صفحات الحوار

خضر الآغا: أهم إنجازٍ لي في الحياة هو انحيازي للثورة

 

مضر الزعبي: كلنا شركاء

عرّت الثورة السوريين قبل أن تعري العالم، وكشفتهم لبعضهم البعض، فأطلقوا عليها تسمية الثورة (الكاشفة)، وكان المثقفون أول من وُضعوا تحت المجهر السوريين، فانحاز قسم منهم للسلطة ولمصالهم الشخصية، بينما قرر قسم آخر أن يكون مع السوريين في ثورتهم وأن يواجهو ما يواجه سائر أبناء شعبهم من قتل وتشريد.

الكاتب والشاعر السوري (خضر الآغا) ابن مدينة (السلمية)، وأحد أبرز المثقفين السوريين الذين وقفوا إلى جانب الثورة. كان له مجموعة من الأعمال الشعرية ومنها (أنوثة الإشارة) و(الجاهلي الذي أنا)، تحدث لـ “كلنا شركاء” عن الثورة السورية ودور المثقفين فيها، كما تحدث عن موقف الشاعر (أدونيس) من الثورة، وعن مدينته (السلمية)، بالإضافة للتطورات على الساحة الدولية، فكان الحوار الآتي:

هل مازلت تؤمن بأن الثورة السورية مستمرة ولم يتم سرقتها؟

أنا من الذين مازالوا يعتبرون أن الثورة مستمرة طالما يوجد سوريون يؤمنون بالأهداف التي انطلقت من أجلها الثورة، فهي مستمرة على الرغم من كل الطحالب والأشنيات التي نمت على جسد الثورة، فتلك الأشنيات والطحالب ليست من شأنها إزالة وتفكيك جسد الثورة.

نحن جميعا نعرف حجم الثورة المضادة، وحجم القوة التي استماتت، وما تزال، للقضاء عليها، سواء كانت قوة محلية أو ميلشيات مستأجرة ودول كبرى، وأيضاً نعرف كيف تم صناعة قوة انحسبت بهتاناً وزوراً على الثورة، وهي عبارة عن قوة مضادة. كل جعل للبعض من السوريين والعرب وحتى العالم، مشهد الثورة بالنسبة لهم غامض ومشوش.

وأنا أحد الناس الذين لا يزالون يستطيعون بدقة رؤية الجوهر والعمق المتمثل بالناس الذين لم ينفكوا يطالبون بإسقاط النظام والحرية والكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكون الثورة في أصعب مراحلها وأكثرها بطشاً وكونها في أضعف المراحل التي تمر بها، إلا أن كل ذلك من المفترض أن يجعلنا لا نشعر بالهزيمة، فالثورة ما زالت مستمرة.

كثير من المثقين السوريين اختاروا انتقاد الثورة عن بعد، دون أن ينخرطوا بشكل فعلي في الثورة، كيف تنظر لهذه الظاهرة؟

أعتقد أن النقد ضرورة لاستمرار أي ظاهرة إيجابية، إن كانت ظاهرة اجتماعية أو ثقافية أو ثورية، حتى أنه ضرورة لثورة بحد ذاتها إن كان النقد يصدر عن منخرطين بالثورة أو قريبين منها، فذلك قد يكون حاسماً في استمرارها، ومع ذلك لست ضد من انتقدها عن بعد بسبب أنه بعيد، بل بسبب أن انتقاده لم يكن ينبثق عن واقعها، بل عن تصورات واهمة لما يجب أن تكون عليه الثورة، وغالبا تم انتقاد الثورة اعتماداً على أفكار موجودة في الكتب، وهذه الأفكار لم تثبت ولا مرة انطباقها على ثورة حدثت على الأرض، والبعض انتقد الثورة على مقاسه الشخصي وعلى مقاس أفكاره وتصوراته عن الثورة، وهذا النوع من النقد قد يكون أضر بالثورة وبطريقة ما قد يكون ضدها.

الشاعر أدونيس انتقد الثورة بشكل عنيف، بعض الأشخاص اعتبر انتقاد أدونيس للثورة ينبثق من منبع طائفي، كونك شاعر ما هو رأيك؟

الحقيقة لا أريد أن أقول طائفي بالمعنى المباشر للكلمة، لكن لدى (أدونيس) اتجاه فكري موجود في كتابه (الثابت والمتحول) الذي هو بحث الاتباع والإبداع لدى العرب كما يسميه (أدونيس). في هذا الكتاب ينطلق من تقسيم الإسلام إلى إسلاميين، إسلام ثابت شرعي لا يتقدم لا يتطور حرفي، هذا هو الإسلام (السني) لديه، وإسلام متحرك ثوري لا يأخذ بحرفية النص بقدر ما يأخذ بتأويلاته، وهذا الإسلام هو الإسلام (الشيعي). هكذا يعتبر (أدونيس) الإسلام.

(أدونيس)، وعلى طول كتابه وهو أربعة أجزاء، وعلى طول دراساته لاحقاً، وحتى شعره، ينتصر للجانب المتحرك من الإسلام كما يقول، وهو الجانب (الشيعي)، وقد نظر للثورة على أنها خرجت من الجوامع، الأمر الذي يعني أن (السنة) هم الذين خرجوا بها، الأمر التي يعني أيضا لـ (أدونيس) أن هذه اللحظة هي لحظة رجعية، لا يجب على (السنة) أن يتحركوا، لأنهم ينظرون للنص بحرفيته، ولأنهم شرعيون وثابتون، كما قال عنهم في كتابه.

(أدونيس) في كتاباته وأفكاره يعتبر أن الإسلام السني برمته لم يخرج عن الفترة الأولى للإسلام الجامدة وهي مرحلة (أبو بكر الصديق وعثمان) وهذا النسق، ثم يعتبر أن الإسلام الحقيقي المتحرك والثوري هو إسلام (علي بن أبي طالب)، ضمن هذه التركيبة (أدونيس) ينظر للإسلام برمته (السني) على أنه ثابت يجب ألا نصدقه، وهو يعتقد أن هذا النوع غير ثائر كما يقول “علينا ألا نصدق أنه يثور”، وهذه هي قراءتي لموقفه.

يحاول البعض صبغ الثورة بطابع طائفي وبأنها تستهدف الأقليات، كونك ابن مدينة (السلمية) هل تعتقد أن الثورة طائفية؟ وما هو دور الأقليات؟

الحقيقة أنا دائماً ما أقول إن أعداء الثورة هم الطائفيون، وهم الميلشيات (العراقية والأفغانية وميلشيات حزب الله والإيرانيين)، فهم الطائفيون، وهم من قاتلوا الثورة لأسباب عقائدية، وهم من رفعوا شعارات (لبيك يا حسين ـ لبيك يا زينب)، وهم الذين قالوا منذ البداية (لن تسبى زينب مرتين)، وكل ذلك حدث فعلاً قبل أن تظهر تشكيلات إسلامية، وقبل أن تظهر تشكيلات متطرفة.

الثورة التي حرجت في آذار 2011 لم ترفع شعاراً واحداً يوحي بأنها طائفية. بعد ذلك ربما وجد بعض (الانحرافات) الطائفية إن صحت التسمية، لكن ذلك كان حدث لأول مرة عقب مجزرة (الحولة) التي ارتكبها شبيحة طائفيون، شبيحة ينتمون للطائفة (العلوية)، وهذه واحدة من ألاعيب النظام التي استخدمها وما يزل.

نظام البراميل قام منذ البداية بالعمل الدموي من أجل إظهار البعد الطائفي لدى الناس الذين خرجوا ضده، نحن نعلم جميعا أن المظاهرات في مناطق الأقليات لم يتم مواجهتا بالرصاص الحي، ولم يقتل أي متظاهر فيها، وقتل بعضهم تحت التعذيب، كما قتل بعضهم عندما وجدوا في مظاهرات في مناطق أراد النظام إظهارها أنها (سنية)، لذلك أعداء الثورة هم الطائفيون.

قلت النظام لم يقابل المظاهرات في مناطق الأقليات الثائرة بالرصاص الحي، لماذا توقفت المظاهرات في تلك المناطق ولاسيما السلمية؟

توقفت في مدينة (السلمية) ربما عندما توقفت المظاهرات في عموم سوريا، عندما انتقلت الثورة للمرحلة المسلحة، في هذه الأثناء توقفت عموم المظاهرات في سوريا باستثناء مناطق قليلة.

الشارع في السلمية، هل هو موالي للأسد؟

هناك موالون، لكن الشارع طبعاً لا، وغير موالي على الإطلاق. السلمية مدينة يسيطر عليها الشبيحة ويسيّر أمورها الشبيحة، ويتسلطون على الناس. صحيح أنه لا يوجد مقاومة فعلية للشبيحة، ولكن هذا لا يعني أن الشارع موالي، وأنا أعرف المدينة جيداً كونها مدينتي وعشت فيها طويلا، هي مدينة تعتبر من المدن المعارضة بقوة لهذا النظام الإجرامي.

كيف تنظر لظاهرة عودة بعض المعارضين لحضن النظام؟

العودة لحضن الوطن ليست ظاهرة، من عاد يمكن النظر إليه على أنه من الذين كانت وظيفتهم اختراق الثورة وتشويهها، وعادوا إلى الوطن الذي شغلهم منذ البداية بهذا الشغل، وهو اختراق الثورة.

وعندما سميت الثورة السورية بأنها كشافة، أعتقد أنها تسمية صحيحة، لقد كشفت غالبيتنا لحد الآن، وهذا عمل الثورات في العادة.

كيف تنظر للتطورات على الساحة السورية؟

أنا الآن في وضع كارثي، لا أريد أن أبدوا متشائماً جداً، كما أنني لست متفائلاً جداً، الوضع برمته الآن وضع كارثي، لقد سُحب البساط من يد السوريين وترك بيد القوة الكبرى، والقصة الكبرى أيضاً أن الطرف الأقوى في القوة المتحكمة هو الطرف المحتل، وهو الطرف الذي حارب ومايزال يحارب الثورة، وما يجري الآن هو إجبار المعارضة العسكرية والسياسية على الإذعان، وباعتبار أنها في موقف الضعف فإن ذلك يؤهل تلك القوى المتحكمة أن تفرض شروطها أو على الأقل يجعلها تتصرف انطلاقا من ذلك الواقع، وباعتبار أن القوة  السياسية والعسكرية المحسوبة على الثورة، للأسف الشديد، مرتبطة بأجندات الدول الداعمة لها، فإن ما تريد أن تحققه، للأسف أيضا، هو أجندات تلك الدول، وما يحصل الآن هو تغييب السوريين والثورة عن المشهد العام.

ماذا أضافت الثورة للكاتب والشاعر خضر الآغا، وهل تشعر بالندم لوقوفك إلى جانب الثورة؟

ندم!؟ إذا كان لي من إنجاز معتبر في هذه الحياة فهو انحيازي لهذه الثورة، يمكن أن أقول بكل ثقة إن تاريخي الشخصي والثقافي بدأ مع هذه الثورة. الثورة غيرتني وغيرت طريقة تفكيري وكتابتي ونظرتي للكتابة. ببساطة الثورة خلقتني من جديد.

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى