صفحات الحوار

حوار مع منذر خدام

    الثورة السورية ليست كباقي الثورات في البلدان العربية، فقد مرت بتعرجات كثيرة وحادة، واستقطبت من التدخلات الدولية الكثير، حتى باتت سورية ساحة لصراع دولي على سورية، أكثر من كونها ساحة لصراع الشعب السوري، من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية، ضد نظامه المستبد. في حوارنا اليوم معك سوف نحاول تتبع مسارات الثورة في سورية وتعرجاتها، خصوصاً وأنك من القلائل الذين بشروا بها، إضافة إلى كونك ناشط في المجال الثقافي والإعلامي والسياسي. لكن قبل أن نبدأ بطرح الأسئلة عليك، أسمح لنا بأن نشكرك على موافقتك على إجراء هذا اللقاء، الذي نأمل من خلاله إلقاء الضوء على جوانب كثيرة من جوانب الثورة السورية، كما تراها أنت من خلال تجربتك الشخصية.

    ج: بداية أسمحوا لي أن أرحب بكم، وأشكركم سلفاً على الجهد الذي تقومون به. كما صرت أعلم أنتم من اتجاهات سياسية مختلفة، وهذا بحد ذاته أمر حسن، فكلما تنوعت الخلفيات السياسية، تنوعت أيضاً قاعدة الأسئلة، ومنطلقاتها. بالنسبة لي، سوف أحاول أن أكون صريحا إلى أبعد الحدود، طالما أن موضوع السؤال يعنيني بصورة مباشرة، أو له صلة بتجربتي الشخصية، سواء السياسية منها، أو الثقافية.

    س1: لنبدأ من الآخر؛ بداية دكتور؛ هل تعتبر ما يجري في سورية “ثورة”؟

    ج- للإجابة على هذا السؤال لا بد من تحديد المقصود بـ ” الثورة”. لقد كنت قد أجبت على هذا السؤال، وعلى غيره بالتفصيل، خلال إجابتي على أسئلة جريدة “بلدنا” السورية، وذلك بمناسبة مرور سنتين على الثورة السورية، وإليكم أجوبتي:

    منذ انطلاق الثورة في سورية، استخدمت فيها مصطلحات، ومفاهيم، ليس لها ذات الدلالة لدى جميع الأطراف التي شاركت في الثورة، عداك عن أن الأطراف المناصرة للنظام قد تبنت مفاهيم نقيضة لها تماماً. بودي هنا أن أتوقف عند بعض هذه المفاهيم، والمصطلحات، لأحدد ما أفهمه منها شخصيا.

    أ‌- مفهوم الثورة.

    الثورة بالمعنى الاجتماعي(الثورة البنيوية) لا تكون بدون برنامج تغيير اجتماعي، وبدون قيادة، وخطة. هكذا كانت الثورات الاجتماعية عبر التاريخ، من ثورة سبارتاكوس، حتى الثور الفرنسية، والثورة البلشفية، وغيرها من الثورات. ما حصل في سورية كان تمردا اجتماعياً، تحول من ثم إلى انتفاضة اجتماعية، وقد يصير ثورة اجتماعية، وقد لا يصير، هذا مرهون بطبيعة المآل النهائي لتطور الانتفاضة.

    في اللغة السياسية اليومية أستخدم مصطلح “ثورة” بالمعنى السياسي، وذلك لكون انتفاضة الشعب السوري قد فتحت أفقاً رحباً لطرح جميع الأسئلة التاريخية الكبرى المتعلقة بالاستبداد، لكن دون أن تقطع بإجابات محددة، وقطعية عنها. هذه الإجابات سوف تأخذ زمنا، قد يطول وقد يقصر، وذلك بالعلاقة مع النجاح في الانتقال إلى العملية الديمقراطية، واستقرارها. بكلام آخر؛ إنها ثورة أسئلة جعلت الجميع ينشغل في البحث عن أجوبة عنها.

    ب‌- مصطلح ” إسقاط النظام”

    منذ البداية استخدم مصطلح “إسقاط النظام” بصورة خاطئة، من قبل جميع أطراف المعارضة، إذ أن إسقاط النظام ليس حدثاً، بل عملية، قد تطول كثيراً في ظروف سورية، وفي ظروف الدول العربية عموماً، وذلك بسبب كون البنية المجتمعية العربية بما فيها بنى الدولة مشبعة بالاستبداد، وفقيرة جدا بالحرية، والمسؤولية، والقانون. فلكي تتحول الحرية، والمسؤولية، والديمقراطية، إلى نمط حياة تحتاج إلى زمن، سوف يكون طويلاً نسبيا في سورية.

    في الواقع كان المقصود من شعار ” إسقاط النظام”هو إسقاط السلطة ، وهذا ما حدث في مصر، وتونس، وليبيا، وفي اليمن بطرق مختلفة، لكن الأنظمة فيها لا تزال قائمة. بالطبع سقوط السلطة، أو تغييرها، هو المدخل الوحيد للبدء بتغيير النظام، بدون ذلك لا يمكن البدء بتغيير النظام. لقد استخدم مصطلح “إسقاط النظام” في سياق انتفاضات الشعوب العربية لأغراض تعبوية، بالنظر إلى قدرته الكبيرة على الحشد.

    ت‌- مفهوم ” الكرامة”

    من المفاهيم الهامة جداً، التي رفعها الحراك الشعبي إلى مستوى الشعار التعبوي، هو بالضبط مفهوم “الكرامة”، وذلك بالتضاد مع الإذلال المزمن الذي تعرض له السوريون على مدى عقود من السنين، من قبل الأجهزة الأمنية، ومن قبل الأجهزة الإدارية الفاسدة في الدولة.إضافة إلى ذلك؛ فإن المفهوم ذاته، على مستوى الشعار، يمتلك قدرة تعبوية كبيرة، وهذا ما يحتاجه عادة المتظاهرون. بالطبع، من المشكوك فيه، أن يكون قد فكر بجدية أولائك الذين رفعوا هذا الشعار بأبعاده القانونية، والاقتصادية، والسياسية، أو ربطه بالعلاقة مع العدو الإسرائيلي.

    ث‌- مفهوم “الحرية”

    لم تتجاوز الحرية في وعي المشاركين في الحراك الشعبي، في الغالب الأعم، حدود التحرر من سطوة الأجهزة الأمنية، والإدارية الفاسدة، وما زرعته من خوف في نفوس المواطنين، على مدى عقود. وهذا أمر طبيعي بالنسبة لحراك شعبي، يحتاج أول ما يحتاج، إلى التحرر من الخوف، لكي يتمرد على القواعد المفروضة من النظام. بهذا المعنى، ليس مطلوباً منهم أن يربطوا الحرية بالمسؤولية، أو بالقانون، الذي هو بالنسبة لهم، يعد قيدا مفروضا من النظام. لكن؛ عندما يتم الانتقال إلى النظام الديمقراطي، سوف يشكل تأصيل مفهوم الحرية، إحدى القضايا الكبرى، التي ينبغي الاشتغال عليها، ولن يكون ثمة مهرب، من اللجوء إلى قوة القانون الديمقراطي، لفرض التقيد بها، وبحدودها خلال فترة زمنية ليست قصيرة.

    ج‌- مفهوم ” الحوار” ومفهوم” التفاوض”

    مفهوم ” الحوار”، كما مفهوم ” التفاوض”، هما من المفاهيم الأساسية في اللغة السياسية. بهذا المعنى؛ من غير المفهوم، أن ترفض القوى السياسية، ما هو فيها تعيينا لها، أي ترفض بعضا من لغتها الأساسية. مع ذلك؛ لكل من هذين المفهومين دلالته الاصطلاحية، ومجال استخدامه. مصطلح ” حوار” يتضمن إمكانية التوصل إلى حلول وسط، بمعنى أن التنازل سوف يكون من الطرفين المتخاصمين سياسياً. لذلك، يستخدم هذا المصطلح عادة، عندما يكون الاختلاف هو بحدود تمايز وجهات النظر، تجاه الحلول المطروحة، لقضية معينه، متفق عليها أصلاً. بهذا المعنى يقوم الحوار بين النظام، وحلفاؤه، كما يقوم بين مختلف أطراف المعارضة.

    من جهته مصطلح “تفاوض” لا يتضمن إمكانية الحل الوسط، وان التنازل يكون من طرف لأخر، لذلك، كما في الحالة السورية، تطرح المعارضة التفاوض مع النظام، لأنها تعتقد أن بين الاستبداد، والديمقراطية، لا يوجد حل وسط، وأن النظام هو الذي عليه أن يتنازل، وليس المعارضة. هنا مصطلح “تفاوض” يشير إلى الانتقال من حالة إلى أخرى نقيضة لها تماماً. بالطبع؛ عندما يتم الاتفاق تفاوضياً على القضية التي تشكل موضوع التفاوض، يمكن عندئذ اللجوء إلى “الحوار”، أو “التفاوض”، لبحث القضايا الإجرائية لتحقيق القضية الأساسية.

    س2: شكراً، على هذه الإجابة، التي وفرت علينا بعض الأسئلة. لكن لماذا تفضل أنت استخدام مصطلح ثورات” خريف الاستبداد” على مصطلح ثورات” الربيع العربي”؟

    في الواقع استخدمت المصطلح الثاني، أي مصطلح ” ثورات الربيع العربي”، لفترة من الزمن، كما استخدمه غيري، تحت وطأت تأثير الإعلام الذي جعله واسع الانتشار، وقبله المشتغلون في الحقل الإعلامي، والثقافي، والسياسي، وكأنه مصطلح واضح بذاته، وذو دلالة. إضافة إلى ذلك فهو مصطلح يبعث على الأمل، وله قدرة تعبوية كبيرة. بالنسبة لمن يشتغل في الحقل الثقافي النظري ينبغي أن تقلقه المفاهيم التي يستخدمها كثيراً، لذلك عليه أن يمعن النظر فيها، وفي وظيفتها النظرية التحليلية. من هذه الزاوية أجرؤ على القول إنني تشككت في مصداقية المصطلح كمفهوم نظري منذ البداية تقريباً، لكنني لم أهتد إلى البديل المناسب، إذ ليس من السهل دائما الاهتداء إلى المصطلحات المناسبة، فهي ليست على قارعة الطريق. لكن وبالصدفة كنت استمع إلى مقابلة تلفزيونية مع البروفسور إحسان الدين أوغلو رئيس منظمة التعاون الإسلامي، فوجدته يستخدم مصطلح ثورات ” خريف الاستبداد”، عندئذ خاطبت نفسي قائلا هذا هو المصطلح الدقيق، نعم نحن أمام ثورات ” خريف الاستبداد”، أما الربيع فسيأتي لاحقا، وربما بعد مخاضات عسيرة.

    س3: لقد كنت، أول من بشر بحتمية الثورة في سورية، في مقالتك الشهيرة ” أفاق الزمن القادم”، فعلى ماذا استندت في ذلك؟

    ج: لست متأكداً من أنني أول من بشر بذلك، لذلك الأصح القول من أوائل من بشروا بذلك. وعموماً فإن الظروف الموضوعية في سورية، وطبيعة النظام السياسي فيها، لا تختلف عن غيرها في الدول العربية، إلا في شدة محافظتها، وبروز الدور الحاسم للأجهزة الأمنية فيها. إن من راقب السوريين وهم يتابعون انتفاضات الشعوب العربية في تونس وخصوصا في مصر، لم يكن صعبا عليه أن يستنتج التحفز الكبير لدى السوريين لكي ينتفضوا ضد نظام استبدادي فاسد لطالما أفقرهم، وذلهم، وكبت أنفاسهم. إن تعطش السوريين للحرية لم يكن أقل حدة من تعطش الشعوب العربية التي انتفضت ضد حكامها، لكن كان ينقصهم الجرأة لكي يطالبوا بها، بل ليثوروا من أجلها، نظرا للخوف، الذي حوله النظام إلى خوف عضوي، خلال عقود من السنين، تحرسه أجهزة أمنية متيقظة وشديدة المحافظة.فضيلة انتفاضات الشعوب العربية بالنسبة للسوريين تتمثل في أنها جاءتهم بالتحفيز القوي لكسر حاجز الخوف، وما إن بدؤوا انتفاضتهم حتى أخذت مسارا متصاعدا لم يعد يجدي معها بطش النظام في شيء. في مقالتي ” أفاق الزمن القادم” رصدت الظروف الموضوعية، والذاتية، التي تحتم ثورة السوريين ضد نظامهم، وجاءت الوقائع التاريخية لتثبت صحة ما ذهبت إليه في المقالة المذكورة.

    س1: ولكن؛ ومن خلال متابعتي لكثير من كتاباتك، تبدو الثورة السورية نتيجة لفعل تراكمي كبير وليست حدثاً مفاجئاً؟

    ج: بالتأكيد الثورة نتيجة لفعل تراكمي مديد؛ وليست وليدة لحظتها، إنها بالأحرى تعبير انفجاري عن أزمة حادة أُغلقت كل المسارب لتصريفها. ميزت الثورة أنها تطلق ديناميكيا مجتمعية لم تكن موجودة في السابق، وتطرح أسئلة كثيرة قد لا تملك أجوبة عنها في حينه، بل تترك البحث عنها للتاريخ. من فضيلة الثورات العربية إنها أعادت إنتاج مفهوم ” الشعب”، فصار دوره في التغيير، وفي السياسة عموماً حاسماً، كما أعيد معه أيضا إنتاج دور، ووظيفة الساحات، والميادين، التي كانت غائبة عن البلدان العربية لعقود من السنين.

    في سورية لم يتوقف السوريون يوما عن المطالبة بالتغيير، خصوصا، نخبهم السياسية والثقافية، وزار الآلاف منهم سجون النظام، وتشرد عشرات الآلاف منهم خارج الوطن. وفي بداية عهد الدكتور بشار الأسد استبشر كثير من السوريين خيراً، إذ بدأوا يسمعون خطاباً مختلفاً حول ضرورة الإصلاح، لكن تبين لاحقاً أن ما سمي عهدا جديداً، لا يعدو كونه سوى استمرار للعهد القديم، لكن بصورة أشد محافظة. أذكر عندما كنا نعمل في لجان إحياء المجتمع المدني، وكان هناك تواصل من نوع ما بين بعض النشطاء، و بعض المسؤولين السوريين عرضوا عليهم تبني نهج التغيير باتجاه الديمقراطية، ولتكن البداية بكف تدخل الأجهزة الأمنية في كل صغيرة وكبيرة من حياة المواطنين، وليأخذوا وقتهم حتى خمس عشر سنة قادمة، لكنهم فشلوا في ذلك. وعادوا إلى نهج الاعتقالات، وكبت الأفواه. كل شيء في سورية صار مأزوما إلى حد الانفجار، الفساد انتشر في جميع مناحي حياة المواطنين، وفي جميع أجهزة الدولة،حتى صار أسلوبا في الإدارة الكلية. لقد كرست عشرات المقالات لرصد الطبيعة المأزومة لحياة السوريين خلال السنوات الماضية، لذلك عندما قامت الثورة لم تفاجئني حقيقة.

    س2: ما قصة “عملاء بندر بن سلطان ” التي اتهمتكم السلطة بها في بداية الانتفاضة؟

    تهم السلطة لكل من يخالفها الرأي جاهزة دائما، وهي حقيقة لا تستحق الوقوف عندها. مع ذلك ونظراً لأن هذه التهمة قد ارتبطت بأول بيان يصدر خلال الانتفاضة فإنها تستحق الوقوف عندها. تعلمون أن الانتفاضة في درعا بقيت وحيدة لنحو أسبوع من الزمن، قدم خلالها أخوتنا في درعا أول شهيد، عداك عن القمع الشديد الذي تعرضوا له، والاعتقال الذي لم يستثني حتى الأطفال. في ذلك الوقت كنت مع مجموعة من الأصدقاء نعمل في إطار “لجنة العمل الوطني الديمقراطي في محافظة اللاذقية” التي كنا قد أسسناها في عام 2001، وكان واضحا لنا أن ما يحصل في درعا لن يبقى فيها، بل سوف يمتد إلى بقية مناطق سورية، ومن خلال المناقشات، قررنا أن نصدر بياناً نطلب فيه من الرئيس المبادرة إلى الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع للبحث عن حل يحقق للشعب مطالبه بالإصلاح، ويحصن البلد من التدخلات الخارجية المحتملة والتي كنا نعتبرها حتمية في ذلك الوقت. وبالفعل صدر البيان بتاريخ 22/3/2011، موقعا بداية من قبل نحو عشرين شخصية وطنية في محافظة اللاذقية، لكن البيان ما إن صدر حتى صار على كل لسان وكثرت التواقيع عليه حتى لم نعد قادرين على استيعابها. في ذلك الوقت شنت السلطات الأمنية السورية حملة شعواء على موقعي البيان، واتهمتهم بأنهم عملاء بندر بن سلطان، ينفذون خطته. ومما زاد في سعار السلطات الأمنية، أن الحراك في اللاذقية بدأ بعد ثلاثة أيام من صدور البيان،أي في 25/3/2001، فاعتبرته السلطات بأنه سببا فيها، وأن الموقعين عليه من أبناء المحافظة هم من دبر، وحرض، ونظم، وقاد، الانتفاضة في اللاذقية، وهذا حقيقة غير صحيح.

    س3- يسجل لك أول مقالة توقعت فيها حصول الانتفاضة في سورية، في حين كان أغلب المثقفين، والسياسيين السوريين يرون استحالة ذلك. ويسجل لك أيضاً أول بيان يصدر في بداية الانتفاضة، فهل تأسيس حركة “معاً” كأول حركة تتأسس في سياق الانتفاضة يسجل لك أيضاً؟

    ج-هذا شرف لا أستطيع أن أدعيه لنفسي وحدي، بل شاركني فيه أصدقاء آخرين. بالنسبة للبيان الصادر بتاريخ 22/3/2011 فهو بيان للجنة العمل الوطني الديمقراطي في محافظة اللاذقية، وقعه أعضاؤها في البداية بأسمائهم الشخصية، ليتحول بعد ذلك إلى بيان شعبي. أما قصة إنشاء حركة “معاً”، فلم تكن المبادرة قد جاءت مني، بل من قبل أصدقاء آخرين، لكنني استحسنتها فوراً، ودعمتها، وشاركت في تأسيسها، خصوصا، بعد أن اختلفت مع زملائي في لجنة العمل الوطني الديمقراطي حول تفسير ما بدأ يحدث في سورية من تحرك شعبي. ومن اللافت أنه بعد الإعلان عن تأسيس الحركة، في 23/6/2011، بعد مشاورات كانت قد استمرت لنحو شهرين، سرعان ما كثر المنتسبون إليها، بحيث تجاوز عددهم خلال أقل من شهر الأربعمائة منتسب. لقد لاقى بيانها التأسيسي استحسانا كبيراً، وهو حتى اليوم لا يزال يحتفظ براهنيته.

    وربما الأهم من ذلك هو الرؤية السياسية للحركة التي كان لها السبق في توقع مخاطر العنف على الثورة، وعلى البلد، لما سوف يفسح بالمجال لكل أشكال التدخل الخارجي، وهذا ما حصل للأسف.

    س3- لكنك انسحبت أخيراً من الحركة!، ولم تستجب لدعوات كثيرين ممن انسحبوا منها لإعادة تأسيسها من جديد.

    هذا صحيح، لكنني لم انسحب إلا بعد أن أخذت الحركة اتجاها سياسياً مغايراً لقناعاتي الشخصية، ولخطها السياسي، وصار من المستحيل علي الاستمرار فيها، وربما هذا القرار أراح بعض الزملاء في الحركة.

    الحركة اليوم لم تعد كما كانت للأسف، ولم تصير كما حلمنا بها أثناء التأسيس، لا من حيث الانتشار، ولا من حيث التقيد برؤاها السياسية المعتمدة، وانساقت للأسف مع تجاذبات سياسية وتحالفية مخالفة لطبيعة برنامجها، ومنطلقاتها. ربما كان ذلك نتيجة لتعقيد الظروف التي تمر بها الانتفاضة السورية، لكن بعضها جاء نتيجة مزاج، وتوجهات بعض قادتها. الذين تركوا الحركة، للأسف، هم أكثر بكثير من عدد الذين بقوا فيها، والذين بقوا فهم في جلهم من محافظة اللاذقية.

    أما من حيث رفضي إعادة تأسيس حركة “معاً ” من الزملاء الذين تركوها، فيعود حقيقة لأنني بطبيعتي أكره الانشقاق في الحركات السياسية، ولا أريد أن تتسبب خطوة كهذه في إضعاف الحركة القائمة اليوم. لكن بعد التوجهات الجديدة للحركة، وأخذها إلى مطارح مخالفة لخطها السياسي، ومشاركة بعض نشطائها في تحالفات تخالف طبيعتها، ومنهاجها الأساسي، وخصوصا بعد أن صرت خارجها، فلا أستبعد الاستجابة لطلب كثير من الزملاء السابقين في الحركة لتأسيس حركة جديدة، ربما باسم جديد. وفي مجمل الأحوال سوف أحرص، في حال المشاركة في تأسيس حركة جديدة، أن لا يكون التأسيس بدلالة حركة معا القائمة اليوم، بل ربما بدلالة حركة معاً في مرحلة تأسيسها، فساحة العمل الوطني تستوعب الكثير من الحركات والأحزاب السياسية.

    س1: ماذا بخصوص مؤتمر سمير أميس للمعارضة غير الحزبية،الذي عقد في دمشق في 27/6/2011، والذي ترأسته؟ لقد قيل الكثير عنه، نريد الحقيقة منك؟

    ج: لقد شكل انعقاد مؤتمر سمير أميس للمعارضة غير الحزبية، الذي عقد في دمشق في شهر حزيران من عام 2011، حدثا تاريخيا بكل المعاني، إذ لأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود، وربما أكثر من ذلك، يلتقي هذا العدد الكبير من المعارضين السوريين، من نخب ثقافية وسياسية مختلفة، في قلب عاصمة بلادهم ليقولوا ما قالوه بحق النظام الحاكم، وليطرحوا مطالب معينة، لم يكن تصور الحديث عنها بهذه الجرأة ممكنا حتى في الحلم. وعموماً الفضل في انعقاد المؤتمر كان للجنة التحضيرية برئاسة الصديق لؤي حسين، ومشاركة الأخوة ميشيل كيلو، وفائز سارة، وسمير سعيفان وغيرهم من الشباب والشابات الرائعين حقاً.إن ترأسي للمؤتمر على مدى ثمانية ساعات كان محض صدفة، وعندما طلب مني ذلك لم أتردد، رغم المسؤولية الكبيرة التي كان علي تحملها لجهة إنجاح المؤتمر أولاً؛ ولجهة تحمل عواقب التهديدات الكثيرة التي وجهت لي ثانياً، والتي ترجمت بثلاث محاولات اعتداء علي، وعلى أسرتي بعد انتهاء المؤتمر، عداك عن المظاهرات التي سيروها أمام بيتي في اللاذقية.

    لقد وجهت للمؤتمر، وللداعين إليه اتهامات خطيرة، خصوصا، من قبل بعض أطراف المعارضة، بأنهم عملاء للسلطة، وأن المؤتمر هو مؤتمر فلان وفلان من مسؤولي السلطة الأمنيين، أو السياسيين. وعندما كانت تخفف الانتقادات كان يقال إن عقد المؤتمر في تلك الظروف سوف يخدم النظام..الخ. وبعد انتهاء المؤتمر، وفي ضوء البيان الختامي الذي صدر عنه، بدأت هذه الاتهامات تخف وتتراجع.

    ما أود توضيحه هنا، هو أن المؤتمر لم يحصل على أية موافقة أمنية مسبقة، ولم يتقدم أحد من منظمي المؤتمر بطلب للحصول عليها، بل حاولت الجهات الأمنية حتى اللحظة الأخيرة منع انعقاده. وعندما انعقد المؤتمر حركت السلطة ثلاث مظاهرات ضده، إضافة إلى محاولة تخريب المؤتمر الصحفي في نهاية المؤتمر. مع ذلك لم يكن بالإمكان عقده، لولا غض النظر عنه من قبل السلطات الأمنية، تحت ضغط جهات أخرى سياسية في السلطة، على أمل الاستفادة الموضوعية من عقده، في التسويق الإعلامي لها، وهذا بالطبع قد حصل. لكن في مجمل الأحوال هذه الجزئية التي خدمت السلطة، لم تحجب النتائج الكبيرة التي حصلت عليها المعارضة، وخصوصاً، لجهة تقديم رؤية سياسية متكاملة للحل في سورية، والتي تأسست عليها لاحقاً جميع مشاريع الحلول المطروحة حتى اليوم، ونحن على أبواب مؤتمر جنيف2. يسعدني أن أكون من قدم هذه الرؤية للحل في المؤتمر، والتي هي بالأساس مستلهمة من رؤية أخرى تفصيلية، كنت قد عرضتها بتاريخ 17/4/2001، والتي بدورها استمدت بعض عناصرها من الحل المطروح في مقالتي ” أفاق الزمن القادم” قبل بدء الانتفاضة.

    س2: سوف نتحدث بالتفصيل عن رؤيتك للحل السياسي في سورية، لكن مادمنا نتحدث عن مؤتمر سمير أميس، قيل أن هناك محاولات جرت لإفشاله من داخله، ما صحة ذلك؟

    ج: أعتقد ثمة مبالغة في الحديث عن محاولات جرت لإفشال المؤتمر من داخله، وذلك نظراً لأن الذين شاركوا فيه كانوا مدعوين بالاسم. بالطبع حصلت ثلاث خروقات كنت مسؤولاً عن واحدة منها، وربما أخطرها، وهي السماح لرفيق سابق وزميل في السجن بالمشاركة بالمؤتمر وهو لم يكن مدعوا أصلاً. ومع أنني نبهته أنه في حال ظهوره أمام الإعلام عليه أن يتحدث برأيه الشخصي، لا أن ينسب حديثه للمؤتمر. لكنه ونحن في غمرة الانشغال باستقبال المدعويين الذين قارب عددهم المائتين ونيف(كان متوقعا حضور نحو 400 مدعوا، لولا الإعاقات الأمنية حتى أخر لحظة)، وإذ به يصرح أمام وسائل الإعلام بأن المؤتمر حصل على إذن مسبق من السلطات السورية لعقده، وأن المؤتمر سوف يقرر الحوار مع السلطة وسوف يشكل وفدا لهذا الغرض، وهذه المسائل لم تكن بالأساس مدرجة على جدول أعمال المؤتمر، ولم يناقشها أبداً. على كل حال أنهى المؤتمر أعماله بنجاح كبير، وبينت مداولاته وبيانه الختامي حقيقة ما جرى فيه.

    س3: من مؤتمر سمير أميس إلى هيئة التنسيق الوطنية، شو القصة؟

    لا توجد قصة أبداً، لقد جاء تشكيل حركة معاً متزامناً مع إنشاء هيئة التنسيق الوطنية،وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أي تشكيل تحالفي معارض آخر، ونظراً لكون الخط السياسي للحركة ينسجم مع خط الهيئة فكان من الطبيعي الانضمام إليها، لأن العمل الجماعي يبقى أفضل من العمل المنفرد،وهكذا كان. لقد جاء انضمامنا إلى الهيئة، على قدم المساواة مع الأحزاب والقوى الأخرى في الهيئة إضافة نوعية، وهذا ما اعترف به قادة الهيئة لاحقاً. لقد ساهمت حركة معاً مساهمة جدية في كتابة الخط السياسي للهيئة، وفي إعداد نظامها الداخلي وغيرها من وثائق.

    وعندما قررت حركة معاً الانسحاب من الهيئة لأسباب وجدتها غير مقنعة، مما تسبب بإلحاق الأذى بالهيئة، وتراجع دور معاً، وحصول انسحابات كثيرة منها، قررت التخلي عن موقعي القيادي في الحركة، لأحتفظ بعضويتي في الهيئة كمستقل، لتخفيف الضرر الذي حصل للهية.

    س1: قصدك أنت من كتب هذه الوثائق؟!

    ج؛ هذا شرف لا أستطيع احتكاره، فهذه الوثائق وغيرها من وثائق الهيئة، ومنها رؤيتها الأخيرة للحل السياسي التفاوضي هي حصيلة جهد ونقاشات جماعية. بالطبع دائما، في مثل هذه الحالات، لا بد من وجود من يمسك القلم أولاً، لكن بعض إقرار الوثيقة تصير نتيجة جهد جماعي. على كل حال هذه تفاصيل غير مهمة.

    س1: ما هو رأيك بلاآت الهيئة الثلاث: لا للعنف، لا للتجييش والصراع الطائفي، ولا للتدخل الخارجي؟

    ج: هناك فرق بين الموقف المبدئي الذي تجسده هذه اللاءات، وبين القراءة السياسية لها. بالنسبة لي أنا معها من حيث المبدأ، لكنني أيضا مع قراءتها السياسية بحسب الظروف المتغيرة.يتركز النقد بصورة أكبر على ” لا للعنف “، وبصورة أقل على ” لا للتدخل الخارجي “. هيئة التنسيق، وأنا معها في هذا الموضوع، كانت أمينة دائما للاآتها من حيث المبدأ، لكنها تعاملت مع الواقع بمرونه. ففي الوقت التي رفضت الهيئة أي شكل من أشكال العنف، فإنها وقفت إلى جانب المنشقين عن الجيش، وإلى جانب من أضطر لحمل السلاح دفاعاً عن نفسه من الأهالي.

    لقد جاء رفضنا للعنف بناء على تحليل دقيق لواقع سورية، ولما سوف يؤدي إليه من تدمير للبلد وللشعب وللثورة معاً. لقد كان واضحا بالنسبة لنا، منذ البداية، أن النظام هو الذي يدفع الناس نحو التسلح، وممارسة العنف، متوهما أنه بذلك يجبرهم على العمل من خلال ساحته التي يتفوق فيها. لقد كتبت مقالة مطولة بعنوان ” سوف أظل أقتلكم حتى ترفعوا السلاح”، أبين فيها مخاطر الاستجابة لما يريده النظام، بالدفع نحو عسكرة الانتفاضة، لكن آخرين يبدو وجدوا ضالتهم في حمل السلاح، وانساقوا وراء وعود بتقديمه بلا حدود وقيود، تبين أنها ليست سوى أوهام. وفيما بعد، وبعد أن صارت عسكرة الانتفاضة أمراً واقعاً، نشرت مقالة في الشرق الأوسط بعنوان ” في نقد السلاح “، أحذر فيه من أن العنف سوف يجعل القاع الاجتماعي يلعب الدور الحاسم في الصراع المسلح من خلال تنظيماته الجهادية المتطرفة، مما يجعل ممكنات الثورة المضادة هي الأكثر احتمالاً. وقبل نحو شهر نشرت مقالة أخرى بعنوان ” من احتمال الثورة، إلى ممكنات الثورة المضادة” عرضت فيها هذه التحولات المأساوية في الانتفاضة، والنتائج التي ترتبت على العنف. الواقع اليوم يقول ما كنا قلناه سابقاً، أن العنف لن يؤدي إلى أية نتيجة سوى إلى تدمير البلد ، وإلى تمزيق اللحمة المجتمعية، وهذا ما حصل ويحصل يومياً. لقد تحول الصراع من صراع لإسقاط النظام من أجل بناء نظام ديمقراطي، إلى صراع من أجل استبدال السلطة بسلطة أخرى استبدادية.

    س2: لكن كان من المستحيل أن تستمر الثورة سلمية”!!!

    ج:هذا غير صحيح بالمطلق. الانتفاضة لم تستنفذ كل أشكال النضال السلمي هذا أولاً، وثانيا؛ فهي لم تستنفذ حتى القوة الكامنة في التظاهر ذاته. بالطبع اللوم لا يقع أبدا على المتظاهرين، بل على السياسيين الذين لم ينبهوهم إلى مخاطر عسكرة الانتفاضة، بل اعتبرها بعضهم أنها الوسيلة الوحيدة الممكنة لإسقاط النظام. يضاف إلى ذلك الدفع القوي من بعد الدول الإقليمية والبعيدة نحو العسكرة، والرد على النظام بذات الوسائل، تنفيذا لأجندات خاصة. على كل حال لم يعد الحديث في هذا الموضوع يجدي اليوم، لقد صار العنف يغطي كامل المشهد، وهو غير منضبط، تتوزعه ولاءات سياسية وعقائدية كثيرة. أذكر كيف كفر البعض الصديق هيثم مناع عندما قال أن العنف لن يتوقف حتى لو سقط النظام. ورغم أن النظام لم يسقط بعد، ومن المشكوك به أن يسقط بقوة السلاح، إلا بعد أن تسقط سورية كلها، مع ذلك بدأ العنف يمارس ضد من يفترض أنهم في الخندق الواحد. إضافة إلى ذلك، علينا أن نعترف بأن المسلحين في المناطق التي سيطروا عليها لم يقدموا نموذجاً في إدارتها أفضل مما قدمه النظام ذاته، بل أسوأ باعتراف السكان ذاتهم في تلك المناطق.

    س3: يحاجج البعض بأن التدخل العسكري الخارجي لو حصل لكانت الخسائر أقل، مع ذلك وقفتم ضده بعناد!!!

    ج: كلمة “لو” في توجهها نحو المستقبل تفتح احتمالات، أما في توجهها نحو الماضي فإنها تفيد في استخلاص العبر، لمن يريد أن يعتبر، لأن التاريخ يكون قد تحقق. نعم نحن وقفنا ضد التدخل الخارجي حتى عندما كان احتمالاً مستقبلياً، لقناعتنا بمخاطره الجمة على الكيان السياسي السوري، ولدينا نماذج في العراق وليبيا وأفغانستنان وغيرها. إضافة إلى ذلك كانت جميع تحليلاتنا تفيد بأن الخارج لن يتدخل عسكريا بصورة مباشرة في سورية، نظراً للتوازنات المحلية، والإقليمية، والدولية المتعلقة بسورية. للأسف راهن كثير من المعارضين على التدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام، ولا يزال بعضهم يراهن عليه، رغم التفاهم الروسي الأمريكي لانجاز حل سياسي تفاوضي والدعوة إلى مؤتمر جنيف2.

    س1: لماذا ،برأيك، لم تستطع المعارضة أن تتوحد،حتى وهي على أبواب مؤتمر جنيف2؟ الآخرون يحملون الهيئة المسؤولية؟

    ج‌- الهيئة حقيقة لا تتحمل أية مسؤولية عن شرذمة المعارضة، بل على العكس كانت مبادرة في أغلب الحالات لوحدتها، أو على الأقل لتنسيق نشاطاتها. من المعلوم أن هيئة التنسيق كانت أول تشكيل تحالفي للمعارضة، وقد ساهمت في الحوارات المؤسسة له جميع فصائل المعارضة، لكن عند الإشهار تخلفت عنها جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة إعلان دمشق، وبعض الأحزاب الكردية. تأسست الهيئة بمشاركة أكثر من خمس عشر حزباً وتجمعاً سياسيا معارضاً. وعندما دعي أشخاص من الهيئة للقاء الدوحة التشاوري من أجل توحيد المعارضة كان موقف الهيئة إيجابيا، وقد تم الاتفاق على الوثيقة السياسية، وعلى الهيكل التنظيمي للتحالف الجديد على أن يتم توقيعه، وإشهاره من دمشق، خلال أسبوع من تاريخ لقاء الدوحة، لكن الذي تخلى عن تعهداته هم أيضا جماعة الإخوان المسلمين وإعلان دمشق. لقد تبين لاحقاً أنهم يتفاوضون في اسطنبول، من وراء ظهر الهيئة، لتأسيس ما صار يعرف بالمجلس الوطني السوري. ومن جديد عندما تفاوضت الهيئة مع هذا المجلس في القاهرة وتم التوصل إلى اتفاق لتوحيد المعارضة، وتم توقيعه من قبل ممثل الهيئة السيد هيثم مناع، ورئيس المجلس الوطني في ذلك الوقت السيد برهان غليون، لم يعمر هذا الاتفاق يوما واحداً، ليصار إلى إفشاله من قبل ذات الأطراف الإخوان، وجماعة إعلان دمشق. ومن جديد عندما اجتمعت المعارضة بجميع أطرافها في القاهرة، واتفقت على وثيقتين مهمتين وعلى تشكيل لجنة متابعة، الذي تنصل من التزاماته هي ذات الأطراف، في حين تبنت الهيئة، ومن قلب دمشق، وثائق القاهرة. وعند تشكيل الإتلاف أبدينا رغبتنا بالمشاركة فيه لكن، رفض القائمون عليه دعوة الهيئة، بل تم دعوة أشخاص منها، الأمر الذي رفضته الهيئة، ورفضه الأشخاص المدعوون ذاتهم. واليوم ونحن على أعتاب عقد مؤتمر جنيف 2 دعت الهيئة جميع أطراف المعارضة للتشاور على تشكيل وفد موحد يمثل المعارضة، ويعرض رؤيتها للحل السياسي التفاوضي، رفضت، من جديد، ذات الأطراف دعوة الهيئة. بالطبع نحن نعلم، وقد قيل لنا مباشرة أن هناك جهات دولية لا تريد مشاركة الهيئة في أي تحالف للمعارضة، تارة بذريعة وجود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في الهيئة، وتارة أخرى وربما هي الأصح، لكوننا لا نقبل أن يتدخل أحد في شؤوننا، “رأيكم من رأسكم” بحسب مسؤول قطري. لقد دفعت الهيئة ثمنا باهظا لقاء مواقفها الوطنية المستقلة، من خلال الحملات الإعلامية المكثفة لتشويه سمعتها أو سمعة أشخاص فيها، ولم تتوقف محاولات العمل على حصول انشقاقات فيها، شاركت فيها وسائل إعلام واسعة الانتشار والتأثير، وجهات عرضت أموالا كبيرة لقاء ذلك. لكن الهيئة ماضية في نهجها وسياستها، ومن كان يخرج منها لسبب أو آخر، كان هو الذي يخسر، وليس الهيئة. اليوم الهيئة محط احترام جمهورها الذي يتوسع باستمرار رغم حملات التضليل والافتراء المستمرة عليها، بل محط احترام الجهات الدولية المؤثرة في الأزمة السورية أيضاً.

    س3: ما الحل برأيك؟ هل نحن ذاهبون إلى تسوية سياسية تاريخية، أم إلى مزيد من القتال والتدمير، وربما التقسيم؟! لقد كنت من أوائل من طرح مبادرات للحل، في الوقت الذي كان كثيرون منشغلون في الشعارات وقراءة البيانات الحربية؟

    ج: الحل اليوم لم يعد سهلاً، بل لم يعد بأيدي السوريين لوحدهم. لقد صار الصراع دوليا على الأرض السورية، تشارك فيه أطراف إقليمية ودولية بعيدة، وهي بالتالي صارت جزءا من الأزمة، والحل في الوقت ذاته. كما قلت حقيقة دائما كنت أفكر بالحل،وطرحت تصورات مبكرة قبل الانتفاضة، في مقالتي ” أفاق الزمن القادم” المنشورة بتاريخ 5/3/2011، وفي بيان 22/3/2011، وفي مقالتي المطولة ” بمثابة حل وطني..” المنشورة في 17/4/2001، وفي مؤتمر سمير أميس، تقدمت بمبادرة متكاملة للحل، وخلال عملي في حركة معاً، أو في هيئة التنسيق، ساهمت مع غيري في اقتراح الحلول. واليوم ونحن على أعتاب مؤتمر جنيف2، كانت لي مساهمتي مع زملاء آخرين في إعداد رؤية الهيئة للحل السياسي التفاوضي، وللمذكرة التنفيذية لهذه الرؤية. وهي منشورة على مواقع الهيئة وعلى صفحتي على الفيسبوك ، كما سوف تتقدم بها الهيئة للجهات الدولية المعنية. كما في البداية، كذلك اليوم كنت على قناعة تامة بأن العنف لن يؤدي إلي أية نتيجة سوى إلى تدمير البلد وتمزيق النسيج الاجتماعي، ولا بديل عن الحل السياسي التفاوضي. مجمل تحليلاتي للواقع السوري كانت تبين لي بأنه من غير الممكن إسقاط السلطة بالقوة، ولذلك كان الخيار الوحيد الممكن، من وجهة نظري، هو إسقاطها عبر الانتخابات. لذلك كنت دائماً أدعو إلى عدم التساهل فيما يتعلق بالنظام الديمقراطي المنشود، وفي جميع القوانين التنفيذية له، وخصوصاً، تلك القوانين المتعلقة بتمكين السوريين من أن يعيشوا بكرامة أحراراً، في ظل نظام ديمقراطي حقيقي. لا أخفيكم القول عندما قرأت رسالة منديلا للثوار العرب، شعرت أنها تصدر عن طريقة تفكيري. في ظل الحكم الاستبدادي، وخصوصا من طراز النظام القائم في سورية، الأشخاص ليسوا فقط السلطة، بل الدولة أيضاً، لذلك ينبغي التفكير بكيفية فك ارتباطهم بالدولة، ليتسنى إسقاطهم بعد ذلك.

    فيما يخص مؤتمر جنيف2 الذي يتم التحضير له هذه الأيام، علينا أن نراهن عليه، فهو أول مسعى جدي دولي للحل السياسي في سورية. لكن رهاننا لا ينبغي أن يجعلنا بعيدين عن الواقع ، فنتوهم أشياء كثيرة، أو نرغب بأشياء كثيرة قد لا تتحقق. ما كان يمكن تحقيقه عندما كانت الثورة سلمية، صار من الصعب تحقيقه في ظل سيطرة العنف على كامل مشهد الثورة، لذلك أرى أنه إذا استطعنا أن نخرج من المؤتمر باتفاق على طبيعة النظام الديمقراطي المنشود، الذي أرغب أن يكون نظاماً جمهوريا برلمانياً، وعلى القوانين التنفيذية له، وان تكون المرحلة الانتقالية مكرسة لتأمين الوصول إلى صندوق الاقتراع بصورة حرة وشفافة، وأن تعكس نتائج الانتخابات لمختلف مستويات السلطة الرغبة الحقيقة للسوريين، فما عدى ذلك يمكن المناورة به، وقبول الحلول الوسط فيه. ولكي أكون واضحاً أكثر،فإن المطالبة بتنحي الرئيس كشرط مسبق، أو كنتيجة للمفاوضات في المؤتمر، إذا لم تتحقق، ومن المرجح أن لا تتحقق باعتبارها مطلبا للمعارضة، فلا بأس من بالنسبة لي من هزيمته وسلطته في الانتخابات، التي أرجح انه لن يترشح لها في حال كانت الانتخابات ديمقراطية حقيقة، ونزيهة، ومراقبة دولياً. لكن قبول المعارضة كنوع من التنازل من طرفها سوف يسمح بإيقاف العنف، وصون حياة مئات الآلاف من السوريين. وليكن واضحا أن التاريخ لن يغفر لمن ساهم في تدمير بلده. هناك جرائم بحق الشعوب والإنسان لا تموت بالتقادم.

    – في نهاية هذا اللقاء، لا يسعني باسم زملائي، إلا أن نشكرك على تحملك، وسعة صدرك، وصراحتك.

    – شكرا لكم، وأرجو منكم عندما تعدون المقابلة للنشر أن اطلع عليها مسبقاً.

    – المقابلة سوف تكون جزءا من توثيق تاريخي نعمل عليه، وإذا أردت أنت أن تنشرها بعد أن نعدها ونرسلها إليك فلا مانع لدينا، وقد يكون ذلك أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى