صفحات العالم

حوارات غير مكتملة مع الأجانب بشأن سوريا وموقف المقاومة

 


ابراهيم الأمين

بعض الأجانب في لبنان، من دبلوماسيين حقيقيين أو رجال استخبارات، أو باحثين في مؤسسات لا يُعرَف أين ينتهي تمويلها الفعلي، أو إعلاميين زملاء في هذه المهنة الرذيلة، هم أفضل بكثير من كل الكذابين المنتشرين بيننا في المنطقة والذين يتحدثون عن حقوق الإنسان والحريات وخلافه. يطلب الأجنبي الموعد بصفة عاجل، ثم لا يلبث أن يصرّ على أخذ وقت أطول لأن النقاش مهم. يحمل في رأسه أو على ورقة مجموعة من الأسئلة المحددة، بالإضافة الى ما يتيسّر خلال الحديث. وإذا كانت العلاقة سابقة لهذا الاجتماع، وجرى تبادل صريح للمواقف، فلا يتأخر هؤلاء عن الدخول مباشرة في صلب الموضوع. طبعاً لا ينسون البدء بمعزوفة عن حقوق الإنسان والحريات، وكأنهم يفترضون وجود آلات تسجيل غير تلك التي تكون عادة في حوزتهم، ثم مباشرة الى الموضوع:

ــ هل تعتقد أن بشار الأسد قوي كفاية حتى يصمد أكثر من ستة أشهر إضافية؟

ــ هل تعتقد أن إيران أو حزب الله سيقومان بما يساعده لمنع السقوط داخل سوريا أو خارجها؟

ــ هل تلوح في الأفق بوادر مواجهة جديدة مع الإسرائيليين؟

ــ هل تقدّر أن يكون لبنان ساحة لبعث الرسائل من خلال عمليات اختطاف أو اغتيال أو تفجيرات كما حصل مع القوات الدولية على طريق صيدا أخيراً؟

ــ من يقدر على مساعدة ثوار سوريا من لبنان؟ هل هناك إمكان لغير الدعم الإعلامي؟ أم لديك معلومات عن أشياء أخرى؟

اللطيف أنّ بين الدبلوماسيين الغربيين في بيروت، ممن يتولّون عادة ملف عمل الاستخبارات التابعة لبلاده، لا يكون مضطراً لإخفاء هويته الفعلية، وخصوصاً عندما يباغته محدّثه بأنه يقدّر ذلك. لكن الأدهى هو أن عملية جمع المعلومات تقوم على طريقة التحقيقات المباشرة. وإذا حاولت مع أحدهم، بعد أن يتبين لك أنه ليس من أصحاب الخبرة، أن تمتنع عن التعليق، يصاب بالخيبة ويردّ: يبدو أنك لا تريد الحديث في الأمر.

لكن اللافت الآن، هو أن هؤلاء الزوار، يتحدثون قليلاً عن فضائح «ويكيليكس» في معرض نفي وجود تقليد عندهم كما يفعل الأميركيون، وإذا لمّحت أمام الأذكياء منهم إلى أن جوليان أسانج قد يكون حصل على أرشيف وزارات خارجية لبلدان غير الولايات المتحدة، يسارعون الى التدقيق في ما قيل: أهذه معلومات أكيدة أم مجرد تقدير أم تمنيات؟ الجواب بابتسامة لا ينفع. لكن ما عليه سوى تدوين الملاحظة.

وفي العودة الى الاهتمامات المباشرة، يركز هؤلاء على أن التغيير في العالم العربي «غير ممكن من دون مواكبة من العالم المتحضّر، لأن وسائل الديموقراطية موجودة لدينا، ونحن من يقدر على حماية الأنظمة ذات الاتجاهات الديموقراطية، ونحن من يملك الخبرة والقدرة على تدريب الشباب على تولّي أعمال القيادة في المرحلة المقبلة». وبناءً على التصرف وفق منطق الحق المكتسب، يصار إلى توضيح أنه «ليس منطقياً أن تقف حكومات العالم متفرجة إزاء ما يحصل. وهي لديها مصالحها، لكنها تحاول الاستفادة من الثورات لكي تفرض على الولايات المتحدة عدم إدارة الظهر مرة أخرى الى حقوق الأفراد والجماعات داخل الدول الحليفة لها».

كل ذلك ليس مهماً، المهم هو: «لماذا تريدون أن تحوّلوا الانتفاضات العربية على الأنظمة الاستبدادية الى ثورة ضد الغرب وإسرائيل؟».

وتحت هذا العنوان، تعود الأسئلة ذاتها ومحاولة الحصول على أجوبة أو تكوين صورة عما يمكن أن يكون عليه الوضع في القريب المتوسط أو على المدى البعيد. لكن الأهم أيضاً هو أن لا أحد من هؤلاء يملك في حالة سوريا جواباً واضحاً عن «البديل من بشار الأسد». المحتال من الزوار الأجانب يقول «الشعب يختار»، لكن الذكي غير المهين لمن يقف في قبالته يشير الى «أنه ليس أولوية اليوم، لأن المطلوب تغيير كبير في النظام الحالي أو تغييره كليا»ً. أما عن دفتر الشروط؟ فعندئذ تفتح الشهيّة: «يجب تحقيق مشاركة لتيارات أخرى في الحكم وتطوير بناء الدولة وتعزيز الحريات والمبادرة الفردية، والعمل على ورشة داخلية من دون التزامات خارجية من النوع الذي يهدد علاقات سوريا مع العالم، ومدخل هذه الالتزامات أن تسير سوريا نحو حثّ الفلسطينيين على القبول بتسوية سريعة مع إسرائيل وأن تبحث سوريا أيضاً عن تسوية تعيد إليها الجولان وتحصل بعدها على دعم الغرب المالي للبناء، وأن تبتعد عن إيران».

أحد الأصدقاء من هؤلاء كان محبطاً لعدم وجود أجوبة شافية، لكنه سمع قبل مغادرته سؤالاً طويلاً: ترى، ما الذي يبقي سوريا على علاقة مع إيران وحزب الله وحماس؟ فالعالم أغنى من إيران إذا كان السبب مالياً، والغرب أكثر قرباً من الفكرة العلمانية لنظام البعث من النظام الإسلامي في إيران، أو من الطبيعة العقائدية لحزب الله وحماس؟ والشباب السوري يفضّل أن تكون لديه الفرصة للذهاب الى أميركا وفرنسا وأوروربا من أجل تعلّم الطب والسينما والفنون، وحتى للسياحة، وليس هناك إغراء مقابل لا في طهران ولا في الضاحية الجنوبية ولا في قطاع غزة؟ ترى، ما الذي يجعل بشار الأسد يرفض الغرب ويقبل بهؤلاء؟ ألا يستحق السؤال المراجعة ومحاولة الإجابة عنه؟

ليس مهماً انتظار الجواب من الزوار الأجانب، ولا حتى من جماعة «بدّي عيش» الذين يعيشون برعاية آل سعود، لأننا اليوم في زمن العرعرة والصيصنة… أدركنا يا مهدي!

الأخبار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى