صفحات الحوار

حوار مع السيدة التي كسرت الصورة النمطية هدى الزين ابنة أريحا السورية .. باحثة ومدرسة في جامعات ألمانيا

 

 

\ لم تتوانَ المرأة السورية في بلدان الاغتراب عن مواكبة صوت الشعب الهادر، الذي طالب بقيم الحق والعدالة، وعلى الرغم من أن رجالاً كثيرين أصيبوا بالوهن، وفضلوا الابتعاد عن الشأن العام، إلا أن نساء كثيرات ما زلن يحفرن بأظافرهن طرق الحرية المرتجاة.

“سيدة سوريا” التقت الدكتورة “هدى زين”، ابنة أريحا في إدلب، وكان لها معها الحوار الآتي:

كامرأة تنتمي إلى الشمال السوري، وعلى دراية بتركيبته الاجتماعية، وكأكاديمية متخصصة في علم الاجتماع، ما هو الدور الذي ترين أنك تستطيعين ممارسته في منطقة متحفظة على الحراك النسوي في بعض المجالات؟ وكيف استطاعت بنات هذه المنطقة كسر القيد الاجتماعي؟

في حالة الثورات ومراحل التغيير الجذري من تاريخ المجتمعات، تكون مشاركة المرأة ودورها في عملية التغيير عموماً، بمثابة تحدٍ حقيقي لمساحة الحرية التي يسمح بها المجتمع، وهو يمر بتصدّعات وانفجارات اجتماعية وسياسية من جهة، وتحدٍ لمقدراتها ووعيها، الذي يمر بدوره بعملية مكاشفة الذات، واكتشافها، من جهة أخرى. تشق هذه التحولات طريقاً أعمق، وأصعب، في مثل مجتمعاتنا العربية، التي مازالت تخضع لأشكال مركّبة من السلطات الأبوية. أوافقك بأن حرية الحركة والنشاط للمرأة في بعض مناطق الشمال السوري، مثل محافظة إدلب، تبدو أضيق وأكثر صعوبة منها في مناطق أخرى، لكننا رأينا في السنوات الأربع الماضية أن المرأة في هذه المناطق، وفي محافظة إدلب على وجه الخصوص، كانت من أكثر الأمثلة الحية على الجرأة في الفعاليات، والتعبير عن الموقف والرأي، وتحمّل أعباء الثورة، وتبعات الحرب من تهجير وجوع وبرد. وهنا أذكر على سبيل المثال المظاهرات التي خرجت فيها نساء من قرى عديدة في محافظة إدلب، تندد وتعترض فيها على تسلط وتشدد بعض الفصائل الاسلامية، وتدخلها في سلوكيات وحياة الناس في المدن التي وقعت تحت سيطرتها، وهذا أمر لم يحدث إلا في عدد قليل من المدن السورية.

لم نر على سبيل المثال مظاهرات نسائية صرفة، في مدن أو قرى معروف عنها أنها أكثر انقتاحاً أو حرية في العلاقات الاجتماعية، وأذكر أيضاً العدد الكبير من نساء محافظة إدلب، بقراها ومدنها، ممن شاركن في دورات تدريبية، أو نشاطات تعليمية، أو مهام صحفية.. إلخ.

لا بدّ لي أن أعرّج أيضاً على الدور الاجتماعي الكبير للمرأة، التي اضطرت للنزوح أو الهجرة مع عائلتها، في القيام بمهام شاقة فرضتها حياة اللجوء والنزوح، خاصة أن مناطق الشمال السوري هي من المناطق التي تعرّض أكثر سكانها للتهجير، والقصف، والموت على أيدي “نظام الأسد”. كما أعتقد أن المعاناة والقهر والظروف المعيشية الخانقة، كلها عوامل أثقلت كاهل المرأة وطاقتها، إلا أنها في نفس الوقت استفزت قدراتها، وحرّكت ركود وعيها، ودفعتها للبحث عن حلول آنية لمشاكل العائلة، والجوع، والبرد، والسكن، وغيرها، وزادت من وعيها حول رفض الاستسلام لتلقي القهر فقط.

تقيمين في ألمانيا، وتسعين لتعريف المجتمع الألماني بطبيعة الحراك الثوري في سوريا، من خلال المحاضرات والندوات، هل لاحظت أن رؤية المواطن الألماني مشوشة، حول ما يجري في سوريا؟

نعم، هذا صحيح، المواطن الأوروبي، وليس فقط الألماني، يجهل الكثير من تفاصيل وتعقيدات الوضع السوري. ورغم أن الإعلام الغربي يصدر بين الحين والآخر مقالات وكتابات موضوعية ومفصلة عن الأوضاع وتطوراتها في سوريا، إلا أن القضية السورية يتم عرضها عموماً باختزال كبير لما هو عليه في الواقع، هذا الاختزال يشوّه الحقيقة، ويصور الوضع في سوريا على أنه حرب مجنونة و دموية بين طرفين عنيفين: النظام السوري من جهة، والمجموعات المتطرفة من جهة أخرى. لا يوجد إعلام في الغرب أو في ألمانيا يتكلم عن قضية شعب يثور ضدّ نظام محتل.

للأسف نحن السوريات والسوريين، لم ننجح في هيكلة وإدارة العمل السياسي الجماعي على صعيد الإعلام والتأثير في الرأي العام، فمثلاً لم نشكّل حتى اليوم في بلاد الاغتراب شيئاً يشبه اللوبي المنظم لشرح قضيتنا في عملية التحرير الوطني من نظام الأسد المحتل، لذلك  نتحمل مسؤولية شرح قضيتنا، والضغط والتأثير على مختلف منظمات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية في تلك البلدان، لهذا مازلت أداوم على إلقاء المحاضرات، والمشاركة في الندوات والمؤتمرات الموجهة للجمهور الألماني بالتحديد.

من معايير تعافي  المجتمع الحراك النسوي فيه، في سوريا استطاعت 50 سنة من حكم العسكر أن تغيب كل أشكال الحراك المدني في مجتمعنا، والنسوي ضمناً، هل تؤمنين بقدرة النساء السوريات على المساهمة في بناء مجتمع معافى لليوم وللأيام القادمة؟

علينا أن نكون أكثر تعقلاً، وأقل انفعالاً، في مناقشة دور المرأة، وتأثيرها على تقدّم مجتمعنا، لأن تهميش دور المرأة، أومشاركتها في البناء يرتبط بقضايا أساسية، لها جذورها وأسبابها العميقة في التاريخ، وبما أن وضع المرأة، ووعيها، وفعاليتها،أحد أهمّ المعايير، التي يمكن أن نقيس بها درجة تحرر مجتمع ما، فأن الطريق أمام المرأة السورية مازال طويلاً.

ليس عندي أدنى شك أن المرأة السورية قادرة فكرياً وعملياً أن تصنع وتبني مجتمعها مع الرجل، لكن ليس بدون قوى منظمة، ليس بدون المعرفة والعلم، وليس بدون نضال تراكمي لا يهدأ.

تحرصين في ندواتك ومحاضراتك على التعريف بممارسات النظام التي أدت إلى ما يحصل اليوم، هل يلقى هذا الموضوع ترحيباً بشكل دائم؟ أم أنك تتعرضين لمواقف رافضة لذلك؟

بالنسبة للشق الأول من السؤال: هناك وجهات نظر، وتحليلات مختلفة من قبل الجمهور الألماني حول الوضع السوري، وحول الموقف من النظام، رغم أن الغالبية العظمى من المهتمين الألمان لا يشكّكون في وحشية النظام السوري، أتعامل مع كل وجهات النظر بهدوء، محاولة عرض المشهد السوري، بتعقيداته، وتداخل أطرافه، بطريقة خاصة، أمزج فيها المعلومات الموثّقة بالبعد الإنساني لقضية ومعاناة الشعب السوري، وفي هذه الحالة، يكون التأثير أعمق، ويصبح الكلام عن قضية شعب ليس مجرداّ.

تشاركين في ورشات لدعم دور المرأة في القيادة السياسية، هل ترين في النساء السوريات اليوم كفاءات قادرة على التصدي لهذه المهمة؟

كلّ نساء ورجال العالم، لديهم القدرة أن يتحملوا مسؤوليات مهنية، ميدانية أو قيادية إن أتيحت لهم الدراسة، والتدريب، والظروف المطلوبة لذلك. لا أريد أن أستخدم لغة المبالغة في الحديث عن المرأة السورية، لكن الحقيقة أن المرأة السورية أثبتت بشكل واضح في سنوات الثورة والحرب، أنها امرأة مقاومة، مناضلة، وقادرة على تحمل المسؤولية بجدارة، حسب الإمكانات الموضوعية والذاتية المتوفرة لها، وعلى الرغم من مشاركتي لمنظمة مدنية ألمانية في ورشات لدعم المرأة السورية في العمل السياسي، إلا أنني في هذه المرحلة الصعبة والمؤلمة التي تمر بها سوريا، أرى أن قضية القيادة السياسية للمرأة ليست من أولوياتي. نعيش كسوريات وسوريين قضايا وجودية علينا أن نجتمع لمواجهة تحدياتها،على المستوى الوطني الشامل، هذا لا يعني أبداً إهمال أو إرجاء قضايا المرأة، ولكني أهتم أولاً، بأن تعمل المرأة على بناء مواقع لها في كل مجالات المجتمع، حتى تكون فيه مواطنة فاعلة، ومستقلة، ومتعاونة مع الرجل في إدارة المجتمع والحياة به. أي أنني لا أريد في هذه المرحلة، أن أختزل طموح المرأة والاهتمام بمواقع القيادة السياسية بالتحديد، رغم أهميتها الكبرى.

كيف يمكن أن نبتدئ بالأسرة كي نعيد بناء البلد من جديد، استناداً إلى قيم الحق والعدالة؟

السؤال كبير، والجواب يتطلب بحثاً، ومعرفة، وتفكراً، وتخطيطاً، وكفاءات، وقوى منظمة، تحوّل كل المخزون البحثي، والمعرفي، والرؤى، إلى موضوع نقاشات عميقة، وجدية، وخطط حقيقية، ملتصقة بواقع الأسرة، والتعليم المتدهور. يتطلب أيضاً صدقاً مع الواقع، ليس أمنيات وشعارات عريضة مجردة. هذا السؤال يطرح عدة إشكاليات، لا يمكن الإجابة عليها بكلمات عامة، فأين هي الأسرة السورية اليوم؟ وكيف ستكون بعد سنتين أو ثلاث؟ أين هو التعليم اليوم وكيف سيكون؟ وما هو الحق والعدالة حين يعود المهجّرون إلى مدن، لا بنى تحتية ولا فوقية فيها؟ هذه تحديات ثقيلة، تحتاج لتضافر طاقات وإرادات السوريات والسوريين جميعاً، وبلورة الطريقة التي يمكن من خلالها إعادة بناء الأسرة والمجتمع من جديد.

تتحمل المرأة بالـتأكيد، في مثل هذه الأوضاع الكارثية، التي تعيشها العائلة السورية اليوم، مهاماً فوق إمكانياتها وقدراتها. ومع ذلك، هي تقاوم الموت بكل أشكاله من أجل بقاء عائلتها، وبالتأكيد، فإن بقاء عائلتها يعني بقاء العائلة السورية.

الدكتورة هدى زين، درست علم الاجتماع في جامعة دمشق، وحصلت على دبلوم دراسات عليا منها، وتابعت بقسم الفلسفة والدراسات الشرقية في جامعة فرايبورغ بألمانيا. وحصلت على درجة الدكتوراه سنة 2006، حيث بدأت بالتدريس في القسم ذاته، إضافة لعملها كمدرسة في قسم “دراسات الشرق الأوسط”، في جامعة ماربورغ بألمانيا حتى عام 2013.

وتعمل د. هدى زين منذ 2013 كمدرسة في جامعة كولونيا الألمانية، لها العديد من المقالات باللغتين العربية والألمانية، تكتب في قضايا اجتماعية وسياسية متعددة، منها: الهوية والفرد، الفرد والمجتمع، كما كتبت عن قضايا المرأة، فضلاً عن أنها كرست اهتمامها خلال السنوات الأخيرة للثورة السورية.

مجلة “سيدة سوريا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى