صفحات الحوار

حوار مع الكاتب الكردي السوري بدرخان علي حول سورية والانتفاضة والقضية الكردية


1 ـ ما رأيك في قرار مجلس الامن ومهمة كوفي عنان .. وكيف ترى الموقف السوري من جهة وموقف المعارضة من جهة ثانية بالنسبة اليها ..وهل ترى ان موسكو يمكن ان تضغط باي اتجاه في سبيل الحل ..؟

ج:

يقول النظام بموافقته على مبادرة كوفي أنان. لكنه في الواقع يعمل عكس ذلك. فمازالت الحرب هي الوسيلة الوحيدة- وليست الأساسيّة فقط- للتعامل مع الظاهرة الاحتجاجيّة السوريّة سواءً كانت سلميّة ( كما هو في الغالب) أو مسلّحة في بعض البؤر.

البيان الرئاسي لمجلس الأمن، و هو ليس قراراً ملزماً ،يوصي بوقف العنف من جميع الأطراف،

السلطة والمعارضة، ويقترح حواراً سياسياً بـ”قيادة سورية”. وهذه اللغة تناسب النظام السوري كثيراً، حيث أنه تأويله لموضوع الحوار السياسي المطلوب مختلف عما أشير إليه في البيان الرئاسي وهو لا يتضمّن اعترافاً بوجود المعارضة الحزبية والشعبية أصلاً وفق ما يفهم من الحوار الذي يدّعيه النظام.

هناك افتراق في تشخيص الحالة السوريّة أصلاً بين النظام و غالبية المجتمع الدولي. يبدو أن خطوة أنان هذه تأتي بمثابة محاولة جديدة مع السلطة السورية بعد فشل الجهود العربية (المبادرة العربية) والدولية ( تحقيق إجماع حول سوريا في مجلس الأمن) كمبادرة سلام( جوهرها الموضوع الإنسانيّ من إغاثة وما إلى ذلك) بعد تنامي العنف والقتل إلى مستويات كبيرة في الآونة الأخيرة بغية إقناع السلطة السورية بوقف العنف ودوامة القتل المرعبة في البلاد، ولتهيئة الأجواء لفتح مجال للحوار داخلياً ودولياً بغية انتقال تدريجيّ في السلطة. لكن المبادرة محكومة عليها بالفشل في الجانب السياسيّ( وإن كنا نتمنى لها النجاح) نتيجة لإصرار السلطة على سياستها وعدم القبول بحلول وسط أو بأقل من السّحق وإيقاف الحالة الاحتجاجيّة المستمرة منذ عام ، و لا قبولها بطروحات معتدلة لا تتبنى بالضرورة مطالب المعارضة الراديكاليّة من محتجّين في الداخل أو أوساط المعارضة في الخارج أو الداخل.

بالنسبة لموقف المعارضة من مهمة كوفي أنان، فهو ليس بالأمر المؤثّر على مجريات الأحداث على الأرض، لسببن: أولاً النظام هو من يحدّد بممارسته الفعليّة مدى إمكانية تطبيق خطة كوفي أنان وهي سياسة فحواها الأساسي هو القضاء على الحركة الاحتجاجية أولاً وأخيراً ليس من أجل حل سياسي ينقذ الدولة والمجتمع وإنما للعودة لعهود “الاستقرار”. وثانياً: لأن حركة الاحتجاجات لها دينامياتها الخاصة و غير موجّهة من قبل أي تشكيل سياسي معارض وإن كانت الأوساط الإعلامية الداعمة لسياسة المجلس الوطني السوري والجيش الحر تلعب دوراً في ذلك.

المجلس الوطني السوري رفض ما ورد في البيان الرئاسيّ، في موقف مستعجل على الاعلام، واعتبر البيان رخصة إضافية للنظام لمواصلة القتل. والمعارضة المعتدلة تجد نفسها في موقف محرج كثيراً أمام دعم المبادرة أو رفضها. الموقف صعب حقيقة. والنظام هو الفاعل الأكبر في البلاد وله الكلمة الفصل.

2 ـ وجه وزير الخارجية الروسي للمرة الأولى انتقادا للأسد لتأخره في تنفيذ الإصلاحات..والسؤال هل ترى أي تحول حقيقي في الموقفين الروسي والصيني..؟

ج:

الروس يدافعون عن النظام السوري بصورة ثابتة حتى الآن، ولا يقبلون بأي مبادرة أو حلّ يتضمّن رحيل رئيس النظام أو تفكيك النظام.. على أن الموقف الروسيّ تغير بشكل طفيف ، للإيحاء أن روسيا لا تدافع عن النظام إنما سورية كدولة و كمقابل لتبني مجلس الأمن للمقاربة الروسية للأزمة السورية التي تجلّت في البيان الرئاسي لمجلس الأمن حيث جاء البيان بمثابة انتصار للدبلوماسية الروسية مقابل تنازلات كبيرة من قبل الدول الأخرى. وقد يكون للحسابات الروسية مع دول الخليج دوراً في توجيه روسيا بعض الانتقادات للنظام السوري .

الصين أيضاً تقدمت بمبادرة تتناغم مع المواقف الروسية والتقت معارضين في الخارج وأرسلت مندوباً لسورية التقت السلطة وبعض معارضي الداخل. وهي- كما روسيا- ترفض الكلام عن رحيل الأسد أو إسقاط النظام.

في كلتا الحالتين – روسيا والصين- تناوران من أجل عدم انفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة، سواء عبر تدخل دوليّ ما، وهو غير وارد حالياً، أو بسبب انفجار الوضع السوري من الداخل. و رغم ما يقال أن الفيتو الروسي والصيني له دور في تزايد القمع الوحشيّ في الفترة الاخيرة، إلا أنني أعتقد أنّ النظام السوري لا يعمل إلاّ وفق طبائعه وسياسته الراسخة وخبرته. بل ربما لا يستمع حتى لأوثق حلفاءه الروس فيما يتعلق بضرورة اجراء إصلاحات سياسيّة حقيقيّة كي تخفّف من احتمالات الانفجار.

واعتقد أن بنية السلطة المغلقة حول نواة صلبة لا تسمح لمن يريد الحفاظ على النظام من الانهيار بالنفاذ إليها وتحقيق تغيير ما في النظام دون أن ينهار النظام و تتفكّك الدولة للحفاظ على مصالح تلك الدول المرتبطة باستمرار النظام ، بالتالي. ربّما فكّرت دول كثيرة بإيجاد منفذ عبر أشخاص من النظام ذاته لكنهم لا يجدون بسبب فرادة تركيبة السلطة السورية، الأمنيّة-العسكريّة. في مصر وتونس حصل شيء من القناعة لدى أميركا حليفة مبارك وفرنسا حليفة بن علي، بإيجاد بديل للرئيس من داخل النظام بالتواصل مع أوساط نافذة في النظامين لترحيل رأس النظام مع الحفاظ على تركيبة النظام العسكريّة و الأمنيّة، ومؤسّسات الدولة. وبالتأكيد جرى ذلك تحت ضغط الاحتجاجات الجماهيرية المتواصلة.

4 ـ وكيف ترى تعامل المعارضة السورية بشكل عام والكردية بشكل خاص مع الأزمة بعد عام على انطلاق الثورة السورية ..؟

ج:

الثورة السوريّة لم تبدأ بقرار من الأحزاب ولا هي تقودها. المعارضة السورية عموماً عانت كثيراً في ظل الاستبداد المستمر منذ عقود وأُنهكَت تنظيماتها وانقطعت صلاتها بالمجتمع. الحركة الكرديّة – وبسبب عوامل عديدة- حافظت على وجودها التنظيمي والجماهيري.

المعارضة السورية التقليدية حاولت مواكبة الانتفاضة وقد تأخرت وفشلت في قيادة الانتفاضة. دعني أعبر عن فكرة قلتها قبل الآن: يقال على سبيل المديح أن انتفاضتنا السورية بلا قيادة حزبيّة أو سياسيّة، إنّما كانت عفويّة وشبابيّة وهذا صحيح إلى حد بعيد. لكنه ليس بالأمر الحسن و المفيد على طول الخط . وكانت هذه نقطة ضعف كبيرة في الانتفاضة وليست مصدر قوّة لها برأيي.

5 ـ وهل ترى ان الحراك الكردي كان بالمستوى المطلوب حتى الآن..؟ و كيف تقيم حركة المعارضة الكردية بشكل عام ..؟

ج:

لا أعرف ما هو “المستوى المطلوب” ، ومن يحدّده. المعارضة الحزبية الكرديّة ليست راديكاليّة بالأساس ولا ترى في ذلك عيباً وتتصرّف بمنطق التوزانات والحسابات الدقيقة، التي قد لا تكون صائبة دوماً، لكنها حريصة على عدم رفع الخطاب الراديكاليّ للأقصى والانقياد لضغط الإعلام و دفع المواجهة مع النظام لسوية المواجهة الميدانيّة تجنباً لخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات( كما حصل للأكراد في انتفاضة )2004. ولأنّ المواجهة هذه مكلفة ولن تكون مع النظام لوحده ( وهو يكفي لوحده طبعاً) بل قد يحصل اصطدام أهلي في الجزيرة السورية خصوصاً. ومواقف الحركة الكردية-الحذرة- تحظى بقبول جماهيري كبير عكس ما يشاع أحياناً.

يجب أن أضيف أنّ النظام يتعامل بصورة مختلفة في المناطق الكردية عن طريقة تعامله الوحشيّة في بعض المناطق، رغم تواصل الاحتجاجات وحدّة الشعارات المرفوعة والهتافات مثل باقي المناطق، لأسباب تخص ّسياسة النظام وأولوياته بالدرجة الأولى.

الصوت الكرديّ واضح في رفض الاستبداد( منذ عقود) و هو مسموع بقوة وهناك احتجاجات متواصلة منذ بداية الانتفاضة السورية في المناطق الكرديّة. الحركة السياسية تحذر من دعوات التسليح وتشدّد على رفض الطائفية وتدعو لدولة ديمقراطية و مدنيّة-علمانيّة، وتضمن حقوق الكرد كقومية معترف بها في البلاد دستورياً.

7 ـ بالمقابل بعض أطراف المعارضة ما زالت تتخوف من مطالبة الأكراد باعتماد اللامركزية في سوريا وترى في هذا الطرح ما يشير إلى نية لدى الأكراد للانفصال وإقامة دولة كردية ..؟

ج:

الواقع أن هناك تخوّف متبادل حول المطالب الكردية وموقف القوى العربية منها. وسوف تبرز المخاوف والاتهامات أكثر في مرحلة لاحقة، عندما يرحل النظام( لا أدري متى) وتبدأ الخلافات السياسيّة والمنازعات الأهلية ومناقشة دستور البلاد والبرلمان ومؤسسات الدولة، أي بعد هدوء الحالة الثورية الرومانسيّة القائمة الآن بين المتظاهرين، وخصوصاً الشباب منهم.

رغم انحيازي للتوجه العام للحركة الكردية إجمالاً، أرى أن الجانب الكرديّ يتحمّل مسؤولية بدوره عن ازدياد هذه المخاوف بتصعيد النبرة القوميّة في خطابها في الآونة الأخيرة ونشرها مخاوف عن نوايا إنفصالية- أو شبه إنفصالية- كرديّة، وهي لا أساس لها ،أي لا إمكانية واقعيّة لتحقيها على الأرض نتيجة تعقيدات الواقع. أن نسعى إلى التخويف بدل التطمين فهذا ليس بالأمر الحكيم أبداً. مؤسف أن بعض القيادات الكردية ( و كتاب ومثقفون ) تختزل المسألة الكردية في سوريا إلى سياسة النظام أو حزب البعث أو توجّهات هذا الفصيل المعارض أو تلك الشخصية المعارضة ولا يلتفتون إلى الواقع المتعيّن في الجغرافيا والديمغرافيا وما ليس له علاقة بالسياسة الراهنة، وهو ما نختصره كالتالي: وجود ثلاثة مناطق كردية غير متّصلة مع بعضها ( في محافظة الحسكة التي لا يشكّل الأكراد فيها أغلبية مطلقة بل نسبية) و في منطقة “عين العرب-كوباني- وتل أبيض التابعتين لمحافظة الرقة وهما متداخلتان مع السكان العرب هناك. و منطقة جبل الأكراد-عفرين- في شمال حلب، الكردية بأكملها لكن الواقعة في محيط عربيّ بالكامل. بالإضافة إلى توزّع الكرد في مناطق الداخل والعاصمة دمشق. لا أدري أية فيدراليّة كردية تطرحها بعض الأوساط الكردية أو “لامركزيّة سياسية”. ومن يستطيع جمع المناطق المبعثرة هذه في إطار كياني واحد( إقليم كرديّ)؟ ويتناسى هنا أن الكرد أقلية عددية في سوريا في دولة معروفة بتجذر القومية العربيّة فيها ومحيط عربيّ يرفض تبلور حالة كردية في سوريا سياسياً على شكل حكم ذاتيّ. إنّ إسقاط تجربة كردستان العراق لا تصحّ أبداً في الحالة الكردية السورية. و على القيادات الكردية أن تنتبه للمخاوف التي تنشرها التصريحات والمواقف التبسيطيّة.

وبرأيي كان الخطاب السياسي الكردي أكثر انضباطاً قبل الثورة حيث توصّلت الحركة الكردية بغالبية فصائلها إلى صياغة مقبولة للمطالب الكردية في إطار المطالب الديمقراطية العامة. وأشير هنا إلى وثيقة صدرت بعنوان «رؤية مشتركة للحل الديموقراطي للقضية الكردية في سورية 2006» جاء فيها مثلاً: ( إعادة النظر في التقسيمات الإدارية في المناطق الكردية، وتطوير الإدارة المحلية فيها بما يتلاءم مع خصوصيتها القومية) بالإضافة إلى الاعتراف الدستوري بالقومية الكردية في البلاد والمطالب الأخرى المعروفة، بدل الحديث عن حق تقرير المصير واللامركزية السياسية التي تردد بكثرة هذه الأيام. علماً أن المفردتان هاتان( حق تقرير المصير واللامركزية السياسية) وردتا بشكل هامشي في بيان المؤتمر الوطني الكردي إلا أنه سرعان ما تم إبرازهما والترويج لهما في المظاهرات واللقاءات. و شعار “حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد” لا يشرح شيئاً ويناقض نفسه. فضلاً أن حق تقرير المصير هو مبدأ عام وليس شعاراً سياسياً.

على المجلس الوطني الكردى مراجعة هذه الشعارات المستعجلة وضبطها قبل أن يفقد المجلس الكردي – كإطار يحظى بتأييد جماهيريّ كرديّ كبير- السيطرة على فوضى الشعارات وانقياده هو إلى مزاج الشارع الذي لا يقول دائماً الكلمة الصحيحة أو الواقعيّة.

علي أن أضيف أن هذه الهفوات هنا وهناك لا تبرر بأي حال من الأحوال المواقف الخجولة من قبل بعض القوى السورية من المطالب الكردية، أو الإهمال المزمن لهذه المطالب طيلة العقود المنصرمة.

أستطيع الجزم ودون دعاية قوميّة أن لا خوف على سورية من “الجبهة الكرديّة” إن صح التعبير.

8 ـ من أهم النقاط الخلافية بين أطراف المعارضة ..دعوات البعض الى التدخل الأجنبي .. والى التسلح .. كيف تنظر الى هذه النقاط .. ؟

ج:

نعم أنها نقاط خلافية مهمّة لكنها غير مؤثّرة كثيراً في ديناميات الحركة الاحتجاجيّة. غير أن التدخل الخارجي، العسكري خصوصاً- لا ينتظر دعوات من أية جهة سورية ولن يتوقف عند رفض أية جهة سورية أخرى.

وقد بات واضحاً منذ بداية الانتفاضة أنه لن يكون هناك تدخل عسكري خارجي، لا بغطاء من الأمم المتحدة و لا من خارجها. سياسة المعارضة يجب أن ترسم بناء على هذه المعطيات. بصرف النظر عن تقييمنا السياسي لجدوى التدخل العسكري أو خطورته على البلاد ومستقبلها( وهو خطير جداً) أو موقفنا الإيديولوجي والقيميّ منه.

ولا نصدق طبعاً أن انقسام المعارضة هو السبب. أو الفيتو الروسي والصيني هو السبب. من يستمع أصلاً لمن يدعوا- من السوريين- للتدخل العسكري أو من يعارضه سواء كان المجلس الوطني أم هيئة التنسيق أم المجلس الكردي أم تيار بناء الدولة السورية أم تنسيقيات ولجان سورية.؟

ألم ترفع آلاف اللافتات وأطلقت أسماء جمع لطلب التدخل الخارجي من قبل صراحة؟ هل من يستمع للمعارضين أو الثوار أو المحتجّين حتى لو بحّت أصواتهم. لا الناتو ولا مجلس الأمن رهن إشارتنا كي نطالب بتدخل عسكري “عاجل وفوري”.

لكن المجلس الوطني السوري وأوساطه، والمزايدين عليه في هذا الموضوع، لم يبنوا سياستهم على هذه الحقيقة، وكان هناك تلميحات أو تصريحات من قبل قيادات معروفة في المجلس الوطني على قرب تدخّل تركيّ تارة أو فرنسيّ أو خليجيّ أو أميركيّ، ناهيك عن أن بعض المعارضين من الوسط ذاته تحدّثوا منذ الأيام الأولى للاحتجاجات أنّ النظام على وشك السقوط بتبسيط شديد وقراءة سطحيّة للواقع السوريّ و قوّة النظام – وحتى عدما كانت الاحتجاجات متواضعة ومقتصرة على مناطق صغيرة. هؤلاء حريٌّ بهم أن يكفّوا عن إشاعة الرغبات و بيع الأوهام للناس .

أمّا بشأن موضوع السلميّة والتسليح ، فلنضع الموقف الأخلاقي( نبذ العنف أخلاقياً وعدم اللجوء إليه والنضال السلمي وأفكار غاندي و مؤلّفات جين شارب حول الكفاح السلمي…الخ-) جانباً الآن ونفكّر بالواقع والمجريات على أرض الواقع ولنحسبها عملياتياً و سياسيّاً .

“الجيش السوريّ الحرّ” هو عنوان عريض يطلق على كل تجمّع للمعارضة المسلّحة التي نشأت من أفراد منشقّين عن الجش النظامي- وهم قلّة- ومدنييّن تسلّحوا في مناطق عدة . لكن لا يوجد جيش بمعنى الجيش إنمّا جماعات متفرقة موزّعة على مناطق عدّة لا رابط بينها تقريباً ولا تتبع قيادة واحدة، وربما كان الإعلام هو الذي يوحدها . وبحسب إحدى الدراسات العسكرية-الاستخباراتية الأميركية فإن المجموعات المسلحة في سوريا عبارة عن 33 مجموعة مسلّحة ثلاثة منها فقط منضوية تحت مظلّة ما يعرف بـ«الـــجيش الحر» .

قيل أن “الجيش الحر” سوف يحمي المظاهرات والمتظاهرين والمدن والبلدات. لكن الواقع أثبت أنّ كل منطقة يتجمّع فيها المسلّحون أصبحت عرضة لدمار كبير وفظائع إنسانية من تهجير وقتل للأطفال والنساء والشيوخ، ولا ننسى قتل الكثير من العسكريين في الجيش النظامي الذين هم أبناء هذا البلد وليس لهم أية مصلحة في قتل إخوانهم . دون أن يتمكّن المسلّحون -عشرات أو مئات أو ألوف- في جبل الزاوية أو الرستن أو الزبداني أو بابا عمرو مثلاً -من حماية الناس و ما جرى من دمار كبير من وراء ذلك. وهذا شيء متوقع لمن يعرف طبيعة هذا النظام وسلوكه وتركيبته ، الذي لن يسمح بأي شكل من الأشكال بنشوء بؤر محرّرة أو خارجة عن السيطرة. وهو بهذه القوّة التي كنا نعرفها من قبل وشهدناها عملياً.

إذا كان توحّش النظام سبباً أكيداً وراء التسلّح في بعض المناطق فإن التناول الإعلامي غير المسؤول- من جهة المعارضة وجهات إقليمية ودولية- واستسهال قوّة النظام وتبسيط الواقع عن طريق بعض الشعارات- الجيش الحر يحميني مثلاً والدعاية اليومية له- هو سبب آخر.

هناك أيضاً انتهاكات معروفة ( اعترف بها تقرير للأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية، وصدر هذه الأيام تقرير لمنظمة هيومان رايت ووتش يؤكّدها) ارتكبها المسلحون بحق مدنيين سوريين أو جنود في الجيش النظامي لا حول لهم ولا قوة. وهناك حالات اختطاف وطلب الفدية مقابل الإفراج أو إجبار الناس على التسلّح أو هجرة منازلهم. لا ننسى أيضاً الشعارات الطائفية والسلوكيات الانتقامية لبعض تشكيلات الجماعات المسلّحة.

هناك عدة أمور تدفع بهذا الاتجاه، على رأسها سياسة النظام التوحشيّة مع المتظاهرين والمعارضين من أي اتجاه.

رغم كل هذا يبقى وجود تيار معارض سوريّ ضد التسليح وعسكرة الثورة ضرروياً برأيي، فضلاً عن أنه خيار سياسيّ حرّ لأصحابه( وأنا منهم) . علماً أنه لا ينبغي النظر إلى من حملوا السلاح على أنهم جهلة أغبياء أو عشاق للسلاح و الدماء. رغم التصريحات المتهوّرة والمستعجلة(في هذا الموضوع الحسّاس والخطير والخلافي )التي سرعان ما يجري التراجع عنها أو تكذيبها دون إقناع. ما قد يحدّ من التسليح والعسكرة هو تمكّن النظام من السيطرة على كافة البؤر الملتهبة والمسلّحة، وفشل الدول التي دعمت ضمناً حركة التسليح في البداية وعلناً في الفترة الأخيرة في تحقيق اختراق للجدار الصلب للنظام وقوّته العسكريّة والأمنيّة. ويبدو أن العديد من الدول باتت مقتنعة أن تسليح المعارضة سوف يؤدي إلى حرب أهلية، فيما تدعم تركيا وقطر والسعودية تسليح المعارضة.

العنف الوحشيّ للنظام هو المسؤول بدرجة كبيرة و أساسية عما حصل ويحصل وسيحصل في البلاد. لكن هناك أيضاً من جانب آخر أطرافاً إقليمية وعربية لا يهمّها النزيف الدموي اليومي، وأوهمت بعض أوساط المعارضة بالقوّة والتفوق ووقوفهم خلف الشعب السوريّ. وربطتها بأجندتها الخاصة التي تتعرض لتقلّبات وحسابات خاصة ليس لها علاقة حقيقية بمأساة السوريين.

9 ـ كيف تحلل الحركة الكردية الموقف التركي من الثورة السورية بشكل عام .. وما هي السيناريوهات المتوقعة للتدخل التركي.. وهل تتوقع ان يخرج مؤتمر أصدقاء الشعب السوري المزمع عقده في اسطنبول بعد أسبوعين بشيء مختلف عما خرج مؤتمر تونس ..؟

ج:

للحركة الكردية و الجمهور الكردي عموماً حساسية خاصة تجاه السياسات التركية، المجرّبة كرديّاً جيداً، ودورها البارز في بداية الاحتجاجات الذي اتّسم بانتهازية كافية للتشكيك فيها. فعندما كان أردوغان يخوض معركة انتخابيّة استعمل خطاباً تحريضيّاً ضدّ النظام السوري و جعل من نفسه مخلّصاً للشعب السوري، ولم ينسى أن يستعمل هو وحزبه عبارات طائفية في الحديث عن الوضع السوري لأنه كان كان يحتاج إلى تحقيق تراص دينيّ- طائفيّ في البيئة الإسلاميّة( السنيّة) المحافظة التي هي بيئة حزب العدالة والتنمية. لكن من جهة أخرى ، تركيا كدولة لها حوالي 900 كيلومتراً من الحدود مع سوريا تعطي لنفسها الحق في عدم وقوفها متفرجة حيال الأحداث السورية كما هو شأن أي دولة في العالم خاصة تركيا ذات الطموحات الكبيرة إقليمياً وعالمياً. وبخاصة بسبب التماثل الكبير في النسيج الاجتماعي في الدولتين واحتمالات انتقال أي اضطراب أهلي إلى حدودها ومخاوفها من تنامي القوة الكردية في سوريا، والمخاوف من صراع طائفي في سوريا سيؤثر بصورة مباشرة على تركيا التي لديها حوالي 20 مليوناً مواطن علوي المذهب.

هناك كذلك البيئة العلمانية الواسعة والمؤسسة العسكرية القوية التي لا تتوافق مع سياسة حزب العدالة والتنمية وجمهوره عموماً في قراءة الوضع السوري وترفض أي تدخّل في الشأن السوري. السياسة التركية ستظهر كمحصلة لجميع هذه القوى والعوامل، ، الدافعة من جهة والكابحة للتدخل التركي من جهة، بالإضافة إلى الحسابات التركية الإيرانية. وهناك رغبة في بعض الأوساط الغربية والعربية لأن تتدخل تركيا عسكرياً في سوريا، وهي تفهم ذلك تورطاً لها نيابة عن غيرها، ولن تفعل ذلك على الأرجح، فيما يبدو أن الإدارة الأميركية تحذر تركيا من مخاطر أي تدخّل في سوريا.

الاندفاعة التركية تجاه الأحداث السورية في بداية الاحتجاجات لجمت على الفور ولم يعد المسؤولون الأتراك يطلقون التصريحات النارية من قبيل حماه خط أحمر، بعدما تبيّن للأتراك والعديد من الدول أن أمر النظام السوري ليس بالسهولة المتوقعة ولن يسقط بالسرعة التي توقعها البعض في البداية.

إلا أن التصعيد التركي الأخير تجاه النظام السوري وطرحه من جديد لمقترح المنطقة الآمنة يبدو جدياً، ولا يعلم بالضبط ماذا يجري في كواليس السياسات الدولية وأجهزتها الاستخباراتية. لكنه بالتأكيد يأتي في عكس اتجاه مبادرة كوفي أنان، وبالتوافق مع السياسة الخليجيّة بخصوص الأزمة السورية. لكن في اللقاء الأخير بين أوباما وأردوغان تبين أن أمريكا قد حددّت سقفاً لمؤتمر أصدقاء سوريا2 الذي سينعقد في تركيا بعد أيام وهو المساعدات الطبية ووسائل الاتصال للمعارضة!

ـ مار أيك في التهديد الذي أرسله حزب العمال الكردستاني الى تركيا اذا تدخلت بالشأن السوري ؟ وهناك من يقول عن دور للحزب في سوريا في قمع المظاهرات حالياً؟

ج:

يبدو لي أن مشروع الحزب الكردستاني يتجاوز المرحلة الراهنة وهو يرسم لهيمنة حزبية حقيقية في المناطق الكردية السورية لما بعد سقوط النظام بدءاً من الآن، لذلك فهو يمهّد لذلك و يتصرّف على هذا الأساس حالياً باستعراض القوّة واستعمال العنف عند اللزوم بغية فرض خطابه وشعاراته وممارساته على الجميع، لفرض نفسه كـ”حكومة” أمر واقع عبر تشكيل “مجلس شعب غرب كردستان”( من حزب واحد فقط!) ، و تنصيب نفسه كمحكمة تفتيش لقياس منسوب القوميّة ونقائها لدى الآخرين ، بغية تصويب الخلل الكبير الذي يعاني منه الآخرون. هذا السلوك خطير ومقلق جداً ويجلب القلاقل والاضطرابات للجميع.

بالنسبة لتهديد حزب العمال الكردستاني لتركيا بأن حزبه سيجعل من المنطقة “منطقة حرب” لو تدخّلت تركيا في سوريا عسكرياً فإنه يأتي ضمن السياسة المعروفة لحزب العمال في الاستفادة من أي معطى إقليميّ ومستجد في صراعه ضد أنقرة. وعموماً جميع أكراد سوريا، وليس الموالون لحزب العمال فقط، يرفضون تدخلاً تركياً في الأراضي السورية وفي الشؤون السورية أو يتحفظون عليه. لا شك أن تصريح مراد قره يلان مواتٍ جداً للنظام السوري في هذه الفترة العصيبة، رغم طابعه المبالغ فيه عن قدرة الحزب على فعل ذلك. لكن ينبغي أن نتذكر أن عمر المشكلة الكردية في تركيا يقارب قرناً من الزمان، وهي مسألة كبيرة وعادلة ومحقّة وأنّ الحكومات التركية المتعاقبة تتحمّل مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية كبيرة تجاه ما يقارب 20 مليون مواطن كردي في تركيا وقع عليهم وعلى أجدادهم ظلم تاريخي فادح ومأساة إنسانية كبيرة.

كُرد سوريا متعاطفون تاريخياً مع أشقائهم في كردستان تركيا ونضالهم المستمر ضد الأنظمة الفاشية الحاكمة هناك و يؤيدون أيّ شكل يختاره الكرد هناك في نضالهم المشروع في تركيا، لكن لا ينبغي أن يتم استثمار هذا التعاطف القومي والإنساني في صراعات هيمنة داخلية على الساحة الكردية السورية ويجب نبذ العنف قطعياً في العلاقات الاجتماعية والسياسية داخل المجتمع الكردي ( والسوري عامة) وتحريم اللجوء إليه، سيما أن المجتمع الكردي متداخل ومتشابك.

10 ـ سؤال اخير .. كيف ترى حركة الشارع بعد اقتحام ادلب وحي باباعمرو ومجزرة كرم الزيتون.. والى أي مدى يمكن ان يستمر هذا الحراك ..؟ وما الذي يمكن عمله لإيقاف حمام الدم في الشارع السوري..؟

ج:

الاححتجاجات متواصلة رغم الأهوال التي شهدناها في حمص وغيرها مؤخراً ، إلا أنها قد تتراجع وتخبو لفترة وتعود . هناك جو من الإحباط العام انتشر في أوساط المعارضة والمحتجّين. أن تراجع التشكيلات الشبابية والسياسية سياسة العمل الاحتجاجي فهي ضرورة قصوى من أجل ضمان استمراره وبنفس الوقت ابتكار أشكال أخرى رديفة من الضغط وبأقل التضحيات الممكنة.

وبتقديري هناك جملة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار:

أولاً- أنه أصبح واضحاً أن الاحتجاجات السلمية أو المسلّحة – مع الكلفة الباهظة في الحالتين- لوحدها لن تستطيع إسقاط النظام، حتى لو ثارت كل المناطق ما لم تحصل احتجاجات كبيرة في دمشق العاصمة نفسها تكون ضاغطة و مربكة ومعطّلة للنظام ومؤسسات الدولة وشلّ الحياة. هذا يبدو صعباً للغاية. غير أنه الاحتجاجات المكلفة في المناطق الأخرى تبدو أقل بكثير من قدرتها على إسقاط النظام.

ثانياً-التدخل العسكري الخارجي غير وراد وهو خطر فعلي على السوريين وسورية راهناً ومستقبلاً.

ثالثاً- دعم المعارضة وتسليحها خيار يحمل نذر خطيرة ويهدد بنزيف دموي أكثر وحرب واقتتال أهلي داخلي في سوريا. ولن يكون بمقدور الجيوب المسلّحة إسقاط النظام، في ضوء ما شاهدناه في عدة مناطق.

رابعاً- العقوبات الاقتصادية سوف تضعف النظام دون أن تسقطه وتضر الحياة اليومية للسوريين بشكل أكبر.

أما أهم السيناريوات:

-حدوث انقلاب من داخل النظام أو رحيل الأسد لأي سبب، وهما الاحتمالان الاسلم لكل السوريين لكنه غير وارد.

-طريق الحل السياسيّ والتوافق على مرحلة انتقالية ، نحو نظام ديمقراطي تعددي، مشروطة بعدم طرح شرط إسقاط النظام أو رحيل الرئيس. فرصه شبه معدومة أيضاً. هذا حل سليم رغم أنه لا يلبي طموحات الثوار وقسم كبير من المعارضة. لو أمكن لهذا الحل السياسي أن ينفذ- بضمانات دولية أممية- فإن تغييراً كبيراً في بنية النظام سوف يحصل تدريجياً بعد انتخابات حرة قد يفضي بالمحصلة إلى “إسقاط النظام” بكلفة أقل. وبالطبع النظام يمتلك تفسيراً آخر لكل هذه المسائل” الحل السياسي، الحوار الوطني، انتقال سلمي ديمقراطي” وهي عكس ما يبتغى منها.

–                     السيناريو المرجح وفق مجريات الواقع، يتمثل في أن سورية مقبلة على فترة عصيبة قد تطول لسنة وربما أكثر وسنشهد في هذه الفترة أوضاعاً كارثية إنسانياً وسياسياً واجتماعياً وهي ستكون مزيجاً من القمع الوحشيّ من قبل النظام واستمرار الاحتجاجات وعنف مضاد من قبل المحتجين وبروز حالات الجريمة والاغتيالات والانتقام العشوائي والتوتر الطائفي، وتدهور اقتصادي و معاشي وحياتي، و تدخلات دولية من هنا وهناك، أي استنزاف طويل الأمد حتّى يسقط النظام بمفاعيل الأزمة الاقتصادية والعزلة السياسية وترهّل مؤسسات الدولة. بهذا المعنى سيكون ثمن إسقاط النظام هو إسقاط الدولة نفسها ( بسبب التداخل الكبير والتماهي بين النظام والدولة) وستنغمس سورية بدماء أبنائها وتتدمّر دولة ومجتمعاً سواء بقي هذا النظام أو سقط بعد حين.

( النص الأصلي الكامل لحواري مع موقع “إسلام أونلاين”، نشر اليوم الأربعاء بتاريخ 4 أبريل 2012. الأجوبة مكتوبة من حوالي 3 أسابيع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى