوا وخذوا حصتكم؟!! لقد وجدت الهيئة إن عدم مشاركتها في الحوارات الممهدة لإنشاء المجلس الوطني السوري الجديد، أفقدها أي دور يمكن أن تقوم به في اجتماع 29 أيلول 2011 كما حدد في نص الدعوة أعني “البحث في آليات العمل المشترك لكل القوى الوطنية، ولإعداد الرؤية السياسية الملائمة…”، أمام قوى متفقة مسبقا على كل شيء، وهذا ما توضح من خلال السرعة في إعلان قيام المجلس الوطني في نسخته الجديدة.

ومن المؤسف القول أن جميع هذه الحوارات التي تمت في اسطنبول من دون مشاركة الهيئة، كانت تجري في الوقت ذاته الذي كانت الهيئة تعمل على تنفيذ اتفاق الدوحة وكانت تتوقع أن هذا ما يشغل بال الأطراف الأخرى. يتساءل الصديق علي بنوع من الاستغراب” ما الذي يريده الدكتور أكثر من دعوة للمشاركة في عملية التأسيس؟!!”، حقيقة لا أريد، بل لا تريد الهيئة أكثر من ذلك، لكن نص الدعوة لم يكن كذلك وأدعوك صديقي لقراءته بتمعن.

لقد حاول الصديق علي أن يبرهن على عدم صدقية الهيئة من خلال مقارنة موقفها من حوارات اسطنبول التي انبثق عنها المجلس الوطني السوري في نسخته الجديدة، بما جرى في مؤتمر حلبون  الذي عقدته الهيئة بالقرب من دمشق ليضع نفسه في مأزق شبهة عدم الصدقية، أو لأقل عدم دقة معلوماته. فمؤتمر حلبون هو مؤتمر لهيئة التنسيق وليس مؤتمرا لتوحيد المعارضة، وخلال التحضير له كان من المفترض أن توجه دعوات لبعض الضيوف لحضور المؤتمر ومنهم قوى إعلان دمشق(نحو 15 ضيفاً)، لكن وجدت اللجنة التحضيرية عدم تحمل مسؤولية ذلك، وبناء عليه لم تتم دعوة ضيوف لحضور المؤتمر، وإن حصة” 15 مقعداً” من أصل نحو 320 حضروا المؤتمر غير صحيحة في المطلق، وهي غير لائقة بالهيئة قبل غيرها.

وغير صحيح أيضا ما ذهب إليه الصديق علي من أنني حملت إعلان دمشق ” مسؤولية فشل اتفاق الدوحة…” بل الدكتور برهان غليون في تصريح مطول له نشره على صفحته اتهم الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن فشل اتفاق الدوحة وليس إعلان دمشق. ثم ما علاقة مبادرة الجامعة العربية الأولى التي أشارت فيها إلى “القوة التي سوف تحاور النظام باسم المعارضة، وهي الهيئة وليس غيرها…”،  بفشل حوارات المعارضة؟ أعتقد لو أن المجلس الوطني كان موجودا في حينها لتوجه الخطاب إليه أيضا كما يجري حاليا. فهذه ليست حجة مقنعة على اتهام الهيئة بأنها تقبل الحوار مع النظام، كما ليس مقنعا أن يؤسس إعلان دمشق انسحابه من اتفاق الدوحة على تبني مؤتمر حلبون لنص ورد في وثيقة الدوحة التي شارك في صياغتها إعلان دمشق والتيار الديني مع الهيئة يقول سوف يعمل الائتلاف الوطني السوري على” تحقيق التغيير الوطني الديموقراطي الشامل بما يعني إسقاط النظام الاستبدادي الأمني…” لاتهامها بأنها تقبل الحوار مع النظام. وبعيدا عن صدقية ما اتهمت به هيئة التنسيق فإنني شخصياً استغرب كيف يمكن رفض الحوار من حيث المبدأ، كيف يمكن السياسي (المجلس الوطني وهيئة التنسيق) أن يتخلى عما فيه تحديد له كسياسي.

يقول الصديق علي نقلا عن المجلس الوطني” إن الهيئة طالبت بالعودة إلى المربع الأول وتشكيل ائتلاف سياسي جديد وباسم جديد…”. وهو هنا يخلط بين المؤتمر الوطني السوري الذي طالبت جامعة الدول العربية بعقده، وتعمل عليه هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني في القاهرة، وقد نشرت هيئة التنسيق مقترحها بهذا الخصوص، وبين توحيد المعارضة في كيان سياسي جديد.

نعم من حق الهيئة أن تطالب بتشكيل كيان سياسي جديد طالما تم استثناؤها من الحوارات الممهدة لتشكيل المجلس الوطني، لكنها طالبت أيضا في حال تعذر ذلك وهو متعذر، بل وأقول غير ضروري، بإنشاء لجنة تنسيق عليا للسياسات وتنظيم توزيع الأدوار تلبية لاحتياجات الثورة في الحقل السياسي، وكانت تأمل ولا تزال أن يشكل المؤتمر الوطني السوري المزمع عقده تحت رعاية وإشراف جامعة الدول العربية هذا الإطار التنسيقي المطلوب. إن ما يقوله الصديق علي بأن ” الخلاف بين المجلس والهيئة يدور حول السياسة…” يجانب الصواب والحقيقة، وأحيله بهذا الخصوص إلى مقابلة “الجزيرة” مع الدكتور عبد العزيز الخير والسيدة عبيدة النحاس. الخلافات السياسية سواء ما يتعلق منها بالمرحلة الراهنة وحتى بدء المرحلة الانتقالية، أو حول متطلبات المرحلة الانتقالية، أو حول سوريا الديموقراطية المنشودة لا تذكر. الخلاف هو حول الجانب التنظيمي وحول الدور الذي ينبغي أن يلعبه المؤتمر الوطني السوري المنشود في متابعة الوثائق السياسية التي سوف تصدر عنه. وعلى كل حال لقد أصدرت الهيئة مقترحاتها مفصلة بهذا الخصوص  وعلى المجلس أن يحذو حذوها إذا وجد ذلك مناسباً.

صديقي علي لقد أسقطت كلمة ” تخوين “من قاموسي السياسي منذ زمن بعيد في الحكم على من يخالفني الرأي من المعارضين وغير المعارضين السوريين. هذا لا يعني أنه ليس ثمة خيانة، أو أن الخيانة صارت وجهة نظر. وإذا كنت قد فهمت من قولي وجود تأثيرات دولية معينة على بعض الأطراف المشاركة في المجلس الوطني، على انه تخوين لها، فهذا فهم خاطئ تماماً.

إنني أعلم كما تعلم أنت بوجود مثل هذه التأثيرات وقد قيلت أمامي مرات عديدة من قبل ممثلي أطراف دولية عديدة، وطالما أن هذه التأثيرات الدولية ليست على حساب مصالح سوريا الوطنية وتخدم مصلحة الثورة الثورية فلا ضير فيها. نحن نعيش في عالم شديد الترابط والتداخل، الكل يتدخل في شأن الكل. ” أما منطق الإقصاء فلا وجود له” حقاً كما ذكر صديقي علي “إلا في عقول ترفض الإقرار بالواقع( أقول الوقائع) وتسعى للتعاطي معه بصورة انتقائية” وأضيف بقلة صدقية. ما رأيك صديقي علي أن نبحث عن مثل هذه العقول أينما وجدت ونعمل على فضحها وتعريتها؟!!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى