الحرية لرزان زيتونة، الحرية لمخطوفي دوماديمة ونوسصفحات مميزة

خطف الثورة/ ديمة ونوس

 في الصورة الشهيرة التي تتناقلها وسائل الإعلام لرزان زيتونة، منذ بداية الثورة وحتى لحظة اختطافها قبل يومين، يطلّ وجه رزان بشعرها الأشقر القصير، تنظر إلى عين الكاميرا بينما تمسك بيدها الهاتف وتضعه على أذنها وتبتسم ابتسامة تجبر من ينظر إلى الصورة على التبسّم. تسحب الابتسامة من ثغره من فيض السعادة المنهمر من عينيها. وبقيت تلك الصورة هي الوحيدة ربما المرافقة للظهور المقلّ لرزان في وسائل الإعلام إن في حديث هاتفي أو في مقال تكتبه أو على صفحة “فايسبوك”.

ليست تلك مجرّد صورة. بعد سنتين ونيف من عمر الثورة السورية، تحوّلت الصورة إلى رمز، على الرغم من النزعة الطاغية لدى الكثيرين لنبذ الرموز وتهميشها. وتأتي تلك الرمزية من فكرة أن رزان مبتسمة دائماً في صورتها على الرغم مما عاشته وما عاشه معظم السوريين. إنها لا تزال مبتسمة لإيمانها بالثورة وإيجاد مخرج قريب وسلمية القوى الفاعلة ومدنية الشارع. أمر آخر جعل من الصورة رمزاً، اكتفاء رزان بتلك الصورة طوال سنتين ونصف. وربما نعثر على صورة أخرى تشبه تلك اللقطة. لكنها اكتفت. لم تستخدم صورتها لتقول إنني هنا، في الداخل، أعمل بصمت، لا تنسوني. لم تلتقط صوراً مع الأطفال في دوما ولا في الغوطة الشرقية ولا في أي مكان آخر تواجدت فيه. ربما لأنها معنية بما يجري مثلها مثل الأطفال. ليست زائرة لمخيم هنا وقرية هناك. هنا تعيش وإلى هنا تنتمي وهذا مكانها الطبيعي. البعد الرمزي الآخر هو فكرة البقاء. معظم المعارضين التقليديين والناشطين المدنيين تركوا سوريا أو اعتقلوا أو قتلوا أو لجأوا إلى المناطق المحرّرة في الشمال السوري. رزان من القلة التي بقيت في ريف دمشق. وكانت الأمل الأخير للبقاء. وعبارة: “لكن رزان لا تزال هناك”، كانت ترافق كل حديث محبط يدور بين السوريين خارج الحدود.

سميرة الخليل، ربما لا يعرفها كثيرون. تعمل بصمت منذ بداية الثورة. صمت يشبهها. هي التي اعتقلت لسنوات أربع بين 1987 و1991 في سجن دوما للنساء لانتمائها إلى رابطة العمل الشيوعي. في 18 أيار الماضي، انضمت إلى شريكها ياسين الحاج الصالح في الغوطة حيث حوصرت لاحقاً مع المحاصرين هناك. اليوم، تختطف سميرة من المنطقة نفسها التي اعتقلت فيها سابقاً في ريف دمشق هي ورزان زيتونة والناشطين وائل حمادة وناظم الحمادي. يختطفهم “مجهولون”. هكذا جاء الخبر. و”مجهولون” لم تعد كلمة تثير ضجة وغضباً. لم تعد هوية الخاطفين مهمة كما في السابق، خصوصاً مع غزارة الأخبار الواردة عن اعتقال “داعش” لناشطين مدنيين أو تصفيتهم. السوري بات يعرف جيداً أن بين إعلان خبر الاعتقال، وبين إعلان هوية الخاطف، زمناً يموت فيه المئات ويعذب آخرون أو يرحلون أو يموتون برداً وجوعاً. الزمن لم يعد فراغاً. تكفي سنوات طويلة من الفراغ. بات للزمن نعلان يدعس بهما فوق قدرة السوريين على التحمل. والخاطف إن كان من “جيش الإسلام” أو من قوات الشبيحة، فلا يخفى على أحد أنه ينفذ خطة النظام منذ اليوم الأول، في تحويل الثورة إلى معركة بين قوى متطرفة وأخرى علمانية مدنية. ورزان زيتونة المطلوبة ربما لدى “جيش الإسلام” أو أي تنظيم متطرّف آخر، مطلوبة أيضاً لدى النظام العلماني الذي يحارب “الجماعات الإسلامية المتطرّفة”.

يشكل اعتقال رزان وسميرة ووائل وناظم، نقلة موجعة في مسار الثورة. كتلك النقلة التي أحدثها اعتقال ناشطين آخرين مثل مازن درويش وخليل معتوق وعبد العزيز الخيّر والأب باولو وزكي كورديللو وآخرين كثر. والاعتقال هنا يأخذ بعداً رمزياً إن شئنا أم أبينا، إذ هو شكل من أشكال سجن الثورة السلمية والعمل المدني العلماني الذي كان من شأنه أن يهيئ البلد إلى تغيير تستحقه ويستحقه السوريون الشجعان أينما كانوا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى