صفحات العالم

خطبة الوداع

 


ساطع نور الدين

انه خطاب الانسحاب من الشرق الاوسط، لا خطاب العودة. كرر باراك اوباما ان اميركا تغيرت، لن تظل بعد اليوم حليفة الطغاة، او رجل الشرطة والاستخبارات على الشعوب، وهي تريد المغادرة، تاركة وراءها امة اكتشفت طريقها الى الحرية والديموقراطية.. والى محاربة الارهاب الاسلامي الذي افتعل صراعاً لم يكن مجدياً لطرفيه، والذي وقف حائلاً دون تطبيع العلاقات العربية الاميركية. اعلن اوباما نوايا اميركية معلنة، سبق ان اوصلته شخصياً الى الرئاسة في ما يشبه الانقلاب الابيض على المؤسسة الجمهورية المحافظة. لم تعد اميركا تحتمل المزيد من الحروب والنفقات العسكرية. ليس لديها ما يكفي من المال والرجال. همها الحالي هو توفير حاجات الادارة ووزاراتها ووكالاتها وموظفيها وجنودها عبر رفع سقف الاستدانة من السوق المحلي والخارجي الى ما فوق 14 تريليون دولار، قبل حلول شهر آب المقبل.. وعبر زيادة حجم الصادرات من المنتجات الاميركية وخفض استيراد النفط والغاز من الشرق الاوسط. لم تعد اميركا قادرة او راغبة في السيطرة على بلدين نفطيين رئيسيين يُعرضان عليها اليوم بأبخس الاثمان، هما العراق وليبيا. تفضل ان تترك المهمة والكلفة للاوروبيين. اكتفت بقتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن لكي تعلن انها ستشرع اعتباراً من تموز المقبل في الانسحاب التدريجي من الدولة – الورطة، افغانستان، وتوضح انها ستعتمد من الآن فصاعداً على الحلفاء العرب والمسلمين لكي يتابعوا احتواء ذلك التهديد الاسلامي، على طريقتهم، سواء بالثورات الديموقراطية التي تحاصر المتطرفين الاسلاميين، او بالحملات الامنية التي تؤدي الى تصفيتهم. المهم ان تبقى اميركا، في هذه الفترة، خارج الصورة. تفاجئها الثورة الشعبية التي تستهدف حلفاءها في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين.. لكنها سرعان ما تجد وسيلة للانخراط في تلك الموجة العاتية، والسعي الى استيعابها بالموقف الطارئ والمؤيد لحق العرب في الحرية والديموقراطية، وبالمال الذي سبق ان ضمن تحول دول اوروبا الشرقية وآسيا الوسطى من دمى سوفياتية الى مدارات اميركية. ثمة مجال لبعض الاستثناءات الاميركية، التي تحافظ على التقاليد العريقة في الدفاع عن بعض الاسر العربية الحاكمة، مع حثها الدائم على اختيار طريق الاصلاح التدريجي، لتفادي اي انقلاب مفاجئ غير مرغوب الآن في واشنطن. اميركا تتراجع لاسبابها الخاصة، الاقتصادية والثقافية، تريد ان يختبر العرب والمسلمون بأنفسهم طريق التغيير، كما تود ان تختبر قدرتها على التزام الحياد الايجابي لمصلحة الشعوب، وعلى تقصي حقيقة عربية محيرة، لم يكن بالإمكان اختزالها بالسؤال الشهير الذي طرح بعد هجمات 11 ايلول: لماذا يكرهوننا؟ مع ان اسباب الكراهية والعداء باتت تتقلب حسب استطلاعات الرأي.. ولم يبق منها سوى ثابت وحيد، هو السبب الإسرائيلي. اعلن اوباما الانكفاء من الشرق الاوسط، لكنه قال بشكل حاسم، إن اميركا لن تحث اسرائيل على التجاوب مع موجة التغيير العربي الجذري. الحلف الثنائي الذي اهتز في الاعوام الثلاثة الماضية من عمر رئاسته، عاد الى التجذر والتسليم بأن خطاب اليمين الاسرائيلي قد انتصر نهائياً.. وساهم في خروج الأميركيين من العالمين العربي والإسلامي. ساطع نورالدين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى