صفحات الحوار

حوار مع ميشيل كيلو

 

اجرى الحوار غسان المفلح

الاستاذ ميشيل كيلو غني عن التعريف. صباح الخير استاذ ميشيل..فرصة بالنسبة لي وللكثيرين ان يكون هذا الحوار غنيا، بحيث نستوضح الكثير من الامور من مصدرها، لهذا من الطبيعي أن اكون محاميا للشيطان. واتمنى ان يكون حوارا تفاعليا يوضح بعض الجوانب في رأي شخصية معارضة بارزة لعبت دورا مؤثرا ولاتزال في صفوف المعارضة السورية.

سيكون الحوار من اربعة محاور:

المحور الاول منذ بدء الثورة وحتى خروج الاستاذ ميشيل من سورية.

المحور الثاني منذ خروج الاستاذ ميشيل من سورية وحتى انضمامه للائتلاف.

المحور الثالث يتعلق بتجربة الاستاذ ميشيل بالائتلاف.

المحور الرابع اسئلة أخيرة على اجوبة الاستاذ ميشيل.

الجزء الأول

السؤال الأول: البدء مع ميشيل كيلو سيكون من لحظة بدء الثورة18 آذار2011، ماذا عنت لكم تلك اللحظة؟

الجواب الاول : عنت الثورة لي تحقق كل ما حلمت به في حياتي وناضلت من أجله . ومع أن هناك ثوريين اتوا إلى المعارضة متأخرين جدا ، وصاروا “قواد “ثورة في هذا الزمن المليء بالالتباسات ، يزعمون أن موقفي من الثورة لم يكن واضحا في بداياتها ، فإنني لم اكن حكواتيا بعد خروجي من السجن منتصف شهر أيار عام 2009 ، بل عبرت يوما بيوم عن مواقفي التي اردت لها ان تكون علنية ، ونشرتها في مقالاتي الاسبوعية بجريدة السفير اللبنانية، جعلت موضوعها الوحيد سورية وما يحدث فيها . من يريد أن يعرف بماذا كنت أفكر سيجد كلاما لا لبس في وضوحه يصف اسبوعا بعد آخر الحدث الكبير ويقدم ما كنت اعتقد أنه إطاره العام ومآله المحتمل، وكذلك سبل مساعدة الشعب على احراز الانتصار وبلوغ الحرية ، وإن كنت بطبيعة الحال لم ار الواقع من خلال اللونين الابيض والاسود ، ولم أؤمن لحظة بأن ما يفعله الثوار يجب أن يعتبر صحيحا ومنزها ، وان الثورة ستنتصر لأنها على حق ، وقلت دوما وبلا تردد: إن على من يريد الانتصار ان لا يقترف اخطاء تحول دونه او تعوقه ، وأن الحق وحده لايكفي لانتصار قضيته ، ولا من عمل صحيح يترجم نفسه من خلاله ، وانتقدت بكل صراحة الشعبوية ، وبينت ان طريق السوريين ستكون مليئة بالعقبات والمشكلات التي قد لا يكونون قادرين على حلها دون خطة سياسية وموازين قونى واضحة ، ولفت الانظار إل أن القضية لن تبقى محصورة في العلاقة بين الشعب والنظام ، وستدخل عليها قوى أكبر بكثير منهما كليهما ، وأن وجود سورية الدولة والمجتمع قد يصير مهددا في سياق الصراعات التي ستنشب حولها وفيها .. الخ .

السؤال الثاني: يؤخذ على الاستاذ ميشيل تلك اللحظة، انه بينما كان النظام يقتل في درعا وغيرها اثناء التظاهر السلمي كان الاستاذ ميشيل يدعو للحوار مع النظام ما رأيكم؟

الجواب الثاني : كنت قلقا بصورة خاصة من حجم الكتلة المحايدة ، التي ضمت بصورة خاصة من صار يعرف فيما بعد بابناء الأقليات إلى جانب عدد لا يستهان به من المسلمين ، آمنت أن كسبهم سيكون علامة فارقة في الثورة ، وسيفضي قطعا إلى تعظيم حجم من ينزلون إلى الشارع وتسريع انتصار الحرية، وسحب ورقة فائقة الاهمية سياسيا ورمزيا من يد النظام ، سيلعبها بإصرار وقوة ضد الثورة والاغلبية القائمة بها ، هي ورقة الطائفية والعنف ، التي سيتمكن من شق صفوف الشعب بواسطتها ، وستساعده على تحويل ثورة الحرية إلى اقتتال طائفي / مذهبي قلت منذ ايام الثورة الاولى أنه لن يراهن إلا عليه ، وسيلعب ورقته بكل ما تضمره من خطورة ، لذلك يجب إن نوليها أعظم اهتمام، ونعمل لسحبها من يده كي لا تدمرنا . كان التكتيك الذي اقترحته آنذاك يقوم على إقناع هذا القطاع المحايد أو المتخوف من الشعب بأن النظام يرفض أي حل سياسي ، وطني وسلمي، مع أننا نريد نحن بلوغه بالحوار. كما يرفض المصالحة الوطنية التي توقف العنف وتخدم جميع الاطراف ، وقد كررت مرارا في كتاباتي الاسبوعية أن وعي المحايدين لهذه الواقعة سيبعد الأقليات عن النظام وسيدفعها إلى تحميله المسؤولية عن كل ما يجري في بلادنا، وسيكذب أطروحته حول العصابات المسلحة التي تدير الثورة وتتخفى وراءها. بالمقابل ، كنت ارى أن أي حل لا يجوز أن يعطل العمل لتحقيق اهداف ثلاثة متلازمة هي : اولا : إنزال اكبر عدد ممكن من البشر إلى الشارع ، وزيادة اعداد المتظاهرين اسبوعا بعد أسبوع ، للضغط بهم على النظام وعزله خلال البحث عن حل سياسي يلبي مطالب الشعب . ثانيا : اجتذاب المحايدين إلى الثورة وجعل نشاطهم فيها ، وضد السلطة وسياساتها العنيفة ، مؤثرا وواضحا . ثالثا : شق صفوف النظام وتفكيك وحدته وسحب اوراقه الفاسدة من يديه . وقد اعتبرت التخلي عن هذه الأهداف خيانة للثورة وللوطن ، وقلت كتابة إن أي حل لن يتحقق بدونها ، او إذا تنازلنا عنها . هكذا كان موقفي قائما على ركيزتين : التساهل الظاهري سياسيا والتشدد العملي ميدانيا .

السؤال الثالث: لحظة مغادرتكم لسورية ماذا عنت لك فهي ليست كغيرها من المغادرات؟

الجواب الثالث : لقد احسست وانا اغادر سورية أن روحي تخرج من بين جنبي ، وشعرت وما زلت اشعر أن تلك اللحظة كانت أفظع لحظات الحياة قسوة . ومع انني كنت عازما على العودة في أقرب وقت ، فإن ظروفي الشخصية والأسرية لم تسمح لي بالعودة ، وها هي الغربة تسحق روحي يوميا ، مع أنني ملتزم بمتابعة ما يجري في وطني وكأنني ما زلت فيه ، حتى أنني اعيش بدلالته وليس بأي أو لأي شيء آخر سواه . ومن يعرفنني يعلم أنه لا شاغل لي على الإطلاق غير الهم السوري : هم الناس والوطن ، وأنني لا أعيش في الخارج إلا بجسمي .

السؤال الرابع: محطة هيئة التنسيق قبل خروجكم من سورية وبعدها، كانت محطة تسببت بقيام تشويش كبير في صفوف المعارضة، من خلال اصراركم على الحوار مع النظام من جهة والشعب السوري يقتل، وما الذي جعلكم تغادرون صفوف الهيئة؟

الجواب الرابع : لم اكن يوما عضوا في هيئة التنسيق . لقد تأسست الهيئة بدعوة من ستة مثقفين كنت أحدهم، وكان القصد منها تصحيح غلطة تشكيل اعلان دمشق ، التي شقت المعارضة إلى فريقين لا سبيل إلى التصالح بينهما ، عوض ان توحدهما ، كما كان مرجوا ومطلوبا .كنا نريد إذن توحيد المعارضة ، أي أحزاب “التجمع الوطني الديمقراطي” و”اعلان دمشق”، باعتبارهما الفصيلين الجامعين لمختلف تكويناتها . بعد أشهر طويلة من الجهود ومحاولات تقريب وجهات النظر وجمع المتخاصمين ، فشل مشروع الجمع ، وحل محله لقاء جمع حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي مع اشتات ومزق يسارية ويسراوية كانت قد لعبت دورا لا يستهان به في المزايدة على المعارضة وإرباكها وشق صفوفها خلال الفترة بين اوائل السبعينات ومنتصف الثمانيات . ذلك كان آخر ما كنت اتمناه وأعمل له ، فاعلنت انسحابي من الاجتماع السابق لاعلان قيام هيئة التنسيق ، وإن كان الاخوة في الهيئة وضعوا اسمي دون علمي او موافقتي في مكتبها التنفيذي لاعتقادهم أنني قد اغير موقفي ، وحين أيقنوا أنني لن أفعل ، شطبوه وانتهى الامر . الغريب أنني كتبت يومها مقالة قلت فيها إن الهيئة ليست طموحي، وإن الشكل الذي قامت به لن يمكنها من لعب الدور الذي كنت أرجوه ، وإنها ستغرق في مشكلات بينها التنازع بين الناصريين وبقايا حزب العمل الشيوعي على القيادة والخط السياسي ، وهو ما حصل بالفعل فيما بعد . رغم هذه المقالة ، التي اثارت يومها حوارا واسعا ، واعلنت فيها انني لست ولن أكون عضوا في الهيئة ، ما زال بعض الاخوة يسألونني عن عضويتي فيها .

الجزء الثاني

السؤال الأول: تجربتكم في المنبر الديمقراطي يلحظ المرء تطور في موقفكم بقضية الحوار مع النظام، واصبحت القضية تتمحور حول اسقاطه. هل لأنه رفض دعوات هيئة التنسيق؟ أم هنالك اسباب أخرى؟

الجواب الاول :

شرحت لك قبل قليل فهمي للحوار ، وقلت إن هدفه الحقيقي لم يكن الوصول إلى تسوية مع النظام ، بل تجريده من أوراقه ورفع غطاء الكتل الكبيرة المحايدة عنه ، وجلبها إلى الثورة ، إلى الشارع . أما نتائج الحوار فلا بد أن تكون تلبية مطالب الشعب ، دون أن يكون عندي أية اوهام حول احتمالات نجاحه ، التي قدرتها دوما بواحد بالمائة ، يمكن أن تزداد بقدر ما يجد النظام نفسه عاجزا عن الفعل ومعزولا عن الشارع، وإذن فإن الهدف المباشر للحوار ليس الحل ، لأنني اعرف النظام وهويته وطبيعته ، بل جعله عاجزا ومعزولا ، بينما تنفض عنه الكتل المحايدة ، ويتعاظم عدد المتظاهرين في الشارع ، ويتبدل ميزان القوى الداخلي. وللعلم ، فقد زارني قبل الثورة أصدقاء من حلب ، وطلبوا مني المشاركة في تشكيل هيئة لقيادة الثورة القادمة ، فقلت لهم : اولا : لا تتخيلوا أن ثورتنا ستكون تكرارا لما وقع في تونس ومصر . عندنا ، سيكون الدم للركب وقد يصل حتى الاعناق . وثانيا : يجب أن نحافظ على سلمية الثورة ، ونعد في الوقت نفسه لمرحلة فيها ستكون بالغة العنف سنستخدم خلالها القوة ضد السلطة واجهزتها . أما اسقاط النظام ، فقد اعتبرته دوما شعارا خادعا ، ومطلبا لن يتحقق ما لم يتم التصدي بنجاح للمهام التي تكفل الوصول إليه كالمسألة الطائفية وبالتالي الوطنية ، ومسألة العنف ، والحفاظ على وحدة المجتمعين المدني والأهلي التي يعمل النظام على تفكيكها لاعتقاده أن إبادة الاول والضغط بالعنف على الثاني سيمكنه من تحويلها إلى ما يريده ويخطط له : اقتتال طائفي الطابع وليس نضالا في سبيل الحرية لجميع السوريين ، لن يتسم بالتالي بالسلمية بل بالعنف المتصاعد بلا انقطاع ، وتوحيد المعارضة السياسية والحزبية وربطها بالشارع ، وليس ربط الشارع بمواقف المعارضة المتناقضة والغامضة والخالية من أية قوة دفع ،ووضع خطة سياسية حقيقية وضاربة ، تتفق مع هوية الثورة كحراك مجتمعي وشعبي شامل في سبيل الحرية . إذا لم نحل هذه المهام واحدة بعد أخرى بنجاح ، لن يسقط النظام لأن سقوطه سيكون المرحلة الأخيرة منها ، ويرجح ان تسقط الثورة . هذا ما كتبته في جريدة السفير ، وأقام علي الدنيا ولم يقعدها ، لكنني لم أغير رأيي وتمسكت بما قلته ، رغم ما انهال علي من شتائم وتخوين وتشكيك يجد المرء بعض بقاياه في اسئلتك !. بقية السؤال لا لزوم للرد عليها ، لأنني شرحت لك أنني لم أكن يوما عضوا في هيئة التنسيق أو ملتزما بما كانت تطرحه ، وإذا كنت قد حضرت لقاء حلبون ، فلأنني لم أعلن الحرب أنذاك على أحد ، ولأن الحاضرين كانوا بالمئات وكان بينهم مستقلون كثيرون .

السؤال الثاني: في تلك الاثناء بدأت تتعالى اصوات داخل المعارضة، بما فيهم حلفاء كيلو السابقين، تتحدث عن تقلبات ميشيل كيلو السياسي ما رأيك؟ هل ميشيل كيلو رجل متقلب سياسيا؟

الجواب الثاني : أنا اتحدى أن يكون أي سوري ، اكرر أي سوري، على الاطلاق ، قد عارض النظام بثبات وتصميم مثلي أو أكثر مني ، خلال نصف القرن الماضي . أنا عدت من الدراسة في المانيا في الايام الاخيرة من عام 1966 ، وصدر قرار رسمي بمنعي من الكتابة والنشر في سورية منتصف عام 1967 ، بعد اشهر قليلة من عودتي الى الوطن ، لكنني لم اتوقف ثانية واحدة عن معارضة النظام والعمل ضده وعن دعم أي جهد يضر به وأي حزب يقاومه. وهناك آلاف الامثلة التي تؤكد ما اقوله ، وباستطاعتك أن تسأل من تريد من الذين عاصروا نصف القرن هذا كمعارضين أو كموالين . أما زعبرة “التقلب السياسي” فهي اغنية سخيفة يتمسك بها بعض الاغبياء الذين لا يعرفون شيئا عن الطغيان ومقاومته ، ولا يريدون أن يقروا أنني كنت أحد الرؤوس المفكرة التي شاركت في وضع كل ما تراه أعينهم من سياسات ومواقف تبنتها المعارضة، علما بأنني كنت غالبا سباقا إليها ، دون أي تواضع ، ولعلمك وعلمهم كنت خلال عقود كاتبا ثابتا في جريدة نضال الشعب السرية ، وذلك خلال أحلك فترات الملاحقة والسرية والتعذيب، ولعبت دورا وازنا في بلورة وصياغة خط التغيير الديمقراطي الذي تبناه الحزب الشيوعي ثم بقية المعارضة منذ عام 1976، وانا من كتب بخط يده اعلان دمشق، ومعظم وثائق المجتمع المدني، وشارك في كتابة اعلان بيروت /دمشق ، دمشق بيروت ، وقال في مئات المقالات :إن رهان المناضل الوحيد يجب أن يكون حريته، لأن حريته هي التي تجعل شؤونه الشخصية شأنا عاما، والشان العام شأنه الشخصي ، وأنه بمجرد أن ينضج وعي الحرية ويتداخل فيه العام بالخاص ويتحول إلى وعي مجتمعي ، يكون الاستبداد قد قام بدوره في الإعداد للثورة وحفر قبره ، عندئذ تنفجر وإن لم يكن على رأسها طليعة أو حزب ،ولا يكون لها من برنامج غير الحرية ، التي ينزل الناس إلى الشارع لانتزاعها . اليس هذا ما حدث في الربيع العربي؟. إن ما يقال عن تقلبي هو محض هراء ، وما يقال عن أنني “احرد” مسخرة مضحكة ، فالذي يحرد ينزوي وينعزل ، وأنا اكثر من يعرفه الخلق خوضا للمعارك وتصديا للانحرافات ، ولو أخذت مثلا موقفي من الاستاذ احمد الجربا ، الذي يعتبره بعض هؤلاء دليلا على تقلبي السياسي ، لوجدت أنني ايدت رئاسته بناء على برنامج ديمقراطي التزم بتحقيقه ، وعارضته بعد شهر ونيف من رئاسته باسم هذا البرنامج وليس لاي سبب آخر ، عندما وجدت أنه يطبق برنامجه الشخصي / الفردي ، الذي يتعارض مع الديمقراطية ويقود إلى الانفراد والاستبداد . هل كان يجب علي قبول ما يفعله كي لا يقول بعض الجهلة عني : إنني متقلب؟ .

السؤال الثالث: قبل مرحلة الائتلاف كان ميشيل كيلو لا هم له سوى مهاجمة المجلس الوطني وتخوينه، حتى تشكل الائتلاف وانتقل هجوم ميشيل للائتلاف قبل أن ينضم إليه، سؤالي من خونتهم من قوى المجلس اصبحوا حلفاءك بالائتلاف بعد انضمامك وكتلتك إليه، هل لك أن تفسر لنا ذلك؟

الجواب الثالث : لم يكن همي الوحيد انتقاد المجلس الوطني ، بل كان هما بين هموم كثيرة . ولم اخون أحدا وإنما خطأت قادته وأخذت على معظمهم خيارا جعلهم يغلبون الخارجي على الداخلي ، لاعتقادهم أن ما وقع في ليبيا سيتكرر في سورية ، وان مهمتهم هي إعداد الاجواء الداخلية والعربية والدولية للتدخل الخارجي ، وهي مهمة جعلتهم يرون الداخل كعامل مساعد وحسب للخارج ، وليس باعتباره حامل الثورة الرئيس والحاسم ، الذي يجب أن تكون له الأولوية في جميع حساباتنا ومواقفنا العملية ، وعلينا رؤية الخارج ودوره بدلالته ووضعه في خدمته ، عوض أن نفعل العكس . كنت على خلاف مع هؤلاء ، لأنني أيقنت وكتبت في السفير ولمرات متعددة : إن سورية ليست ليبيا، وإن الصراع فيها وعليها سيكون طويلا لأن تدميرها وشطبها كدولة وكمجتمع من معادلات القوة مطلوب أميركيا وإسرائيليا ، ولان مشكلتها لن تلبث أن تتخطى علاقات النظام مع الشعب والشعب مع النظام ، وإن ثورتها لن تنجح بسرعة وسهولة ، لأن الخيار الاسلامي مرفوض فيها خليجيا وإسرائيليا مثله في ذلك مثل الخيار الديمقراطي ، مما يجعل مرحلة طويلة من الاقتتال والفوضى في انتظارها ، حتى بعد سقوط النظام . هذا كلام كتبته في اواخر عام 2011 ، واختلفت بعد ذلك مع كثير من الناس حول الاولويات والبرامج والخطط والعلاقات الخاصة بالثورة . وقد استمر خط تغليب الخارج على الداخل بعد تأسيس الائتلاف ، الذي رفضت الدخول إليه طيلة قرابة عام ، لاعتقادي أن خياراته ستكون خارجية أكثر من خيارات المجلس الوطني ، الذي اويح لانه كان قد أفلس تماما . وبالفعل ، بعد تأسيس الائتلاف بأقل من شهر دعا بلدان خليجيان إلى إعادة هيكلة الجيش الحر دون أن يدعوا الائتلاف لحضور اللقاء ، مع أنه مرجعية الجيش الحر السياسية . يومها كتبت مقالة قلت فيها : أن عدم دعوة الائتلاف تعني سحب الاعتراف به كممثل للسوريين ولثورتهم ، وإعادة هيكلة الجيش الحر تعني وضع يد الدولتين الخليجيتين عليه ، هكذا تكون السوريون قد خرجوا من المولد بلا حمص، وتصير مهمتهم الوحيدة استعادة قرارهم الوطني المستقل، انطلاقا من حامل داخلي لا شك في قدراته ، يجب أن يكون بناؤه من الآن فصاعدا اولويتنا المطلقة . وقد دخلت الائتلاف من أجل هذا الهدف : استعادة القرار الوطني السوري المستقل ، وقدمت برنانجا تم اعتماده في اللجنة السياسية كوثيقة رسمية وملزمة له جوهرها استعادة هذا القرار وفق مفردات ثلاث : مأسسة الائتلاف بحيث يرتبط بالثورة ولا يرتبط بأي شخص أو فريق بما في ذلك الفريق الديمقراطي ، وبناء جيش حر وطني موحد ، وتشكيل حكومة تكون مرجعية فاعلة للسوريين في كل ما يتعلق بحياتهم اليومية داخل وخارج سورية . وقد قاتلت طيلة عام ونيف في سبيل تحقيق هذا البرنامج، دون أن احقق ما كنت اريده من نجاح ، أو أفقد بوصلتي الوطنية، وتصميمي على استعادة قرارنا الوطني بصفتنا جهة مستقلة عن غيرنا : داعمين كانوا أم غير داعمين . واليوم ، انا مؤمن أشد الإيمان بما قلته مرات عديدة في كلماتي أمام الائتلاف، وهو أنه لا يرقى إلى سوية مؤسسة عمل وطني ، ولا بد من انقلاب جذري يطاول دوره وقيادته وتمثيله كي يتحول إلى مؤسسة كهذه . بكلمات أخرى : إن الائتلاف في وضعه الراهن صار واحدة من أكبر مشكلات الثورة ، وهو أحد أكبر الاعباء التي تثقل كاهلها ، وتعوق انتصارها . لقد دخلته وانا معارض لنهجه ، وانا فيه اليوم كمعارض لنهج رئاسته ، الذي الحق اضرارا كبيرة بالقليل الذي كان سليما في العمل الوطني ، وما زال مصمما على الانفراد به وإقصاء جميع تنظيمات السياسة والحزبية من هيئاته التمثيلية ، لإبقائه في يد شخصين غير سياسيين ولم يكونا يوما من المعارضة، لعب صراعهما دورا خطيرا في إنهاكه وضياع دوره وفاعليته ، وسيلعب اتفاقهما على أسس غير برنامجية وغير معلنة وقائمة على المحاصصات الدور نفسه بالنسبة إلى المسألة الوطنية السورية ، التي اعتقد أنها تواجه اليوم مخاطر قد تطيح بها !.

المحور الثالث حول تجربة الاستاذ ميشيل بالائتلاف، مع خاتمة الحوار أسئلة تفاعلية على أجوبة الاستاذ ميشيل في حلقة قادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى