زين ابراهيمصفحات المستقبل

حول العلمانية والدولة المدنية وأشياء أخرى


زين ابراهيم

كثيرة هي الكتب والدراسات التي صيغت حول العلمانية والدولة المدنية والسلفية والأسلامية

ومابين فصل الدين عن الدولة عند العلمانيين وكون الدين مكون حضاري وثقافي أصيل للدولة والمجتمع عند الاسلامين يستمر الجدل إلى حين ولا أحسبه سينتهي قريباً بل هو لا يعدو إلا أن يكون تعبيراً آخر لصراع الإرادات في المجتمع العربي الاسلامي عموماً ومحاولة للفهم وبحث عن الهوية بشكل خاص .

لقد نقل اليسار السياسي الاقتصادي بالشكل الذي عرفناه في المجتعمات الرأسمالية الغربية  معركته في الحياة من مجالات المقدس والصراع القومي بين الدول إلى صراع بين الطبقات وحول رأس  المال والعمل و بنيت الكثير من النظريات والتي ساهم جزء مهم منها في صياغة عالمنا المعاصر كما نعرفه الآن..

في الحقبة الحديثة من تاريخ الانسان ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية ومع التقدم العلمي الذي سمح للانسان أن ينقل صراعاتها ويديرها في مسرح العالم كله في نفس الوقت. كما سمح له أن ينقل بنفس السرعة جميع أهوال ومشاهد الحرب إلى جميع بقاع الأرض   برزت للحياة أفكار حول الحقوق الأساسية للانسان من ضمن أفكار أخرى كعصبة الأمم والأمم  المتحدة .

لقد كانت باختصار وليدة لعهد صعب من تاريخ البشرية وشاهداً على مدى القسوة والوحشية والهمجية التي لاتزال تطبع انسان العصر الحالي رغم كل ما قيل ويقال عن حضارته وثقافته وفوق كل هذا وذاك انسانيته وتاريخه الديني المرتبط بالمقدس كإله عادل رحيم ..

ويوما بعد يوم لايزال الصراع مستمراً نحو أنسنة العلاقات البشرية ونحو إعادة صياغة جديدة للعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم  ، بين العامل ورب العمل، بين الفرد والمجتمع ، بين المواطن والدولة ،وبين الدول والمجتمعات المختلفة .

نكتب هذه السطور اليوم في ظل مسرح عالمي سريع التغير والتبدل يتأثر ويؤثر فيه الكثير من المتغايرات الدولية  ويطفو على المشهد العالمي الحالي وبقوة مشهد عربي صارخ أقل مايقال عنه أنه شديد الاضطراب وشديد الغموض لمستقبل مآلاته ؛ وليس أقله أنه شديد التأثير حتماً نظراً للتداخل الجغرافي والتاريخي والثقافي والسياسي للعالم العربي  في قلب العالم كما نعرفه .

اليوم وبفضل التقدم العلمي وثورة الاتصالات والمعلوماتية يمكن القول أن فصلاً جديداً قد بدأ في تاريخ  هذه  المنطقة من العالم .

ولئن كانت شعوب هذه المنطقة قد غابت أو غيبت عن الفعل العام فإنها اليوم تخرج كمارد من بين الركام تبحث عن نفسها وعن حقوقها وتريد أن تكون جنباً إلى جنب مع باقي الشعوب .

يصعب التكهن بما هو قادم إلى حد بعيد وما سوف تفرزه وسوف تقود إليه حركات الثورة في عالمنا العربي وهنا لم أستخدم كلمة ثورة إلا بمعناها اللغوي الضيق  كرغبة  وعمل من أجل تغيير للواقع بعيداً عن تعريفات حزبية أو إيديولوجية .

ولطالما نبهنا التاريخ إلى أن الثورات غالباً ما تنتهي بعيداً وبشكل شبه كلي عما أراد له منظروها الأوائل

ولكننا ومن منظور عام سنرضى ولو مؤقتا بالقول أن هدفها النهائي العام وبالمحصلة هو الرقى بهذه الانسان والعودة به إلى انسانيته .

لطالما كانت فكرة العدالة فكرة تطغى على تفكير الانسان منذ بداية تكوين المجتمعات الأولى

  عدالة تضمن بين طياتها حقوقاً وواجباتٍ متساويةً بين جميع أفراد مجتمعٍ ما وصولاً إلى عدالةٍ عالميةٍ شاملة .

لايمكننا إلا الجزم بأننا لازلنا بعيدين عن هكذا عدالة عالمية ؛ إذ لازال العالم بشكله الحالي يعيش مفرزات ونتائج الحرب العالمية الثانية ومقررات مؤتمر يالطا برغم بروز قوى عالمية جديدة على السطح وبالرغم من انتكاسات لمشاريع وقوى عالمية أخرى .

كما يمكننا أن نشير أيضا إلى صراع مستمر تخوضه الانسانية على عدة مستويات اقتصادية وثقافية نحو عدالة لاتزال بعيدة المنال .

مر الاقتصاد العالمي ببنيته الرأسمالية الحالية بهزات عنيفة أفقرت الملايين وعانى منها الكثير من البلدان والمجتمعات ورغم مابذل ويبذل من محاولات حثيثة لتصحيح النظام المالي والاقتصادي العالمي والذي تضرر بشده في الصميم لازلنا نفاجأ كل يوم بالحجم الكبير لغياب العدالة في هكذا نظام. عدالة يدفع فيها ضرائب المجتمع فقراءه ومثقفيه وتصب عوائده المجزية في جيوب سماسرة المال والصيرفيين و حفنة من السياسيين المنافقين .

هذا على المستويين السياسي والاقتصادي بشكل عام بدون أن نقارب حالة كل بلد  أو كل مجتمع على حده فماذا عن حالة مجتمعا وعالمنا العربي ؟

يحتاج عالمنا العربي بشكله الراهن للكثير من العمل وعلى جميع المستويات من أجل الوصول إلى بنى أكثر عدالة .فهناك ماهو سياسي اقتصادي  وهناك ما هو ديني وماهو فكري ثقافي .

   بين العلمانية والدولة المدنية وبين الاسلام هو الحل صاغت أقلام المفكرين والسياسين الكثير من الأفكار

وبين ما هو موروث وماهو معاصر، بين قديم وجديد ومستحدث وحداثي

بين علمانية ومدنية اسلامية وسلفية

ترددت المفردات وتباينت التعريفات واختلطت حتى بتنا في حيرة شديدة كقارئين وكأفراد عاديين ومواطنين .

لسنا بعيدين عن حركة تطور المجتمعات والدول لا بل نوهنا أننا وبحكم الجغرافيا وحقائق التاريخ في قلب هذه التحولات ولابد لها أن تطبع أي خطاب أو فعل نقوم به . تؤثر فينا ونؤثر فيها .

تسير المجتمعات العربية لتلحق بركب المجتمعات الأخرى في هذا النضال المستمر  ولديها حجم من العقبات والمشاكل لايقل ضخامة عن أية أمة أخرى بل يزيد .

ومابين صراعات على الحدود والموارد وإرادة القوى العالمية  يضاف إلى أزماتنا أزمة أخرى حول الهوية والمقدس والموروث والحداثي .

لا يريد المواطن العادي والفرد إلا أن يحصل على العدالة في عالم متغير شديد الارتباط وحيث يكون لكل شيء فيه تعريف غامض لا بأس هنا أن نبدأ بأفكار بسيطة عن العدالة بعيداً عن الجذور دينية أو سياسية أو ثقافية وإن كنا لا ننكر أن لها مثل هذه الجذور .

نريد مجتمعاً مسالماً يبتعد عن العنف كطريقة لحل مشاكله ويعتمد الحوار كبديل له ونريد مجتمعاً يكون جميع الأفراد فيه متساوون في الحقوق والواجبات تقع عليهم نفس الأعباء ويتحملون فيه نفس المشقات .

نريد مجتمعاً قوياً يحترم الفرد وخصوصيته ويرتفع بانسانيته ولايقوم باغتصاب حقوقه وإهدارها بحجة المحافظة على الجماعة .

نريد مجتمعا يعيد لنا حقنا بتعريف هويتنا لا أن يفرضها فرضاً علينا .

نريد مجتمعا متصالحا مع نفسه ومع أفراده بجميع اختلافاتهم كالنساء والأطفال

يسعى لتعرية عيوبه وأخطائه وليس تغطيتها ويعمل على كشف الجذور التاريخية والثقافية لمثل هذه العيوب والأخطاء .

هل تريدون رأيي الشخصي .

سأقول لكم أنني معجب شخصياً بالثورات العربية وعلى الأخص الثورة اليمنية ؛

لانها ليست ثورة على نظم سياسية دكتاتورية متحجرة فقط بل هي ثورة ومحاولة للانقلاب على جميع هذه العقبات السياسية والفكرية والاجتماعية نحو إعادة صياغة للعقد الاجتماعي ونحو بنى أكثر عدالة وعلى جميع المستويات

أما لماذا الثورة اليمنية ؟

لأنني أعتقد أنها وبحكم الحقائق الموضوعية من انتشار مخيف للسلاح قدره البعض بأكثر من 60 مليون قطعة سلاح بين أيدي الشعب اليمني ؛ وبالرغم من الممارسات السياسية الشاذة لنظام الحكم وبالرغم من محاولات التشويه المتعمد والتدميرلكل قوى المجتمع اليمني الحية وطاقاته وبالرغم من محاولات الافقار المتعمده فقد

ارتقى الشعب اليمنى فوق الجراح ليصل بمعركته من أجل مجتمع أفضل إلى مدى أخلاقى رائع بعيداً عن ضحالة الأشخاص وتفاهة بعض السياسين واللذين تعود أفكارهم عن الدولة والمجتمع إلى أصول قروسطية .

ارتقى الشعب اليمنى بمعركته فوق الشخوص والأسماء لأن معركته ليست معهم أو ضدهم ولن تنتهي باستبدالهم ولكنها صراع وتنافس مع ذواتنا نحو مجتمع ينبذ العنف كوسيلة وأداة للحياة ويريد أن يستبدلها بمنطق آخر هو الحوار وقبول الآخر .

لم تكن إرادة باقي الشعوب العربية مختلفة عن إرادة الشعب اليمنى ولكن لكل بلد ظروفه الموضوعية التي سوف تقود إلى نتائج مختلفة بالتأكيد ولن نغامر فنقول أن إرادة الشعب اليمني أو بعض الشعوب العربية قد تحققت ولكننا سنكتفي بالقول أن الصراع مستمر .

ولكن حتى نصل إلى ما نصبوا إليه من عدالة توقفوا ولاتمطرونا بسيل المفردات.

 وهنا أكرر ما سبقني إليه البعض فأقول :

سموها ما شئتم علمانية مدنية اسلامية سلفية حداثية معاصرة .

ولكن لايجب أن تضيع عن أعيننا حقيقة العدالة وأصلها وهي أننا أفراد متساوون في الحقوق والواجبات وليس لأحد على الإطلاق أن يدعي أنه يملك الحقيقة المطلقة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى