صفحات سورية

حول الحوار الوطني في دمشق

 


د. عبد الرحمن حنون

كثر الحديث عن مشروع الحوار الوطني الذي أعلنت عنه السلطة السورية مع شخصيات سورية مستقلة في سوريا الشام. وانقسم الناس بين مؤيد ومعارض و منتظر ما سيسفر عنه هذا الحوار من نتائج.

وبعيدا عن لغة التخوين والإقصاء التي لا تأتي بخير ولا ترد شراً وليس لها عمل اللهم إلا شيطنة الآخر، سأحاول على عجالة بيان بعض من وجهات النظر المحترمة لمؤيدي هذا الحوار ومن ثم سأبين وجهة نظر الداعين لمقاطعته.

فالمؤيدون للحوار يرون فيه إنقاذاً للبلد من وضع متردٍ وصل إلى حافة الهاوية، في بلد لم يسمع على مدى أكثر من خمسين عاماً إلا صوتا أحادي النغمة. فهو بادرة جديرة بالتشجيع ومخرج مناسب لكلا الطرفين الحكومة المتأزمة والشعب المرهق. وبالتالي فهذا الحوار لا يعدو أن يكون إلا استحقاقا لمرحلة مهمة في تاريخ سوريا ونتيجة طبيعية تأخرت قليلاً أو كثيراًعن مطالب الشارع الأصلية. إلا أنه أن تصل متأخراً خير من ألا تصل البتة. وأن الهدف الأساسي للحراك الشعبي هو الديموقراطية سواء أوصلت بتنازلات السلطة أم بدماء الشهداء. وهم على ما يبدو قد فسروا رغبة الحكومة بالحوار على أنها تنازل كبيرلا يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه دون الاستفادة منه ولو بالقليل. وفي ضوء هذا التفسير الذي لا يشكك في النوايا أحاول أن أطرح وجهة النظر التي أًدين بها والتي تُدين هذا الحوار برمته ومن أساسه.

فنحن نرى أن على السادة المؤيدين أو المشاركين بالحوارأن يأخذوا النقاط التالية بعين الإعتبار والتي ربما لو سردت بالشكل الهادئ لغيرت قناعاتهم.

دعونا نقف أولاً عند الإصطلاحات كما يحلولأهم شخصية في هرم السلطة أن يبتدئ خطاباته وكم أنفق من أوقاتنا وهو يشرح المشروح. فمصطلح الحوار يختلف أساسا عن مصطلح التفاوض ولايجوز الخلط بينهما. فالحوار على الغالب يسعى لتفهم وتباحث مسألة ما دون الإلزام بالنتائج، ويكون الحوار بين الأكفاء أو غير الأكفاء. فالله تعالى وله المثل الأعلى حاور الكافرين في القرآن. أما التفاوض فيكون على الغالب بين الأكفاء و يتجاوز توضيح الأفكارإلى السعي لحل المشكلة وتكون نتائجه ملزمة للأطراف وإلا لما جلسوا على طاولة التفاوض. وأنا أجزم أن النظام الذي يعنى رئيسه بالمصطلحات وشرحها لا يختار اسم هذا الحدث اعتباطاً. وهنا أذكِّر بالحوارات التي بدأت في نهاية القرن المنصرم وقبل رحيل الأسد الأب بعنوان “دعوة للحوار” والتي لم تسفر عن شيء أكثر من أوراق لا تغني ولا تسمن من جوع.

وثانياً أن قطاعاً واسعاً من الشعب السوري لا يكنُّ للسلطة السورية أية مصداقية ولا يعتقد أن الحكومة السورية جادة بالإصلاح أو تمتلك أي نية للتغيير. فبنية النظام السوري العائلية تتعارض مع إحداث أي تغيير حقيقي لأن ذلك يقتضي الحد من صلاحيات أفراد معينين في العائلة الحاكمة والتي تتشابك فيها المصالح لدرجة معقدة، وفك عرى ارتباطات تعلو بالأساس على بنية الدولة. فالشعب غير معني بلعبة تغيير الطرابيش على طريقة الراحل الماغوط. بل يريد كما عبر مراراً دولةً فوق العائلة والطائفة و الحزب.

أما الثالثة، أن أول شرط للتحاور ناهيك عن التفاوض هو أن تقف فرَّامة اللحم السوري عن الدوران. فكيف يتحاور المتحاورون والقرى والمدن السورية مباحة للشبيحة لاقتراف كل الرذائل والرزايا بأهلها المسالمين. هذا سيؤدي بلا أدني شك إلى تآكل مصداقية هؤلاء المتحاورين في الشارع السوري. وهذا بالتحديد ما يطمح له النظام حتى لا تبقى رؤوس يلتف حولها الشعب. ولهذا أحذر أخواني ألا تزل أقدامهم في هذا الشرك.

وأما رابعها فهو أن المخولين الحقيقيين بالتحاور هم ذوو الشهداء والجرحى والمعتقلين وعامة المتظاهرين وليس نخباً مختارة من قبل الحكومة. وإلا فإن الشعب لن يرى نفسه معنياً بالحوار. وبالتالي فإن الطريقة المثلى لعقد التفاوض وليس الحوار هي بأن يفرز الشعب بآلية انتخاب طبيعية قيادات ميدانية وفكرية أفرزتها الأحداث الأخيرة ليكونوا ممثلين عنه. وهكذا نضمن عملية سلمية لها وزن و لها أثر بعيد يطيِّب النفوس جميعاً.

والخامسة بأن هذا الحوار الذي دعت إليه الحكومة استبعد شريحة فكرية و حركية واسعة وعميقة من المجتمع السوري وإن أهمل ذكرها عن عمد في السنوات السابقة ألا وهي شريحة الأخوان المسلمين. وهل غاب عن أولئك المؤتمرين أنه لن تكون هناك حلول مرضية إن غاب عنها هذا التيار الفكري العريق في المجتمع السوري المتدين بطبيعته. إن دس الرؤوس بالرمال لن يجدي نفعاً ولن يبرئ عليلاً. فإن كانوا صادقين بالرغبة في حل الأزمة فما عليهم إلا أن يجدوا معادلة صحيحة للمجتمع السوري يبنون عليها مقاربتهم للمشكلة.

وأما آخر النقاط فهي أن مجرد القبول بمبدأ التحاور مع هذا النظام بعد كل ما ذكر آنفاً لهو تزكية مجانية لنظام أوغل بالقتل وسيعطي شرعية هو الآن فاقدها. وسيمده بطوق نجاة هو في أمس الحاجة له ولن يستخدمه في الخير أبداً. وخير دليل على ذلك دوران الآلة العسكرية السورية في إدلب والمتحاورون لم يغادروا مقاعدهم.

وفي الختام فأرجو من أولئك الذين لم يحزموا أمرهم بعد أمع الحوار أم ضده أرجو منهم أن يتفكروا بمآلات الأحداث وأن يكسروا حاجز الصمت فالوضع لا يحتمل الصمت. وعلى كل الأحوال فإن ابتعادنا عن لغة التخوين هو في صالح سوريا أولاً وأخيراً، ولكن هذا لا يعني أبدً أن نتحاشى النقد لأي جهة كانت، فنحن في النهاية نطمح لوطن يتسع الجميع وتعم فيه لغة الحوار الراقية.

كاتب سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى