سعيد لحدوصفحات سورية

خطاب بشار الخامس: خمسة بعيون الشيطان


سعيد لحدو

تعويذة الخرزة الزرقاء استخدمها أهالينا لوقاية أبنائهم المدللين من الشرور. ولقد استحق بشار الأسد بعد خطابه الخامس خرزة زرقاء تتدلى في وسط نعل فرس أصيل تعلق بين عينيه دراءاً لعين الحاسد. وكان من المستحسن أن تعلق له هذه الخرزة قبل هذا الخطاب ليتجنب بذلك مس الجن ووساوس الشيطان التي كانت بادية عليه وعينه على الألفي ليرة سورية التي أقنع نفسه بأن ذلك الشهيد قد تقاضاها مقابل أن يستشهد في تظاهرة!!! إنه عصر “سوريا الأسد” التي وبعد أربعة عقود ونيف من حكم “القائد الرمز” أن أصبح الدم السوري، في عيني طبيب العيون المفتقر للرؤية الصحيحة، بهذا الرخص عندما بات التشبيح والقتل وطنية والتظاهر من أجل الكرامة عمالة وإرهاباً ولصوصية وسلفية وارتزاقاً واندساساً (وهذه الأخيرة لا أدري لماذا اختفت من قاموس بشار في الآونة الأخيرة). لعل تعويذة يكتبها أحد أولئك المتسولين الذين كنا نسميهم بالدراويش تعلق في رقبة بشار (اللهم لاحسد) الدائمة التمايل تساعد في أن تجعلها تهدأ قليلاً ليتسنى له إكمال جملته عن الإرهاب والإرهابيين. لأنه كما يبدو، كلما أراد ذكرها تهتز نوابض الرجولة عنده وتتمايل رقبته، فيلوِّح بيديه في الهواء وكأنه يقاتل أشباحاً تطارده.

بشار هذا (اللهم لاحسد مرة أخرى) بشرنا في خطابه الخامس ولعله الأخير بأنه أنجز سلة إصلاحاته التي لم يرها أحد. ويبدو أنها سر من أسرار الدولة التي لايسمح لأحد بالاطلاع عليها. ولكن إذا أردنا أن نرى انعكاس تلك الإصلاحات على أرض الواقع فهنا حدث ولا حرج. فلا تخلو زاوية من أرض الوطن إلا وتجد لتلك (الإصلاحات) أثراً واضحاً جلياً. فبحسب تعبير بشار إياه فإن أعداءه الحقيقيين لم يعودوا على الجبهة وإنما في الداخل. وهذه الحقيقة التي كنا نعرفها منذ أربعين سنة، اكتشفها بشار الآن فقط، لأنه كما يبدو صدق كذبة والده وحسن نصر الله، واعتقد متوهماً أو متعمداً أنه يقاوم الاحتلال. فإذا به يقاوم الشعب الذي ثار لكرامته وأراد استعادة وطنه من محتليه. ولهذا، وبعد هذا الاكتشاف الفذ لبشار، سحب دباباته ووحداته العسكرية من خط الجبهة ووجهها إلى البلدات والمدن السورية، حيث العدو الحقيقي لبشار ونظامه. فكان من جملة الاصلاحات التي حققها بالفعل، أن وزع الشهداء على بيوت السوريين وعائلاتهم بما فهمه من العدل والمساواة. وقَبِلَ السوريون هذا التوزيع برضى وافتخار حتى وإن لم يعدل بينهم،لأنهم يعرفون أن ثمن الحرية غالٍ ونفيس، ولابد من دفعه.

صورة أخرى من تلك الإصلاحات التي كانت نائمة في أدراج قيادة بشار القطرية أن أصلح مجلس المصفقين بإنقاص عدد مرات التصفيق (وليس عدد المصفقين) من 44 إلى سبعة فقط في الخطاب الواحد، واقتصارها على حالات السأسأة بدلاً من التثاؤب والتأفف والتمايل والقهقهة. التي، كما بدا له، لم تجلب له الحظ السعيد وفق ما تنبأ له عرافوه من مريدي ولاية الفقيه ومنظفي ممرات فردوسه السياسي. وهذه بحد ذاتها قفزة كبيرة لبشار في الهواء، ولا يدري إن كان سينفذ من تأثيراتها البشرية بعد أن يسقط ويلمس إسته الأرض. لأنه بهذا يكون قد تساوى مع البشر الآخرين، بعد أن صدق زعم شبيحته بأنه المعبود الأوحد.

الإصلاح الأبرز لبشار كما أعلن في خطابه الخامس (خمسة بعيون الشيطان، بحسب جارتنا المؤمنة إذا تعوَّذت)، أن الطبيب إذا أجرى عملية فلابد له من استئصال العضو المريض لتخليص الجسم. وعندئذٍ لن يلومه أحد على تلطيخ يديه بالدماء. وبشار هذا سواء كان طبيباً أو وارث سلطة، لم يجرِ في حياته كلها عملية واحدة باستثناء هذه العملية التي شاء من خلالها استئصال الجسم لخلاص العضو المريض المتمثل بعائلته وزبانيتها. مبرراً بذلك تلويث يديه الآثمتين بدماء أبناء سوريا الأبرار. ولهذا فقد أراد الشعب تصحيح نظرته ومفاهيمه المقلوبة فقام بثورته هذه.

طبيب العيون المزعوم لايرى ولايسمع ولا يتكلم، لكنه يهذي. وخطابه الخامس هذا أحد أبرز تجليات هذيانه. ولا أدري إن كانت تعويذة جارتنا المؤمنة حتى النخاع ستفيد حالات من هذا النوع، وبخاصة إذا لم تكن هذه الحالة رجس من عمل الشياطين بل متأصلة في صاحبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى