صفحات العالم

خالد الضاهر/ حـازم صـاغيـّة

 

 

 

نائب عكّار خالد الضاهر “عُلّقت” عضويّته في “تيّار المستقبل”، أو أنّه هو الذي “علّقها”. والأمر، في الحالتين، “لتفادي الإحراج” كما قيل.

فالضاهر مُحرِجٌ حقّاً لتيّار يؤكّد على لبنانيّته التسوويّة، ويذهب بعيداً في هذا حتّى ليضيع الفارق عنده بين عقد التسويات وتقديم التنازلات المجانيّة، على ما هي حاله في “الحوار” الراهن بينه وبين “حزب الله”.

والضاهر غير معنيّ بهذا. فهو حيال حزب الله نضاليّ وصداميّ يقابل ما يمثّله نائب كعلي عمّار في “حزب الله” حيال “تيّار المستقبل”. وليس مجرّد صدفة أنّ كلاًّ من النائبين “حاجّ”، دينيّته، وهي طائفيّة تعريفاً، برهان قاطع على راديكاليّة سياسيّة.

لكنْ فيما ينضبط نائب كعمّار بحزبه، يستعصي ضبط الضاهر بتيّاره. وهذا ليس عائداً فحسب إلى أنّ درجة التماسك في “حزب الله” أعلى كثيراً منها في “المستقبل”، بل أيضاً إلى أنّ عمّار يشبه حزبه وبيئة ذاك الحزب أكثر كثيراً ممّا يشبه الضاهر “تيّار المستقبل” وبيئته.

فنائب عكّار هو اليوم أبرز ممثّلي سنّة الأرياف الذين ينخرطون مباشرة في الحرب السوريّة ويرون فيها قضيّتهم التي لا تعلوها قضيّة لبنانيّة. وهذا لا يصحّ في سنّة المدن، لا سيّما مواقعهم الاجتماعيّة الوسيطة والمتصدّرة، ممّن يتقدّم شاغلُهم اللبنانيّ باقي شواغلهم، بل إنّهم يبدون استعداداً لغضّ النظر عن سوريّا والسوريّين حين يؤدّي ذلك إلى تعزيز أوضاعهم في بيروت.

والحال أنّه حين كان سُنّة المدن جزءاً من النظام المسمّى “نظام الوصاية” آنذاك، كان الضاهر نزيل السجون السوريّة وقسوتها. ولئن عملت الرموز السنيّة في بيروت وطرابلس وصيدا بموجب ما تمليه الحياة السياسيّة التقليديّة، وفد الضاهر إلى السياسة من باب انتمائه النضاليّ إلى “الجماعة الإسلاميّة”، أي “الإخوان المسلمين”، وبصفته هذه استضافته السجون السوريّة.

وكما ارتبطت البيروتيّة، من خلال ممثليها، بالمال والأعمال والوسط التجاريّ، صدر الضاهر عن قرية ببنين الفلاّحيّة التي ظلّت زعامتها معقودة طويلاً لباشوات آل عثمان، وهم فرع من المراعبة الذين احتكروا التمثيل السياسيّ لسنّة عكّار جيلاً بعد جيل.

والضاهر المولود في 1958 أتيح له في شبابه أن يشهد على هذا الاحتكار المديد. لكنْ إذا كان النائب المحبّ للخطابة لا ينسى التذكير، بين فينة وأخرى، بـ”حرمان” عكّار، فإنّ عكّاره هذه، ولأسباب تاريخيّة، أقلّ استشعاراً بلبنانيّتها ممّا هي الحال لدى سنّة بيروت، وأقلّ منهم إحساساً بضرورة التوصّل إلى تسويات مع باقي الطوائف.

فالعكّاريّون لم تربطهم صلة جدّيّة بجبل لبنان وبعاصمة “لبنان الكبير” الذي لم ينشأ قبل 1920، وعموم السنّة بينهم لا يحسبون للمسيحيّين العكّاريّين كبير حساب. يكفي القول إنّ هؤلاء الأخيرين الذين شكّلوا حتّى السبعينات نصف أهل المنطقة هم اليوم خُمسهم لا أكثر.

وهذا في عمومه ممّا لا يحمل الضاهر على مراعاة “الآخر”، أكان شيعيّاً أو مسيحيّاً، ولا على التقيّد بالأعراف التي تشي بإجماع لفظيّ حول الجيش. فهو لا يتردّد في تقديم الجيش بوصفه العدوّ، والتعاطي مع التماثيل والنُصب الدينيّة المسيحيّة بوصفها قابلة للإزاحة حتّى لو كانت مُقامة فوق ملكيّات أديرة أو أملاك خاصّة. أمّا شعار “طربلس قلعة المسلمين”، العزيز على قلب الضاهر، فيختصر رؤيته للآخر الوطنيّ الذي يواجَه ببناء قلاع تصدّه. فإذا “تسلّل” هذا الآخر إلى داخل أسوار القلعة، على ما كانت حال القوميّين السوريّين في 2008، كان الموت وحده في انتظاره.

هذا النائب المقاتل الذي قرنه البعض بالشيخ أحمد الأسير، وورد اسمه في تسجيلات ميشال سماحة كمطلوب للقتل، قال مرّةً إنّ الرسول حضر في أحد أحلام أبيه وبشّره بأنّ ابنه سيكون “رجلاً مهمّاً”. الأمر بالتأكيد فيه إحراج كبير لـ”تيّار المستقبل”!

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى