صفحات سورية

خطاب الأسد في مجلس عزاء الحرية


رائد شما

المضحك

من شاهد لقاء مستشارة بشار الأسد (المترجمة سابقاً) ، بثينة شعبان مع هيئة الإذاعة البريطانية أو في المؤتمر الصحفي (على النمط الأميركي) في القصر الجمهوري يدرك أن النظام السوري يناور لكسب مزيد من الوقت. شعبان وعدت بإلغاء قانون الطوارئ وتوعدت ونعتت الشباب السوري الثائر بمجموعات صغيرة مخربة ومندسة ومرتبطة بمشروع خارجي. بشار الأسد في خطابه “التاريخي” أكمل ما بدأته بثينة النظام يوم أمس أمام حفنة من حثالة المجتمع السوري (ولعلها أي الرفيقة بثينة هي من نظمت هذا الخطاب الفريد)، وأثبت أن إمكانية إصلاح النظام معدومة وأن القمع والفساد باسم الصمود والتصدي سيستمر بنفس الوتيرة وبتصفيق أشد. لم يلمّح الأسد إلى أي خطوة إصلاحية أمام مجلس العزاء الديمقراطي بل انتظر يوماً كاملاً بعد انتهاء هذا الخطاب ليعلن عن تكليف لجنة لدراسة إلغاء قانون الطوارئ وإيجاد صيغ بديلة عنه لأن الشعب ملّ هذا القانون واسمه القديم فاستجاب الرئيس لمطالب الجماهير بتغيير اسم قانون الطوارئ إلى قانون مكافحة الإرهاب (أو كما نقول بالعامية السورية نفس ال…ة بس غير ريحة).

أكثر ما كنت أخشاه قبل خطاب الأسد هو أن يتصرف النظام بحنكة مع الثورة بحيث يستجيب لمطالب الشعب و يُجري إصلاحات سريعة ويقدّم اعتذاره عن الدماء التي سالت وبذلك يمتص النقمة الشعبية ويطفئ الثورة في مهدها. ولكن لحسن حظ سوريا وأحرارها هو أننا نتعامل مع نظام أمني استبدادي لا يفهم إلا بلغة السجن والرصاص.

الأسد الذي لم يتمالك نفسه من الضحك على المنافقين في مجلس الشعب الذين قاطعوه أكثر من مرّة بأبيات شعرية “عفوية” حتى ظننا أن كلمة الأسد هي في اتحاد الكتاب العرب أو في مجلس للشعر وليست في المجلس “الموقر” حتى أن بعض الأعضاء من هواة شعر التفعيلية استرسل بنفاقه وطالب بكلمات مؤثرة سيده الأسد إلى قيادة العالم!

الفساد

المفسدون بحسب القائد الاستثنائي بشار الأسد هم فئة قليلة ومعروفة تم إقصائها والقضاء على الفساد. يبدو هنا أن الأسد يقصد بالفئة التي تم إقصائها بعض الأشخاص الذين تخلفوا عن دفع مستحقاتهم لعائلة الأسد فتوجبت عليهم الملاحقة القانونية. فكما نعلم الفساد بسوريا هو ليس مرتبط بأشخاص كوزير أو محافظ أو رئيس مخفر بل بالنظام وبنيته التي ترتكز على الفساد. فهو نظام يشبه نظام “الخلافة” التركي حيث يقوم “الباب العالي” بتوزيع البلاد على أشخاص ليحصّلوا وينهبوا من الناس مقابل حصة أو نسبة معينة تدفع للشخص الأعلى حسب التسلسل الهرمي إلى أن نصل في النهاية إلى ماهر الأسد ورامي مخلوف و بالتالي إلى “الخليفة” بشار الأسد. الفساد بسوريا وعلى لسان أحد المسؤولين السابقين هو من أهم مرتكزات الحكم في سوريا. فالفساد يقدّم كمكافأة للأوفياء لضمان ولائهم ويستخدم أيضاً كوسيلة ضغط لإخضاع المشكوك بإخلاصهم وأحياناً كدليل لتصفية من يفكر بالتمرد. يقول هذا المسؤول: “لا تظن أبداً أن هناك أي مسؤول في سوريا ومنهم أنا لا يحتوي ملفه على معلومات واثباتات تكفي للقضاء عليه إذا دعت الضرورة”.

المبكي

بعض المناطق والتي كنا نتوقع أن تكون سباقة لدعم الثورة لم نشاهد منها أي حراك يذكر حتى الآن، ربما بحجة تجربة أليمة مع النظام أو لتواطئ وجهائها وشيوخها وهناك مناطق أخرى تراقب وتنتظر لتنجلي الصورة أكثر. أتمنى وعلى طريقة النظام أن تحدد هذه المناطق رأيها بصراحة إما أن تكون مع النظام وبالتالي ضد الثورة أو مع الثورة وضد النظام، لا مكان لأنصاف الحلول ولا مكان للمناورة. نصيحتي للمترددين هي أن يراجعوا حساباتهم وأن يتذكروا أن الثورة ستتعامل معهم على أساس دورهم السلبي. النظام سيعدكم ولن يفي بوعده والثورة إذا انتصرت لن تنصف من لم يساندها.

آن الأوان لإيقاف العمل بكلمة “سلمية” المنحطة فهي تذكرني بالنعاج وهي تقترب من سكين الجزار.طالبوا باسقاط النظام ومحاكمة المجرمين ورحيل بشار الأسد ولاداعي إلى كلمة سلمية فالمتظاهر الأعزل ليس بحاجة لتبرير أو شهادة حسن نية لتظاهره. أنا لا أدعوكم إلى استخدام العنف ولكن أدعوكم إلى تحديد المطالب ووضعها أمام العالم. النظام يستخدم تردد المتظاهرين وعدم وجود مطالب واضحة لهم ليثبت للعالم أن المتظاهرين لا يملكون مطالب واضحة وهم مجموعة من المخربين الغوغاء.

كلمة حرية وعبارة الشعب يريد الحرية مبهمة وفضفاضة ونسبية لا بد من وضعها ضمن سياق معين لتعطي معنى أدق على سبيل المثال حرية التعبير وحرية الرأي و حرية الصحافة….

يجب توضيح هذه المطالب وتوحيدها، لانريد المزيد من الاصلاح ولا دراسة إلغاء قانون الطوارئ واستبداله في المستقبل بصيغة أخرى. هناك مسألة الحزب القائد للدولة والمجتمع واحتكار الحياة السياسية ومحاكمة مرتكبي المجازر الأخيرة. الشعب يريد تغيير الرئيس والنظام الحاكم وليس تغيير(موظف يعيش على النسبة) كرئيس مجلس الوزراء لا بل أن أكثر ما يخيف الشارع السوري الآن هو التعديل الوزاري واستبدال أصحاب الكروش الكبيرة التي شبعت نسبياً بأصحاب الكروش الضامرة الجائعة.

نحن نتعامل مع نظام مجرم سيكذب ويسجن ويقتل ثم يرسل المعزين وحفاري القبور. نظام يزيف ويلفق التهم، نظام قرر أن يتبع السيناريو الهمجي في التعامل مع الثورة. الإنجاز الذي قام به أحرار سوريا هو إنجاز يستحق التحية فلأول مرة منذ انقلاب حافظ الأسد يواجه النظام السوري حراك شعبي واسع. يواجه هذا النظام الشعب، وهنا يجب التشديد على المحافظة على هذه الإنجازات والاستمرار بها. ولا بد هنا أن نشيد بدور تضحيات وصمود أبناء درعا واللاذقية والتي لولاها لما كانت الثورة على الطريق الصحيح رغم أنف النظام السوري. بشار الأسد ولأول مرة منذ استلامه مقاليد الأمور قبل حوالي أحد عشر عاماً يواجه ثورة ظن لعدم قدرته على قراءة المتغيرات أنه بمنأى عنها، من المرجح أن يستمر النظام بإراقة الدماء خصوصاً في المدن الصغيرة ولكن من المستبعد أن يتبع نفس السياسة في المدن الكبيرة معوضاً عنها بالضرب والاعتقال كما حصل في دمشق وحلب.

لا نراهن سوى على شعبنا وشبابنا لكن من المؤكد أن العامل الخارجي سيكون حاضر في الأيام القادمة. فمع استمرار الضغط في الشارع السوري، فإن كثير من الأطراف الدولية والإقليمية والتي التزمت الحياد والترقب ستجد نفسها مضطرة للضغط على النظام السوري وربما التدخل في المستقبل. قانون الغاب الذي يتبعه بشار ومن معه ولغة الوعيد والتهديد لن تجدي فالثورة بدأت وإرادة الشعب لا تقهر. الشهداء ضحوا بدمائهم من أجل حرية و كرامة سوريا وعزّة شعبها، لا لكي يجبروا بشار الأسد أن يقهقه مكشراً عن أنيابه أمام مجلس المصفقين.

الثورة اشتعلت …. بارك الله بمن أشعلها..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى