صفحات سوريةغسان المفلح

حول الطائفية والاخوان المسلمين والثورة

 

غسان المفلح

بعد كل مجزرة ترتكبها قوات الاسد وشبيحته من المرتزقة والمدنيين المجيشين طائفيا، ونهبيا بمعنى أن رزق غيرهم حلال عليهم إذا سرقوه وتقاسموه. آخر هذه المجازر كان في ضاحية جديدة الفضل الدمشقية وذهب ضحتها اكثر من 400 شهيد معظمهم من الاطفال والنساء، تتبارى بعض الاصوات لتقول شيئين:

 الاول- ألم نقل لكم ان الحل العسكري الذي اتخذته معارضة الخارج، وعلى راسهم الاخوان المسلمين هو السبب!! مع انهم يعرفون ان الحل العسكري ليس حلا قامت به الثورة والناس بتخطيط وتدبير مسبقين، بل من فرضه هو ما كان يقوم به جيش آل الاسد من قتل واعتقالات وهتك بيوت واعراض، ضد المتظاهرين السلميين وتعذيبهم وقتلهم تحت شعار” بدكن حريي” وتقطيع المدن وتهجير سكانها حتى قبل ان تخرج منها طلقة واحدة، وهذا ما حدث في درعا مهد الثورة قبل ان تخرج منها رصاصة واحدة، وهذا ما حدث في حمص قلب الثورة، ومظاهرة الساعة وما فعل فيها جيش الاسد ومخابراته تشهد على ذلك.. فكما الثورة انطلقت عفوية بناء على معطيات مباشرة وغير مباشرة أيضا خيار العسكرة فرض على الناس تحت شعاري قوات الاسد” بدكن حريي” والاسد او نحرق البلد”.. وبالتالي يحاول هؤلاء السادة الحديث عن حل سياسي!! علما ان الثورة في بداياتها كانت تتحدث عن حلول سياسية حتى في شعاراتها قبل حتى ان تتشكل هيئة التنسيق نفسها.. ماذا كانت النتيجة؟

 الثاني- أن من قام بهذه المجزرة او تلك هم ضباط من الطائفة السنية، او بعض منهم، وليس من الطائفة العلوية، ويريدون الحديث عن أن النظام ليس نظاما طائفيا، يرمون الثورة وقواها بالطائفية مستندين على موقفهم المسبق من رفضهم للثورة أساسا لأنها عرت الجميع، وبالتالي يرون ان عدوهم الاول هو مؤسسة الاخوان المسلمين. مع انهم يعرفون ايضا ان الثورة لم يقم بها الاخوان، والاخوان هم آخر قوة اعلنت وقوفها مع الثورة بشكل واضح اي بعد اقل من شهر من انطلاقها..بناء على حسابات سياسة للجماعة..لكنها ولكونها مؤسسة حزبية في النهاية سرعان ما اصبحت قوة ملحوظة في الثورة، وعنصر اساسي في تكويناتها السياسية.

البنية العسكرية الامنية للنظام هي من تقوم بهذه المجازر وهي بنية عناصر الولاء الاساسية فيها طائفية.. الفاعل التاريخي وصاحب القرار في هذه البنية هو طائفي بامتياز، وماتبقى كله تفاصيل لا قيمة لها، بعد أن دمر هذا الفاعل الطائفي البلد، ولاسباب تتعلق باستمرار آل الاسد في السلطة، وماتعنيه هذه القضية بالنسبة لمن تربوا على هذه المسلمة” إما الاسد او نحرق البلد”. الفاعل التاريخي الطائفي، في تراتبية تصل ذروتها عند آل الاسد، في قنوات تفاعل سياسية ومصلحية وايديولوجية يغلب عليها الطابع الشفاهي في تبادل الرسائل بين الذروة والقاعدة وبالعكس وعلى مدار اكثر من اربعة عقود، وما يحدث هو نتيجة لهذا..ولهذا السبب بالذات أيضا لابد أن يكون هنالك دوائر موالاة من كل الطوائف.. وإلا كيف يكون الفاعل التاريخي طائفي؟ يكون فاعل طائفي عندما يشعر من معه انهم لاقيمة لهم امام الفاعل الطائفي سواء كان ضابطا او مخبرا…الفعل الطائفي يحتاج إلى فاعل ويحتاج إلى من تقع عليه ممارسة هذا الفاعل لفعله… وبالمقابل لايعني هذا القول ان الطائفة كلها طائفية…عندما نقول النظام طائفي وهو كذلك لايعني ان الطائفة من ترتكب المجازر بل النظام الطائفي بغض النظر عن ادواته، سواء كان جل جنودها من الطائفة أو من طوائف اخرى.

 طائفي لأنه يحتاج لبنية عسكرية مضمونة الولاء، مرشية، وعقيدية. والبعث عقيدتها الظاهرية!! يحتاج لعسكر يحمون الحل العسكري الامني الذي تعامل النظام من خلاله مع المجتمع منذ عام 1968 تاريخ التحضير للانقلاب الاسدي على رفاقه. لأن قائد الانقلاب يفكر بشكل طائفي انطلاقا من مصلحته، اعاد تشكيل البنية العسكرية الامنية هذه وفقا لهذا المعطى.

 هذه البنية العسكرية الامنية مركز القرار فيها واحد، وهو آل الاسد ما تبقى كلهم جنود لاقيمة لهم باتخاذ القرار وإن كان لهم قيمة بالذبح والتدمير وحماية آل الاسد. هؤلاء مقتنعين انهم يدافعون عن الطائفة؟ كيف وصلوا لهذه القناعة حتى يرتكبوا هذه المجازر بدم بارد؟

 الاخوان المسلمين كما قلت اصبحوا عنصرا مؤثرا في تكوينات الثورة السياسية، لسببين:

 الاول- لضعف التيارات الاخرى في الفعل المؤسسي. الثاني- لأنهم يعملون كمؤسسة ويتعاطون سياسة، ولا ينظروا للعوامل الشخصانية في تحديد سياساتهم ومواقفهم، كبقية افراد التيارات الاخرى وقلت افراد لأنهم كذلك. ومن الملاحظ ان هؤلاء منذ اليوم الاول للثورة وهم يحاولون القيام بتأسيسات جديدة لكن كلها تفشل، والفشل ليس سببه الاخوان، وهنا اسجل نقطة: الاخوان كثيرا ما قبلوا في تحالفاتهم ان يكون صوت رمز لبيرالي او علماني مساو لصوتهم في مؤسساتهم التحالفية، وهو في النهاية فرد وهم مؤسسة..

 الاخوان المسلمين بحاجة لأن ينتقلوا النقلة الاهم في تاريخهم وهو تحولهم لحزب على المستوى الوطني.

 ليس سلوك الاخوان من يجعل النظام يتصرف طائفيا، وهذه ايضا قضية يعرفها القاصي والداني في سورية.

 للاخوان اخطاءهم التي تحدثت عنها كثيرا في مقالاتي، برنامجهم الذي ايضا اختلفت معه في نقاط كثيرة، لكن للاخوان السوريين تجربة تختلف عن بقية فروع الاخوان في المنطقة العربية، انهم سوريين اولا وقبل ان يكونوا مافوق سوريين، ولهم تجربة تحالفية غير متوفرة لدى الفروع الاخرى من الاخوان..

 الهجمة على الاخوان الآن هدفها تحطيم مؤسسة يمكن ان تكون قاطرة للثورة، واذا تحطمت ستصبح المعارضة السياسية في خبر كان مؤسساتيا.. وخير مثال على ذلك هيئة التنسيق الوطنية، مجموعة ختايرة كحالتي يتعكزون على بعضهم، دون فعل ملموس سوى التهجم على الاطراف الاخرى..حتى انهم لم يستطعوا اخراج تظاهرة صغيرة تطالب مثلا بعبد العزيز الخير في قلب دمشق.

 الآن هنالك محاولة لتشكيل قطب ديمقراطي، غايته مواجهة هيمنة الاخوان على المجلس والائتلاف الوطني كما يقولون..الاخوان لهم الهيمنة هذا صحيح، ولكن كيف يتصرفون بهذه الهيمنة؟ وكيف تصرف ويتصرف الاخرون؟ اسئلة اجبت عليها في مقالات سابقة. من جهتي ابارك للشباب هذه الخطوة، واشكر دعوتهم، لكنني وجدت فيها من الارتجالية والقصدية وبعضا من الشخصانية، ما جلعني لا اوافق على الخطوة.. واتمنى ان تكون معرفتي هذه غير صحيحة ويتكون فعلا قطبا ديمقراطيا علمانيا حقيقيا.

 لنخرج من هذا الامر نحو فضاء اكثر اتساعا، ليأت اخوان سورية إلى السلطة، اكيد أنهم افضل بلا مقارنة من هذا النظام، افضل لسورية، ولن يأتوا إلا وفقا للديمقراطية، وإذا حاولوا مخالفة الدستور الديمقراطي.. عندها سيكون لنضالنا العلماني معنى..لكن لا يمكن مقارنتهم بنظام آل الاسد لا من قريب ولا من بعيد بأي حال من الاحوال.. وليس من مصلحة الثورة تحطيم مؤسستهم، مع ذلك إذا نجحت التيارات الاخرى بقيادة الثورة كليا واسبتعدتهم ديمقراطيا عن الهيمنة فهذا حقها..لكنني لا ارى في الافق ما يبشر بذلك…أما عن التجربة المصرية والقياس اعتقد ان ما يحدث في مصر هو عبارة عن معركة ديمقراطية مفتوحة وحقيقية. والمقارنة ظالمة للمصريين جميعا وللاخوان السوريين خصوصا.. سيكون لنا حديث عن هذا الموضوع.. رغم موقف الرئيس المصري السلبي نسبيا من الثورة السورية. لكن حكومته لم تعتدي على حرية المعتقد ومؤسساتها في مصر الدستورية، ولم تسن قانون بمنع الكحول!!!! ونضال التيارات المصرية لن يتوقف حتى تترسخ المؤسسة الديمقراطية المصرية، وتصبح مصر دولة ديمقراطية ذات وزن..

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى