صفحات العالم

خطاب «حال الاتحاد» للرئيس باراك أوباما –مجموعة مقالات-

 

 

 

 

واشنطن بخير تراقب تورط الآخرين في حروبهم /راغدة درغام

ما غاب عن خطاب «حال الاتحاد» للرئيس باراك أوباما ملفتٌ أكثر مما جاء فيه، لجهة الأوضاع الدولية ومواقف الولايات المتحدة نحوها. واضح أن الرئيس أوباما أراد أن يعترف له الشعب الأميركي بما يعتبره إنجازه، في التحسن الملحوظ للاقتصاد وتعافي الولايات المتحدة بعد الأزمة الاقتصادية. أراد أن يذكره الشعب الأميركي بأنه الرئيس الذي انتشل الولايات المتحدة من حروب الآخرين وأوكل الحرب على الإرهاب اليهم كي لا يعود الجنود الأميركيون في الأكفان إلى بلادهم ولا يدفع المواطن الأميركي الثمن. افتخر بإنهاء التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان، وأعلن فتح صفحة جديدة مع كوبا ودعا الكونغرس إلى إعطاء الصلاحية للحرب على «داعش». مرّ على العراق وسورية من باب الحرب على «داعش» وذكر عابراً دعم المعارضة السورية المعتدلة في إطار الحرب على «داعش». لم يذكر الرئيس السوري بشار الأسد على الإطلاق، فيما كان في خطاباته السابقة أعلن أنه افتقد الشرعية ويجب أن يرحل. لم يتحدث عن إيران سوى من باب المفاوضات النووية واعتزامه فرض فيتو على أي محاولة للكونغرس لفرض عقوبات إضافية على إيران أثناء المفاوضات. تعمّد تجاهل الدور العسكري الإيراني في سورية وكذلك في العراق وغض النظر عن العملية العسكرية الإسرائيلية التي أودت بقيادات مهمة لـ «حزب الله» و «الحرس الثوري» الإيراني في الجولان السوري. لم يُبرز النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي الذي كان قد وضع حله في صدارة أولوياته في مطلع ولايته الأولى. والأهم، أن أوباما لم يأتِ على ذكر اليمن، ساحة حربه السرية على «القاعدة» في استراتيجية «الدرونز»، أي الطائرات بلا طيار التي عاونته فيها الحكومة اليمنية، الحكومة ذاتها التي كانت تواجه انقلاباً على أيدي الحوثيين المدعومين من إيران، فيما كان أوباما يلقي خطاب «حال الاتحاد». والملفت كذلك أنه لم يأتِ على ذكر «القاعدة»، وهذه أول مرة منذ إرهاب 9/11 يغيب ذكر «القاعدة» عن خطاب «حال الاتحاد» التقليدي السنوي للرئيس الأميركي.

قد يقال: ولماذا على الرئيس الأميركي أن يتحدث عن جنون قبائلي وعشائري وطائفي وسلطوي في اليمن فيما يخاطب الشعب الأميركي عن حال بلاده؟ لماذا على الرئيس الأميركي أن يعكّر صفو أجواء الارتياح للتعافي الاقتصادي وأولويات الطبقة الوسطى ليتحدث عن عواقب عدم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران؟ ومن قال إن الشعب الأميركي –أو رئيسه– غير راغب في تكليف الآخرين شنّ الحرب على «داعش» في عقر دارهم كي لا تقع تلك الحرب في المدن الأميركية؟ ثم مَن قال إن سياسة أوباما الرافضة الانخراط في سورية لم تكن في المصلحة الأميركية بعدما بات واضحاً أن سورية باتت حقاً فيتنام إيران وبعدما أدركت روسيا أنها سترث سورية المفككة المليئة بمجموعات متطرفة متأهبة للانتقام من السياسات الروسية داخل سورية وروسيا على السواء؟ وبالمناسبة، ألا يُقال إن انخفاض سعر النفط الذي يجرّ إيران وروسيا إلى الركوع أتى بإيماءة موافقة أميركية؟ فلماذا على الرئيس باراك أوباما أن يفصّل كل هذه «الإنجازات» في خطاب «حال الاتحاد»؟

حال العالم بالتأكيد ليس من مسؤولية الولايات المتحدة بمفردها، ولا هو من صنع الدهاء الأميركي وحده، لكن الولايات المتحدة ليست بريئة منه أبداً، فبالتأكيد أن الولايات المتحدة تصنع سياسات تخدم مصالحها ولا تتوقف عند رئيس لأربع سنوات أو ثمانٍ. ولا شك في أن السياسات الأميركية بمعظمها عملية وبراغماتية أحياناً لدرجة دحض مزاعم التفوق الأخلاقي لدى الأميركيين، فهذه دولة عظمى لا تتوقف عند أي محطة تعيق القطار السريع الذي يضمن للولايات المتحدة الاستفراد بمرتبة الدولة العظمى وترقية مصالحها الاقتصادية والجيو- سياسية والاستراتيجية فوق أي صداقات أو تحالفات، ربما باستثناء التحالف مع إسرائيل، ولذلك وجد الذين افترضوا الدعوة الأميركية اليهم للتفضل إلى عربة «في.آي. بي» دعوة لا عودة عنها وتخوّلهم الشراكة الدائمة، أنفسَهم دائماً في محطة عابرة يُودَّعون باستغناء عنهم.

حال الرئيس باراك أوباما في أذهان غير الأميركيين الذين تعلقوا بوعوده التي أغدق بها على العالم، ليست جميلة، فهو الرجل الذي امتطى فرساً إلى أحلام الأكثرية في العالم ورغباتها، ثم أتت الاستفاقة إلى الواقع البراغماتي ورافقتها خيبات الأمل. يحق للذين خابت آمالهم أن يغضبوا وينددوا بأن أوباما وسّع بيكار الوعود لتشملهم وتجعلهم يشعرون أنهم من قاعدته الشعبية، ثم اصطدموا بالواقع العملي، وهو أن باراك أوباما رئيس أميركي وليس رئيساً عالمياً، وبالتالي هو جزء من شبكة الحكم في الولايات المتحدة -establishment- التي تصنع السياسة الأميركية البعيدة المدى وتحفظ المصالح الأميركية على حساب أي اعتبارات أخرى، شاء أم أبى. وعلى الرغم من ذلك، لا مناص من تحمّله مسؤولية ما اختاره من سياسات السلطة التنفيذية حتى لو كانت جزءاً من الاستراتيجيات المرسومة قبل عقود، ولعقود آتية.

قراءة ما جاء في خطاب «حال الاتحاد» وما غاب عنه مفيدة، لكن الإفراط فيها مضر، لأن الرئيس الأميركي في البيت الأبيض يشكل الجزء وليس الكل للسياسة الأميركية الاستراتيجية. التكتيك مهم للمعنيين بالسلطة في مختلف المواقع إن كانوا يملكونها أو إن كانوا يخططون لامتلاكها، ولأن المنطقة العربية مليئة بالنوعين، ستتعدد القراءات وستتزاحم التفسيرات لمعنى ما جاء وما غاب عن الخطاب، لأن وطأتها على الرجال في السلطة والساعين وراءها تُترجَم بأفعال على الساحة اللاأميركية.

في اليمن، حيث تشن الطائرات الأميركية بلا طيار حرباً على «القاعدة» منذ سنوات، تبيّن أن «سياسة الدرونز» قاصرة، لأنها لا تترافق مع جمع المعلومات الاستخبارية على الأرض لكي تكون حرب «الدرونز» على «القاعدة» فاعلة. ولأن ما يتحكّم بسياسة أوباما المبنية على رغبات الشعب الأميركي هو «نظافة» الحروب الأميركية، بمعنى ألا ترافقها دماء الأميركيين، استمرت سياسة التحليق فوق الأرض في اليمن والاكتفاء بمراقبة أخطر تطوّر في حرب متعددة الأطراف والهويات وصلت إلى انقلاب بات معلّباً جاهزاً لخلع الحكومة الصديقة للولايات المتحدة.

سياسة غض النظر التي اعتمدتها إدارة أوباما في أكثر من مكان لا تعني بالضرورة أن تلك الإدارة اختارت طرفاً على الآخر. إنها تكتيك في استراتيجية عدم الانجرار إلى حروب الآخرين. وهي أيضاً جزء من سياسة بدت واضحة في عهد أوباما قوامها الاستنزاف.

فإذا كان الرد على عنجهية الحوثيين المدعومين من إيران واعتقادهم أن في وسعهم السيطرة على اليمن، هو باستنزافهم على أيدي «القاعدة» فليكن، وليكن اليمن مقبرة الطرفين، فقد سبق وأصبحت سورية مقبرة جميع الأطراف في حرب استنزاف لن تنتهي لمصلحة أي طرف فيها. الولايات المتحدة ليست طرفاً مباشراً في حروب الاستنزاف، وهذه سياسة وليست صدفة.

هذه السياسة ليست حكيمة، إنها استثمار خطير في تنمية التطرف بجميع أنواعه مهما كانت حالياً ومرحلياً تخدم سياسة اللاانجرار واللاتورط التي يعتمدها الرئيس أوباما. صحيح أن التربة في المنطقة العربية خصبة وجاهزة للتطرف بإيماءة من أيٍ كان –وليس بالضرورة من الولايات المتحدة وحدها–، لكن السياسات الأميركية نحو المنطقة ليست بريئة من فنون الإيماء والإيحاء التي أوقعت المنطقة العربية في دوامة التغيير الفوضوي والدموي، فليس أمراً عابراً أو تطوراً أتى سهواً أن الولايات المتحدة تخلّت في عهد أوباما عن حلفاء لها هم في الحكم لعقود، منهم من تحولت البلاد بعده إلى شريعة الغاب وتشرذم مذهل، كما في ليبيا، ومنهم من عاد انتقاماً من سياسة الاستغناء الأميركية التي أصابته، مثل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي يتحالف الآن مع الحوثيين بهدف العودة إلى السلطة ولو على انقاض اليمن المُستَنزَف.

الناحية الأخرى الخطيرة في السياسة الأميركية هي تعمد التضليل طالما أن ذلك يخدم المصلحة الأميركية، فالمؤسسة الحاكمة الأميركية بمختلف وزاراتها ودوائرها تدرك أن لديها كلاً من أدوات الإغراء والعقاب التي ربما لا تملكها أي دولة أخرى، وتعرف أيضاً أن لدى قادة العالم –حتى الذين يكرهون الولايات المتحدة أشد الكره– رغبة مبطنة بأن يكونوا مؤهلين للشراكة مع واشنطن أو للقبول الأميركي بهم مشروعاً للشراكة. هؤلاء في الحسابات الأميركية تربة جاهزة للتضليل عبر الإيحاء والإيماء لهم بأنهم مشروع إعادة تأهيل أو مشروع شراكة.

الرئيس السوري بشار الأسد يبدو في هذه المرحلة جاهزاً للرهان على مشروع شراكة الأمر الواقع مع الولايات المتحدة في الحرب على «داعش»، وقد يفترض أنه في صدد إعادة التأهيل الأميركي له لدرجة نجاته من سياسة الاستغناء المعهودة.

لا بد وأنه ارتاح كثيراً لمّا غاب ذكره عن خطاب «حال الاتحاد»، متناسياً أن السياسة الرسمية المعتمدة للولايات المتحدة هي أن عليه أن يرحل. ولعله قرأ في الصحافة الأميركية أن إدارة أوباما غير مستعجلة لرحيله، فغض النظر عن بقية الجملة، وهي أنها تريد أن يكون رحيله تدريجياً، وهي تتهيأ للفصل بين رحيله عاجلاً أو آجلاً وبين بقاء أركان في النظام السوري في السلطة. وربما يعتقد بشار الأسد أن أمامه فترة الثلاث سنوات التي يتحدث عنها الأميركيون للانتصار في الحرب على «داعش» ويظن أن في وسعه التذاكي وقلب الموازين الأميركية لصالحه والبقاء في السلطة. هذه حساباته وأحلامه، كما يبدو. وليس مستبعداً أن تكون واشنطن تغذي تلك الأحلام والحسابات في سياسات التضليل التي تعتمدها.

حتى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يفتخر القائمون على الحكم فيها بالحنكة والحذاقة السياسية، تعلَّم هؤلاء ألا يستهزئوا ببساطة و «سذاجة» الأميركيين. تعلموا أن أقطاب السلطة في الولايات المتحدة ليسوا بسطاء أبداً، ولا هم ساذجون.

جزء من الحاكمين في إيران، مثل «الحرس الثوري»، يعتقد انه يتذاكَى على الأميركيين، فيحالفهم في العراق في الحرب على «داعش» ويقودهم إلى القبول بحليفهم الأسد في السلطة وبدور أساسي لهم في سورية تحت راية الشراكة في الحرب على «داعش»، لذلك يتدفق «المستشارون» العسكريون الكبار والمحاربون الإيرانيون إلى سورية لدعم حليفهم «حزب الله» في دعم النظام في دمشق تحت غطاء سياسة غض النظر الأميركية، لكن العملية العسكرية الإسرائيلية في الجولان التي أودت بحياة كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين وفي «حزب الله»، أتت لتذكِّر المعنيين أن غض النظر لا يعني تأشيرة مفتوحة بلا مراقبة وحساب.

هذه رسالة أميركية بقدر ما هي إسرائيلية، موجهة إلى أقطاب الحكم في إيران و «حزب الله» عبر الجولان، والرسالة هي أن واشنطن راغبة حقاً في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، شرط أن يكون الاتفاق خالياً من «الحنكة» الإيرانية التي تتذاكى على «السذاجة» الأميركية.

فواشنطن تراقب إيران تتورط في اليمن بعدما أفرطت في التورط في سورية، وهي تراقب آثار انخفاض أسعار النفط وطوق العقوبات الذي يكبلها بكل ارتياح، فـ «حال الاتحاد» الأميركي بخير هي ذي الرسالة إلى قادة العالم، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي راهن على سذاجة «العجوز» المسماة الولايات المتحدة الأميركية.

الحياة

 

 

 

أوباما في «حال الاتحاد»: خطابيات وتقدمية وتناقضات/ حسن منيمنة

يبدو جلياً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد رسا على إبراز التوجه التقدمي كإطار لمواقفه السياسية، بل كحصانة مستقبلية في التقويمات المرتقبة لتجربته الرئاسية، إذ دخلت شقّها الأخير. لكن هذا التوصيف يظهر عند المتابعة المتأنية لخطاب «حال الاتحاد» الذي ألقاه مساء الثلثاء الماضي، والذي جاء حافلاً بتفاصيل البرامج التقدمية المرتقبة، منطوياً على تناقضات تجعله أقرب للشكل منه إلى المضمون في بعض أوجهه.

في مناسبتين مختلفتين خلال الخطاب، أكّد أوباما أنه سيلجأ إلى حق النقض الذي يسنّه الدستور للسلطة التنفيذية في حال إقدام الكونغرس، بمجلسيه اللذين يسيطر عليهما خصومه الجمهوريون، على استصدار قوانين تعيد النظر بما يعتبره الرئيس مكتسبات تقدمية. فإقرار القوانين في الولايات المتحدة يتطلب تصديق الرئيس بعد الاستصدار، وإلا أعيدت المشاريع المرفوضة إلى السلطة التشريعية التي بوسعها تجاوز نقض الرئيس بتصويت جديد، إنما بتأمين أكثرية من الثلثين لها، وهو ما ليس متوافراً اليوم عددياً للجمهوريين. وتهديد الرئيس باستعمال النقض هو تحديداً لتجنب إدراج الجمهوريين في مشروع قانون الموازنة، والذي يتوقع صدوره عاجلاً، بنوداً تقوّض بعض برامج الدعم القائمة، لا سيما منها التي أقرّت في عهده هو، وعلى رأسها التغطية الموسعة في الضمان الصحي، أي البرنامج الذي يحمل اسمه «أوباما – كير».

إلا أن الرئيس لم يكتفِ بالموقف الدفاعي، بل وضع أمام الجمهور الأميركي حزمة متكاملة من المشاريع والبرامج المندرجة ضمن التصور التقدمي لدور إقدامي للدولة في ريادة الاقتصاد والمجتمع، وذلك تحت مسمى «اقتصادات الطبقة الوسطى». وتبني هذه التسمية على المقاربة الشعبوية التي تفرز المجتمع الأميركي فئتين، الأثرياء والطبقة الوسطى، وتدعو إلى تحميل الأثرياء، والذين وفق ما تفيده الدراسات يزدادون ثراءً، مقداراً أكبر من العبء الضريبي. وقد عمد أوباما، لتعزيز الدعم إلى الدعوة لتعديل الجدول الضريبي لتحصيل المزيد من الدخل من أموال الأثرياء، إلى الربط المباشر بين هذا الدخل، في حال تحقق، ومشروع جعل الدراسة في عاميها الأولين مجانية للانتساب إلى كليات المجتمع، والتي يرتادها أربعون في المئة من طلاب الدراسات العليا في الولايات المتحدة.

ولا شك في أن الرئيس أوباما من خلال الكفاءة الخطابية المشهودة ومناوراته في الدعوة إلى تغليب قيم التعاضد الاجتماعي والحس المدني على السجال والمشاكسة في السياسة، إضافة طبعاً إلى التفاصيل المغرية للمشاريع، تمكن من وضع خصومه في موقع دفاعي، على رغم إهماله التطرق إلى بعض الأسس الثابتة لأصحاب الرؤية العقائدية التقدمية، وتحديداً التشديد على عدم المس بالبرامج القائمة وفي طليعتها الضمان الاجتماعي، والتي يطالب الجمهوريون بتعديل أسسها لتقليص الأعباء المالية المتوجبة على الدولة، مقابل الموافقة على تقليص الموازنة الدفاعية.

لا خلاف إذاً، بين النبرة والمقصود عندما يتطرق أوباما إلى المسائل الداخلية، فهي من دون شك حيث قناعاته وجهده. أما عندما ينتقل من الشأن الداخلي إلى المواضيع الخارجية، والتي لم يمنحها على أية حال إلا مقداراً ضئيلاً من كلمته، فإن الانسجام بين الشكل والمضمون يلتبس بوضوح.

بعض الإشارات التي أوردها الرئيس سجالية بيانية بطابعها. ففي حديثه عن رد الفعل على ضمّ روسيا أجزاء من أوكرانيا وتورطها في حرب مقنّعة بالأهلية هناك، اكتفى أوباما بتسجيل النقاط على نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول اعتماد روسيا على العائدات النفطية وتأثر اقتصادها بتراجع أسعار الخام، على رغم أن هذه التطورات خارج السياق. وفي موضوع المفاوضات مع إيران، لم يقدم أي تبرير للتمديد على رغم الالتزام السابق بالامتناع عن الوقوع في فخ المماطلة. غير أن الوهن الأكبر في الكلمة كان من دون شك في مقارباته للمسائل الحربية.

فإذا سارع أوباما إلى طرح الأرقام التي تبرهن أنه أنهى، أو كاد ينهي، الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، فإنه في الوقت نفسه طالب الكونغرس بإعطائه سلطة توسيع الحرب التي باشرت بها الولايات المتحدة على تنظيم الدولة في العراق وسورية. وهذا التناقض، أي الحديث عن إنهاء الحروب ومباشرتها في زفرة واحدة، يغفل تماماً دور الولايات المتحدة في تصديع المنطقة من خلال التذبذب والتنصل من المسؤوليات، في عهده هو بالذات. وما من إشارة في الكلمة إلى رؤية ذات مضمون لمعالجة القضايا التي ساهم غياب القوة العظمى الوحيدة في استفحالها، بل ثمة إشارات إلى وقائع المنطقة، كأنها أحوال جوية تتقلب وفق عوامل لا بد من التسليم بقضائها وقدرها.

والرئيس يريد كذلك ادعاء الفضل في إنهاء التعذيب في التحقيق مع المتهمين، غير أنه لا يشير إلى الأسلوب الأنجع من وجهة نظره والذي يجري تطبيقه في أكثر من موقع، أي أسلوب قتل المتهمين عن بعد من دون تحقيق أو إثبات تهمة. بل، بعد أن تسبب هذا الأسلوب بأعداد كبيرة من الضحايا العرضيين، من المدنيين، يعتز الرئيس أنه من طلب مراجعة المنهجيات لتحسين الأداء، من دون إقرار بالأذى الذي تسبب به الأداء السابق طبعاً، كأنه ليس هو من أرسى هذه المنهجيات أساساً. ثم في موضوع معتقل غوانتانامو، يبدو الرئيس وكأنه غير ذي سلطة تنفيذية، إذ يتحدث من منبر أقوى رجل في العالم كأنه ناشط حقوق إنسان يتمنى ويطالب، فيما القرار في مكان آخر. هكذا، يشهر الموقف الأخلاقي ويعلن العزم على الإغلاق، على رغم مضي ستة أعوام على توليه السلطة مع الوعد بإنهاء هذه المؤسسة المخالفة للقيم والقوانين.

إلا أنه لا يجوز اعتبار هذه التناقضات دليل نفاق. فواقع الحال الذي التزم به أوباما من دون تخلف هو أن الشأن الخارجي بعامة والشرق – أوسطي بخاصة لا يرتقي في الأهمية إلى المستوى الذي يقتضي منه الحرص على التجانس بين القول والفعل. وفي حين أن للولايات المتحدة مصالح ثابتة ومستمرة تتفاعل معها المؤسسات الحكومية المعنية، فتركيز الرئيس هو على مشروع تقدمي داخلي يبدو جلياً من خطابه هذا العام أنه محور تفكيره وأعماله.

الحياة

 

 

 

نتانياهو في الكونغرس: حماقة وقصر نظر/ مصطفى كركوتي

ينبغي أن تخيفنا تبعات دعوة رئيس الكونغرس الأميركي الجديد جون بينير رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو كي يلقي خطاباً جامعاً في شباط (فبراير) المقبل أمام أعضاء مجلسيه، النواب والشيوخ. وهذا ليس لأن الضيف شخصية مثيرة للجدل في الغرب، بل الأهم لحساسية الموضوع الذي اختاره المضيف للتحدث عنه، وهو الملف النووي الإيراني.

فإذا كان من المتوقع أن يبرع الضيف في استعراض رعونته لدى الكلام عن الحرب والمواجهة، فإن المضيف يكاد يرتكب حماقة غير مسبوقة من ثاني أكبر مسؤول أميركي لقيامه باستضافةٍ نادرة لزعيم مفعم برؤى عنصرية وسياسات يمينية متطرفة، ولا تلتصق باسمه غير سلسلة المجازر والقتل غير المحدود وسياسة التوسع في أراضي فلسطين، كما أظهر القصف «الواسع غير الرحيم»، وفق تقارير منظمات دولية وإنسانية عدة، الذي شهده أخيراً قطاع غزة.

سبب الخوف هنا واضح ومباشر، إذ أن «تشريف» شخصية مثل نتانياهو في واحدة من أعلى مؤسسات الممارسة الديموقراطية في العالم ورأس التشريع في أهم دوله، للحديث (كما جاء في دعوة بينير) عن «تهديدات» إيران النووية والإسلام المتطرف «ضد أمننا»، يفترض من وجهة نظر الضيف والمضيف أن ثمة تهديدات حقيقية مؤكدة هدفها الرئيس «أمن إسرائيل واستقرارها»، وهي بالتالي يجب منعها بشتى الوسائل، بما في ذلك الضربة العسكرية.

يتم هذا من دون اعتبار لقيادة الإدارة الأميركية رأياً عاماً كونياً وتحالفاً عالمياً رسمياً يعبّر عنهما أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة، إضافة إلى ألمانيا، لعملية تفاوضية شاملة مع إيران حول ملفها النووي وكل ما يرتبط بها من مسائل متعلقة بأمن المنطقة، بما فيها بالتأكيد موضوع «أمن» إسرائيل.

إلا أن هناك ثمة مخاوف أخرى مرتبطة بما سيعكسه وقوف نتانياهو من على منبر الكونغرس على الوضع المضطرب في المنطقة ككل، لا سيما تصاعد التطرف الإسلامي وما يرافقه من عمليات وحشية تفوق كل التصورات. فاستضافة رئيس وزراء إسرائيل بالذات، وحصر خطابه في مناقشة «تهديدات» إيران والتطرف على بلاده وعلى الولايات المتحدة والغرب عموماً، من فوق هذا المنبر الأميركي المهم، هو تحدٍ مباشر للرئيس الأميركي وإدارته وكأن بينير يسير هارعاً نحو إسرائيل ساعياً وراء حمايتها لأمن بلاده وحلفائها. أي، باختصار، بينير ينتظر من نتانياهو أن يُخبر أعضاء الكونغرس عن «تهديدات» إيران لبلادهم وسبل مواجهة هذه التهديدات، بدلاً من التعرف عليها من رئيسهم. فنتانياهو في النهاية، كما قال بينير، «الأقدر على تقديم الموضوع إلى أعضاء الكونغرس».

واضح أن بينير لا يثق بإيران على الإطلاق ولكن هناك كثيرين غيره داخل الولايات المتحدة وخارجها لا يثقون أيضا بها، بمن في ذلك الرئيس أوباما وبقية أعضاء الفريق الدولي المتفاوض مع طهران، إضافة إلى غالبية العرب. فهم أيضاً لا يثقون بإيران ولا بسياستها في الإقليم، لا سيما منطقة الخليج الأوسع والعراق وسورية واستخدامها العلني لميليشيا «حزب الله» كأداة تدخلية في المنطقة، فضلاً عن الملف النووي. إلا أن موضوع الثقة بإيران، من عدمه، لا يُحدده نتانياهو في ما يقدمه من دروس للمشرعين الأميركيين حول سياسة طهران، إذ أن كل ما سيقدمه في محاضرته المنتظرة في الكونغرس سيكون عبارة عن رأيه الشخصي ورأي حكومته، في أفضل الأحوال، في كيف يجب للولايات المتحدة أن تدير المواجهة مع إيران. فعنوان محاضرته سيكون «تهديدات الاسلام الراديكالي وإيران الموجهة ضد أمننا ونمط حياتنا»، وسيدعو في الوقت نفسه إدارة أوباما إلى تطبيق أقصى أنواع المقاطعة ضد طهران.

تأتي مبادرة بينير رداً على تأكيد أوباما في «خطاب الاتحاد» يوم الأربعاء الماضي، بأنه سيعلن «الفيتو» على مشروع الغالبية الجمهورية في الكونغرس لتشديد العقوبات ضد إيران ما دامت عملية التفاوض معها مستمرة. فالرئيس الأميركي قال في خطابه إن المفاوضات مع طهران وصلت الآن إلى نقطة حرجة وإن أي صفقة محتملة معها معرضة للفشل في ما لو تم تصعيد العقوبات في هذه المرحلة. وهذا هو موقف بريطانيا أيضاً وفقاً لرئيس وزرائها ديفيد كاميرون الذي جادل بعض أعضاء مجلس الشيوخ خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن في ضرورة تأجيل التصعيد مع إيران الآن لما يشكله من تهديد حقيقي للمفاوضات. أضف إلى ذلك أن تفاوض الدول الخمس الكبرى وألمانيا مع إيران يلامس مباشرة مصالح هذه الدول في منطقة ملتهبة وغامضة وفي جوار مضطرب غير واضح المعالم.

فإيران تطرح نفسها قوة إقليمية نافذة وقادرة على تقديم بديل أمني للولايات المتحدة يريحها من مسؤوليات كبرى عسكرية ومالية في العراق وإلى حد ما في أفغانستان، مقابل تصفية المسائل العالقة معها المؤدية في النهاية إلى رفع الحصار عنها ووضع حد لتدهور اقتصادها المنهك.

في المقابل، فحجة أن إسرائيل هي الحليف الأمثل والأضمن والأقرب بين دول المنطقة إلى الولايات المتحدة، وهي كذلك بالفعل، يجب أن لا تمنحها مسؤولية لعب الدور الأكبر في رسم سياسة أميركا في الشرق الأوسط الذي يشهد لأول مرة حالة من الغموض غير مسبوقة منذ مطلع القرن العشرين. فالمنطقة في غمار عملية لا يستطيع أحد الآن تخمين مداها ولا عمقها ولا نهايتها، كما تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات بما في ذلك رسم حدود جديدة وإعادة توزيع سكاني جديد وقيام كيانات جديدة حُرمت حقوقها لوقت طويل. وواضح أن أوباما في عاميه الأخيرين في الرئاسة بات يعتمد في سياسته الخارجية على الرأي العام الأميركي الأوسع أكثر من رأي الكونغرس الذي سيكون منحازاً بالكامل، كما نرى الآن، إلى إسرائيل. فمن الغباء البيّن أن يستند بينير على نتانياهو في رسم سياسة بلاده تجاه المنطقة، ولكن يبدو أن الوقت حان لتسديد فواتير انتخابات منتصف العام في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي التي أوصلت الجمهوريين إلى مجلسي الكونغرس، لمنظمات «اللوبي» اليهودية وبعض أصحاب رأس المال النافذين من يهود أميركا.

الحياة

 

 

 

أوباما والأسد، من التنحّي إلى التعايش/ هشام ملحم

وقت تواجه روسيا وايران، الدولتان الاكثر محورية لبقاء نظام بشار الاسد في السلطة، تحديات اقتصادية هائلة نتيجة انهيار اسعار النفط، الامر الذي يمكن ان يرغمهما على خفض دعمهما لدمشق، تبين مختلف المؤشرات في واشنطن ان ادارة الرئيس باراك اوباما، تتراجع ببطء وهدوء ولكن بوضوح عن مواقفها الاولية التي كانت تصر على ضرورة تنحي الرئيس الاسد عن ال سلطة بعد انتهاء العملية السياسية الانتقالية، وعلى ان لا مكان للاسد في مستقبل سوريا. المسؤولون الاميركيون يقولون ان واشنطن تؤيد “أي شيء” يمكن ان يؤدي الى حل سياسي للحرب في سوريا، بما في ذلك دعم مؤتمر موسكو الذي اعلنت مختلف قوى المعارضة “المعتدلة” انها لن تشارك فيه.

مطالبة الاسد بالتنحي، غابت عن تصريحات كبار المسؤولين الاميركيين اخيرا، لان اولويات واشنطن في العراق هي مواجهة “داعش”، ودعم الحكومة المركزية في بغداد، والاكراد في الشمال، اما في سوريا فهي التصدي للتنظيم المتطرف، وخصوصا منعه من احتلال المدينة الكردية كوباني، وعدم التصدي لقوات الاسد. وهناك تنسيق ضمني مع ايران وسوريا يتم عبر المسؤولين العراقيين الذين يحملون الرسائل بين مختلف الاطراف. وكما تتقاسم طائرات الائتلاف الدولي بين وقت وآخر اجواء العراق مع الطائرات الايرانية، فانها تتقاسم الاجواء السورية مع سلاح الجو السوري.

اعلان واشنطن الاخير عن تخصيص الاموال وارسال مئات المدربين الى قواعد في السعودية وقطر وتركيا لتدريب بضعة آلاف من افراد المعارضة السورية المعتدلة، يؤكد “التوجه السلمي” لادارة اوباما وليس العكس. ففي خطابه عن حال الاتحاد، قال اوباما ان تدريب المعارضة السورية هدفه “ان تساعدنا” على مواجهة “داعش”، متفاديا حتى الاشارة الى نظام الاسد. وقالت وزارة الدفاع ان هناك ثلاثة اهداف لبرنامج التدريب الذي سيبدأ في الربيع: الدفاع عن مناطق المعارضة ضد “داعش”، على ان تتولى هذه القوى لاحقا شن الهجمات على هذا التنظيم، وان تدفع في نهاية المطاف الى حل سياسي للحرب. في هذا السيناريو الاميركي للمعارضة المعتدلة، لا مكان لمواجهة نظام الاسد، الذي يبدو ان واشنطن قد اقنعت نفسها اخيرا بأن سقوطه سيؤدي الى انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية، وشيوع الفوضى الشاملة الامر الذي سيخدم اهداف تنظيمات مثل “داعش”، و”جبهة النصرة”.

وهناك قلق في أوساط المعارضة غير الاسلامية، من ان تؤدي بعض طروحات الامم المتحدة الى “تجميد” القتال في بعض المناطق (حلب على سبيل المثال)، أو طروحات روسيا حول “مشاركة” بعض فصائل المعارضة في السلطة، الى احداث انقسامات عميقة في أوساط المعارضة التي تعاني اصلا التفكك.

النهار

 

 

 

 

مهزلة أميركية جديدة: برامج تدريب عسكرية من دون ذخيرة/ حسين عبد الحسين

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” أن جنوداً عراقيين يتدربون على أيدي أميركيين يصرخون “بانغ بانغ”، للتظاهر وكأنهم يطلقون النار أثناء التدريبات، في ما يقوم أحد المدربين الأميركيين بقرع مطرقة على سطل من التنك لخلق جو مشابه للمعركة. وهذا النوع من التدريبات غالباً ما يتم بالرصاص الفارغ، لكن مخيمات التدريب الأميركية في العراق تفتقد الذخيرة، وهو ما يجبر المدربين على الطلب من المشاركين بالصراخ والتظاهر بإطلاق النار.

مسرحية مضحكة هي معسكرات التدريب التي أعدها الاميركيون لتدريب القوات العراقية، في وقت أشارت الأنباء إلى وصول 400 مدرب إلى كل من تركيا والسعودية والأردن للبدء بتدريب “خمسة آلاف مقاتل سوري من المعارضة المعتدلة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية فقط”.

والحديث عن تدريب عراقيين وسوريين كان بدأ مع أولى الضربات الأميركية الجوية ضد داعش، الصيف الماضي، وكان من المقرر أن يؤدي الى إقامة “حرس وطني” مؤلف من مقاتلي عشائر غرب العراق السنية، يكون تحت امرة الإدارة محلية، فضلاً عن إنشاء قوة سورية مقاتلة تابعة لـ “هيئة الأركان العامة”، المنبثقة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

لكن حكومة العراق الاتحادية برئاسة حيدر العبادي، رفضت – على الأرجح بتعليمات من طهران – قيام قوة سنية مستقلة، وأصرت على ربطها بوزارة الدفاع، ما جعل استقطاب العشائر السنية العراقية أمراً معقداً.

وفي سوريا، وجّهت طهران تحذيراً مباشراً لواشنطن مفاده أنها تعتبر إشرافها على تدريب وتسليح الثوار عملاً عدائياً يؤثر على مجرى المفاوضات النووية ويعرقل الحل السياسي السلمي في سوريا، ما دفع إدارة الرئيس باراك أوباما الى التراجع وتقليص الميزانية الاساسية من 500 مليون دولار للعام 2015 الى 225 مليوناً. كذلك، صارت واشنطن تصر على ربط رعايتها قيام القوة السورية بحصر نشاطها القتالي بمواجهة داعش و”جبهة النصرة” فقط، وهو ما يرضي طهران.

“نحن نعطي صفوفاً حول المشيئة للقتال”، يقول أحد المدربين الاميركيين الذين شاركوا في تدريب الجيش العراقي، بتكلفة بلغت أكثر من 25 مليار دولار، في العامين 2007 و2008. ومنذ ذلك الحين، تنفق وزارة دفاع العراق أكثر من سبعة مليارات سنوياً، وهي من أعلى موازنات الدفاع في العالم مقارنة بناتج النمو المحلي.

ولكن لماذا ينجح المدربون الأميركيون في العراق أو سوريا هذه المرة بعدما باءت جهودهم في التدريب، منذ حوالي العقد، بالفشل؟ ولماذا تنجح مسرحيات التدريب الصوتية حيث فشلت التدريبات الفعلية، التي أفضت إلى تزويد العراقيين بأرفع أنواع الأسلحة، والتي أدت إلى هروب العراقيين من مسرح القتال وتركهم العتاد والأسلحة لداعش على إثر “غزوة الموصل” في 8 حزيران-يونيو الماضي؟

واشنطن ربما تعرف الإجابة ولكنها تفضل السكوت، ورعايتها برامج تدريب صورية تهدف إلى تخفيف ضغط حلفائها العرب وتركيا، من دون إنشاء قوات عراقية أو سورية مقاتلة قادرة على طرد داعش وابقاء أي قوات غازية، غير داعش، خارج بلداتها وقراها.

طهران، بدورها، تعرف الإجابة، وغالباً ما يرددها مسؤولوها بالقول إن “لا مشيئة قتالية” لدى الجيوش الحكومية والنظامية، التي أثبت الاحداث المتعاقبة أنها غالباً ما تنهار وتلوذ بالفرار، في الغالب قبل السكان. لذلك، تعتقد إيران أنه لتحفيز “المشيئة القتالية”، التي يعتقد المدربون الأميركيون أنه يمكنهم تلقينها للمقاتلين في صفوف وكراسات، لا بد من إقامة وحدات مقاتلة عقائدية، أو مجموعات مسلحة مكونة من “الأهالي” الذين يمكنهم وحدهم أن يذودوا في الدفاع عن أرضهم، حتى أنه يمكن تطوير عقيدة الدفاع والاستشهاد هذه وتحويلها إلى حرب “دفاعية وقائية”، على غرار تلك التي يصور “حزب الله” اللبناني لمناصريه أنه يخوضها في سوريا.

وفي ما تسهر “الجمهورية الإسلامية” على إنشاء ورعاية مجموعة متنوعة من الميليشيات غير الحكومية العقائدية، على غرار “لواء أبو الفضل العباس”، و”جيش المهدي”، و”لواء بدر”، وغيرها، وتسعى لإقامة قيادة موحدة لها تحت اسم “ميليشيات الحشد الشعبي”، وتفرض على الحكومة العراقية رعايتها وتزويدها بأسلحة الجيش العراقي، الأميركية الصنع، تبدو واشنطن كسولة ومترددة وخائبة، فتستغرق المصادقة على برنامج “تدريب وتجهيز” ثوار سورية أكثر من ستة شهور، تليها أسابيع طوال لتوقيع اتفاقيات مع الحكومات المستضيفة مخيمات التدريب، وأسابيع أطول لوصول طلائع المدربين، وحتى عندما يصل المدربون الأميركيون، يصلون من دون ذخائر ولا أسلحة، بسبب تجربة الجيش العراقي في الموصل الذي أوصل فشله السلاح الأميركي الى أيدي داعش.

منذ العام 2003، لم تنجح الولايات المتحدة في إقامة أي قوة مسلحة – لا حكومية ولا غيرها – قادرة على القيام بأي دور يذكر؛ لذا، لا سبب يدعونا للاعتقاد أن تكرار التجربة نفسها سينجح هذه المرة، أو على قول المثل العامي الشائع “من جرب المجرب كان عقله مخرب”.

“لقد مر عام على عدم قيام الولايات المتحدة بأي مجهود لإنهاء الحرب السورية، في وقت تستمر الإدارة في عدم تقديم أي استراتيجية لإنهاء اعتداءات النظام على القوات السورية المعتدلة التي تعتمد عليها أميركا لقتال الدولة الإسلامية”، تقول “واشنطن بوست” في افتتاحيتها. “لقد تجاهلت إدارة (أوباما) التقييمات التي تشير إلى أن برنامجها لتدريب القوات السورية هو برنامج صغير جداً، وبطيء جداً” تختم الصحيفة.

المدن

 

 

 

 

حالنا من “حال الاتحاد”/ مصطفى زين

الولايات المتحدة بخير. تعافت من أزمتها الاقتصادية. وتتجه إلى زيادة النمو. وفرض ضرائب على الأكثر ثراء. وخلق فرص عمل. هذا ما خلص إليه الرئيس باراك أوباما في خطابه عن «حال الاتحاد» داخلياً. أما خارجياً فواشنطن لن تعود إلى خوض الحروب. لا في الشرق الأوسط ولا في إفريقيا، ولا في آسيا. فليس ما يجبرها على دفع خسائر في الأرواح والأموال. تكفيها كلفة الحربين في العراق وأفغانستان. حربان أصابتا اقتصادها بعجز كبير لم تخرج منه إلا من فترة وجيزة.

لكن قرار عدم خوض الحروب لا يعني انكفاء واشنطن وانعزالها. أوباما طمأن الجمهوريين في الداخل «وجمهوريي» الخارج، إلى أنه مستمر في حملته على الإرهاب، بوسائل جديدة يضطلع بها الحلفاء. فالقوات التي أرسلت إلى العراق، والقواعد العسكرية الموجودة في المنطقة، وأجهزة الاستخبارات، كفيلة بتوجيه هؤلاء الحلفاء، ومساعدتهم، ولو استغرق ذلك وقتاً، قدره الرئيس بثلاث سنوات. وقال: «بدل من أن نغرق في حرب جديدة على الأرض في الشرق الأوسط، نقود ائتلافاً واسعاً يضم دولاً عربية، لإضعاف هذه المجموعة الإرهابية (داعش) وصولاً إلى تدميرها». أي أنه أوكل إلينا مهمة القضاء على الإرهابيين.

لكن أوباما يواجه خصوماً أقوياء في الداخل والخارج، يسعون إلى إفشاله. في الداخل يقف له الكونغرس الجمهوري، ونتانياهو، بالمرصاد. وفي الخارج يتصدى له أيضاً نتانياهو، وأردوغان. وإذا كان يستطيع استخدام الفيتو لتعطيل قرار الكونغرس فرض عقوبات على إيران، على ما قال، أو أي قرار آخر، فلن يستطيع منع المشرعين من دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي للاحتفاء به وتأكيد وقوفهم معه ضد اوباما. كل ما يستطيع فعله عدم استقبال هذا الحليف – الخصم الذي «تنكر» لكل ما فعله اوباما من أجل إسرائيل طوال فترة حكمه، والمساهمة في تشويه صورته أمام الإسرائيليين قبل الانتخابات. فالخلاف بينهما على السياسة التي تخدم الدولة العبرية.

ولأن إدارة أوباما تتجه إلى القبول ببقاء بشار الأسد في «المرحلة الانتقالية» لتعذر تغييره، سيجد أمامه حلفاء يعترضون على سياسته، في مقدمهم أردوغان الذي ما زال مصراً على رحيل الأسد شرطاً لوقف تدفق الإرهابيين عبر الحدود التركية والمضي في تسوية توقف نزيف الدم السوري، وتحول دون انتقال الإرهاب إلى المحيط. وسيجد أمامه حليفاً آخر يعترض على هذا التوجه، إنه الرئيس فرانسوا هولاند. لكن الأخير خصم أقل خطورة من حامي الإسلام السياسي، وأقل شراسة من الذي يشهر سيف اللاسامية في وجه الحلفاء والخصوم.

الوضع في أوروبا أقل تعقيداً. صحيح أن سياسة بوتين تعود بالقارة القديمة إلى أيام الحرب الباردة. لكن الحلفاء الأوروبيين لا يعترضون على سياسة البيت الأبيض في مواجهة القيصر الجديد. وواشنطن وبروكسيل متفاهمتان على دعم الأوكرانيين لعرقلة مشاريع موسكو وطموحاتها، ولو كلف ذلك كييف المزيد من الدمار والدماء.

«حال الاتحاد» جيدة في الداخل والخارج. وعلينا التكيف مع هذه الحال، سياسياً واقتصادياً، وإرهاباً لـ «ثلاث سنوات»، على ما قال أوباما، إلى أن يأتي رئيس آخر يواصل ما خطط له أو يندفع أكثر في تعميق تحالفاته معنا وتكليفنا خوض حروبه بالأصالة عن أنفسنا وبالنيابة عنه.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى