صفحات الرأي

حول “لحظة الاخوان المسلمين” في المنطقة

 


مصعب الجندي

الاخوان المسلمون من ضمن الاحزاب السياسية وليسوا خارجها، وبالتالي علينا قراءة أدائهم في هذه المرحلة من خلال وزنهم في المجتمع مع عدم استبعاد ان تكون لحظتهم هي الموجة الاولى للديموقراطية العربية المقبلة.

تعودنا على الاستاذ جهاد الزين مثيراً للجدل في “زواياه” باختياره لمضمونها عنواناً مقلقاً لدى كل متابع للأحداث السياسية في مشرقنا، الذي كان ساكناً راكداً في سياسة بليدة، لنجده مع بداية هذا العام يقلب المفاهيم والموازين وإن لا يزال يختلف الجميع حول النتائج بين التشاؤم والتفاؤل، وعلى الرغم من حيرة المرء في مقاله (“قضايا” النهار، لحظة الإخوان المسلمين، بتاريخ 5 / 4 / 2011)، في أي الخانتين يضعه. سأحاول في الملاحظات السريعة أدناه، أن أضع الأمور في سياقها، أو هكذا يخيل إليّ.

أولاً: الأصل في آلية تطور العلاقة بين تركيا وسوريا، والمختلفة بينهما إختلافاً كلياً. تركيا، كان اختيارها لهذا التطور ناتجاً عن حوار داخلي بين مختلف الشرائح الفاعلة في المجتمع التركي، الإقتصادية والثقافية والسياسة، وهذا الحوار بدأ قبل وصول حزب العدالة والتنمية الى سدّة الحكم عبر صناديق الاقتراع، واكتفى الأخير بتتويج هذا الخيار.

أما في سوريا فكان قراراً سياسياً بامتياز، لاعلاقة لأي حوار داخلي فيه، وقد حققت حالة الانفتاح مكاسب استراتيجية لكلتا الدولتين وفي معظم المجالات. تلك المكاسب التي تفرض حذراً وحرصاً من قبل قيادة البلدين في المحافظة عليها (الحرص لكلتا الدولتين من منطق آلية تطور العلاقة). من هنا نجد الارتباك المؤقت (عند أصدقائه الأتراك) في تحليل وشرح أسباب الظهور العلني للقياديين في حركة الإخوان المسلمين في اسطنبول، والذي تم من خلال مؤسسات المجتمع المدني ولا علاقة للحكومة التركية به، وهي في الوقت نفسه غير قادرة على منعه، والأمر في نهايته (الدولة الديموقراطية).

ثانياً: بالعودة الى حركة الإخوان المسلمين، من الطبيعي أن تكون الصورة الظاهرة في واجهة كل تحرك طبيعي في ثورات المجتمعات العربية، فهي تاريخياً، كانت من ضمن قوى المعارضة للأنظمة السياسية في الوطن العربي، وإن بدرجات متفاوتة في الحدّة أيضاً، وليس فقط في وزن كل منها الداخلي. من البديهي النظر في حركة الإخوان السورية من واقع حال نشوء الوعي السياسي / الثقافي، الذي توزع بين فوق وطني (قومي وديني)، أو تحت وطني (قبلي وطائفي وإثني)، فرضته الجغرافيا والتاريخ الملتبسين بسبب التداخل المجتمعي في المحيط الإقليمي، والاحتكاك المباشر بالضغط الخارجي بعد سلب فلسطين.

ثالثاً : قد تكون رياح مرحلة التغيير، لحظة للإخوان المسلمين، فما قبلها (من وجهة نظر الثقافة / السياسة حصراً)، عرفت المجتمعات ما يمكن أن أصفه بأسلمة الفكر السياسي (إن صحت تسميته فكراً)، من زاوية الأداء وليس الثقافة، (وليس انتشار الإسلام السياسي)، بمعنى آخر تداخل السياسة مع التدين الشعبي، كناتج طبيعي لحالات عدّة بالتقابل والتداخل والتضاد معها :

– تعرض الفكر القومي للتدجين ضمن عقلية السلطة، التي لم تتمكن من التحاور مع الآخر، وبالتالي خسارة الحيز الأكبر من إمكانية الإثراء وإضافة الجديد لهذا الفكر.

– قمع الأنظمة الشديد للقوى العلمانية والديموقراطية، وتفككها بين ولاءات مختلفة، عدا عن خسارتها منابر الحوار وأقنيته مع شرائح المجتمع المختلفة.

– استفادت حركات الإسلام السياسي من احتكاكها مع الأنظمة، بكلتا الصورتين (صدام أو مهادنة)،  بتطوير فكرها وخطابها السياسي لجعله أكثر قبولاً في المجتمعات العربية، وغالبيتها تجاوزت مرحلة التطرف فيه (رغم وجود بعض الزّلات والسقطات أحياناً)، كما استفادت من التجربة التركية وحزب العدالة والتنمية في الاتجاه نفسه، والمختلفة كلياً عن التجربتين الوهابية والخمينية، اللتين فيهما من التطرف أكثر مما فيهما فكر قابل لاستيعاب استحقاق التطور الحضاري / الإنساني.

– لا يمكن المقارنة بين مرحلة التغيير الحاضرة، ومرحلة سيطرة الحركات القومية الأحادية، الحركات القومية في بداياتها مثّلت مجتمعاتها في وجود عوامل وضغوط مختلفة داخلية وخارجية. وخسرت هذا التمثيل لاحقاً، بعد انحصار دورها كسلطة سياسية.

رابعاً: التاريخ السريّ لحركة الإخوان المسلمين في سوريا، هو من ضمن التاريخ السريّ للصراع على السلطة، منذ الانقلاب العسكري الأول عام 1949  في هذا البلد، وفشل جميع القوى السياسية (شريكاً أساسياً أو هامشياً في الصراع)، على اختلاف مشاربها، في بناء مشروع وطني.

خامساً: لنتجنب قليلاً القفز فوق حقائق طبيعة مرحلة التغيير. في سياقها الداخلي، هي تتويج لحركة مجتمعات بلغت مرحلة الخوانق، ولم يبق أمامها، إما التغيير أو الموت السريري الرتيب. وفي سياقها الدولي وما رافقه من تقدم علمي وتكنولوجي وشبكات إتصال، الأمر الذي أدّى إلى انتشار وتعميم ثقافة في المجتمعات العربية بشكل واسع كانت محصورة في ما سبق في إطار نخب محدودة. هذا التمازج في السياقين جعل التغيير، فكرة وادوات ووسائل، مجتمعية في غالب عناصر قوتها، والأحزاب السياسية من ضمن هذه العناصر، تؤثر فيها ولكنها لا تصنع حركتها التاريخية. الإخوان المسلمون من ضمن الأحزاب السياسية وليسوا خارجها، وبالتالي علينا عدم قراءة أدائهم في هذه المرحلة من خلال وزنهم في المجتمع، مع عدم استبعاده من أن تكون لحظتهم هي الموجة الأولى للديموقراطية العربية المقبلة (مصر خصوصاً).

سادساً: أتفق مع الاستاذ جهاد أن أصعب الاختبارات وأخطرها في مرحلة التغيير في المنطقة العربية، ستكون سوريةً صرفة. حتى اللحظة لا تزال الصورة ضبابية وتشاؤمية، فالإرث السياسي ثقيل، ويفرض أن المرحلة ستكون طويلةً زمناً، وكلفتها عالية، المترددون في الداخل والخارج هم الغالبية وخاضعون لحسابات كثيرة.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى