صفحات الناس

خط التّماس في دمشق: فعالية “الأرض المحروقة”

 

 

الصورة التي يتداولها ناشطون سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للعاصمة دمشق، وبالتحديد خط التّماس الذي يفصل المناطق الموالية شرق العاصمة عن المناطق المعارضة التي تحاذي العاصمة نحو بلدات الغوطة الشرقية، على محور جوبر، تلخص حالة الحرب السورية بشكل مبهر من دون إضافة كلمة واحدة، وبالتحديد طبيعة ما يقترفه النظام السوري من حرب إبادة شاملة عبر سياسة الأرض المحروقة ضد المناطق المعارضة.

وفيما يعتقد المرء أنه يتابع صورة تظهر بكلاسيكية منطقة واحدة قبل تعرضها للقصف ثم بعده يكشف في لحاظت أن الخط الفاصل وسط الصورة ليس سوى طريق المحلق الوسطي وهو طريق سريع يربط الطريق الدائري الشمالي بالطريق الدائري الجنوبي في العاصمة دمشق، والذي بدأ العمل فيه قبيل انطلاقة الثورة السورية. وعلى جانبه الأيسر تظهر أحياء العاصمة الموالية، العباسيين وفارس الخوري والتجارة والقصور والقصاع، وعلى جانبه الأيمن مساحة من الدمار المخيف كانت في يوم من الأيام أحياء ثارت ضد النظام في العاصمة، هي حي جوبر وحي الزبلطاني وحي القابون وبداية عين ترما.

وتظهر الصورة، الملتقطة من الجو والمتداولة بكثافة، كيف دمر النظام السوري، المناطق المعارضة ومسحها من الوجود تقنياً بعدما وهجر أهلها وقتلهم واعتقلهم، في قمة التناقض مع الأحياء “المزدهرة” التي لم يتغير شكلها تقريباً رغم سنوات الحرب السبعة، وكافة الدعاية الأسدية التي صورت أن “الفصائل الإرهابية” استمرت طوال سنوات في قصف المناطق الشرقية “المسيحية” في العاصمة لأسباب طائفية، وأن ما يقوم به هو مجرد محاولة للرد على ذلك “العنف”، ورغم أن قذائف الهاون التي كانت تطلقها فصائل مسلحة معارضة في السابق تصل إلى أحياء العاصمة الشرقية إلا أنها أثرها لم يبلغ الأثر الذي أحدثه النظام في حربه المفتوحة على المناطق المعارضة.

والحال أن الصورة ليست سوى نموذج واحد لنمط متكرر استخدمه النظام السوري الذي تبنى خيار الحل العسكري ضد الشعب السوري منذ اليوم الأول للثورة، ومع الدعم الروسي والإيراني سياسياً وعسكرياً للنظام واستخدام كافة الأسلحة المحرمة دولياً كالأسلحة الكيماوية عدة مرات، عمد النظام إلى سياسة الأرض المحروقة في إدارة الحرب، وكان ذلك للأسف خياراً فعالاً بدرجة توازي لاإنسانيته، حيث عمد جيش الأسد إلى اعتماد نوع من التكتيكات الآتية من العصور الوسطى والقائمة على الحصار والتجويع والتي تتطلب قدراً أقل من القوى العاملة، بسبب إدراكه أنهم يمتلك عدداً قليلاً جداً من القوات لاحتلال المدن والبلدات التي يسيطر عليها المعارضون خلال السنوات الأولى للثورة، وتبع ذلك سياسة التهجير القسري وإعادة التوطين والتغيير الديموغرافي، التي تتناسب مع تقسيم كعكة إعادة الإعمار مع حلفائه عندما تنتهي الحرب بشكل نهائي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى