صفحات العالم

خطاب الرئيس..!


محمد خلفان الصوافي

التفسير الأسهل لحالة خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الأسبوع الماضي أنه يعيش ما يسمى بالجهل السياسي. الكلمات يمكن أن تكون سبباً في تهدئة غضب الرأي العام وإطفاء ما تشعر به النفوس من احتقان إذا ما جاءت مناسبة ونجحت في إقناعهم بأن النية صادقة. الظرف السياسي الذي تمر به سوريا لا يسمح بتقطير الامتيازات، كما هو حاصل الآن. ولا يمكن استسهال وقع الكلمات بأن تحل محل السيف الذي يقطع “شعرة معاوية” بين الرئيس وشعبه ومع العالم كله باستفزازهم.

الذاكرة العربية مليئة بقصص خطب الرؤساء لشعوبهم، حين يتصرف وكأنه الوحيد في هذا العالم ولا يهمه أحد. قلة هي الخطابات التي نجحت في احتواء الموقف وتهدئة الأمور، لكن في الأغلب كانت “الرصاصة” باتجاه الرئيس نفسه. الناس يبحثون عن لقمة العيش وعن الكرامة وهذا ما ينتظرونه من خطاب الرئيس. لا أحد مهتم بالمفردات القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب، ولا بمن يحيك للنظام المؤامرات التي هي من نسج خياله. أي حديث عن استقرار البلاد منبعه العلاقة بين الرئيس وشعبه، والشعب هو أساس الشرعية. ليس سهلاً على المراقب أن يؤيد رئيساً يخاطب الناس بطريقة تكرر المشهد الذي أنهى فترات حكم رئاسية كان يعتقد أنها أزلية.

لجنة المراقبين العرب كانت فرصة للأسد كي يقدم نفسه للعالم بصورة أحسن. خطاب الرئيس أظهر سوريا للعالم وكأنها معزولة. فهو يخاطب شعبه قرابة الساعة ونصف الساعة بـ”دردشة سياسية” وكأنه يريد منافسة الآخرين من حيث زمن الخطب. كان واضحاً أنه غير مدرك لما يحدث حوله، فبينما كان يلقي خطاباً يتهم من في الداخل والخارج بالتآمر على سوريا، كان الشعب في شوارع دمشق يحرق صوره ويطالبه بالتنحي.

التشدد في المواقف السياسية ليس دائماً دليل قوة، بل العكس هو دليل الضعف غالباً، خاصة إذا كان الأمر متعلقاً بالداخل. واستعراض القوة هو عدم ثقة بالنفس. أعاد الرئيس بخطابه سوريا إلى نقطة الصفر، سواء في الداخل أو في الإقليم الذي سماه بالمستعربين، وكأن فن قتل الرئيس لشعبه هو من صفات العروبة الأصيلة، حيث تجاوز عدد القتلى 5000 شخص. لم يبق له في العالم صديق، فمن يقف معه الآن؟

ليس من الحنكة السياسية أن تفتح كل الجبهات ضدك مرة واحدة، خاصة في وقت أنت بحاجة إلى كسب أصدقاء. الرئيس لا يكف عن ارتكاب الأخطاء، ليس فقط في حق أعدائه المتربصين به بل في حق حلفائه وشعبه، وهو ما يزيد الطين بلة. وإذا كان بشار يدرك السياسة فعلاً فهو الآن أكثر من يحتاج إلى تأييد شعبه له، والدروس على الأرض توضح ذلك. بتصرف بشار الغاضب، ألغى الكثير من المواقف الإيجابية، وربما يدفع نحو قرار أممي قريب سيكون صعباً على سوريا وعلى المنطقة.

للأسف يبدو أن الرئيس لم يتعلم الدروس ولم يستوعبها. كل دول العالم لديها أعداء وليس سوريا فقط، لكن التسلح بالشعب هو الذي يحمي الرئيس. وكل الأعداء يبحثون عن علل لإسقاط الدول، والحنكة السياسية تتطلب عدم توفيرها. حدث مثل هذا مع صدام حسين، ويحدث مع أحمدي نجاد الذي خسر المجتمع الدولي، وحدث مع القذافي حين استعان بالمرتزقة ضد شعبه.

نقلا عن (الاتحاد) الإماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى