صفحات سوريةعدي الزعبي

حول شرعية المجلس الوطني السوري


عدي الزعبي

هل يُمثّل المجلس الوطني الشعب السوري؟ يُطرح هذا السؤال في سياق التشكيك من قبل أنصار النظام من ناحية، وفي سياق آخر ضمن المنافسة بين هيئة التنسيق والمجلس.

يُطرح السؤال في سياق ثالث، عندما يعقد المجلس لقاءات مع ممثّلي الدول الأخرى، سواء العربية أو الأجنبية. في السياقات الثلاث يبدو أنّ المجلس بحاجة لشرعية ما كي يفاوض ويطرح ويرسم استراتيجيّات الثورة ومستقبل سورية. ولكن لم يتم انتخاب المجلس من قبل أبناء الشعب، بل تمّ تشكيله في الخارج بطريقة غير واضحة المعالم. هكذا يبدو أن المجلس ، وهيئة التنسيق الوطني، بحاجة لتبرير وشرح الشرعية التي يدّعيانها. هنا محاولة لشرح نوع الشرعية التي يمتلكانها.

في البداية، ننطلق من الواقع السوري. هناك كتلتان معارضتان ، هما المجلس الوطني وهيئة التنسيق، تحاولان طرح حلول وتصوّرات للخروج من الأزمة السورية. هناك تنسيقيات وشباب على الأرض، يقومون بالثورة ضد نظام يرونه غير شرعي. العلاقة غير واضحة بين التنسيقيات والمجلس.

بالطبع، لم يتم انتخاب المجلس من قبل أبناء الشعب السوري، إلا أن الوضع السوري يجعل من هذا المطلب مستحيل التحقيق على أرض الواقع. إما أن نقبل بتشكيل معارضة مؤقتة لا تعكس بدقة مواقف السوريين، أو أن نشكك بكل معارضة أو معارضات تحاول تغيير الواقع القائم. الخيار الأول هو الوحيد المتاح لمن يريد بناء دولة ديمقراطية في سورية. على المجلس أن يكون واضحاً في صفة الشرعية التي يدّعيها لنفسه، والأمر ذاته ينطبق على الهيئة، فهذان الكيانان السياسيان يشكّلان حالات استثنائية، ليس من المفروض، وليس من المتوقع منهما، أن يعكسا آراء وتطلّعات السوريين بدقة، لا تحققها إلا انتخابات شفّافة. المجلس والهيئة كيانان ثوريان يحاولان، بكافة الطرق الممكنة، دعم ثورة الشعب السوري ومساعدته على الوصول إلى دولة ديمقراطية. الشرعية التي يملكها كلا الكيانين، هي شرعية مؤقتة، إلى حين سقوط النظام والقيام بانتخابات حرة.

إذا كانت الشرعية التي يملكها أي حزب أو تحالف سياسي، تأتي من الانتخابات الحرة، فكلا الكيانين لا يمتلك هذه الشرعية. من هنا، من الواقع السوري، لا يستطيع أي كيان سياسي أن يدّعي أنه الممثل الوحيد للشعب السوري، ولا أنه يعكس الواقع السوري في تكوينه. الهيئة والمجلس ليسا حزبين ، أو تحالفين، تقليديين في سياق حياة سياسية طبيعية. لا يجب أن يفكر أي منهما في هكذا سياق. وبالطبع، لا يجب أن يفكر أي منهما بمنافسة الفريق الآخر على الشرعية والتمثيل. المنافسة تكون ضمن ظروف طبيعية تتيح للشعب التعبير عن رأيه. في المرحلة الحالية، يكتسب الكيانان شرعيتهما بطريقتين: الأولى سلبية، أي أن النظام غير شرعي، مما يعطي شرعية للمعارضة. الثانية إيجابية، وهي مدى قدرة الكيانين على التأثير والمشاركة في الثورة.

يبدو أن المعارضة السورية اكتسبت الشرعية بشكل أساسي من عدم شرعية النظام. النظام الذي لم يقم بأية انتخابات حرة منذ تولّيه السلطة قبل أربعين عاماً، هو نظام غير شرعي. لا يستطيع النظام الادّعاء بأنه يمثّل الشرعية في سورية.

بالطبع، هناك موالون للنظام، ولكن وجود موالين لا يعني إضفاء صفة الشرعية على النظام. ربما يرد البعض أن الأمور متكافئة بين النظام والمعارضة. للطرفين أنصار في الشارع السوري، لكن لا نستطيع الحكم بمن يمثّل الشعب السوري. بالطبع هذه تعمية مقصودة : المعيار، في حالتنا هذه، أي في حالة تعذّر إقامة انتخابات حرة، هو السبب في هذا التعذّر. إنه النظام الذي رفض ويرفض إجراء مثل هذه الانتخابات. أما المعارضة، على الأقل منذ ربيع دمشق، فإعلان دمشق، وصولاً إلى المجلس والهيئة، تضع هذا المطلب على رأس أولوياتها. من هنا، الشرعية، في ظل غياب انتخابات حرة، هي بين من يطالب بهذه الانتخابات ومن يرفضها. هذه شرعية مؤقتة، لكن مطمئنة ومبشرة بالخير.

هكذا يبدو أن الوضع السوري يتراوح بين شرعية مؤقتة، تدعو لانتخابات حرة، ونظام غير شرعي، يرفض بصلف فكرة إجراء أي انتخابات حرة. هذه هي الشرعية بشقها السلبي.

لبعض المعارضين شرعية من نوع آخر. معظمهم قضى سنين طويلة في سجون النظام، وناضل بشتى السبل لإسقاطه. هذا التاريخ النضالي يعطي شرعية أيضاً للمعارضين التقليديين. إلا أن هذا التاريخ، لم يستطع أن يؤثر ويتفاعل بوضوح مع حركة الشارع خلال الثورة. قد تكون الأسباب متنوعة ومبررة. من الصعب الحكم حول سبب غياب هذا التفاعل.

يبقى في النهاية الشرعية التي تكتسبها المعارضة من قدرتها على التأثير في الثورة. هنا يكون دور المعارضة ثانوياً. الدور الأساسي في التغيير يبقى محصوراً بيد الشباب على الأرض. قد يكون من الصعب تقييم دور المجلس أو الهيئة في مسار الثورة. بالطبع، انطلقت الثورة بمعزل عن المعارضة التقليدية. ولكن بعد تشكيل المجلس، يصبح الحكم على الدور الذي يلعبه المجلس شبه مستحيل بسبب ظروف السرية التي تحكم العمل الميداني. بكل الأحوال، يبدو أن هذا الدور ليس كبيراً.

مهما يكن من أمر، فالأمور ليست ضبابية. تنسيقيات الداخل، على اختلافها، تمنح الشرعية لأحد الكيانين. فالوضع السوري الحالي استقر على كتلتين معارضتين تملكان شرعية سلبية، بالمعنى الوارد أعلاه، يدعمها جزء من شباب الثورة ، مما يجعلهما مؤهّلين للعب دور أساسي. ربما تصبح محاولة الوصول إلى معارضة موحدة غير مجدية، بل قد تكون مشتتة. المطلوب هو الحد الأدنى من التفاهم.

يبدو أن المطلوب الآن هو تفعيل العلاقة مع الداخل والتسيقيات. في المحصلة، أولئك الشهداء والناشطين على الأرض هم من صنع التغيير. محاولات توحيد المعارضة والوصول إلى كيان واحد يمثّل كل السوريين ليست واقعية، وليست ممكنة. الأولوية هي دعم النشاطات الميدانية. المحرّك الأساسي للأحداث على الأرض هم الشباب والتنسيقيات. هؤلاء، لا يحتاجون لشرعية. هم من يمنح الشرعية للكيانات السياسية.

‘ كاتب من سورية يقيم في بريطانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى