صفحات العالم

خطأ أوباما الحقيقي في سوريا/ كريستوفر ر. هِل

 

 

بينما تشرف فترة أوباما الرئاسية التي استمرت ثمانية أعوام على الانتهاء، يواجه أوباما المزيد من الانتقادات بسبب فشله في وقف المجزرة في سوريا حيث يعتقد كثيرون أن ذلك يمثل أفدح أخطاء أوباما، ولكن البدائل التي يشير إليها منتقدوه كان يمكن أن تؤدي للمشاكل كذلك.

إن منتقدي أوباما يدينون قراره بعدم القيام بتدخل عسكري قوي وفعال من أجل الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في وقت مبكر من الصراع حيث كان من الممكن عندئذ أن تدعم الولايات المتحدة الأميركية قوى أكثر اعتدالا من المفترض أنها كانت فاعلة على الأرض، أو على أقل تقدير يقول منتقدوه إنه كان يتوجب عليه تطبيق “الخطوط الحمراء” التي وضعها مثل التدخل في حالة قيام نظام الأسد باستخدام أسلحة كيميائية.

يقال إن فشل أوباما في التدخل بشكل مبكر وحاسم يعني أنه تهرب من “مسؤولية حماية” المدنيين من الحكومات التي ترتكب جرائم حرب ضدهم وهي مسؤولية تدعمها الأمم المتحدة، كما أنه ترك المجال لقوى خارجية تدعم الأسد -وخاصة روسيا التي أرسلت مدربين وطائرات هجومية لمساعدة قوات الأسد- للتدخل في الصراع.

لقد فشلت تلك الانتقادات في فهم طبيعة الموضوع، فبينما من المؤكد أن أوباما أرتكب أخطاء فيما يختص بسياسته المتعلقة بسوريا وهي أخطاء ساهمت في أن تصبح الأزمة خارجة عن السيطرة، إلا أن التدخل الذي يدعمه بشكل متزايد النقاد الليبراليون والمحافظون الجدد على حد سواء قد أثبت أنه مدمر في أكثر من مناسبة بما في ذلك العراق وليبيا.

إن السياسة التي يجب أن يدعمها النقاد والسياسيون والعامة هي سياسة خارجية أكثر تكاملا. إن وجود مقاربة تجمع بين النفوذ والمنطق ستدعم الأهداف القصيرة والطويلة المدى بحيث يتم اختيارها وإعطاؤها الأولوية طبقا لقدرتها على خدمة المصالح الأميركية ناهيك عن بقية العالم بطريقة مستدامة.

لقد كان من الممكن أن يكون أحد العناصر الأساسية لتلك المقاربة في سوريا هو التعامل مع الأسد، فالقرار الأولي بقطع جميع العلاقات ودعوته للتنحي كان يمثل فشلا في التحليل، علما أن إدارة أوباما لم تستطع لغاية الآن أن تتخلص من تبعات ذلك التحليل.

لقد اعتقدت إدارة أوباما سنة 2011 بعد ما جرى في تونس ومصر أن انتفاضة “الربيع العربي” في سوريا -والتي كان ينظر إليها على نطاق واسع على أنها حركة ديمقراطية واسعة- ستطيح بالأسد، وحتى عندما شن النظام هجمات مضادة وحشية في أماكن مثل حماة وحمص وبشكل أكثر دراماتيكية في حلب، بدا وكأن المسؤولين الأميركيين قد اقتنعوا بأن سقوط الأسد قد أصبح مسألة وقت، فقد كان الاعتقاد السائد بأنه محاصر وبأنه يصارع بشكل يائس ضد مد التاريخ الذي لا يرحم.

وعلى أساس هذا التقييم سعت الولايات المتحدة الأميركية وآخرون لعزل نظام الأسد وعملوا على توحيد مجموعات المعارضة وبدعم كبير في كثير من الأحيان كما دعوا لتأسيس حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات ديمقراطية.

لقد كان التقييم خاطئا، ونظرا لأن السياسة الجيدة مستحيلة بدون تحليل جيد كانت السياسات خاطئة كذلك.

لقد اتضحت الأخطاء في تقييم إدارة أوباما للأزمة السورية بعد ذلك بوقت قصير، وكان أكثرها وضوحا هو أن المتطرفين وبدعم أجنبي تمكنوا سريعا من الهيمنة على “الحركة الديمقراطية الشعبية”. إن الكيان الذي ظهر (تنظيم الدولة الإسلامية) لم يكن يحاول إسقاط دكتاتور وحشي بل قمع غير المؤمنين والمرتدين وإقامة خلافة إسلامية سنية متشددة.

إن العديد من الغرباء يدعون أن التطرف لم يكن أمرا حتميا وأنه حصل بالضبط لأن القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة الأميركية فشلت في التدخل بوقت مبكر وبشكل أكثر قوة، ولكن الدراسات تشير إلى أن التحول حدث في فترة مبكرة جدا وربما لم تكن الحركة المعادية للأسد تحالفا ديمقراطيا مستنيرا كما ادعى مناصروه الدوليون أو على الأقل ليس بشكل كامل.

بالإضافة إلى إساءة تحليل المعارضة، ارتكبت إدارة أوباما خطأ كبيرا في سوريا وهو فشلها في أن تأخذ بالحسبان مصالح القوى الأخرى، فروسيا على وجه الخصوص لديها مصالح إستراتيجية كبيرة في سوريا ومخاوف جدية من استيلاء الجهاديين على السلطة والذين يضمون حسب روايات عديدة عناصر متطرفة من الشيشان.

لقد رفضت الولايات المتحدة الأميركية كل ذلك حيث كانت غير قادرة على التجاوب مع أي شيء قد يقوله أعضاء حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعوضا عن ذلك أعطى المسؤولون الأميركيون في كثير من المرات محاضرات لنظرائهم الروس عن شرور نظام الأسد وأعلنوا أنه يتوجب على روسيا أن تكون على الجانب الصحيح من التاريخ.

ولكن هل الإطاحة بحكومة سيادية -وحتى لو كانت دكتاتورية مرعبة مثل دكتاتورية الأسد- ستضع الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا على الجانب الصحيح من التاريخ؟ إن سوريا ما تزال عضوا في الأمم المتحدة على الرغم من كل شيء، وعلينا أن نتذكر مجددا كيف كان مصير المحاولات السابقة لتغيير الأنظمة بالقوة مثل ما حصل في ليبيا.

لكن في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الأماكن -البعيدة عادة عن الخطوط الأمامية- تستمر الثرثرة عن الفرص الضائعة المفترضة للتدخل عسكريا وحماية المدنيين، فهناك قلة راغبون في النظر في إمكانية أن الفرصة الضائعة الحقيقة تكمن في الفشل في المساعدة في قيادة المفاوضات لتحقيق تسوية تعزز السلام وتكون قابلة للحياة، وربما كان الأمر ببساطة يتعلق بسياسة الحفاظ على الذات سياسيا؛ ففي الولايات المتحدة الأميركية وربما أكثر من أي مكان آخر فإنه يتم السخرية من تغيير المرء لرأيه واعتباره من باب التخبط وبأنه خيار أسوأ من التمسك بسياسة فاشلة.

على الرغم من ذلك فإنه يبدو أن بعض التغيرات الواعدة تحصل حاليا؛ فتنظيم الدولة الإسلامية بدأ بخسارة مواقعه كما بدأت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بتكثيف محادثاتهما المتعلقة بالمزيد من التنسيق العسكري حيث نأمل أن يمتد هذا التعاون للتخطيط لكيفية إدارة مجتمع معقد ومدمر في المستقبل.

بالطبع فمن الصعب حاليا القول ما الذي ستتمخض عنه الأزمة السورية؛ دولة جديدة بقيادة السنة؟ دول متعددة جديدة؟ بل أكثر من ذلك توجد احتمالية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. إن ما هو مؤكد أن النتيجة سيكون لها تأثير كبير على جيران سوريا والمجتمع الدولي بشكل عام مما يعني أن مصالحهم مع مصالح الشعب السوري يجب أن تكون أساس أي جهد لإنهاء المجزرة وخلق الظروف المناسبة لتحقيق سلام دائم.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى