صفحات سوريةفايز ساره

خلفيات الموقف الروسي من الأزمة: كي لا تخدع مرة أخرى


فايز سارة

يستغرب البعض موقف روسيا في مجلس الامن حيال الازمة السورية، وخاصة لجهة إعلان المندوب الروسي إضافة الى المندوب الصيني، فيتو مشتركاً على مشروع القرار المتعلق بالازمة. وبطبيعة الحال، فقد أحيط الموقف الروسي باختلاطات في تفسيره وبالتالي في فهمه، ومن ذلك ربط الموقف الروسي بالارث القديم للعلاقات الروسية (السوفياتية) مع سوريا، أو ربطه بما يسميه البعض «العلاقات المافيوية» التي تربط بين قيادات روسية مع قرينتها السورية وغيرها من تفسيرات.

ان العوامل الداخلية المتصلة بالموقف الروسي متعددة وكثيرة، لكن الاهم فيها يتصل بأمرين اثنين، الاول يتعلق بالانتخابات الروسية، التي ستجري في آذار/مارس المقبل، وضرورة ان يقدم الرئيس بوتين نفسه باعتباره شخصاً حاضراً، وان يقدم الاتحاد الروسي باعتباره قوة فاعلة في أزمة ذات طابع دولي، وانه لا يمكن حل ومعالجة هذه الازمة دون حضور روسيا وموافقتها على إطار الحل. والامر الثاني في جملة العوامل الداخلية، يتصل بموضوع حضور ونشاط الإسلاميين في الاتحاد الروسي وقريبا منه، ولا سيما في الشيشان، حيث ان من شأن وصول إسلاميين الى السلطة في سوريا خلفاً للنظام الحالي، ان يحيي ويعزز نشاط الاسلاميين هناك، لا سيما ان عدداً من قادة المجاهدين في الشيشان كانوا قد وفدوا الى هناك من سوريا ومحيطها.

أما في العوامل الخارجية المؤثرة في الموقف الروسي حيال الازمة في سوريا، فإن الاهم في هذه العوامل، يتعلق بموقع سوريا في الاستراتيجية الروسية في المتوسط، حيث ان سوريا هي الدولة الوحيدة التي ما زالت لها علاقات خاصة ووثيقة مع روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي السابق، ولعل أهم تعبيرات العلاقة كون سوريا المستورد الأهم للاسلحة الروسية في المنطقة، وهي الوحيدة في حوض المتوسط التي توفر قاعدة للبحرية الروسية والموجودة في ميناء طرطوس، إضافة الى ان فيها قاعدة سابقة للمراقبة الروسية، كانت قد أغلقت، وقيل إنها ستعود للعمل في ظل التسخين الجديد لعلاقات موسكو ـ دمشق، وثمة تعبير آخر في خصوصيات العلاقات الروسية ـ السورية، وهو وجود عشرات آلاف السوريين من متخرّجي الاتحاد السوفياتي السابق في مختلف الاختصاصات، ولكثير منهم مراكز مهمة في سوريا بينهم نحو خمسين الفاً متزوجين من روسيات، أو نساء قدمن من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.

وثمة عامل آخر في تأثيره على الموقف الروسي نحو سوريا، يتصل بالوضع الاقليمي المحيط بالاخيرة. حيث ان الموقف الروسي يأخذ بعين الاعتبار موقف ايران من الازمة السورية، وهو موقف قريب من موقف موسكو، وهذا يجعل سياسة موسكو حيال دمشق وطهران على خط واحد، ويجعلها متماسكة ومنسجمة، خاصة أن موسكو لم تتعرض لتحرشات أو ضغوطات عربية من أجل تعديل أو تغيير مواقفها حيال ايران وملفها النووي ولا بصدد الازمة في سوريا.

وهناك عامل خارجي مهم في التأثير على الموقف الروسي، ويتصل بالموقف الغربي الاوربي ـ الاميركي، وفي هذا الجانب، فإن موسكو تسعى الى إعادة الاعتبار لموقعها الجيوستراتيجي في المنطقة باعتبارها حاضرة وصاحبة دور، ولا يمكن إجراء أي تغييرات في الانظمة السياسية من قبل الدول الغربية دون أخذ الوجود والمصالح الروسية بعين الاعتبار، وان روسيا التي شعرت بالخديعة في الموضوع الليبي بعد ان أخذ الغرب موافقتها على استخدام القوة هناك ثم استبعدوها من غنائم إطاحة نظام القذافي، وهي لا تنوى التعرض للخديعة مجدداً.

ان العوامل الداخلية ـ الخارجية، التي يستند اليها الموقف الروسي إزاء سوريا ذات اهمية، ولا سيما العوامل الخارجية. لكن من الخطأ تصور ان موسكو لا يمكنها ان تتجاوز هذه العوامل كلها أو بعضها على اقل تقدير، وان تقوم بتغيير موقفها من الاوضاع في سوريا، شريطة ان يتم التعامل مع الاساسيات، التي بني عليها الموقف الروسي، وخاصة لجهة الاعتراف الاقليمي والغربي بحضور ودور موسكو في المنطقة، والاقرار بوجود مصالح لها ومراعاة هذه المصالح بصورة عملية ومؤكدة، أخذاً بعين الاعتبار، ان لدى موسكو تجربتين مرتين في عراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي، وفي المرتين أجبرت موسكو أو تخلت عن مساندة حليفها العــراقي عشية الاجتياح في العام 2003، وعن معمر القذافي عشية تدخل النـاتو في الازمة الليبية 2011، دون ان تحصل على أية مزايا أو تضمن أية مصالح لها في العراق وليبيا، وقد كانت لها علاقـات مميزة معهما لوقت طويل، وكانت لها هناك مصالح بعضها يفوق مصالــح روسيا اليوم مع سوريا، ولهذا لا تريد روسـيا تغيير موقفها في الازمة السورية دون ثمن، لكن ما هو الثمن الذي ستقبله موسكو؟ وفي ضوء الاجابة عن السؤال، يمكن ان القول، اذا كانت موسكو ستغير موقفها من الازمة ام لا.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى