صفحات الحوار

حوار مع منذر خدام


• أي إصلاح لا يكون نتيجة حوار وطني لن يجدي نفعاً

• الانتفاضة علامة فارقة في المشهد السوري عموماً

• الإخوان المسلمون لن يحكموا سوريا إذا سقط النظام

• النظام وضع سوريا في مسار يفضي إلى الجحيم ولا يمكن أن ينتج إلا الخراب

• لا يمكن أن تذهب المعارضة للحوار بعدما وضعها النظام في مربع لا تستطيع تجاوزه

دمشق ـ شادي جابر:

أكد الناشط السياسي المعارض د. منذر خدام أن النظام السوري يتصور واهماً أنه بالعنف يستطيع أن يقمع الشعب، وهذا مستحيل. مشدداً على أن الشارع السوري الذي انتفض ودفع آلاف الشهداء لن يتراجع. واعتبر أن النظام وضع سوريا في مسار يفضي إلى الجحيم.. ولا يمكن أن ينتج إلا الدمار والخراب.

واعتبر خدام في حوار مع الراية [ أن أي إصلاح في سوريا لا يكون نتيجة حوار وطني لن يجدي نفعاً.. لافتاً إلى أن الخطوات التي تقدم هي وجهة نظر النظام، ويجب أخذ وجهة نظر الطرف الآخر في المعارضة والشارع بالاعتبار. وقال إن السلطة لا تقدم شيئاً يوحي بالثقة وتحاول أن تغير ثوبها القديم وتلبس أثواباً أخرى، ولكنها مفصلة على قياسها، فضلاً عن أنها لا تنفذ شيئاً على الأرض.

ورأى خدام أن المسؤولين السوريين كانوا يصمون الآذان.. ولا يستمعون لرغبات الشعب.. معرباً عن حزنه لعدم وجود رجال دولة بالمعنى الدقيق للكلمة في سوريا يتحسسون احتياجات شعبهم وبلدهم ويلاقونها فوراً.

وحذر خدام من أن استمرار السلطة في خيارها الأمني العسكري سيقود سوريا إلى التفكك.

الدكتور منذر خدام أكاديمي وباحث يعمل أستاذاً للاقتصاد الزراعي في جامعة تشرين باللاذقية، اعتقل عام 1982 على خلفية نشاطه السياسي، وبقي في السجن حتى العام 1994.

ـ كيف تقيم الانتفاضات الشعبية في سوريا خصوصاً وفي العالم العربي عموماً؟

أولاً: الانتفاضة هي العلامة الفارقة في المشهد السوري عموماً.

ذلك أن النظام لم يكن يتصور يوماً أن يتحرك الشارع بعد كل هذه العقود من الضبط الكامل تقريباً، وبرأيي لولا تحرك هذا الشارع لما كان هناك إمكانية لعقد اللقاء التشاوري في سميراميس ولا كل اللقاءات والمؤتمرات الأخرى في الداخل والخارج.. بعد ما جرى في تونس ومصر وسوريا وباقي المنطقة العربية، أعتقد أن بإمكاننا وصف القرن الحالي الحادي والعشرين بقرن الثورات العربية.

نمط هذه الثورات وآلياتها جعلها نموذجاً وأصبح الكثير من الدول تحسب لها حساباً، ليس فقط في منطقتنا العربية بل حتى في الصين وإسبانيا وفي دول أوربية أخرى وفي غير مكان.. أن ينتفض الشعب ويصر على تلبية مطالبه سلمياً وأن يسقط أنظمة حكم.. فهذا تحول كبير وتاريخي. وكنت قد نشرت في 5 مارس الماضي -أي قبل بداية الحراك بعشرة أيام- مقالة بعنوان (آفاق الزمن القادم) توقعت فيها انتقال هذه الثورات إلى بلدان أخرى.

طبعاً المواطن العربي كان يعيش مفارقة فظيعة بين الواقع الذي يعيشه في ظل الأنظمة الحاكمة وبين ما يريده وما يحلم به. مجتمعنا الآن في سوريا يضم نسبة مرتفعة من المتعلمين، هؤلاء لم يعد يرضيهم أن يعيشوا بالطريقة السابقة أن تتدخل أجهزة الأمن بكل شاردة وواردة في حياتهم، أينما ذهبوا فإن عليهم دفع رشوة.. حتى الوظائف أصبحت تشترى بالمال..

عندما وصل الرئيس بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، تحدث عن الإصلاح، وحاول أن يبدأ بالإصلاح الاقتصادي، ثم الإداري… وغير ذلك، لكن الأمر لم ينجح.. كنا نقول للمسؤولين الحكوميين إن هذه الإصلاحات لا معنى لها ولا أمل منها دون إصلاح سياسي. ليست المسألة إصلاح سيارة تغير فيها قطعة من هنا وأخرى من هناك.. بل هي قضية مواطن حرم من الحرية ولا بد من إعادتها إليه.. لم تستجب السلطة لنداءاتنا وصمّت آذانها عما نقول.

الانتفاضة السورية سؤال في التاريخ، بغض النظر عن الظروف الإقليمية التي حصلت فيها. هي ليست مؤامرة كما يصورها البعض.. ببساطة الشعب السوري الآن لم يعد يقبل أن يعيش بالطريقة ذاتها التي كانت قائمة سابقاً. هو يريد دولة فيها قانون، يريد سلطة ينتخبها، يريد حريته وكرامته.

ـ ترأستَ لقاء تشاورياً في فندق سميراميس قبل نحو شهر ونصف الشهر.. وقد صدر عن هذا اللقاء بيان ختامي ووثيقة عهد، لكنكم لم تقوموا بفعل أو خطوات عملية على الأرض لبلورة ومتابعة ما نتج عن هذا اللقاء.. ما أسباب ذلك؟

في الواقع لم يكن من أهداف ذلك اللقاء القيام بفعل على الأرض.. أولاً نحن قدمنا أنفسنا على أننا مستقلون ومعارضون غير حزبيين. أردنا أن نوصل صوتنا إلى من يريد أن يسمع، وبالتأكيد السلطة بالدرجة الأولى. للأسف هذا المؤتمر تعرض لإشكالات عديدة قبل انعقاده سواء من قبل السلطة أو من البعض في المعارضة، وقد وصل الأمر إلى حد تخوين من عمل على عقد هذا المؤتمر. مع ذلك كنا مصرين، وخصوصاً اللجنة التنظيمية برئاسة الصديق لؤي حسين، على عقد هذا المؤتمر الذي كان لي شرف ترؤسه. وبتقييم موضوعي الآن – وهذا ليس رأيي فحسب بل رأي الكثيرين ممن حضروا ومن لم يحضروا- أن هذا المؤتمر سجل علامة فارقة في تاريخ سوريا الحديث، فمن جانب هو يعقد لأول مرة منذ أكثر من 50 عاماً على غياب الحراك السياسي العلني، ومن جانب آخر تميز المؤتمر بانضباطه ورصانة محاوره ومناقشاته والمناخ الديمقراطي الذي ساده، حتى إن العديد من الجمل الواردة في مسودة البيان الختامي تم التوافق عليها بالتصويت، وأعتقد أن هذا البيان يعبر عن نجاح المؤتمر، حتى إن الكثيرين ممن عارضوا المؤتمر قبل انعقاده عادوا وتحدثوا عنه بشكل إيجابي ومختلف فيما بعد.

ـ هناك من يأخذ عليكم كمعارضين أنكم تسيرون خلف الانتفاضة الشعبية في الشارع بدلاً من أن تكونوا في مقدمتها.. تعملون على توجيهها وتسييس حركتها وقيادتها بالتالي إلى بر الأمان لإنجاز التغيير المطلوب.. ماذا تقول في ذلك؟

الانتفاضة الشعبية ليس من مهامها إنتاج أفكار، الشارع يطرح شعارات ويعبر عن مطالب، لكن الذي يضع لهذه الشعارات محتواها ومضامينها ويصيغها هو العقل السياسي والثقافي المعارض. وبالتالي المعارضة هي في مقدمة الانتفاضة وليس خلفها. الشارع مثلاً عندما يطرح شعار إسقاط النظام.. فإن من يترجم هذا الشعار إلى فكرة هو العقل السياسي والثقافي، لو سألت من يرفعون هذا الشعار ستجد بينهم تبايناً وتمايزاً واضحين، فمنهم من يريد إسقاط النظام الأمني.. والآخر يريد إسقاط الفساد كي يعيش حياة أفضل.. وليس بالضرورة أن يكونوا متفقين في ترجمتهم لهذه الشعارات.

ـ لكن هناك الكثير من التظاهرات الآن تقول للرئيس بشار: ارحل.. والشعب يريد إسقاط الرئيس مثلاً؟

أعتقد أن هذا أمر طبيعي.. لا تستطيع أن تمعن قتلاً في الناس ثم تطلب منهم التهدئة. نحن حذرنا منذ البداية، قلنا لهم إن مزيداً من القمع يعني مزيداً من عسكرة الانتفاضة، وبالتالي خروج الناس عن انضباطها، وهذا ما نشاهده الآن.. للأسف الشديد السلطة تتصور واهمة أنها بالعنف تستطيع أن تقمع الشعب، وهذا مستحيل.

ـ السلطة قدمت مجموعة من الإصلاحات السياسية تمثلت بإصدار قانون جديد للانتخابات وآخر للأحزاب وثالث للإعلام.. وهناك حديث عن تعديل دستوري وربما وضع دستور جديد.. كيف تقيم هذه الخطوات ولماذا لا تنظر المعارضة إليها بشكل إيجابي وتتعاطى معها من أجل مصلحة البلاد؟

أن تنظر إلى هذه الخطوات بشكل إيجابي شيء، وأن يكون لك رأي فيها شيء آخر.. بعد نشر مسودتي قانوني الأحزاب والانتخابات، كتبت مقالين حولهما: “قراءة في قانون الأحزاب، وقراءة في قانون الانتخابات”.. وقلت إن قانون الأحزاب جيد، لكن هناك بعض الثغرات، وهي قليلة، تحتاج إلى تعديل، منها لجنة الأحزاب، والعدد المطلوب لترخيص الحزب.. خلا القانون مثلاً من الإشارة إلى مسألة مهمة جداً تسمى عادة الأحزاب تحت التأسيس، لأن الحزب حتى يصل إلى مرحلة التأسيس يحتاج إلى فترة من الزمن، والقانون لم يشرعن هذا الحالة، هو افترض أن الأحزاب جاهزة تماماً.. أن لديها ألف عضو وقد حققت شروط الترخيص.. الأسوأ من كل ذلك أن قانون الأحزاب بعد أن صدر بمرسوم وتحول إلى قانون، حذفوا منه فقرة جوهرية وأساسية، وبرأيي لا معنى للقانون بدونها، وهي تداول السلطة، ذلك لأن المساهمة في الحياة السياسية شيء وتداول السلطة شيء آخر. أعتقد أن حذف هذه الفقرة نسفت القانون برمته.

مع ذلك أنا لا أقول إن السلطة قبل 15 مارس هي نفسها بعد هذا التاريخ، هي تحاول أن تغير ثوبها القديم وتلبس أثواباً أخرى، ولكنها مفصلة على قياسها، فضلاً عن أن هذه السلطة لا تنفذ شيئاً على الأرض. أي إصلاح في سوريا لا يكون نتيجة حوار وطني لن يجدي نفعاً.. الخطوات التي تقدم هي وجهة نظر النظام، ويجب أخذ وجهة نظر الطرف الآخر في المعارضة والشارع بالاعتبار. هو لا يقدم شيئاً يوحي بالثقة.. مثلاً وزير الخارجية وليد المعلم حمل المعارضة مسؤولية تعطيل الحوار الوطني، ولا أفهم أي مسؤولية هذه؟!.. هل تعلم أن بعض المعارضين -وأنا منهم- لم تتم دعوته إلى اللقاء التشاوري لهيئة الحوار الوطني مثلاً؟!

ـ ولكن هناك من دعي ولم يذهب؟

كل من لم يذهب محق في ذلك، ولو تمت دعوتي لما ذهبت إلا بعد تحقيق شرطين، تحدثت عنهما مراراً، أولهما إيقاف حمام الدم في الشارع والتراجع عن الخيار الأمني، والسماح بالتظاهر السلمي لكي يفرز الشارع قياداته، والشرط الثاني يتعلق بإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين والموقوفين على خلفية التظاهر. مشكلة السلطة من حيث الأساس ليست مع منذر خدام ولا مع غيره من المعارضين المستقلين أو غيرالحزبيين، مع أنني عارضت السلطة ولا أزال منذ نحو أربعين عاماً، وتعرضت للسجن لمدة تقارب الثلاثة عشر عاماً، مثلي في ذلك مثل آلاف السوريين… مشكلتها ببساطة مع الشارع.. وإذا لم تقدم شيئاً مقنعاً لهذا الشارع فلا معنى لكل هذه الخطوات الإصلاحية التي تتحدث عنها. لا يمكن أن تذهب المعارضة للحوار بعدما وضعتها السلطة في مربع لا تستطيع أن تتجاوزه.

ـ هل ترى مخرجاً سلمياً آمناً من هذه الأزمة يعفي سوريا الوطن والشعب من مخاطر كبرى قد تتعرض لها في ظل التصعيد الخارجي الذي نشهده الآن؟

سوريا هي عقدة استراتيجية تؤثر على مصالح دولية وإقليمية عديدة. ويجب الاعتراف بأن هناك أجندات تستهدف سوريا.. هذه حقيقة واقعة. ونحن كنا نقول دائماً: إذا كنا نريد أن نمنع هذا الاستهداف فعلينا أن نحصن جبهتنا الداخلية ونقوي مناعتنا، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاستجابة لمطالب الشعب الذي اعترف النظام بمشروعيتها، علماً أن المعارضة والمتظاهرين في الشارع في البداية لم يكونوا يطلبون من النظام أكثر من ذلك.. وكانوا يقبلون به شريكاً في عملية تغيير مدنية ديمقراطية، هو مع الأسف رد على كل ذلك بالعنف.. نحن نبهنا منذ البداية وقلنا إن الدم دائماً يغلب الرصاص. حتى لو سكت الشارع الآن.. كيف سيحكم هذا النظام؟! ومن سيحكم؟!. مع الأسف النظام وضع سوريا في مسار يفضي إلى الجحيم.. هذا مسار جهنم.. لا يمكن أن ينتج إلا الدمار والخراب.

مدينة حماة مثلاً ظلت تتظاهر أربع جمع بمئات الآلاف.. لم تشهد ضربة كفّ، كانوا في اليوم التالي ينظفون الشوارع ويعودون إلى أعمالهم.. المدينة كانت محاصرة، فمن أين ظهر هؤلاء المسلحون الذين تتحدث عنهم السلطة؟ كيف اخترقوا هذا الحصار؟..

ـ وما هو المخرج الآن برأيك؟

رغم كل ما حصل.. لا يزال هناك مخرج برأيي.. يبدأ بإيقاف حمام الدم والسماح للناس بالتظاهر السلمي، كأن تخصص لهم ساحات معينة لكي يفرزوا من داخلهم قيادات تعبر عنهم وتمثلهم. وبعد ذلك برأيي يمكن الجلوس على طاولة الحوار مع السلطة للانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية. لا يوجد حل وسط بين الاستبداد والديمقراطية، ليس هناك نظام نصف استبدادي ونصف ديمقراطي.. إما استبدادي أو ديمقراطي؟.. نحن نعيش ضمن نظام استبدادي منذ نحو نصف قرن.. علينا أن ننتقل إلى نظام ديمقراطي مدني يؤسس لدولة القانون والمؤسسات، وأعتقد أن ذلك مصلحة للجميع إلا المهربين وتجار المخدرات والسلاح والفاسدين.. هؤلاء بالتأكيد لا يحتاجون إلى قانون.. ومكانهم في السجن. أما بالمعنى السياسي فالجميع سيستفيد.. كل السوريين بدون استثناء سوف يستفيدون.

ـ ثمة من يأخذ عليكم كمعارضين، أنكم دائماً ترمون الكرة في ملعب السلطة.. أليس للمعارضة والمتظاهرين مسؤوليات وطنية أيضاً يجب أن يتحملوها من أجل تجنيب سوريا ما هو أسوأ؟

في الدستور السوري هناك نص صريح يعطي الحق للسوريين بالتظاهر… هذا الحق مصان. هؤلاء لديهم مطالب عمرها عشرات السنين.. السلطة التي لم تستجب لهذه المطالب وردت عليها بالرصاص هي وحدها من يتحمل المسؤولية بالتأكيد، الكرة في ملعبها والحل بيدها، وهذا الشارع الذي انتفض ودفع آلاف الشهداء لن يتراجع.

ـ لكن ألم يصبح هذا الشارع الآن قوة لها وزنها وتأثيرها ويحظى بدعم سياسي وإعلامي خارجي، وبالتالي يجب أن يكون مسؤولاً أيضاً أمام الوطن والشعب؟

طبعاً الشارع بات قوة لها وزنها وتأثيرها.. ويحظى بدعم خارجي، ولكن هذا الشارع صاحب حق، لا يمكنك أن تساوي بين طرفين. هناك فرق بين طرف يناضل من أجل نيل حقوقه وبين آخر يقمع وهو على باطل، وبالتالي لا يمكن أن تكون مسؤولية الطرفين واحدة. وأنا برأيي لو أن السلطة استجابت منذ البداية لما حصل ما حصل.

ـ دعنا نتجاوز مفهوم الحق والباطل.. ونتحدث بالواقع السياسي الراهن.. الآن السلطة لم تستجب.. ما هو دوركم كمثقفين وسياسيين في المعارضة.. هل نكتفي بتحميل النظام المسؤولية ونترك البلد يذهب إلى الهاوية؟

أنا لا أفهم حقاً.. دائماً يقولون البلد.. البلد.. البلد… ماذا يعني البلد؟! هو بالنسبة لي يعني شيئاً وبالنسبة لك يعني شيئاً.. وبالنسبة للمرتشي يعني شيئاً.. وللمهرب شيئاً.. الخ. ليس هناك مفهوم واحد للبلد، لندقق هذا المفهوم جيداً.

ـ فلنحدده بوحدة سوريا أرضاً وشعباً وأمنها استقرارها.. أليس ثمة إجماع بين السوريين على ذلك؟

سوريا الكيان السياسي الأرض والشعب، نحن حريصون على وحدته وأمنه واستقراره، ولكن ليس بالطريقة السابقة، لأن هذا لم يعد ممكناً وغير مقبول أيضاً من السوريين. الذي يقرر في كل دول العالم هو الشعب، وهو مصدر السلطات حتى في دستورنا.. وبالتالي على الحاكم أن يستجيب لرغبات الشعب. لماذا لم يتصرف مسؤولونا مثل محمد السادس في المغرب أو بوتفليقة في الجزائر؟!.. عندنا كانوا يصمون الآذان.. لا يستمعون لرغبات الشعب.. أنا حزين لأنه ليس لدينا رجال دولة بالمعنى الدقيق للكلمة.. هؤلاء الرجال الذين يتحسسون احتياجات شعبهم وبلدهم ويلاقونها فوراً.. لا ينتظرون أن يضغط الشعب عليهم ويطالبهم.. هذا سيقودنا جميعاً إلى الكارثة الآن.

السلطة تستطيع أن تحافظ على سوريا ككيان من خلال قانون انتخابات عصري يعتبر سوريا دائرة انتخابية واحدة. الآن الحل بيد السلطة وكلما تأخرت أكثر وأوغلت في خيارها الأمني كلما تعقد هذا الحل. المزيد من العنف والدماء سيؤجج كل النزعات المجتمعية ولا أستبعد أن يلجأ البعض إلى حمل السلاح.

أنا أحذر من التمادي في الخيار الأمني. دعوا الشارع يعبر عن نفسه بشكل سلمي ودعوا الموالين يعبرون أيضاً. اتركوا للمعارضين ساحتهم وشارعهم وللموالين ساحتهم وشارعهم.. ذلك لكي تفرز الانتفاضة قياداتها السياسية التي يمكن التحاور معها لأن المعارضة السياسية التقليدية على أهميتها لا تستطيع أن تتحدث باسم الشارع.. وأعتقد أن ما لها من بقايا سمعة حسنة أتت من دفاعها عن حقوق ومطالب الشارع.

ـ هناك تصعيد خارجي ضد النظام السوري تمثل ببيان مجلس الأمن الأخير وغيره من المواقف الدولية والإقليمية والعربية التي تم التعبير عنها.. ألا تعتقد أن تدويل الأزمة يعقدها ويزيدها خطورة وربما يؤدي إلى تدخل عسكري خارجي في سوريا؟

هي معقدة منذ لجوء السلطة إلى الخيار الأمني العسكري.. كنت منذ البداية ولا أزال ضد أي تدخل خارجي، وهذا موقف مبدئي تشاركني فيه الأغلبية الساحقة من المعارضين.. نحن كمعارضة ضد أي تدخل عسكري، ولا أعتقد أن هذا وارد.. لكن إذا حصل ستجد السوريين يحملون السلاح لمقاومة الاحتلال.. نعم سنحمل السلاح ضد أي تدخل عسكري خارجي.. لكننا لا نستطيع أن نفرض هذا الموقف على الآخرين في الخارج.. لأن الدول لها سياسات ومصالح قد تتأثر بما يجري في سوريا.. تركيا مثلاً قد تدفع ثمناً في حال حصول فوضى في سوريا.. وأنا أعتقد أن التدخل الخارجي بشكل عام لا يأتي من زاوية إنسانية صرفة بل من زاوية المصالح، نحن لا نعيش في فراغ.. بل في عالم مترابط ومتشابك المصالح. حجم التبادل التجاري بين سوريا والاتحاد الأوروبي مثلاً يشكل 54 بالمئة من تجارة سوريا مع الخارج.. مع إيطاليا وحدها 27 بالمئة.. إذاً ثمة مصالح مشتركة لا يمكن تجاهلها.. وبرأيي هم حريصون على أن تكون سوريا مستقرة ولكن أيضاً أن تكون ديمقراطية.

ـ ثمة من يقول إن الديمقراطية في سوريا ستفضي بها إلى دولة محاصصة على النمط العراقي أو اللبناني في ظل التنوع الطائفي والإثني القائم.. ماذا تقول في ذلك؟

من حيث المبدأ هذا لن يحصل في سوريا، ولكن استمرار الخيار الأمني سيقود البلد إلى التفكك، وبالتالي كل شيء ممكن.. هناك بعض الأصوات التي تدعو الآن إلى عسكرة الانتفاضة وهي تقود إلى ذلك أيضاً.. إذا حصل هذا فنحن ذاهبون إلى قلب الجحيم. لذلك المطلوب الآن هو الحكمة.. السلطة يجب أن تشرك المعارضة السياسية وممثلي الانتفاضة في الحل.. وهما حريصتان على سوريا ولا تريدان تفكك البلاد.

بالنسبة لي قيام دولة محاصصة طائفية وإثنية في سوريا احتمال ضعيف جداً.. وأعتقد أن الاحتلال الأمريكي في العراق هو الذي فرض هذا النموذج من المحاصصة على العراقيين علماً أن المجتمع العراقي كان تاريخياً ضد الطائفية، لكن مستقبل العراق لن يكون بهذا الشكل القائم حالياً. أما لبنان فقد وجد ليكون طائفياً، في لبنان تجد حرية أكثر وديمقراطية أقل.. وأعتقد أن هذا النموذج لا يبني وطناً، بل سلسلة مستمرة من الصراعات السياسية بثوب طائفي.

ـ وماذا عن مخاوف البعض من تقسيم سوريا؟

أنا لا أعتقد أن سوريا ستقسم، وليس هناك ما يبرر هذه المخاوف.. أجدادنا في زمن الاحتلال الفرنسي رفضوا إقامة دولة علوية منفصلة عن سوريا، وقاوموا الاحتلال. هذا لن يحصل في سوريا، وهي لن تكون إلا دولة واحدة، وليس هناك أقلية تريد أن تشكل دويلة لها لأنها تدرك أن هذه الدويلة ستكون ميتة قبل أن تولد.. هذا غير ممكن في سوريا.

ـ ثمة العديد من الباحثين والمفكرين يرجحون تسلم الإخوان المسلمين للسلطة في سوريا في حال سقوط النظام.. هل توافقهم في ذلك؟

لا أعتقد أن ذلك سيحدث.. والإخوان أنفسهم يقولون إنهم لا يستطيعون أن يحكموا سوريا.. قالها البيانوني وغيره من قيادييّ الإخوان.. وبرأيي في أحسن أحوالهم وفي ظل صندوق انتخاب حر وشفاف لن يحصلوا على أكثر من 20 بالمئة من الأصوات الآن.

الإخوان المسلمون ليسوا خيار سوريا، لا الأقليات الدينية التي تقدر بنحو 35 بالمئة ستقبل بحكمهم ولا البرجوازية السورية في دمشق وحلب.. وكذلك الأكراد والأقليات الإثنية الأخرى.. في ظل نظام ديمقراطي مدني ستنشأ أحزاب وتيارات سياسية مختلفة. لا أعتقد أن ثمة ما يبرر الخوف من الإخوان، لو كانوا ثقلاً حقيقياً لحركوا حلب مثلاً والتي كانت أحد معاقلهم الأساسية في مطلع الثمانينيات.. هل استمعت إلى الشعارات التي يرددها المتظاهرون؟.. يقولون بوضوح: (لا إخوان ولا سلفية.. بدنا دولة مدنية).

ـ أسستم مؤخراً حركة معاً من أجل سوريا.. هل لك أن تعطينا فكرة موجزة عن هذه الحركة؟

تأسست حركة معاً من أجل سوريا في 27 مايو الماضي، وجاءت لتجيب عن أسئلة تحتاجها سوريا في هذه المرحلة، على طريق الانتقال إلى نظام مدني ديمقراطي، وهذه الحركة تقدم صورة جديدة غير مألوفة في العمل السياسي غير التقليدي في سوريا، سواء بهيكلها التنظيمي أو بمرونتها أو بتفاعلها مع بعضها أو بأعضائها الشباب وكذلك برؤيتها لما يحدث في البلاد..

حركة معاً تضم جيلا شابا ومتنوعا وديناميكيا وحيويا.. ولها ثلاثة فرعيات في دمشق واللاذقية وطرطوس، وقريباً سيكون لها فرعيات في حماة وحلب أيضاً، ولدينا أيضاً منتسبون كثر في الخارج. لعلّ ما يميز حركة معاً هو وجود تنوع واختلاف في الأفكار والآراء بين أعضائها، ولكنهم جميعاً يتفقون ويعملون من أجل تحقيق هدف واحد هو سوريا ديمقراطية مدنية.

الراية القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى