صفحات مميزةعبد السلام اسماعيل

حول ضرورة تمثيل الثوار سياسياً: عبد السلام إسماعيل

 

عبد السلام إسماعيل

سورية بلد عمره قصير نسبيا على مستوى الكيان السياسي، والحياة السياسية أقصر فيه بكثير، مضطربة صحيح غير أنها كانت مبشرة وتسير باتجاه النضج في ظل الدور الذي كانت تلعبه الجامعات والنقابات، مصيبتها كانت في الدور السلبي والإستحواذي الذي مارسته المؤسسة العسكرية . . أجهزت عليها بالنهاية ثلاثة أحداث متعاقبة: الوحدة مع مصر، إنقلاب 8 آذار وأخيرا مجازر الثمانينات.

ما يهم الآن أن الثورة حصلت وأعادت المجال العام لعموميته وصارت السياسة متاحة من جديد. والمظاهرات السلمية ساعدت على انخراط أعداد هائلة من السوريين في العمل العام، و كانت بمثابة “روداج” لتحريك مفاصل الحياة السياسية، حيث تمخضت عن هيئات عمل سميت “التنسيقيات” مهمتها تنظيم وإدارة التظاهرات مناطقيا. ولأسباب متنوعة لم تتطور التنسيقيات إلى كيان تنظيمي أكبر وبقيت تراوح في حدود لحظة تشكيلها.

   سنتان من عمر الثورة كشفت عدة أمور:

الأول: النظام سيسقط عاجلا أو آجلا، وبالتالي سنقف أمام إستحقاق خلق نظام سياسي جديد.

الثاني: الأحزاب التقليدية عاجزة تماما على مواكبة الثورة سياسيا وغير قادرة على جذب دماء جديدة ، وقد قيلت مطولات في تبيان مساوئ المعارضة ونقد جمودها السياسي حتى أصبح الأمر وكأنه تمثيل في جثة ميت.

الثالث: لا يوجد حتى اللحظة أي بديل سياسي يمكن لنا الثقة بقدرته على إدارة المرحلة الإنتقالية. وتحالف عدة فصائل سياسية سيكون حشد لعيوب هذه الفصائل على غرار التحالفات والهيئات الموجودة حاليا.

الرابع: غياب أي تمثيل سياسي للثوار والشباب الذين قاموا بالثورة وقدموا فيها تضحيات خرافية.

حجم العنف اليومي الهائل جعل من أي حديث يتناول مرحلة ما بعد النظام حديثا سابقا لأوانه، إلا أن العطالة السياسية التي حرصت المعارضة على إثباتها بكل الطرق الممكنة، إضافة إلى الأمور الثلاثة الأولى أعلاه تجعل من الحديث عن ضرورة خلق تيار سياسي قادر على تمثيل الثورة والثوار ضرورة استراتيجية، لا تقل عن ضرورة إسقاط النظام.

فالشباب هم من قاموا بالثورة وهم من قدموا التضحيات وهم مستقبل سورية وهم الذين يعول عليهم في إعادة بنائها من جديد. عدم وجود تنظيم سياسي (حزب أو تيار) يمثل الشباب والقوى المدنية سيجعل سورية محكومة من معارضة منتهية الصلاحية تتلاقى والنظام بسمات عديدة على المستوى الفكري و الإجرائي. عدا عن أن كل الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة، أحزاب ميتة سريريا أو على الأقل جامدة وغارقة في أيديولوجياتها، ولا تتمتع بأي صفة من شأنها أن تجذب الشباب السوري للإنضواء تحتها، إلا اللهم جماعة الأخوان المسلمون وذلك لأسباب لا محل لذكرها هنا.  أضف إلى ذلك أن القيادات في هذه الأحزاب هي نفسها الشخصيات المعارضة التي سئمناها على مدى عامين متتاليين.

تشكيل  تيار سياسي قادر على تمثيل الثورة سياسيا ويستوعب الشباب الذين قاموا بالثورة والذين ناصروها مسألة ملحة لم يعد ينفع معها التسويف، بحيث  عندما تأتي لحظة سقوط النظام يكون الثوار جاهزون ليستلموا هم دفة السياسة في البلد ولا أحد غيرهم.

كيف يمكن لمثل هذا التيار أن يبصر النور؟

في ظل الوضع الراهن لا حل سوى أن تقوم شخصية وطنية تحظى بإجماع عام بالإعلان عن تشكيل هذا التيار. أعتقد أن معاذ الخطيب هو القادر في الوقت الراهن على مثل هذه الدعوة، فالرجل برغم كل شيء أعطى انطباعا عاليا بالنزاهة والشفافية التي نفتقدها في كل المعارضين، إضافة إلى أنه متخفف من كل شكليات التعاطي السياسي التقليدي وهو يحظى بشعبية جيدة وأعداد ضخمة من الشباب السوري سيلبي دعوته تلك. وسيساعد تشكيل مثل هذا التيار إعطاء الخطيب ثقلا نوعيا يحرره من ربقة الإملاءات الدولية ومضايقات بقية التيارات المعارضة. و ربما سيفضي ذلك في النهاية

إلى خلق رجل المرحلة وقائد الثورة . . لقد آن الأوان لذلك.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى