صفحات سوريةطيب تيزيني

حُطام عربي حقاً.. ولكن/ طيب تيزيني

 

تتوالى الضربات والهجمات الوحشية بحق بعض الشعوب العربية من قبل نُظمها الاستبدادية، وعلى أيدي بعض مَن يأتون من الداخل والخارج متعاونين مع سدنة أنظمتهم، ومؤكدين بذلك على ما راح يُطرح ويُروَّج له منذ بضع سنوات في العالم العربي كما في بلدان الغرب بطبيعة الحال، تحت عنوان «مشروع الشرق الأوسط الكبير». وقد نُظمت ندوة صغيرة حول ذلك بتاريخ 2004/4/12 في فندق «الميريديان» بدمشق واشترك فيها عدد قليل من المهتمين والباحثين. كان المتحدثون قلة، وقد كنت من هؤلاء، والآن وبعد مضي أكثر من عشر سنوات على ذلك، أعود إلى ما قُلته وما قاله آخرون، فأجدني قريباً جداً من تقريره ومراجعته في ضوء المرحلة الجديدة المعيشة عربياً.

لقد انطلق الحدث الجديد في العالم العربي أو في بعضه عام 2011، وربما اتضح أن ذلك اللهب الذي انطلق متزامناً تقريباً في مجموعة من البقع العربية، ربما بل من المؤكد أن ذلك التزامن أتى نتيجة لواقع الحال، الذي كان عليه العالم العربي وظل قائماً حتى اندلاع الأحداث الشعبية عام 2011، وما يزال.

كان المشهد الشعبي للنظام القائم حتى حينه، قد قُرئ من معظم الأطراف في الدواخل العربية، كما من قبل أطراف أخرى أجنبية، لاشك أن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وغيرها من ضمنها. وكان السؤال: هل دخلت بعض النظم العربية مرحلة شمولية الاستبداد والفساد من طرف، وحالة استعداد الجمهور للدخول في صراع معها من طرف آخر؟ ثم كانت أسئلة الفساد والاستبداد في تصاعد للدخول في صراع تحت حسابات الداخل والخارج.

أما سؤال التجديد والتغيير فاتسع اتساعاً هائلاً، مرافقاً ببعض الأحداث الساخنة، وقد ظهرت أجوبة تلك النُّظم مختلفة الصيغ والطرق، ولكن موحَّدة في الجواب الأم الشامل: لا إصلاح (حقيقياً)، ولا رغبة في التغيير. وقد عاش كاتب هذه السطور أنماطاً متعددة كثيرة من وعود وردية ها هنا. لم يسقط الوعد الكبير في إنجاز شيء من التغيير فحسب، وإنما اقترن ذلك بمحاولات كثيرة للإصلاح والتغيير من النظم الحاكمة، تبين أنها ليست أكثر من أوهام تتساقط مترنحة. ومن طرائف المواقف أن كاتباً شاعراً خاطب المعنيين على هذا الصعيد قائلاً: والله، إننا لا نصدقكم حتى في النشرات الجوية!

كانت الأجواء الشعبية، على الخصوص، تغلي وتنتشر بسرعة، ولكن وهذه الملاحظة ذات دلالة منهجية كبرى بالنسبة للأنظمة التي كانت تدعو الله أن يبدأ المتظاهرون باستخدام السلاح وإلا سيكون الأمر وبالاً عليهم! نعم، بعد ستة أشهر من استفزاز المتظاهرين، نفد صبر جماعات النظام في سوريا، فكان النتاج إشعال السلاح في أجساد أولئك، وتمّت العملية!

لن نوغل في شرح تلك التحولات، فقد راحت هي تشرح نفسها على أرض الواقع، ويهمنا الموقف من ذلك كله فيما يلي: مرات كثيرة أعلنت روسيا ومعها أحياناً الصين وإيران، معارضتها «الفيتو» ضد المشاريع التي تقدمت بها دول كفرنسا، مرة لإيصال مواد إغاثية للمدنيين، ومرة على مشاريع واقتراحات لإيقاف الحرب، وهكذا، نحن هنا ننتقد تلك المواقف، وننتقد كذلك مواقف الآخرين الكاذبة الخادعة.

لقد رفض أولئك الآخرون تحويل الموقف المائع إلى حالة جادة، فبقيت المسألة بين بين، ونريد أن نستنبط من هذا الموقف المزدوج، الروسي الإيراني والأميركي الفرنسي، نتائج مذهلة رفضها العرب: إن ما أراد الأعداء الأضداد إخفاءه على أولئك هو بالضبط، تقديم حل لعدم الحل، ومن ثم لتوسيع رقعة هذا الأخير في الخريطة العربية فبعد الدفعة الأولى من البلاد العربية، التي راهنت على حل سلمي مناسب يضمن حقوق بعض النظم الفاشلة في هروب آمن وحقوق الجمهور العربي في الحرية والكرامة والعدالة، دخلت الدفعة الثانية من البلدان العربية المنتفضة في المطالبة بحقوقها. فاندلعت بذلك معارك جديدة اقترن فيها عنصرا الوطني والمجتمعي التحرري، في فلسطين والعراق وفي بلاد عربية غيرها بدرجة أخرى.

إن نتاج الموقف بل المواقف يتمثل في بلورة لحظتين من لحظات الوعي العربي الخائب، هما تعاظم الفوضى الهائلة في البلاد المعنية، بمعونة جيوش «إسلامية» أنشأها الطرفان المذكوران كلاهما. الغرب وبعض النظم العربية (القومية والوطنية والتقدمية). ولا أحد من النظم المعنية خارج الخريطة الكونية الجديدة، التي يحميها أمثال أوباما وميركل وصاحب «ولاية الفقيه» وبوتين وآخرون لا يختلفون بعضهم عن بعض إلا في إمكانية اختيار تبعيتهم لهذا أو لذاك من صانعي الجمهوريات التي ربما تسير إذا استمرت في هذه الطريق، إلى نهايات مختلفة، ولكن مؤكدة.

 

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى