سلامة كيلةصفحات مميزة

حين لا تجري الإفادة من التجربة/ سلامة كيلة

 

 

حين تشكلت جبهة النصرة في سورية، أشرتُ إلى أنه من الضروري أن نستفيد من تجربة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ودوره في تفجير الصراع الطائفي وتدمير المقاومة، بعدما استقرّ واستحكم. ونشرتُ بعض ما كتبت حينها عن الدور الذي يقوم به، بهدف فهم أن هذا التنظيم عنصر تخريب وتدمير. لكن المعارضة السورية، “العظيمة”، دعمت وجود الجبهة، وفرحت بمحرِّر أتى لتخليص الشعب من النظام الاستبدادي. وباتت تدافع عنه دفاعاً مستميتاً، وتتّهم كل ناقد له بأنه “طائفي”، و”مغرض”، وحتى عميل (كما جرى في العراق بالضبط). لنشهد، الآن، النتائج التي وصلنا إليها، بعدما استقرّ واستحكم، وتوالَد لينتج داعش، ويخوض الصراع ضد الثورة (الجيش الحرّ والكتائب المسلحة)، ويبدأ بفرض معتقداته الأصولية المتخلّفة القروسطية على الشعب في المناطق التي يسيطر عليها، ويعتقل الناشطين ليعدمهم (طبعاً الناشطون ضد النظام).

نُفاجأ، الآن، بأن “أهل العراق” يكررون الخطأ نفسه، ويعيدون التجربة نفسها. فقد مارست المنطقة الغربية (الموسومة سنية) حركة احتجاج منذ نهاية سنة 2012 وخلال 2013، وسحق الاعتصام في المحافظات الغربية بالقوة، بداية هذا العام. وظهر الحراك العسكري الذي بدأ في يونيو/ حزيران تعبيراً عن تحوّل الاحتجاج السلمي إلى حركةٍ عسكريةٍ، حققت تقدماً سريعاً. لكن، كان وضع داعش في الحراك ملتبساً، فقد ظهرت في الاحتجاجات السلمية يداً للمالكي في تخريب الحراك، واستخدام القوة ضده انطلاقاً من أنه حراك داعشي. ولهذا، اشتبكت العشائر الثائرة ضد المالكي مع داعش. لكن ما جرى هو “التحالف” مع داعش، وإدخالها الموصل، انطلاقاً من أنها تنشط ضد المالكي. لكن، انقلب كل الوضع بعد ذلك، حيث ظهرت داعش قوة تخريب، ركبت الموجة، ومن ثم بدأت ترسل رسائل تضرّ الحراك كله، من طرد المسيحيين في الموصل إلى ملاحقة الأزيديين، إلى تحويل الصراع إلى اشتباكٍ مع الأكراد في الزحف على أربيل، في وضعٍ كان يجب تحييدهم. وهذا ما طغى على كل الحراك الذي كان يسير نحو بغداد، وشوّه ما يجري، وحوّل موقف الأكراد، لنصل إلى إعادة إنتاج “العملية السياسية” فقط.

كيف يمكن لأحزابٍ أن تتعلّم من تجاربها؟ لا يبدو أن الأمر ممكن، لأن الغرائز هي التي تسيّر الأحزاب بلا عقل. لهذا، تقع في الخطيئة نفسها مراتٍ، من دون أن تتعلّم شيئاً. وهذا يوضّح سبب الفشل العام الذي مرت به، والذي سيجعلها تكرره في كل لحظة. لم يستفد “البعث”، ولا كبار الضباط الذين خاضوا حرباً مجيدة ضد إيران، ولا العشائر التي اكتوت سابقاً من تجربة سورية، وأصلاً لم يستفيدوا من تجربتهم المباشرة، فكرّروا الجريمة ذاتها بحق الشعب العراقي.

داعش ليس تنظيماً أصولياً فقط، ولا يضم فئاتٍ مهووسة فحسب، وليس عناصرها “أبطالاً انتحاريين” لوجه الله، بل هي “شركة أمنية”، أولاً وقبل كل شيء، تستخدم هؤلاء المهووسين في معاركها التي تخدم النُظُم في دول أخرى، أميركا وإيران وسورية، والسعودية وغيرها. ولقد كان تنظيم دولة العراق مُسيّراً من أميركا وبات مُهيمَناً عليه من إيران. لهذا، خدم ما قام به تكتيك المالكي، وإيران، وفي سورية يخدم النظام السوري. هذه هي بنيتها، والدين الذي يطرحونه مقولب بما يخدم السياسات التي تريدها الدول المسيّرة، وأساسها لا الخلافة، ولا الدولة، بل التخريب والاختراق، والتشويه.

المشكلة في السذاجة المفرطة التي تحكم الأحزاب والنُّخَب، وفي عقلية “الدكنجي” الذي يشتغل يوماً بيوم من دون أن يحسب الأمس والغد.

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى